ديني

الغش في الاسلام

انواع الغش

الغش أو الخداع، وما في حكمهما من حيث الضحايا، نوعان: غش الغير وخداعهم؛ وغش الذات أو خداعها (Self Deception).
والغش الأول ثلاثة أنواع، هي: غش في النوعية؛ وغش في السعر؛ وغش في الميزان أو الكمية.
وكل أنواع هذا الغش أو الخداع ذائعة وشائعة اليوم في بلدان كثيرة، منها العربية، لدرجة توقعها. وحتى التسول الذي كان مقبولاً بحجة الفقر أو العدم في المجتمعات غير مكتملة الإنسانية أو الضمان، صار “مهنة” تدر دخلاً لا يقبل ممتهنوه عنه بديلاً.
صار الجميع يغش على نحو أو آخر في زمان أو مكان أو آخر، ولكن بالنوعية أو بالكمية التي يرتاح معها؛ أي بالمستوى الذي يسمح له بالمحافظة على صورته في نظر نفسه، وفي نظر المحيطين به، كما يفيد دان أريلي، والذي بينت البحوث المتقنة والكثيرة التي أجراها حول هذا الموضوع (الغش)، أن الغش في شركة أو مؤسسة مهما كان بسيطاً، يجب منعه منذ البداية كي لا يكبر ويكثر ويتسع، وأنه لا يجوز التسامح معه من مثل القول، إنه بسيط، وإن المسألة لا تساوي بضعة قروش، أو إن راتب أو أجر الفاعل متدنٍ جداً. فالتساهل مع أبسط أشكال الغش، يفتح الباب لانطلاقه في الشركة أو المؤسسة أو الدولة.
أما خداع النفس أو الذات، فهو منتشر أيضاً في هذه الأيام. ويتجلى أكثر ما يتجلى في الحائزين على شهاداتهم أو درجاتهم الجامعية بالغش، أو على المركز الأعلى من كفاءتهم بالواسطة والمحسوبية، ويحاولون تجاوز هذه النقطة السوداء بخداع أنفسهم أنهم نجحوا فعلاً بالمثابرة أو أنهم يستحقون المركز، وأن المدح أو النفاق الذي يبديه بعض الناس لهم دليل على مصداقية نجاحهم واستحقاقهم له.

اسباب الغش

يوجد العديد من الأسباب الفردية والمرتبطة بالعلاقات لمشكلة الغش، فقد حدّد الباحثون مجموعةً متنوعةً لعوامل الغش ، وهي على النحو الآتي:

  • عوامل جنسيّة: يُعدّ الرجال أكثر ارتكاباً للغش مقارنةً مع النساء، ويرجع السبب في ذلك إلى امتلاك الرجال لنسبة كبيرة من هرمون التستوستيرون.
  • عوامل شخصية: ينتشر الغش كثيراً بين الشخصيات غير المُنصفة التي لا تمتلك ضميراً يقظاً.
  • عوامل دينية وميول سياسية: يتميز الأشخاص المتدينون، وأصحاب التوجه السياسي بأنّهم أقل الأفراد عُرضةً لارتكاب الغش؛ وذلك بسبب امتلاكهم لقيم صارمة.
  • أسباب بيئية يستغل بعض الأفراد الأوضاع المختلفة كوسيلة لغش الآخرين، حيث يمكن للبيئة المحيطة بالفرد دفعه نحو غش الآخرين، كما أنّ الناس الذين يعيشون في المناطق الحضرية أكثر عرضةً للغش مقارنةً مع الأفراد المقيمين في المناطق الريفية الأكثر تحفظاً.

الغش في المعاملات

الإسلام يحرم الغش والخداع في المعاملات ذلك بكل صوره في بيع وشراء وفي سائر أنواع معاملات، الإنسان فالمسلم مطالب بالتزام الصدق في كل شؤونه، والنصيحة في الدين أغلى من كل مكسب كما قال -صلى الله عليه وسلم-: “الدين النصيحة”، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما”، ومر رسول الله برجل يبيع طعامًا فأعجبه ظاهره، فأدخل يده فيه فرأى بللاً فقال: “ما هذا يا صاحب الطعام؟!”، قال: أصابته السماء يا رسول الله -أي المطر- فقال -صلى الله عليه وسلم-: “فهلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس منا”. وفي رواية أنه مر بطعام وقد حسَّنه صاحبه، فوضع يده فيه فإذا بالطعام رديء، فقال: “بع هذا على حدة وهذا على حدة؛ من غشنا فليس منا”.

فانظر بماذا حكم على من غش في الطعام، والطعام مادة ينتهي أثرها بسرعة، فكيف بما هو أعظم وأعظم من ذلك، فالإيمان الصحيح الكامل يلزمنا الصدق والإخلاص والتقوى والنصح، وفي الحديث الصحيح: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير”.

فإذا سألك إنسان مؤمن عن حال رجل وأخلاقه وأمانته ودينه فأجبته بغير ما تعرف وتعلم كأن كان فاسقًا فقلت: إنه صالح، أو كان صالحًا فقلت: إنه من المفسدين. فقد غششته، وإن استنصحك أخوك المؤمن عن امرأة يريد أن يتزوجها تعرفها وتعلم صفاتها وأخلاقها وأهلها فلم تصدقه الحقيقة ولم تذكر له الحق الذي تعرفه فقد كذبت عليه وغششته وكنت من الخائنين، وإذا سألك أخوك عن تاجر ومعاملته للناس فقلت غير الحق وعمّيت عليه أمره فمدحته وهو مذموم، فاعلم أنك بذلك جمعت بين الغش والكذب، ومحل ذلك كله إذا كان السائل له مصلحة تتعلق بمن يسألك عنهم فلزمك أن تصدقه الخبر وأن تبذل له النصيحة خالصة لوجه الله تعالى، أما إذا كان السائل من الذين يبحثون عن أحوال الناس ويتبعون عوراتهم وأخطاءهم ليشهر بهم ويطعن في أعراضهم وينتقص منهم؛ فليكن جوابك له على كل سؤال قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”، وقل له: الأولى بك أن تفتش عن نفسك وعيوبها والسعي في إصلاحها، واحذر أن تتصف بما قاله الشاعر:

شر الورى من يعيب الناس مشتغلاً *** مثل الذباب يراعي موضع العلل

وإذا كان الغش -وهو تقديم الباطل في ثوب الحق- مذمومًا في الطعام، فكيف بالغش في الوظيفة والعمل والتوجيه والإرشاد وفي جميع شؤون معاملة الإنسان لأخيه، ولهذا كان السلف يفهمون مدى خطورة الغش ويطبقون أحاديث المصطفى، فكانوا يبينون ولا يكتمون، ويصدقون ولا يكذبون، وينصحون ولا يغشون، عرفوا بحق قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لا يحل لامرئ يبيع سلعة يعلم بها داءً -أي عيبًا- إلا أخبر به”.

وتزداد حرمة الغش إذا صاحبته اليمين الكاذبة، يحلف وهو كاذب كما قال -صلى الله عليه وسلم-: “الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة”.

الغش في الميزان

يتساهل البعض في الميزان، وربما يلجأ إلى التلاعب في المكيال الذي يتم الوزن به، عن طريق تخفيف وزنه بطرق عدة، وهو ما يسمى في الشريعة الإسلامية بـ “التطفيف”، وهو نقص المكيال والميزان وبخس حقوق الناس.

وقد ذم الله سبحانه وتعالى التطفيف، وتحدث عنه في سورة كاملة من القرآن الكريم، وتوعد أهله بالعذاب إن لم يتركوه.

قال تعالى في سورة المطففين: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [1] الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ [2] وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [3] أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ [4] لِيَوْمٍ عَظِيمٍ [5] يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [6]} (المطففون:1ـ6).

وعن ابن عباس قال: لما قدم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً، فأنزل اللّه تعالى: {ويل للمطفِّفين} فحسنوا الكيل بعد ذلك”.

وقال القرطبي إن سورة “المطففين” نزلت في رجل يعرف بأبي جهينة، واسمه عمرو؛ كان له صاعان يأخذ بأحدهما، ويعطي بالآخر.

بما توعد الله المطففين؟

التطفيف كبيرة من الكبائر، وهو أكل أموال الناس بالباطل، ومال حرام فإذا تصدق به صاحبه لم يتقبل منه وإذا خلفه وراءه كان زاده إلى النار، وقد توعد الله أصحابه بعقوبات في الدنيا والآخرة.

ويعاقب الله على التطفيف في الدنيا بالقحط والجدب وجور السلطان: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:[يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَر الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ] (ابن ماجه).

ويعذب الله المطففين في الآخرة، كما فعل الله بمدين قوم شعيب حين أرسله إليهم، وكان التطفيف فاشيًا فيهم، فدعاهم لعبادة الله وترك هذا العمل القبيح وقال: {وياقوم أفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين} (هود: 85)، {فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين}(العنكبوت:37 .. وقد ذكر الله قصتهم في القرآن ليعتبر أولوا الأبصار، وإلا .. فـ {ما هي من الظالمين ببعيد}.

وتوعدهم الله في أول سورة المطففين وهي قوله: {ويل للمطففين}.. والويل: هو العذاب الأليم، وقيل هو واد في قعر جهنم يسيل فيه صديد أهل النار. وقال بعض المفسرين: هو واد في جهنم، لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره، نعوذ بالله منه.

احاديث عن الغش في التجارة

  •     عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال : ما هذا يا صاحب الطعام ؟
    قال : أصابته السماء يا رسول الله
    قال : أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ، من غشنا فليس منا
    الغش مرض ملعون . . إذا تخلل جسم مجتمع تآكلت أطرافه . . وتصدع بنيانه . . وكان عاقبة أمره خسرا فالغش لا يظهر إلا في مجتمع أصابه اعتلال في الضمير . . وضمور في الإيمان ؟ وحقيق بمن هذا حاله أن يطرد من صفوف المؤمنين : ( من غشنا فليس منا ) إنه إعلان حرب على الضمائر الفاسدة . . والنفوس الغفنة . . التي لا تراقب ربها سرا ولا علانية إنه تحذير لكل من تسول له نفسه الخبيثة غش المسلمين وخداعهم وأكل أموالهم بالباطل . فهل من عاقل ؟ “ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العلمين “. إن المكر والخديعة ، والخيانة في النار
  • عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( من غشنا فليس من ، والمكر والخداع في النار)
    فأين يذهب هؤلاء . . والله رقيب عليهم . . وكتابهم لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها . . (وكل صغير وكبير مستطر)
    أخي المسلم : ودائرة الغش واسعة . . ولها عدة أشكال وألوان ، منها
  • غش امام الرعية  عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : (ما من عبد يسترعيه الله عز وجل رعية يموت يوم ، وهو غاش رعيته إلا حرم الله تعالى عليه الجنة)
    أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، باب من استُرعي رعية فلم ينصح، برقم (7151)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار، برقم (142)، واللفظ له
    وعن رواية : (فلم يَحُطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة)
    أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، باب من استُرعي رعية فلم ينصح، برقم (7150)
  • الغش في البيع والميزان ويشمل كل بيع وشراء . . ولا يتوقف على الطعام والشراب وفقطفعن أبى سباع ، قال : اشتريت ناقة من دار (واثلة بن الأسقع رضي الله عنه) ، فلما خرجت بها أدركني يجر إزاره فقال : اشتريت ؟ قلت : نعم قال : بين لك ما فيها ؟ قلت : وما فيها ؟ إنها لسمينة ظاهرة الصحة قال : أردت بها سفرا أو أردت بها لحما قلت : أردت بها الحج قال : ارتجعها فقال صاحبها : ما أردت إلى هذا أصلحك الله تفسد على ؟ قال : إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : لا يحل لأحد أن يبيع شيئا إلا بين ما فيه ، ولا يحل لمن علم ذلك إلا بينه.

اضرار الغش

     من اضرار الغش:

1- الغش طريق موصل إلى النار.

2- دليل على دناءة النفس وخبثها، فلا يفعله إلا كل دنيء نفس هانت عليه فأوردها مورد الهلاك والعطب.

3- البعد عن الله وعن الناس.

4- أنه طريق لحرمان إجابة الدعاء.

5- أنه طريق لحرمان البركة في المال والعمر.

6- أنه دليل على نقص الإيمان.

7- أنه سبب في تسلط الظلمة والكفار، قال ابن حجر الهيثمي: ( ولهذه القبائح ـ أي الغش ـ التي ارتكبها التجار والمتسببون وأرباب الحرف والبضائع سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم، وهتكوا حريمهم، بل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم، وأذاقوهم العذاب والهوان ألواناً.

ايات عن الغش في الامتحانات

حذَّر علماء الدين من خطورة الغش على الفرد والمجتمع، ووصفوه بأنه من أبرز أشكال الفساد الذي يضر باقتصاد أي مجتمع ويبدد الثقة بين أفراده ومؤسساته. وأكد العلماء أن الإسلام حرم الغش بكل أشكاله وصوره، مثل الغش في البيع والشراء، وتطفيف الكيل والميزان، والغش في الامتحانات، وفي الزواج، وفي النصح للناس، واعتبروا الغش وسيلة من وسائل أكل أموال الناس بالباطل، وقد توعد القرآن الكريم أهل الغش بالويل والخسران.
وشدد العلماء على ضرورة أن يتحرى المسلم الرزق الحلال الذي يُكتسب عن طريق عمل مشروع، ويتجنب الغش باعتباره أعظم المساوئ لأن له آثاراً اجتماعية واقتصادية خطيرة على الأفراد والمجتمع.

 

 

السابق
فاكهة التفاح
التالي
فوائد الخوخ

اترك تعليقاً