أحكام شرعية

الحد المسموح به في تأخير الصلوات

الحد المسموح به في تأخير الصلوات يجب أن يعلمه كل مسلم، حيث إن معرفة حدود الله وأحكام الدين أمرُ في غاية الأهمية، ولا سيما إن تعلق الأمر بالصلاة، فهي من فرائض الإسلام، كما أنها صلة العبد بربه، ومن ثم فوجب علينا أن نشير من خلال موقعنا إلى الحد المسموح به في تأخير الصلوات.

الحد المسموح به في تأخير الصلوات

تعتبر الصلاة من الفروض العينية التي يُكلف بها كل مسلم، فهي الركن الثاني من الإسلام، وأعظم ما يقوم به المسلم بعد التوحيد، وقد حذر رسولنا الكريم من تركها أو التهاون في أدائها، وبشكل عام لا يُمكن تأجيل الصلوات ولا تأخيرها عن ميقاتها، وذلك إن لم يكن هناك عذرًا قهريًا كالنوم والمرض والنسيان دون قصد وغيرها، ونحتسب هنا النوايا والمقاصد، فإمّا غافلًا أو مُتناسيًا، فالله أعلم بالنوايا في هذا الأمر.

تحدد الشريعةأن الصلاة تكون بعد الأذان بوقت قليل، أي عدم المبادرة بالصلاة بمجرد أن يؤذن المؤذن أو أثناء الأذان، فالاحتياط يكون بعد سماع الآذان بعدة دقائق وهذا لا بأس به، فيما عدا المغرب فيكون التبكير فيه أفضل من الانتظار لبعد الآذان بفترة؛ لأن وقت صلاة المغرب دون غيرها من الصلوات قصير نسبيًا.

لا إثم ولا حرج فيمن صلّى سواء في أول وقت الصلاة أو وسطها، لكنه لا يحبذ في آخر توقيت لها نظرًا لضرورة الاحتياط في الوقت الكافي لأدائها، ولتوضيح الحد المسموح به في تأخير الصلوات، نشير إلى أن صلاة العشاء يُستحب التأخير فيها أو ما يقارب ذلك، تحديدًا إذا كانت جماعة.

كما أن صلاة الظهر كذلك تتشابه مع صلاة العشاء في هذا الأمر؛ لشدة الحر في وقت الظهر مثلًا فيتم تأخيرها قليلًا حتى يخف الحر، وبالتالي فإن آخر وقت لصلاة الظهر هو دخول العصر، أما المغرب كما ذكرنا فهي من أكثر الصلوات التي لا يُستحب تأخيرها.

بالتالي فإن آخر توقيت يُمكن أن يتم فيه صلاة المغرب هو وقت مغيب الشفق الأحمر، الذي يعد أول وقت لدخول صلاة العشاء، كما أن آخر توقيت يُمكن السماح به لصلاة الفجر هو طلوع الشمس؛ لأن هذا هو وقت الفجر.

توقيت الصلاة المشروع

إن معرفة الحد المسموح به في تأخير الصلوات يدفعنا إلى معرفة حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أمر توقيت الصلاة ذاتها، فإذا خرج الحد عن هذا التوقيت فيعتبر الأمر غير جائز بالضرورة.

فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “سُئِلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عن وَقْتِ الصَّلَوَاتِ، فَقالَ وَقْتُ صَلَاةِ الفَجْرِ ما لَمْ يَطْلُعْ قَرْنُ الشَّمْسِ الأوَّلُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إذَا زَالَتِ الشَّمْسِ عن بَطْنِ السَّمَاءِ، ما لَمْ يَحْضُرِ العَصْرُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ العَصْرِ ما لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَيَسْقُطْ قَرْنُهَا الأوَّلُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ المَغْرِبِ إذَا غَابَتِ الشَّمْسُ، ما لَمْ يَسْقُطِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ العِشَاءِ إلى نِصْفِ اللَّيْلِ” (صحيح مسلم).

حكم تأخير الصلاة في الشريعة الإسلامية

نشير هنا إلى قول الله -تعالى- في سورة الماعون: “فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)” وفيه إشارة إلى تأخير الصلاة عن وقتها؛ لذلك فقد قال الله -عز وجل- بأن الويل لهم أي الهلاك والعذاب، وهذا يدل عن الأمر غير جائز.

من ثم فقد حدد الله -تعالى- وقت محدد لكل صلاة، ولا يجوز أن تتقدم عنه أو تتأخر، فقد قال الله -تعالى- في سورة النساء: “فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا” (الآية 103).

كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى وقْتِها، قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ برُّ الوالِدَيْنِ، قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ، قالَ: حدَّثَني بهِنَّ، ولَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزادَنِي” (صحيح البخاري).

فيشير الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى أن أحب الأعمال إلى الله هي الصلاة في وقتها المحدد، وذلك إرضاءً لله -سبحانه وتعالى-، أي يقوم المُسلم بـاديتها بعد سماع الأذان، والحديث فيه حث على الإسراع للصلاة، فمن قام بأداء الصلاة قبل وقتها المحدد عليه إعادتها بعد دخول وقتها الصحيح، أما من أخّر صلاة عن وقتها المحدد، تكون عليه قضاء حتى يقضيها.

حالة الجمع بين الصلوات

ضمن إطار الحديث عن الحد المسموح به في تأخير الصلوات، نشير إلى أنه في مسألة الجمع بين صلاتين، بالتقديم والتأخير يكون مباحًا في حالة وجود عذر مثل ما يلي:

  • بعد الإفاضة من عرفات جمع تأخير للمغرب والعشاء، أي صلاة المغرب مع العشاء.
  • للحجاج في عرفات أن يجمعوا بين الظهر والعصر جمع تقديم، أي صلاة العصر عند وقت الظهر.
  • في حالة المرض الشديد يجوز التقديم والتأخير.
  • في حالة السفر يجوز التقديم والتأخير.
  • أسباب أخرى كالخوف أو التضرر من شيء، أو المطر مع اختلاف الأئمة في مقداره.

كما أن الأمر محصور بين الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء، أما عن صلاة الفجر فلا يجوز جمعها مع صلاة أخرى، مع مراعاة ترتيب الصلوات، وفيما يخص ترك الصلاة بشكل عام فاعلم أنها من عظيم الكبائر، ومن فعل ذلك يكون آثمًا، يرسل الله عليه سخطه وعذابه في الدنيا والآخرة.

عقوبة تأخير الصلاة عن الحد المسموح

إن البعض يتجاهل عقاب تأخير الصلاة سواء كان ذلك عن قصد أو بدون، لذلك بعد أن علمنا الحد المسموح به في تأخير الصلوات نشير إلى العواقب الناجمة عن تأخير الصلاة وعدم أدائها.

فقد قال الله -تعالى-: “مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)” (سورة المدثر)، وبالتالي تكون العقوبة هي عذاب الآخرة الأليم، كما أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد بيّن عقوبة تارك الصلاة في حديثه الشريف حينما قال: “إنَّ بيْنَ الرَّجُلِ وبيْنَ الشِّرْكِ والْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاة” (صحيح مسلم)، أي أنه بذلك قد خرج من الإسلام عند تركه للصلاة.

كما أن من يؤخر صلاته بدون عذر يكون بذلك متبعًا لهوى الشيطان، وهذا ما حذر الله -عز وجل- منه، فلا يجب أن يسمع المسلم كلام شيطانه ويتغافل عن حدود الله -سبحانه وتعالى- والتي منها الحد المسموح به في تأخير الصلوات.

 حالات مختلفة حول تأخير الصلوات

في حديثنا عن الحد المسموح به في تأخير الصلوات، نشير إلى أنه لا ينبغي على المسلم أن يؤخر صلاته عن معادها المحدد بدون عذر مقبول، وإذا كان المرء عاملًا، وكان في وقت عمله وكان أذان الظهر والعصر قد مرّوا عليه، فلم يقدر على صلاتهما في وقتهما المحدد، فما هو الحد المسموح به هنا في تأخير الصلوات؟ من المعروف أنه في هذه الحالة لا يجب تأخير تلك الصلوات إلى الغروب، بل ومن الأفضل أن تتم الصلاة في توقيتها المحدد بأي شكل من أشكال الاضطرار لتأدية الصلاة بالكيفية الممكنة في ذلك الوقت.

حيث إن الحكم العام الشامل لكل الصلوات أنه لا يجوز تأخيرها عن ميعادها المحدد، فلا ينبغي إذًا تفضيل العمل عن أداء الفريضة، كما أن الصلاة لا تأخذ من الوقت شيئًا فلا تُسبب تعطيلًا، ومن غير المنطقي ألّا يجد المرء دقائق محدودة لأداء صلاته.

في حالة كان المرء نائمًا وفاتته صلاة، فيراودنا سؤال هنا هل من الممكن إيقاظه لأدائها؟ فبالطبع يُمكن ذلك خاصةً إذا كان هذا الشخص متهاونًا في صلاته على الدوام، فيجب إيقاظه من والديه مثلًا حتى يؤدي الصلاة.

أما إذا نام الشخص قبل دخول وقت الصلاة، ولم يسعه أن يستيقظ إلا بعد انقضاء الوقت المحدد لها، فهنا لا حرج عليه من ذلك طالما أن تلك الإطالة لم تكن باختياره أو استخفافًا بالصلاة وتهاونًا فيها.

حكم تأخير الصلاة لآخر وقتها

أما عن تأخير الصلاة لآخر وقت، أي عدم أدائها بمجرد سماع الآذان، وكان ذلك عن عمد دون عذر محدد، فإنه لا يجوز فعل ذلك في كل الصلوات، فمثلًا صلاة العشاء وصلاة الفجر، هناك براحًا من الوقت للاستطاعة، أما باقي الصلوات فلا يوجد حكمة من تأخيرها إلى آخر وقتها طالما لا يوجد عذر واضح قهريّ.

نستند هنا إلى حديث الرسول حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من سمعَ النِّداءَ فلم يأتِهِ فلا صلاةَ لَه إلَّا من عُذرٍ” (صحيح)، والجدير بالذكر هنا الإشارة إلى تجاوزًا بسيطًا، وهو إذا أذن الآذان في حضرة الطعام، في ذلك الوقت قال لنا الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “لا صَلَاةَ بحَضْرَةِ الطَّعَامِ” (صحيح مسلم)، لكن لا يجوز أن يصبح ذلك الأمر من العادة، ما يجعل له الأفضلية على الجماعة أو غيرها، فالشرط أن يكون الطعام مُقدمًا عن الآذان.

السابق
صفة صلاة عيد الأضحى
التالي
الهالات السوداء تحت العين

اترك تعليقاً