أحاديث

أحاديث صلة الرحم وفضلها وحكم قطعها بسبب الميراث

أحاديث صلة الرحم الصحيحة عن الرسول – صلى الله عليه وسلم كثيرة، بجانب الآيات القرآنية؛ لما كان لصلة الأرحام من أهمية قصوى في الشرع الإسلامي يحفزنا على وصلهم، ولذلك قام موقعنا بعض لكم التفاصيل حول صلة الرحم.

أحاديث صلة الرحم

  • عن المنذري عن رجل من خثعم قال: “أتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو في نفرٍ من أصحابِه فقلتُ أنت الَّذي تزعمُ أنَّك رسولُ اللهِ قال نعم قال قلتُ يا رسولَ اللهِ أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى اللهِ قال الإيمانُ باللهِ قال قلتُ يا رسولَ اللهِ ثمَّ مَهْ قال ثمَّ صلةُ الرَّحِمِ قال قلتُ يا رسولَ اللهِ ثمَّ مَهْ قال ثمَّ الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكرِ قال قلتُ يا رسولَ اللهِ أيُّ الأعمالِ أبغَضُ إلى اللهِ قال الإشراكُ باللهِ قال قلتُ يا رسولَ اللهِ ثمَّ مَهْ قال ثمَّ قطيعةُ الرَّحِمِ قال قلتُ يا رسولَ اللهِ ثمَّ مَهْ قال ثمَّ الأمرُ بالمنكرِ والنَّهيُ عن المعروفِ” (أبو يعلى 229/12).
    في هذا الحديث يوضح الرسول – صلى الله عليه وسلم – منزلة صلة الرحم وعظيم شأنه فعده من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى إليه  بعد الإيمان بالله مباشرةً يليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    بل أيضًا وضعه في الرتبة الثانية في من حيث أبغض الأعمال إلى الله بعد الشرك بالله تعالى لما له من فداحة الفعل وعظيم هذا الجرم.
  • عن عبد الله بن جابر قال: “خطب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فحثَّ على صلةِ الرحمِ”
    في هذا الحديث يوضح حرص الرسول – صلى الله عليه وسلم – على تعليم الصحابة وحثهم على صلة الأرحام لما له من فائدة عظيمة للفرد والمجتمع الإسلامي.

ثواب صلة الرحم مُعجل

روى السيوطي عن أبي هريرة – رضي  الله عنه – قال: “ليس شيءٌ أُطِيعَ اللهُ تعالى فيه أعجلَ ثوابًا من صلَةِ الرحِمِ، وليس شيءٌ أعجلَ عقابًا من البغْيِ وقطيعةِ الرحمِ، واليمينِ الفاجرةِ تدعُ الديارَ بلاقِعَ” (الجامع الصغير 7583).

  • يوضح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن أسرع ثواب يناله المسلم بطاعة الله تعالى هو في صلة الرحم وهي الصلة التي تكون بين الإنسان وأقاربه واسمهم أولى الأرحام، وأكثر عقاب معجل للإنسان يكون عندما يقطع رحمه، بل ضمه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع اليمين الفاجر في فداحة الجرم مع التحذير من قطع الرحم والوقوع في اليمين الفاجر.
  • معنى “تدعُ الديارَ بلاقِعَ”: جمع بَلْقَعٍ وهي الأرض القفر التي لا زرع بها ولا ماء أي أن اليمين الفاجر الكاذب يفقر صاحبه ويُذهب ما في أرضه من رزق ساقه الله إليه دون حول منه ولا قوة.

إنفاق المال في صلة الرحم من أعظم الخير

عن عبد الله بن عباس – رض الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : “ما من نفقَةٍ بعدَ صلةِ الرَّحمِ أعظمُ عندَ اللَّهِ من إِهْراقِ الدَّمِ” (تاريخ بغداد272/3).
يوضح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن صلة الرحم منزلتها في العظم يلي الجهاد في سبيل الله وهذا يدل على عظيم ثواب هذا العمل.

صلة الرحم سبب للبركة في العمر

عن ثوبان مولى رسول الله – صلى الله عليه و سلم – أن النبي – صلى الله عليه وسلم قال: “لا يزيدُ في العمرِ إلا بِرُّ الوالدَينِ ولا يزيدُ في الرِّزقِ إلا صِلَةُ الرَّحمِ”(شرح البخاري لابن الملقن رقم 270/28)، في هذا الحديث يوضح الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن صلة الرحم تزيد في الرزق ما أن البر بالوالدين والعمل على إسعادهم  واكتساب رضاهم يزيد في عمر الإنسان، والرزق وطول العمر هم بيد الله تعالى.

نفس المعنى كذلك في حديث أبو أمامة الباهلي أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال: “صنائِعُ المعروفِ تَقِي مصارعَ السُّوءِ، وصدقةُ السِّرِّ تُطفِيءُ غضبَ الرَّبِّ، و صِلةُ الرَّحِمِ تَزيدُ في العُمرِ” أخرجه الطبراني (312/8).
كذلك في حديث أنس ابن مالك “صلةُ الرحمِ تزيدُ في العمُرِ” أخرجه أحمد (13401).

صلة الرحم تتعدى صلة الأبوين

عن العلاء بن خارجة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: “تعلَّموا من أنسابِكم ما تَصِلون به أرحامَكم فإن صلةَ الرحمِ محبةٌ للأهلِ مَثرَاةٌ للمالِ ومنسأةٌ للأجلِ” (الطبراني  176).
يوضح نبينا الكريم – صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث أن صلة الأرحام من أفضل وأهم الطاعات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وحذرنا من قطع الرحم لآنه يستوجب العذاب ووصل الرحم يستوجب الإثابة.

  • في هذا الحديث يرشدنا الرسول أن نتعلم من الأنساب أي ننظر في اسماء الآباء والأجداد والأعمام والأخوال وباقي الأقارب بالقدر الذي يعرفنا أرحامنا حتى نصلهم ونودهم.
    “فإن صلةَ الرحمِ محبةٌ للأهلِ”: أي أن صلة الرحم تجعل المحبة تنتشر بين الأهل وسبب للود بين الاقارب.
    “مَثْرَاةٌ في المالِ”: أي أنها سبب من أسباب الرزق وزيادة المال.
    “منسأةٌ للأجلِ”: أي أن صلة الرحم من أسباب زيادة العمر والبركة فيه وتأخير الأجل مما يساعد على عمارة الوقت بما ينفع في الآخرة.
  • في الحديث الإشارة إلى تعلم الأنساب وهذا يرشدنا إلى أن صلة الرحم ليست فقط في الوالدين وإنما في باقي العائلة.

فضل صلة الرحم وحسن الجوار

عن السيدة عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم “صلةُ الرَّحمِ وحسنُ الجوارِ وحسنُ الخلقِ يعمِّرانِ الدِّيارَ ويزيدانِ في الأعمارِ” (الإمام أحمد في مسنده 25259).
في رواية أخرى صححه الألباني “أنَّه مَن أُعطِىَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفقِ، فقد أُعطِىَ حَظَّهُ مِن خَيْرِ الدُّنيا والآخِرَةِ وصِلَةُ الرَّحِمِ، وحُسْنُ الخُلُقِ، وحُسْنُ الجِوارِ، يُعَمِّرُ الدِّيارَ، ويَزِيدانِ في الأعمارِ”

  • في هذا الحديث يرشدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى أن صلة الأرحام (الإحسان إلى الأهل) بجانب حسن الخلق (معاملة الناس بخلق حسن)، وحُسْنُ الجِوارِ (كف الأذى عن الجار ومحاولة الإحسان إليه؛ يعمران الديار ويزيدان في الأعمار أي يتسببان في البركة في البيت وزيادة الخير والرزق و يزيدان في عمر المسلم بالبركة فيه والتوفيق لعمل الخيرات والطاعات التي تنفع في الآخرة، أو بالزيادة الحقيقية بتطويل العمر وتأجيل الوفاة والعمر بيد الله وحده.
  • ظاهر الحديث يعارض قول الله تعالى في سورة الأعراف: “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” (34) لكن يمكن للفقيه والعالم في الدين الجمع بينهم على وجهين،
    الوجه الأول: أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر والعون على تحصيل طاعات أكثر فكأنما الإنسان عاش حياة أطول يعمل فيها، وصيانة المسلم عن الوقوع في المنكرات وبعده عن الآثام مما يترك أثر حسن عند الناس حتى بعد موته فكأنه لم يمت.
    الوجه الثاني: أن الزيادة بالعمر حقيقية بالنسبة لعمر الموكل بالحكم وقبض الأرواح والمقصود بالآية هو الأجل الذي في علم الله أي الذي عند علم الملك يمكن المحو والتعديل فيه كما قال الله تعالى في سورة الرعد: “يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ”.
  • كما أن الحديث اشار إلى أن الرفق هو أقصر الطرق للطاعات.

فضل صلة الرحم والصدقة

عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: “صِلَةُ الرَّحِمِ تزيدُ في العُمُرِ وصدَقةُ السِّرِ تطفئُ غضبَ الرَّبِّ”(الجامع الصغير للسيوطي 4985).

  • صلة الرحم من أفضل الطاعات التي قد يقدر عليها الإنسان بسهولة بجانب الصدقة التي تعد من أفضل الطاعات يتقرب بها المسلم إلى ربه؛ إذا اجتمعت الصدقة مع صلة الرحم ذلك هو خير الخير.
  • في هذا الحديث يحثنا الحديث على صلة الرحم، أي وصل الأقارب وزيارتهم فإذا كانوا فقراء نساعدهم بالمال والنفقة ذكورًا كانوا أم نساء، وإذا كانوا أغنياء بالهدايا التي تدخل عليهم السرور حسب الطاقة.
  • قال صلى الله عليه وسلم إنها تزيد في العمر بالبركة فيه والتوفيق للطاعات والأعمال الحسن أو الزيادة الحقيقية بتأجيل الموت ويمكن الجمع بين هذا المعنى وقوله تعالى: “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” (الأعراف 34)، ما بينا في الحديث السابق (حديث السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها).
  • قوله: “وصدَقةُ السِّرِ تطفئُ غضبَ الرَّبِّ”: أي أن الصدقة التي يخرجها المرء ويتحرى ألا يعلم بها أحد تكون سبب إطفاء غضب الله بمعنى إذا قام أحد بعمل معصية وتاب عليها توبة نصوح يتدارك ذلك بإخراج صدقة في السر تصديقًا لقوله تعالى في سورة هود: “وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ” (114)، فإن المرء قد يكون قد أستحق الذنب بهذه المعصية ويستحق العقوبة فإذا تصدق دفع عن نفسه ما أستحق بذلك.
  • يجدر الإشارة هنا إلى أن غضب الرب سبحانه وتعالى من صفاته العلا، لا تتماثل مع صفات أحد من خلقه، الله تعالى ليس كمثله شيء فهو غضب يليق بكماله عز وجل، دال على كمال عظمته وسلطانه.

فضل الصدقة على ذوي الأرحام

نفس الحديث السابق

  • إطلاق لفظ الصدقة دون تقيد هنا يشمل الزكاة المفروضة، والصدقات المستحبة
    قال الله تعالى في سورة البقرة: “لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ” (177)، أي أن الأقرباء اليتامى والمحتاجين منهم مقدمين لأن أتائهم أفضل لأنها تجمع بين الصدقة وبين صلة الرحم.
  • زاوية الجمع في الحديث بين الصدقة وصلة الرحم هي أن كلاهما الإحسان الذي يريده الله تعالى في الحديث الترغيب في الصدقة وبيان فضلها والترغيب في الصلة الرحم، كما فيه الترهيب من أثر قطع الرحم.
  • كذلك في نفس المعنى ورد حديث عن سلمان بن عامر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “صدقةُ ذي الرحمِ على ذي الرحمِ صدقةٌ و صلةٌ” (الجامع الصغير 9477).
    فالحديث يحثنا على الإكثار من الخير بين الاقارب.
    وفي رواية أخرى: “الصدقةُ على المسكينِ صدقةٌ، وهي على ذِي الرحمِ اثنتان: صدقةٌ وصلةٌ” (مسند أحمد 16272).

صلة الرحم مدعاة لرضا الله تعالى

عن انس ابن مالك – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: “الرحمُ حَجْنَةٌ متمسكةٌ بالعرشِ تكلمُ بلسانٍ ذلقٍ: اللهمَّ صِلْ من وصلني وأقطعْ من قطعني فيقولُ اللهُ تبارك وتعالى: أنا الرحمنُ الرحيمُ وإني شققتُ الرحمَ من اسمي فمن وصلها وصلتُه ومن بتكَها بتكتُه” (المتجر الرابح 252).
وفي رواية أخرى من “تخريج كتاب الحديث”: “إنَّ الرَّحمةَ شَجنةٌ آخذةٌ بحُجزةِ الرَّحمنِ، تَصلُ من وصلَها، وتقطعُ من قطعَها، الرَّحمُ شَجنةُ الرَّحمنِ، أصلُها في البيتِ العتيقِ، فإذا كانَ يومُ القيامةِ ذَهبَت حتَّى تناولَ بحُجزةِ الرَّحمنِ، فتقولُ: هذا مَقامُ العائذِ بِكَ، فيقولُ: مِمَّاذا؟ وَهوَ أعلَمُ، فتقولُ: منَ القَطيعةِ، إنَّ الرَّحمَ شَجنةٌ آخذةٌ بحجزةِ الرَّحمنِ، تصلُ من وصلَها، وتقطعُ من قَطعَها”

  • الشجنة: في الأصل هي عروق الشجر المتشابكة المتشعبة وفي الحديث المقصود منها إنها متشابكة بين خلق الله مثل عروق الشجرة.
  • بحُجزةِ الرَّحمنِ: ممسكة بها والحجزة في لسان العرب هي مَعقِدُ الإزارِ، والمراد بها هو المبالغة في التشبيه أنها تستجير بالرحمن أن يذب عنها ويحرسها وذلك لبيان عظيم شأنها ومنزلتها عند الله.
  • في ذلك أن من قطع الرحم قطعه الله تعالى من بره وعونه وإحسانه وتوفيقه وأنها مشتقة من اسم الرحمن ومتداخله فيه مثل: عروق الشجرة والمعنى أنها أصل من آثار رحمته عز وجل لما في المعنى اللغوي والمعنى المعنوي دلالة واحدة.
  • “البيتِ العتيقِ” هو بيت يقع في السماء السابعة وتطوفه الملائكة.
  • تكرار الكلام للدلالة على أهميته وتوكيده.
  • الرحمة نوعان:
    رحمة عامة: رحمة الدين ويجب صلتها بالعدل والإنصاف والتواد بين الخلق.
    رحمة خاصة: تزيد بالنفقة على الأقرباء وزيارتهم والتغافل عن أخطائهم، وتفقد أحوالهم واحتياجاتهم، ويتفاوت فيها مرتب استحقاقهم لها.

حديث آخر بنفس المعنى

في نفس المعنى حديث أبي هريرة رضي الله عنه “إنَّ اللهَ خلَق الرَّحِمَ حتَّى إذا فرَغ مِن خَلْقِه قامتِ الرَّحمُ فقالت: هذا مقامُ العائذينَ مِن القطيعةِ ؟ قال: نَعم، ألا ترضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصَلكِ وأقطَعَ مَن قطَعكِ ؟ قالت: بلى قال: فهو لكِ)، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: واقرَؤوا إنْ شِئْتُم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22، 23] ” (صحيح ابن حبان 441).

  • الشرح السابق في حديث أنس ابن مالك
  • قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – للآية {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}  يعني: هل يتوقع منكم إذا ولاكم الله أحكام الناس وأصبحتم الأمراء عليهم أن تعرضوا عن القرآن الكريم وأحكامه وأن تسيروا في الأرض بالمعصية والفساد وسفك الدماء دون حق والبغي وقطع الأرحام.
    فقد جمع الله تعالى بين قطع الأرحام وبين الإفساد في الأرض وفي ذلك بيان لعظم شأن هذا الجرم.

قطع الرحم بسبب الميراث

عن سعيدِ بنِ المُسيِّبِ قال: “أنَّ أخوَينِ من الأنصارِ كان بينهما ميراثٌ فسأل أحدُهما صاحبَه القِسمةَ فقال إن عدتَ تسألُني عن القِسمةِ فكلُّ مالي في رِتاجِ الكعبةِ فقال له عمرُ إنَّ الكعبةَ غنيَّةٌ عن مالِكَ كفِّرْ عن يمينِك وكلِّم أخاك سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ لا يمينَ عليكَ ولا نذرَ في معصيةِ الربِّ وفي قطيعةِ الرحِمِ وفيما لا تملِكُ [ ولا فِي قطيعةِ الرَّحِمِ ولا فيما لا تَملِكُ ]” (تهذيب السنن 162/9).

  • كثير من وقاع قطع الرحم تكون بسبب الميراث فيكره الرجل أخوه ويأكل الأخ حق أخته ولذلك قد نص القرآن الكريم بالتفصيل مقدار نصيب كل فرد من الميراث وأخذ منها علماء الفقه علم كامل هو علم المواريث في الإسلام، ولا يوجد ما هو أشد تفصيلًا في القرآن من حقوق كل فرد في الميراث.
  • بيان سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ما تعلمه من رسول – صلى الله عليه وسلم – أنه لا يقع اليمين إذا كان على فعل في معصية للخالق، كذلك لا يقع إذا كان على قطع رحم، فإذا أقسم رجل باله على أنه يقطع أخاه أو أحد ولديه عليه التكفير عن اليمين وأن يقوم بوصل رحمه.

صلة الرحم يُثاب عليها حتى لو كان قبل الإسلام

عن حكيم ابن حزام أنَّهُ قالَ لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أيْ رَسولَ اللهِ، أرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أتَحَنَّثُ بها في الجاهِلِيَّةِ، مِن صَدَقَةٍ، أوْ عَتاقَةٍ، أوْ صِلَةِ رَحِمٍ، أفيها أجْرٌ؟ فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أسْلَمْتَ علَى ما أسْلَفْتَ مِن خَيْرٍ”

  • حكيم ابن حزام قام بسؤال النبي – صلى الله عليه وسلم – عن أفعال كان يتخنث أي يتعبد بها في الجاهلية قبل أن يهديه الله لنور الإسلام من صدقة أو عتق رقاب (عبيد) أو صلة رحم.
    فأجابه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن الكافر إذا أسلم وثم مات على إسلامه وكان قبل الإسلام يفعل الخيرات من صدقة وعتق للعبيد وصلة للرحم وصلة الرحم؛ يثاب يوم القيامة بإذن الله على ما قدمه في أيام كفره بل أن الإسلام يمحوا ما قبله من خطايا لقوله صلى الله عليه وسلم: “الإسلامُ يهدمُ ما كان قبلَه، والتوبةُ تَجبُّ ما كان قبلَها” (122 صحيح مسلم)
    في ذلك بيان لعظم أجر صلة الرحم.

صلة الرحم من أبواب دخول الجنة

عن أبي أيوب الأنصاري أن رجل جاء لرسول الله – صلى الله عليه وسلم وقال: “أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أخْبِرْنِي بعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، قالَ: ما له ما له. وقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أرَبٌ ما له، تَعْبُدُ اللَّهَ ولَا تُشْرِكُ به شيئًا، وتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وتُؤْتي الزَّكَاةَ، وتَصِلُ الرَّحِمَ” (صحيح النسائي476).

  • يبين لنا حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن صلة الرحم مثلها مثل أتاء الزكاة والصلاة من الأعمال التي يدخل بها الإنسان الجنة”.
  • أرَبٌ ما له: يعن له حاجة

عن أبي ذر – رضي الله عنه قال: “أوصاني بألَّا أنظُرَ إلى مَن هو فوقي وأنْ أنظُرَ إلى مَن هو دوني وأوصاني بحبِّ المساكينِ والدُّنوِّ منهم وأوصاني أنْ أصِلَ رحِمي وإنْ أدبَرتْ وأوصاني ألَّا أخافَ في اللهِ لومةَ لائمٍ وأوصاني أنْ أقولَ الحقَّ وإنْ كان مُرًّا وأوصاني أنْ أُكثِرَ مِن قولِ: لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ فإنَّها كنزٌ مِن كنوزُ الجنَّةِ” (صحيح ابن حبان 449).

  • حين طلب أبي ذر النصيحة من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أوصاه بأن لا يهتم بقول الناس ولومهم ما دام يفل الفعل لمرضاة الله تعالى وأوصاه بصلة الرحم لما في ذلك من عظيم الأجر.
  • كما أوصاه بالنظر إلى أحوال الذين أدنى منه في الدنيا لشكر الله وحمده على النعم الكثيرة هذه.

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر” (رواه أحمد في مسنده).

  • يبين الرسول صلى اله عليه وسلم – أن قاطع الرحم مثله مثل شارب الخمر كلاهما لا يدخلون الجنة.

صلة الرحم من أسباب الرزق

عن أنس ابن – مالك رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم: “من سرهُ أن يبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثرة فليصل رحمه” (رواه البخاري ومسلم 2557).

  • يوضح الحديث أن من أسباب الرزق في الحياة الدنيا هو صلة الرحم.

صلة الرحم سبب لقبول الأعمال

روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال: “إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَشِيَّةَ كُلِّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَلا يَقْبَلُ عَمَلَ قَاطِعِ رَحِمٍ”

  • يوضح الحديث أن الأعمال ترفع ليلة الجمعة من كل أسبوع ومن كان قاطع لرحمه لا يقبل عمله أي أن صلة الرحم شرط لقبول سائر الأعمال.

قاطع الرحم من الفاسقين والخاسرين

ذلك لقوله تعالى في سورة البقرة: “وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)”

  • قد جمع الله المفسدون في الأرض والذين ينقضون عهد الله مع قاطع ما أمر به الله ( قاطع الرحم)، في حكم إنهم فاسقين وخاسرين وذلك يبين لنا عظم جريمة قطع الأرحام.

هكذا نكون قد نقلنا لكم أحاديث صلة الرحم الصحيحة الواردة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتفسيرها كما شرحها الفقهاء وبعض آيات الذكر الحكيم التي تحثنا على صلة الرحم نفعنا الله وإياكم بما ورد وعفا عما غفلنا عنه والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا وشفيعنا.

السابق
فوائد بياض البيض للوجه وطرق استخدامه في عمل الماسك
التالي
حل مشكلة توقف خدمات google play

اترك تعليقاً