ديني

العبادة الصامتة

أهمية التفكر

حث المولى سبحانه عباده على التفكر والعمل , وأعطى كل انسان الوسائل التي تعينه , ليحقق ما طلب منه وكلف به. والتفكر في مخلوقات الله أمر له أهميته يكسب الانسان عظة وعبرة ويدفعه تفكيره الى الثقة بالنفس والاخص في العمل بروح مؤمنة وعزيمة صادقة هدفها المزيد من الطاعة لله سبحانه وتعالى , وغايتها الالتزام بكتاب الله وبسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام. وقد امر الله تعال عباده بالتفكر في كتابه الكريم , ووصف الذين يتفكرون اصحاب العقول الراشدة , فقال وقوله الحق:( إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الالباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) آية 190 ـ 191 سورة ال عمران.

والتفكر والبحث في أي مشكلة تواجه الانسان في حياته هو السبيل الذي يوصله الى أطيب الحلول واحسنها عاقبة والانسان له الاسوة الحسنة في الانبياء فإبراهيم عليه السلام كان (يتأمل في الكون وبما يحيط من اسرار دقيقة حتى أدرك ربه الحقيقي في هذا الملكوت الواسع بما فيه من دقة ونظام وتنسيق واحكام حتى جاءه الوحي ونزل عليه الروح الأمين يبشره بان الله قد اصطفاه خليلا واختاره نبيا ورسولا) وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي اختار غار حراء مكان تعبده وصفائه النفسي وتفكره , فكنت نصائحه واعماله , وطريقته العلمية السامية في الدعوة خير نبراس , انتشلت اناسا من عبادة الاوثان , والاصنام الى عباده الله وحده فحررت عقولهم وافكارهم , وبدعوته صلى الله عليه وسلم: انتزع من النفوس الخرافات والعقائد الفاسدة واوصلها الى العقيدة الإسلامية الصافية. ومن الضروري أن يتفكرون في نفسه وجوارحه التي أودعها الله أمانة لديه وجل القائل:( وفي أنفسكم افلا تبصرون) آية 21 سورة الذاريات فعلى الانسان أن يستعمل تفكيره وجوارحه فيما ينفع البشرية ويبتعد عن الصفات المهلكة المختزنة في غريزته النفسية مثل سيطرة الشهرة عليه أو الفضلة … الخ فعليه أن ينصب تفكيره في طرق العلاج التي تستأصل الداء منها. اما أهمية العمل للمسلم فهي من الاساسيات ولابد أن يكون العمل بعيدا عن الرياء والسمعة , وإذا أهمل الانسان العمل في الحياة الدنيا , فمن الطبيعي أن ذلك يدعوه الفقر والحاجة, ولا يحظى بمكانة عند الناس , والفقر قد يدعوه الى ضياع الذمة , وبما ان الانسان لا يجب أن يكون عالة على غيره في حياته فمن الأولى ان يعمل لآخرته حتى يدخل الجنة بعمله دون أن يلتمس شفاعة من أحد والانسان حينما لم توجد له اعمال تؤهله للشفاعة فإن الدعاء والترجي لا يجدي بالنسبة له , وعلى سبيل المثال , ما الذي استفاده ابن نوح الذي لم يؤمن بنبوة والده وما جاء به من حق؟! كما أنه لا يملك اهلية يستحق بها نداءات والده لربه , حيث أنه لم يكن من اهله , ممن آمنوا بدعوته , وقد سبق أن خاطب الله نوحا , فقال:( ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) آية 37 سورة هود ومن ثم خاطبة (يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم أني اعظك أن تكون من الجاهلين).. اية 46 هود. فكيف يطلب الجنة من لم يقدم لها أي عمل صالح . وكيف عن يطلب شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وهو لم يبذل اي تضحية في سبيل الايمان به وبدعوته كيف بمن يطلب النجاة من النار وهو لم يتوقف لحظة واحدة عن العمل لها ؟! اسال الله أن يزرقنا العمل الصالح.

التفكر في خلق الإنسان

فوائد التفكر في خلق الإنسان

إنّ دعوة الإنسان ليتفكر في نفسه لم تكن يوماً ما دعوةً عبثية، أو بقصد التسلية، بل هي تدخل في لبِّ وظيفة الإنسان على هذه الأرض كعابد لله تعالى، وكخليفة له؛ فهذا التفكر من شأنه أن يوصل الإنسان إلى الله، خالقه؛ الذي صوَّره على أحسن صورة، وأن يدخل اليقين إلى النفس، وكم من أشخاص اهتدوا سبيل الرشاد نتيجةً لمثل هذا النشاط الراقي.

إلى جانب ذلك، فإن تفكّر الإنسان في نفسه من شأنه أن يوصله إلى حلول لمشاكله، وإلى سبل لإنهاء المعاناة الناتجة عن بعض الأمراض التي تصيب جسمه وتتوغل فيه، الأمر الذي يُطوّر الأوضاع الصحية بشكل عام، وما التقدم الرهيب الذي شهدته الحقول الطبية في عصرنا الحالي إلا ثمرة التفكر الذي دام لعقود، وعقود.

أيضاً، فإنّ مشاكل الإنسان لا تقتصر على الأمراض الجسمانية وحدها، فهناك أمراض نفسية، وأخرى مجتمعية، تتعلق بالسلوكات الإنسانية، والأحوال النفسية لبني آدم، ومن هنا فإن التفكر قد يدخل في مثل هذه المجالات أيضاً، فيساعد على إيجاد الحلول المبتكرة لمشكلاتها.

الفرق بين التأمل والتفكُّر

التأمل اصطلاحا

هو تدقيق النظر في الكائنات بغرض الاتعاظ والتذكر، وقال الكفوي:

التأمل هو استعمال الفكر، ونقل عن بعض الأفاضل: أن قولهم: تأمل بلا فاء إشارة إلى الجواب القوي، وبالفاء إلى الجواب الضعيف وبالفاء واللام (فليتأمل) إلى الجواب الأضعف قال: ومعنى «تأمل» :

أن في هذا المحل دقة، ومعنى «فتأمل» أن في هذا المحل أمرا زائدا على الدقة بتفصيل، ومعنى «فليتأمل» ، هكذا مع زيادة اللام والفاء، أي تأمل ما سبق مع زيادة في الدقة، بناء على أن كثرة الحروف تدل على كثرة في المعنى.

بين التأمل والتفكر والتدبر

قد يظن المرء للوهلة الأولى أن هذه الصفات الثلاثة مترادفة أي أنها ذات معنى واحد، ولكن لا يلبث هذا الظن أن يتلاشى عند التحقيق العلمي؛ لأن بينها فروقا دقيقة تحتم أن نجعلها صفات مستقلة، فالتأمل في أصل اللغة مأخوذ من مادة (أم ل) التي تدل على التثبت. والانتظار، والتفكر مأخوذ من مادة (ف ك ر) التي تدل على تردد القلب في الشيء، أما التدبر فمأخوذ من مادة (د ب ر) التي يقصد بها النظر في عواقب الأمور.

ومن الناحية الاصطلاحية نجد التفكر يشير إلى جولان الفكرة وهي القوة المطرقة للعلم بحسب نظر العقل وذلك للإنسان دون الحيوان كما يقول الراغب ، ولا يقال هذا إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب، ولهذا روي: «تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله» .

وقد عرفه الجرجاني بأنه تصرف القلب في معاني الأشياء لدرك المطلوب ، ونقل عن بعضهم: أن الفكر مقلوب عن الفرك، لكن يستعمل الفكر في المعاني وهو فرك الأمور وبحثها طلبا للوصول إلى الحقيقة، أما الفرك فيكون في الأمور الحسية لا المعنوية، وهذا دليل على ما ذهب إليه فقهاء اللغة العربية من دوران المادة حول معنى (عام) واحد، مع اختلاف في التفاصيل ولا يشترط في التفكر إدامة النظر ولا أن يتجاوز الحاضر إلى ما يئول إليه الشيء مستقبلا. أما التأمل فقد روعي فيه إدامة النظر والتثبت إذ جاء في تعريفه أنه «تدقيق النظر في الكائنات بغرض الاتعاظ والتذكر أي إنه قد روعي إدامة الفكر واستمراريته ومن ثم فلا تكون النظرةالواحدة تأملا وإن كان يمكن أن تكون من قبيل التفكر.

وإذا انتقلنا إلى التدبر وجدناه يعني (اصطلاحا) النظر في عواقب الأمور وما تصير إليه الأشياء أي إنه يتجاوز الحاضر إلى المستقبل لأن التدبر يعني التفكير في دبر الأمور ومن ثم عرفه الجرجاني بأنه عبارة عن النظر في عواقب الأمور، وكل من التدبر والتفكر من عمل القلب وحده إلا أن التفكر تصرف القلب بالنظر في الدليل والتدبر تصرفه بالنظر في العواقب، وكلاهما لا يشترط فيه الديمومة أو الاستمرار بخلاف التأمل، وهناك فرق جوهري آخر بين التأمل وكل من التفكر والتدبر يتمثل في أن التأمل قد يحدث بالبصر وحده أو بالبصر يعقبه التفكر، أما التفكر والتدبر فبالبصيرة وحدها إذ هما من أعمال القلب (أو العقل) .

والخلاصة أن التأمل قد يكون بالبصر مع استمرار وتأن يؤدي إلى استخلاص العبرة، وأن التفكر جولان الفكر في الأمر الذي تكون له صورة عقلية عن طريق الدليل. أما التدبر؛ فإنه يعني النظر العقلي إلى عواقب الأمور.

وهكذا رأينا أن هذه المعاني الثلاثة وإن كانت متقاربة إلا أنها ليست واحدة وإذا ذكر بعض أهل العلم أنها مترادفة فإنما يقصد فقط الترادف الجزئي الذي قد يوجد في بعض الأحيان دون بعضها الاخر.

التفكر في خلق السَّمَاوَاتِ والأرض

كيف نتفكر

كيف نتفكر ؟
الحقيقة كالشمس لايهم اي شعاع من أشعتها تستدل عليها . والقلب كالعين لايهم كيف تبصر أشعة الشمس ومن اي زاوية . وانما المهم الا نترفع عنها ( بهوى او استعجال او كبر وما اليها من حجب العقل ) .
واذا كان النظر والسمع يلتقطان علامات الحقيقة واياتها واثارها ، واذا كان التذكر يستثير دفائـن العقل ويبلور ركائز المعرفة في القلب ، – وبالتالي – يفتح خزائن المعرفة الفطرية للانتفاع ، فان التفكر ( فيما يبدو لي ) يقوم بتقليب المعلومات وعرضها على المعارف الفطرية ، وتكميل بعضها ببعض .
وهكذا روي عن الحسن الصيقل قال : سألت ابا عبد اللـه ( عليه السلام ) عما يروي الناس ان ” تفكر ساعة خير من قيام ليلة ” ، قلت : كيف يتفكر ؟
قال : يمر بالخربة او بالدار فيقول : اين ساكنوك ؟ اين بانوك ؟ مالك لا تتكلمين ؟
وكمثل اذا كانت التذكرة التربة الصالحة التي يحرثها الزارع ، واذا كان النظر والسمع نبعين صافيين للماء ، فان التفكر هو القيام بزرع الارض ( بالاستفادة من الماء والتراب ) ، وهكذا فالتفكر يكمل مراحل المعرفة ، والامثلة والقصص افضل مثيرات التفكر ، وانما المثل : لقطة واضحة من صور الحقيقة ، والقصة : لحظة بارزة من لحظات التاريخ ، و هما تختزلان السنة الالهية .
وكل ايات الخلق تثير التفكر ، وتجعلنا نطل على نافذة الغيب من على صعيد الشهود .
فقد روي عن اسماعيل بن بشر بن عمار قال : كتب هارون الى موسى بن جعفر ( عليه السـلام ) عظني واوجز ، قال : كتب اليه : ما من شيء تراه عينك الا وفيه موعظة .
1 / و اللـه قد اوصانا بالتفكر ، وجعله وصية مؤكدة ، أوليس التفكر يهدينا الى سائر الحقائق ويجعلنا نشاهدها ونتعايش معها ؟ قال اللـه تعالى : { قُلْ اِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ اِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } ( سبأ/46) .
ونستلهم من الاية : ان التفكر السليم هو الذي يكون بهدف خالص من الاهواء . بل يكون لله ثم لايهم ان يكون بصورة جمعية او فردية . وان التفكر السليم سيهديهم الى صدق الرسول ، وانه كامل الوعي وتام العقل .
2 / وقال اللـه تعالى : { اَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِم مِن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِين } (الاعراف/184) .
وكذلك الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) يوصي بالتفكر ففي خبر ابي ذر قال : قال رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) : على العاقل ان يكون له ثلاث ساعات : ساعة يناجي فيها ربه عز وجل ، وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يتفكر فيما صنع اللـه عز وجل اليه ، وساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال .
والامام أميـر المؤمنين علي ( عليه السلام ) يوصي بالتفكر أيضا ، فعن ابي عبد اللـه ( عليه السلام ) قال : كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول : نبه بالتفكر قلبك ، وجاف عن الليل جنبك ، واتق اللـه ربك .
وفي رواية اخرى للامام علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) يوصي فيـها ولده الحسن ( عليه السلام ) يقول : استدل على ما لم يكن بما قد كان ، فان الامور اشباه ، ولا تكونن ممن لا تنفعه العظة الا اذا بالغت في ايلامه فان العاقل يتعظ بالادب ، والبهائم لا تتعظ الا بالضرب .

حكم التفكر

أمر الله سبحانه بالتفكر والتدبر في كتاب العزيز، وأثنى على المتفكرين بقوله: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آل عمران/191، وقال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الجاثية/13.
وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله) رواه الطبراني في “المعجم الأوسط” (6/250) وقال السخاوي بعد أن أورد عدة طرق للحديث: “وأسانيدها ضعيفة لكن اجتماعها يكتسب قوة، والمعنى صحيح” انتهى. “المقاصد الحسنة” (ص/215)
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: تفكر ساعة خير من قيام ليلة.
وقال وهب بن منبه: ما طالت فكرة امرئ قط إلا فهم، وما فهم إلا علم، وما علم إلا عمل.
وقال بشر الحافي: لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه.
ومن أراد التوسع في فهم ” التفكر ” فليرجع إلى كتاب: “إحياء علوم الدين” (4/423) الكتاب التاسع من ربع المنجيات.
لكن هذا التفكر يجب أن تكون له غاية، وهي ترسيخ الإيمان، وزيادة المحبة لله تعالى، والشعور بنعمه وحكمته في خلقه، وترتيب أمورهم، والاستعداد للقاء الله بالعمل الصالح.
ولذا يجب أن لا يشغل التفكر عن المبادرة إلى العمل الصالح، مثل صلاة الجماعة، وبر الوالدين، أما التفكر بلا هدف فيخشى على صاحبه من همزات الشياطين، وأقلها الاشتغال به عن صالح العمل، والتفاخر بالعلم، وإظهار النفس، فهذا إن أفاد الناس ولم يفد نفسه فهو عالم لم ينفعه علمه، وأمره شديد في الآخرة.

والله أعلم.

خطب عن التفكر في خلق الله

السابق
ما هو اضطراب ثنائي القطب
التالي
ما اثار كفالة اليتيم على المجتمع

اترك تعليقاً