منوعات

تعريف الأسطورة

تعريف الأسطورة وأنواعها

الأسطورة هي حكاية أو قصة قديمة أو مجموعة من القصص تعود إلى الزمن القديم، ولكنها لا تكون دائماً قصص حقيقية حصلت على أرض الواقع، ومن الجدير بالذكر أنها تكون متعلقة بأحداث محددة، أو بأشخاص معيّنين،[١] أو بأماكن معينة، وتشبه الأساطير الحكايات الشعبية من ناحية المحتوى، ففيها أشخاص خارقين، وتفسيرات لظواهر طبيعية مختلفة عن الواقع.[٢] تنتقل الأساطير من جيل إلى آخر، ويختلف سرد الأساطير فمنها ما يتم سردها من خلال الشعر أو الروايات المروية شفهياً أو المدوّنة منها، وتهدف معظم الأساطير إلى تقديم درس معيّن أو فقط لتسلية المستمعين أو القرّاء، ومن الأمثلة على الأساطير؛ أوديسة هومر (بالإنجليزية: Homer’s Odyssey) أو قصص الملك آرثر لكريتيان دي تروا بالإنجليزية: Chrétien de Troyes’ tales of King Arthur).

انواع الاسطورة

  • لأسطورة الطقـوسية: وهي تمثل الجانب الكلامي لطقوس الأفعال التي من شأنها أن تحفظ للمجتمع رخاءه.
  • أسطورة التكوين: وهي التي تصور لنا عملية خلق الكون.
  • الأسطورة التعليلية: وهي التي يحاول الإنسان البدائي عن طريقها، أن يعلل ظاهرة تستدعي نظره، ولكنه لا يجد لها تفسيرًا، ومن ثم فهو يخلق حكاية أسطورية، تشرح سر وجود هذه الظاهرة.
  • الأسطورة الرمزية

إلا أن تنوع الأساطير، يؤدي حتمًا إلى تنوع تعاريفها، لأن كل تعريف يتأثر بنوع الأسطورة، أو بنوعين أو ثلاثة أنواع، ولذا يبقى التعريف قاصرًا عن أن يكون جامعًا مانعًا.
2 – إن تنوع الأساطير أدى إلى تنوع المناهج التي تتناول الأساطير بالدراسة، ولهذا فقد ظهرت المناهج التالية:

    • المنهج اليوهيمري الذي يعد من أقدم تلك المناهج، ويرى الأسطورة قصة لأمجاد أبطال وفضلاء غابرين.
    • المنهج الطبيعي الذي يعتبر أبطال الأساطير ظواهر طبيعية، ثم تشخيصها في أسطورة، اعتبرت بعد ذلك قصة لشخصيات مقدسة.
    • المنهج المجازي بمعنى أن الأسطورة قصة مجازية، تخفي أعمق معاني الثقافة.
    • المنهج الرمزي بمعنى أن الأسطورة قصة رمزية، تعبر عن فلسفة كاملة لعصرها، لذلك يجب دراسة العصور نفسها لفك رموز الأسطورة.
    • المنهج العقلي الذي يذهب إلى نشوء الأسطورة نتيجة سوء فهم ارتكبه أفراد في تفسيرهم، أو قراءتهم أو سردهم لرواية أو حادث.

معنى شخص أسطورة

الخرافة هي الحديث المستملح المكذوب، وقالوا حديث خرافة، ذكر ابن الكلبي قولهم حديث خرافة، أن خرافة رجل من بني عذرة، أو من جهينة، اختطفته الجن، ثم رجع إلى قومه، فكان يحدث بأحاديث مما رأى يعجب منها الناس فكذبوه، فجرى على السن الناس، وروى عن النبي محمد أنه قال: (وخرافة حق) وفي حديث عائشة قال لها حدثيني، قالت ما أحدثك حديث خرافة والراء فيه مخففة ولا تدخله الألف واللام لأنه اسم خرافة معرفة، وتوضع أل الخرافة أو الخرافات إذا أرادوا الخرافات الموضوعة من حديث الليل، أجروه على كل ما يكذبونه من الأحاديث وعلى كل ما يستملح ويتعجب منه وراوي الخرافة والمستمع إليها على حد سواء يعرفان منذ البداية، أنها تقص أحداثًا، لا تلزم أحدًا بتصديقها، أو الإيمان برسالتها.وهي تختلف عن الأساطير في أن الخرافة تناقلها الناس بلغتهم الدارجة، في الوقت الذي احتفظت فيها الأساطير بلغة فصيحة. كما أن الأسطورة ترجع إلى ما قبل الأديان، أما الخرافة فقد ظهرت بعد الوثنية، ولذا يغلب عليها الطابع التعليمي والتهذيبي والبطل في الحكاية الخرافية يكون نموذجًا متخيلًا بعيدًا عن الواقع إلى درجة لا يصلح لأن يكون مثالًا يحتذى به على أي صعيد. فالمزج الصبياني بين اللامعقول والواقع، يتميز في الجني الذي لا يعرف من أي مكان يأتي عندما يفرك علاء الدين المصباح، وبعد أن ينهي مهمته، يرجع ولكن لا يعرف إلى أين ويقصد بها الإمتاع والمؤانسة. ولكنها ذات بنية معقدة، فهي تسير في اتجاهات متداخلة، ولا تتقيد بزمان حقيقي أو مكان حقيقي.
الحكاية البطولية

أما الحكاية البطولية، فهي تتسم ببعض ما تتسم به الخرافة من إغراق في الخيال، وبعدها عن الواقع، إلا أن لها أصلًا في الحقيقة الموضوعية، ضخّم وبولغ فيه، وعمل الخيال البشري الخلاق عمله، غير أنه خال من طابع الجد والقداسة، فهي قصص دنيوية وغير مقدسة، ومحددة تحديدًا زمانيًا ومــكانيًا، وهو ما يبرر قيام الباحث، بالعملية العكسية، أي الصعود من الأدب إلى الأسطورة.

وأن البطل فيها، ولما يملك من القوة الخارقة ولما يقوم به من تصرفات فروسية، يشكل صورة مثالية عن الإنسان، وعن ما هو إنساني، يستثير الرغبة في السامع إلى تحقيق هذه الصورة المثالية.
الحكاية الشعبية

وهناك الحكاية الشعبية التي يميزها هاجسها الاجتماعي بشكل رئيسي عن الحكاية الخرافية والحكاية البطولية، فموضوعاتها تكاد تقتصر على مسائل العلاقات الاجتماعية والأسرية منها خاصة، مثل زوجة الأب وحقدها، وغيرة الأخوات في الأسرة من البنت الصغرى التي تكاد تكون في العادة الأجمل والأحب…الخ.

والحكاية الشعبية واقعية إلى أبعد حد وتخلو من التأملات الفلسفية والميتافيزيقية، مركزة على أدق التفاصيل وهموم الحياة اليومية، وهي رغم استخدامها لعناصر التشويق، إلا أنها لا تقصد إلى إبهار السامع بالأجواء الغريبة، أو الأعمال المستحيلة، ويبقى أبطالها أقرب إلى الناس العاديين الذين نصادفهم في سعينا اليومي، وأن البطل فيها يلجأ إلى الحيلة والفطنة والشطارة للخروج من المأزق.

إن استخدام العناصر الخيالية – في بعض الأحيان – يهدف إلى التشويق والإثارة. أما بنيتها فتمتاز بالبساطة، فهي تسير في اتجاه خطي واحد وتحافظ على تسلسل منطقي، ينساب في زمان ومكان حقيقي، ولها رسالة تعليمية، تهذيبية، وذلك مثل جزاء الخيانة، فضل الإحسان، مضار الحسد، التي تتضمن رموزًا تتطلب التفسير، ومن المؤكد أن هذه الأساطير قد ألفت في مرحلة فكرية أكثر نضجًا ورقيًا.
أسطورة البطل الإله

أسطورة البطل الإله: وهي التي يتميز فيها البطل بأنه مزيج من الإنسان والإله، (البطل المؤله) الذي يحاول بما لديه من صفات إلهية أن يصل إلى مصاف الآلهة، ولكن صفاته الإنسانية دائمًا تشده إلى العالم الأرضي.
تصنيفات أخرى للأسطورة

أدب الأسطورة

الأسطورة وعلاقتها بالأدب:

تاه الباحثون في محاولاتهم رسم تحديد واضح المعالم لهذه الكلمة. وقد تباينوا تباينًا شديدًا في تفسير علة وجودها وسبب نشأتها. فذهب البعض إلى القول بأنّ الأسطورة هي ابنة الفلسفة الطبيعيّة زوّقها الشعر بتمويهاته. ولا هدف لها سوى وصف الطبيعة وأجزائها.

لقد كانت المشكلة الرئيسة عند هؤلاء، هل الأسطورة القديمة مجرّد تسجيل لاستجابة خياليّة للعالم الطبيعيّ، أم إنّها تمثّل شكلًا أوّليًّا للعلم؟ “لا ذلك العلم الفظّ الذي سخر منه أفلاطون في تعريفه بالأسطورة (فيدروس)، بل العلم الذي اعتبره المتخصّصون بالآداب القديمة حكمة القدامى الخفيّة”.

وقد رأى فرويد “Sigmund Freud”؛(1472 ــــ 1529)، بأنّ الأسطورة تنطلق من اللّاوعي الذي يتصوّره كقبو خُزِّنت فيه خيالات جنسيّة لا يكاد العقل الواعي يعلم شيئًا عنها. وبالتالي فإنّ الأساطير في رأي “فرويد” تحرّر من الجنس بما لا يقلّ عمّا ضمنه “نايت” في مقال عن عبادة “بارايانوس”.

ويرى الفيلسوف “يانك” أنّ للأسطورة بُعدها العالميّ كما في قوله: “وفي لحظات كهذه لا نكون أفرادًا، بل نعود أجناسًا يتردّد فينا صوت البشريّة كلّها”.

وهذا ما يذهب إليه “يتيس” أيضًا عندما يقول: “مهما يكن ما تتجمّع حوله تطلّعات الإنسان، فإنّه يصبح رمزًا في (الذاكرة العظيمة). وإنّ الذي يملك السّرّ ليصنع العجائب يستلهم الملائكة، أو الشياطين”.

كما أنّ الصور التي تستثير الانفعالات الأصليّة سواء في رأي الفيلسوف “يتيس” أو “يانك”، فهي السبيل إلى أدب ذي أهمّيّة عالميّة. أمّا إنجاز الفيلسوف الفرنسيّ “مولر”Muller”: (1939) المميّز في هذا المجال، فيكمن “في تطبيقه أساليب علم دلالات الألفاظ المقارن على الشّكّ القديم، بأنّ منشأ الأسطورة هو ضرب من ضروب التّلاعب بالألفاظ، فقد كان يعتقد بأنّ الآرييّن قد أعربوا عن ملاحظاتهم في الطبيعة على هيئة تحوّلات بشريّة بلغة المجاز”.

فالأسطورة إذًا “مرض من أمراض اللغة. وإنّ أغلب الآلهة الوثنيّة ليست سوى أسماء شاعرة، سُمح لها أن تتّخذ، شيئًا فشيئًا، مظهر شخصيّات مقدّسة لم تخطر ببال مبتدعيها الأصليّين مطلقًا”.

وإذا كان “ويتجنشتاين”؛ (1889 ــــ 1951): “Wittgenstein”، يؤمن بأنّ الأسطورة غالبًا ما تكون حالة من افتتان عقولنا بسحر الكلمات، فإنّ لنا أن نستنتج أن الأسطورة غالبًا ما تكون حالة الافتتان الإراديّ ونؤيّد رأي من يقول بأنّ الأسطورة مجاز استولدتها الاستعارة. إلّا أنّ أيًّا من هؤلاء لم يسأل عن الصّلة الجوهريّة بين الأسطورة والأدب. على أنّ قليلًا منهم، يقبل من دون تحفّظ هذه الفروع غير الشرعيّة التي يُصادفها المرء أحيانًا، و”التي توصل إلى تسلسل “الانتحالات” التي، بها، تُصبح الأسطورة أدبًا بمعونة أشكال وسيطة كالخرافة، والحكاية، والفنون الشعبيّة، والأغاني القصصيّة وغيرها”. أمّا “سانت أوغسطين” فقد عدّ “أنّ الأسطورة ليست خطرة بقدر ما هي سخافة محضٍ”.

كما كتب الأديب اليونانيّ “نيكوس كازانتازاكي”، “Nikos Kazantzakis”، (1957 ــــ 1883)؛ عن الأسطورة، فعدّها ميراثًا للفنون بعد أن أصبحت المَعين الذي لا ينضب للأفكار المبدعة، وللصور المبهجة، وللمواضيع الممتعة، وللاستعارات، والكنايات التي انطلق منها لرسم أسطورته عن “زوربا، حين خلط فيها بين الخرافة والشعر. وعليه فقد جعل من الأسطورة عنوانًا يهب كلّ امرئ شيئًا غامضًا عن نفسه. فالأسطورة لا تهيّئ هدايا لامعة جاهزة للمتشاعرين ليخطّوا أسماءهم عليها فحسب، بل إنّها أيضًا تشجّع اللّامعين ممّن لهم مواهب أكبر… ليشيّدوا إعمارات جديدة من النُّتف، والبقايا التي تتخلّف من أساطير شتّى في تنوعها”.

الأسطورة التاريخية

الأسطورة والتاريخ

الأسطورة حكاية مقدسة، يؤمن أهل الثقافة التي أنتجتها بصحة وصدق أحداثها. فهي، والحالة هذه، سجلٌّ لما حدث في الماضي وأدَّى إلى الأوضاع الحالية والشروط الراهنة. وهذا ما يعقد صلة قوية بين الميثولوجيا والتاريخ، باعتبارهما ناتجان ثقافيان ينشآن عن النوازع والتوجُّهات ذاتها، رغم ما بينهما من اختلافات تجعلهما يبدوان وكأنهما نظامان مستقلان لا يربط بينهما رابط. فالأسطورة والتاريخ ينشآن عن التوق إلى معرفة أصل الحاضر، ولكنهما يفترقان في القيمة التي نسبغها على ذلك الأصل. فهو أصل قدسي عند الأسطورة، وأصل دنيوي مفرغ من الأسْطَرَة عند التاريخ. بتعبير آخر فإن الأسطورة تنظر إلى التاريخ باعتباره تجلياً للمشيئة الإلهية. أما التاريخ فينظر إلى موضوعه باعتباره تجلياً للإرادة الإنسانية في جدليَّتها مع قوانين فاعلة في حياة الإنسان الاجتماعية. وهذا يعني أننا أمام نوعين من التاريخ: تاريخ مقدس وتاريخ دنيوي.

يقتصر التاريخ المقدس على سرد كيفية تجلِّي “الإلهي” في الزمان والمكان الدنيويين، والكشف عن فعاليات الكائنات الماورائية في الأزمان الميثولوجية الأولى، وما نشأ عنها في عالم الإنسان. إن كل فعل من أفعال الإنسان بالنسبة للفكر الأسطوري، أو أية ظاهرة من ظواهر الطبيعة، لا تتمتع بقيمة ذاتية، بل إن قيمتها وحقيقيَّتها تنبع من حقيقة تقع خارج الملموس والمحسوس، من بوادر أولى متجذِّرة في زمن الأصول. فالجنس البشري محكوم عليه بالكدِّ والمشقة لأن الآلهة قد خلقته ليحمل عبء الكدح عنها (على ما نعرفه من نصوص رافدية عديدة)؛ والمؤسسات الاجتماعية، مثل الملكية الوراثية والكهنوت وما إليها، قائمة وتتمتع بقوة ونفوذ لأنها نزلت من السماء (على ما نعرفه من أسطورة آدابا وأسطورة إيتانا والنسر)؛ والمرض قد حلَّ في جسم الإنسان بسبب خطيئة الإله إنكي (على ما نعرفه من أسطورة إنكي وننخرساج)؛ وصار الموت مصيراً لكل إنسان حيٍّ بسبب خطيئة ارتكبها الإنسان الأول (على ما نعرفه من أسطورة آدابا البابلية وأسطورة خلق الإنسان التوراتية)؛ والشرُّ موجود في نسيج العالم بسبب تمرد ملاك في السماء وتحوله إلى شيطان يحكم مملكة الظلام (على ما نعرفه من المعتقدات المسيحية والإسلامية)؛ إلى آخر ما هنالك من أفعال وأحداث قادت إلى تكوين الصورة الحالية لعالم الإنسان.

هذا التوق إلى معرفة أصول وجذور الشرط الراهن هو الذي يكمن وراء هوس المجتمعات الحديثة بالتاريخ. فتاريخ الكون، الذي صار موضوعاً لعلم خاص، يرجع بنا القهقرى إلى نقطة البدء الأولى، إلى لحظة الانفجار الأعظم الذي تولدت عنه المجرَّات وما زالت تفرُّ في كل اتجاه بسرعات خيالية؛ وتاريخ كوكب الأرض يرجع إلى أربعة مليارات ونصف من الأعوام، عندما دخل كوكبنا في مداره حول الشمس؛ وتاريخ الحياة يرجع إلى ثلاثة مليارات ونصف من الأعوام، عندما ظهرت الخلية الأولى في مياه المحيط المالح؛ وتاريخ الإنسان، ككائن طبيعاني، يرجع إلى أربعة ملايين من الأعوام عندما كانت إحدى فصائل الرئيسات تستقل لتسير في خط تطوري بلغ ذروته في هيئة الإنسان العاقل؛ وتاريخ الإنسان، ككائن ثقافي، يرجع إلى ابتكار الأدوات واستخدامها من أجل التكيف مع البيئة، ثم يسير بعد ذلك عبر عدد من العصور الموسومة بنوعية تقنياتها، وصولاً إلى عصر المعلوماتية الذي نعيشه الآن.

وباختصار فإن الماضي يُبعَث بكامله وبكلِّيته من خلال أعظم عملية لاستنهاض التاريخ عرفتها البشرية. كل ذلك لأن الإنسان يحاول الآن، أكثر من أي وقت مضى، فهم نفسه.

إن كلاً من الأسطورة والتاريخ هو وسيلة يفهم الإنسان من خلالها نفسه ويعي شرطه. وإن توقنا الآن لقراءة التاريخ وفهمه ينشأ عن الموقف القديم ذاته الذي كان يدفع أسلافنا لتلاوة الأساطير والاستماع إليها. ولكن ما يميز هذين النظامين بعضهما عن بعض، بشكل أساسي، هو أن الفكر الحديث قد أحلَّ أفعال الإنسان وقوانين التطور، كمحرك للتاريخ، محلَّ مشيئة الآلهة وأفعالها. وبما أن موضوعنا الأساسي في هذا البحث هو الأسطورة باعتبارها تاريخاً مقدساً فإننا سنلفت، فيما يلي، إلى اكتناه “منهجية” هذا التاريخ والمواقف الفكرية والعاطفية التي يقوم عليها.

يمكننا تمييز ثلاث مراحل في التاريخ الذي تكشف عنه الأسطورة:

  1. السرمدية السابقة على فعالية الألوهة
  2. الزمن الكوسموغوني، أي زمن الخلق والتكوين
  3. زمن الأصول والتنظيم

لا تعلن الألوهة عن نفسها إلا عند دخولها في الزمن وفي تاريخ الكون والإنسان، وذلك مع قيامها بفعل الخلق الأولي الذي مدَّ المكان، وأطلق الزمان، وقاد إلى ظهور الكون من رحم العماء. إن فعل التكوين الذي منح العالم وجوده هو الذي يقفز بالألوهة، في الوقت نفسه، من حالة الكمون في السرمدية الساكنة إلى حالة الوجود أيضاً. والألوهة، بإظهارها لما عداها، قد أظهرت نفسها في مقابله. ذلك أن الإله الأزلي القابع فيما وراء الزمن الجاري هو إله نظري افتراضي؛ ومثل هذا الإله لا يباشِر وجوده الفعلي إلا عندما يبتدر الزمن ويعلن عن فعالياته الواضحة فيه، فيقوم أو يشارك في خلق الكون أو في النشاطات الخاصة بتنظيمه. فالميثولوجيا، كما يقول الفيلسوف المعاصر إرنست كازيرر، تقوم على مفهوم زماني لا مكاني.[i] والأسطورة الحق، تبعاً لذلك، لا تتشكل عندما يكوِّن الإنسان في ذهنه صوراً للآلهة، بل عندما يعزو لهذه الآلهة بداية محددة في الزمن، وعندما تباشر فعالياتها وتنبئ عن وجودها في سياق زمني – أي عندما يتحول الوعي الإنساني من فكرة الألوهة إلى تاريخها.

تقع الأحداث التي تقصُّها أساطير التكوين عند الحد الفاصل بين السرمدية والتاريخ، أي في الزمن الكوسموغوني، زمن الخلق الذي يُظهِر ما دون الخالق إلى الوجود. ومع الانتهاء من فعل الخلق نغادر هذا الزمن الكوسموغوني، ويدخل الإنسان وآلهته معاً في الزمن الخطِّي الذي يسير من الماضي إلى المستقبل عبر الحاضر، أي في الزمن التاريخي. وهنا يعقب فعل الخلق البدئي مجموعة أخرى من الفعاليات المبدعة للألوهة تنشط في الأزمان الميثولوجية الأولى الواقعة عند جذور الزمن التاريخي، أي أزمان الأصول والتنظيم. وهذه الفعاليات تسجِّلها لنا الزمرة التي نطلق عليها عادة اسم “أساطير الأصول”، التي تعمل على تأسيس وتأصيل كل ما هو قائم، سواء على المستوى الطبيعاني أم على المستوى الثقافي.

تقدم لنا معتقدات وأساطير الشرق القديم أمثلة واضحة عن هذه المراحل الثلاثة للتاريخ المقدس. لنعد إلى الإينوما إيليش، ونبدأ بها، لأن مطلعها يعطينا وصفاً بالغ الحيوية والتأثير للمرحلة الأولى من التاريخ المقدس ومرحلة كمون الألوهة:

عندما في الأعالي لم يكن هناك سماء

وفي الأسفل لم يكن هنالك أرض

لم يكن [من الآلهة] سوى آبسو، أبوهم

وممو، وتعامة التي حملت بهم جميعاً

يمزجون أمواههم معاً.

لقد أفلح هذا المقطع، إلى حدٍّ غير مسبوق حتى الآن، في نقل انطباع ميثولوجي شديد التأثير على السامع أو القارئ، ووضعه، بسيكولوجياً، في لب “مفهوم” السرمدية الساكنة المنكفئة على نفسها، المكتفية بذاتها. وهو، باختياره للماء جوهراً لهذه “الكيانات” الأزلية الثلاثة، قد أكد على حالة الهيولى السابقة لكل شكل، لأن الماء هو أكثر العناصر من حولنا تمثيلاً لما لا شكل له ولا قوام ولا أبعاد. إنه “اللاشكل” و”اللانظام” بكل امتياز. كما أن اختتام الإيقاعات الأربعة الأولى لهذا المقطع الاستهلالي بالإيقاع الخامس (“يمزجون أمواههم معاً”) يؤكد على أن هذه الكيانات المؤلفة من الأب الأزلي والأم الأزلية والابن الأزلي هي كيانات غير مستقلة، بل متمازجة متداخلة، دون حدود تفصل بينها. أي بالمفاهيم اللاهوتية المركَّبة: ثلاثة في واحد. لأنه لا معنى لقيام ثلاثة كيانات مائية مستقلة، بينما هي، في الآن ذاته، في حالة تمازج واختلاط أزليين.

ينتقل النص بعد ذلك إلى المرحلة الثانية من التاريخ المقدس، مرحلة الزمن الكوسموغوني الذي يصدر فيه الكون عن الهيولى، والزمن عن السرمدية، ويصف عتبة ذلك الزمن. فقد أخذت هذه الكتلة الهيولية الأولى بالتمايز تدريجياً عن طريق التناسل، وصدر عنها الجيل الثاني من الآلهة. ومع ظهور هذا الجيل تبدأ إرهاصات الزمن ونقترب من البرزخ الكوسموغوني. ويعبِّر النص عن إرهاصات الزمن بالضجيج الذي يصدر عن الآلهة الشابة الجديدة، في مقابل ذلك الصمت المطلق الذي كان سمة للأزلية الساكنة. ففي أعماق الماء، المتمازج في صمت وسكون، أخذ هؤلاء بالصخب والحركة جيئة وذهاباً، فهزُّوا جوف تعامة وسبَّبوا لها الأذى كما سبَّبوا الأرق لآبسو وممو. لقد حدث شرخ في الحالة السكونية لا سبيل لرأبه:

وتجمَّع الصحب المؤلَّهون

أزعجوا بحركتهم تعامة.

نعم، لقد هزُّوا جوف تعامة

يروحون ويجيئون في مسكنهم المقدس.

فتوجَّه آبسو بالقول إلى تعامة:

لقد غدا سلوكهم مؤلماً لي.

في النهار لا أستطيع راحة ولا في الليل رقاداً.

لأدمرنَّهم وأضع حداً لفعالهم،

فيخيم الصمت، ونخلد بعدها إلى النوم.

ولكن هيهات. فالكون يستعد للقفز من رحم الهيولى ولا سبيل إلى النوم، لأن الحركة قد انطلقت وما من وسيلة لإيقافها. وهكذا اصطدم الصمت والسكون بالضجيج والحركة، ونشأت معركتان قادتا إلى ابتدار التاريخ. قاد المعركة الأولى الإله إيا (=إنكي) ضد آبسو وممو، فقتل الأول وأسر الثاني. وقاد المعركة الثانية الفاصلة الإله مردوخ، بكر الإله إيا، فقتل تعامة وشطرها نصفين، رفع واحدهما سماء وأرسى الثاني أرضاً. فنشأ الشكل عن الهيولى، والنظام عن الفوضى المائية، وانطلق الزمن. والنص واضح هنا كل الوضوح في إظهار ترافق التكوين مع ظهور الزمن. ففي نهاية اللوح الرابع من الإينوما إيليش ينتهي مردوخ من رفع السماء وبسط الأرض، وفي بداية اللوح الخامس ينتظم الزمن:

خلق محطات لكبار الآلهة:

أوجد لكلٍّ مثيله من النجوم؛ علامات خط السمت.

وحدد السنة وقسَّم أجزاءها.

ولكلٍّ من الإثني عشر شهراً أوجد ثلاثة أبراج [كوكبات].

وبعد أن حدد بالأبراج أيام السنة،

خلق كوكب المشتري ليرقُبَ واجباتها [أي الأيام].

فلا يقصِّر أحدها أو يتماهل…

إلخ…

ثم أخرج القمر فسطع بنوره، وأوكل إليه الليل

وجعله حلية له وزينة، وليعين الأيام:

أن اطلع كل شهر دون انقطاع مزيَّناً بتاج…

إلخ…

وبعد أن يطمئن مردوخ إلى انتظام سير الزمن يلتفت إلى نشاطات التنظيم والأصول؛ ونغادر المرحلة الثانية الكوسموغونية إلى المرحلة الثالثة:

بعد أن أوكل بالأيام إلى شمش [=إله الشمس]،

أخذ من لعاب تعامة وخلق منه [… …]

خلق منه الغيوم وحمَّلها بالمطر.

دفع الرياح وأنزل الغيث.

وخلق من لعابها أيضاً ضباباً.

ثم عمد إلى رأسها فصنع منه تلالها،

وفجَّر في أعماقها مياهاً،

وفجَّر منها عيوناً وأحيا آبارا.

وتنتهي هذه النشاطات ببنائه لمدينة بابل ولمعبدها الكبير المدعو إيزاجيلا المخصص لعبادة الإله مردوخ. ولا يبقى سوى خلق الإنسان الذي سيكون خليفة مردوخ على الأرض ووكيل سلطانه فيها:

توجَّه الآلهة بالسؤال لبكرهم مردوخ:

بعد كل ما صنعت يداك،

لمن ستَكِل سلطانك؟

وفوق الأرض التي ابتدعتها يداك

لمن ستَكِل حكمك؟

يخلق مردوخ الإنسان من دم الإله كينغو، قائد جيش تعامة والمحرض الرئيسي على القتال ضد الآلهة الشابة، ويفرض عليه السعي في مناكب الأرض ليعمل فيها ويحصِّل قوته وقوت الآلهة التي حرَّرها مردوخ من العمل. كما يرسي له أسس الطقوس والعبادات ويعلِّمه خشية الآلهة. ثم يُتبِع ذلك بعدد من النشاطات التنظيمية التي ترسِّخ أسس التحضُّر الإنساني، حيث نقرأ في المقاطع الأخيرة من النص التي تعدد أسماءه الخمسين وتقرن بكل اسم عملاً جليلاً من أعماله:

إينبيلولو، واهب الخيرات هو.

الجليل الذي منح لكلٍّ اسمه.

نظَّم المرعى وموارد الماء.

فجَّر الأرض عيوناً، وأجرى المياه أنهاراً.

ليمجَّد ثانياً على أنه إيبادون، الذي يروي الحقول.

الذي نظَّم السدود والقنوات، ورسم خطوط المحراث.

ربُّ الظلال الوفيرة والمحاصيل الكثيرة.

واهب الثروة الذي أغنى المساكين.

مانح الذرة ومُنبِت الشعير، يتولَّى أمور الأهراء.

يحفظ تماسك العائلة، مصدر كلِّ أمر حسن…

إلخ…

وفي نص بابلي آخر عن التكوين والأصول، مؤلف من أربعين سطراً، نقرأ في الأسطر الأخيرة من الفعاليات التنظيمية للإله مردوخ التي أعقبت فعاليات الخلق والتكوين ما يلي:

صنع قالب الآجر، وأنتج مكعباته.

بنى البيت وبنى المدينة

بنى المدينة وأسكن فيها البشر.

بنى مدينة نيبور، وبنى فيها معبد الإيكور.

بنى مدينة أوروك وبنى فيها معبد إينانا.

إلخ…

معنى الأسطورة في الأدب العربي

مفهوم الأسطورة في الأدب

يعبِّرُ مفهوم الأسطورة في الأدب عن الحكايات الخرافيّة القديمة التقليديّة التي يتمُّ تداولُها بين الناس بشكل كبير، وتأخذ شيئًا من التقديس فيما بينهم، حيث تنتشر بين معظم الشعوب والأمم حول العالم وغالبًا ما تكون غير حقيقيَّة، ولم يحدُث أن حصلت على أرضِ الواقع، كما تروي لهم أحداثًا خارقة ومخالِفة للعادات وخارجة عن المألوف، وتتناول الحديث عن إنجازات الآلهة وحلفائها وأتباعها والملوك والأبطال والقادة وغير ذلك من شخصيّات أسطوريّة وتاريخيّة.

وقد مثَّلت الأسطورة في العهود القديمة الكثيرَ من معتقدات الشعوب وعبَّرت عنها بشكلٍ أو بآخر، مثل تفسير شعب من الشعوب لإحدى الظواهر الطبيعيّة، وقد تتحدَّث الأسطورة عن أماكن وشخصيَّات يمكن أن يدركَها الناس وقد تكون موجودة أصلًا، وقد تقوم على شخصيات حقيقيّة، إلا أنَّ معظم الأساطير يدور حول شخصيات خياليّة، ولكلِّ أمة من الأمم أساطير خاصّة بها، تعكسُ معتقدات أبنائها وتوجّهاتهم، وهي لا تمثّل تاريخًا يمكنُ أن يعتمدَ عليه الناس إنّما هي بمثابة قصص خرافيّة خياليّة لا أكثر، تنتقلُ بين الأجيال ويرويها الناس من خلال الشعر أو الرواية أو القصة إمَّا شفهيًّا أو عن طريق التدوين بعد أن بدأ البشر باستخدام التدوين، ومن أشهر الأساطير على الإطلاق الأوديسة والإلياذة لهوميروس وقصص الملك آرثر وغيرها.

أنواع الأسطورة

يوجد العديد من الأنواع من الأساطير، ومن أنواعها الشائعة ما يأتي:

أساطير الخلق

هي أساطير تسرد قصص خلق الأرض في البدايات، ولكن لا تتمثل الوظيفة الحقيقية لهذه الأساطير في تزويد الثقافة بقائمة حقائق ملموسة حول بداية الكون أو المجتمع المعطى، بل في توفير سياق متناغم وهادف يشرح الوضع الحالي، كما في قصص هوبي وقصص الخلق في الكتاب المقدس، فهي تتميز أيضاً بسقوط الإنسانية، مشيراً إلى أنّ البشر لديهم الإرادة الحرة للعمل في تنافر مع الإبداع الأصلي، ولا تخلق الأساطير الخلاقة قصصاً تاريخية فحسب، بل هي دروس واستعارات عملية مجازية حول السلوك البشري والمجتمعي السليم.

أساطير الآلهة

عملت العديد من الحضارات الكلاسيكية على تطوير أساطير تتمحور حول أعمال الآلهة والآلهات، ومن هذه الحضارات: الحضارة اليونانية، والمصرية، والهندوسية، وعادةً ما تحدث هذه الأساطير في عوالم أخرى، مثل: السماء، والكون، والمواقع الأسطورية، وعادةً ما تجسد الآلهة ظاهرتين طبيعيتين، مثل: الشمس، أو الرعد، وكذلك صفات الإنسان، مثل: الحكمة، والموسيقا، والجمال.

الخرافات

تتمحور الخرافات حول شخصية نموذجية محددة وموجودة في العديد من الثقافات حول العالم، ومن الأمثلة على الشخصيات: الإله الإسكندنافي لوكي، والإله اليوناني هيرميس، وهي بارزة في أساطير العديد من القبائل.

أساطير الموت والجحيم والقيامة

هي الأساطير التي تتحدث عن تجربة الموت، وهي واحدة من أكثر المشاكل الأساسية التي تواجهها البشرية، حيث تروي القصص الأسطورية عن البطل بأنّه قام بزيارةٍ إلى أرض الموتى والعودة اللاحقة في الأدب الأسطوري العالمي، كما هو الحال في جلجامش، الذي يسافر إلى العالم السفلي لحلّ لغز الموت البشري ويخرج من حيويته وتنويره.

السابق
دواء تافاكين – Tavaquin لعلاج الالتهاب الرئوي المكتسب من المجتمع
التالي
دواء تافاجايل – TAVEGYL يستخدم لتخفيف أعراض الحساسية

اترك تعليقاً