ديني

ام عمارة نسيبة بنت كعب رضى الله عنها

ابرز صفات أم عمارة

تميزت أم عمارة بالإخلاص لدينها، وشجاعتها في الذود عنه، وهو ما تجلّى من قتالها في غزوتي أحد وحنين ومعركة اليمامة، كما عُرف عنها صبرها

أم عمارة ودورها مع الرسول

بطولة نادرة

شهدت نسيبة غزوة أحد مع زوجها وولديها، فلما تحول ميزان المعركة في صالح المشركين، لم ترهب الموقف رغم عدد وعتاد المشركين، ولم تفر من ميدان المواجهة، بل ثبتت وصمدت وسجلت أعظم موقف يمكن أن يقوم به إنسان، حيث أخذت تدافع في بسالة منقطعة النظير عن نبي الله الخاتم، تتلقى عنه الضربات، وتذود عنه غير عابئة بما أصابها من جروح والتي بلغت – كما يقول الرواة – اثني عشر جرحاً .
نقل عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” عن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قوله في غزوة أحد: “ما التفت يوم أحد يميناً ولا شمالاً إلا وأراها تقاتل دوني” .
سألت أم عمارة رسول الله يوماً: ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن في شيء فاستجاب الله لها، ونزل الوحي بآيات كريمة تؤكد مكانة المرأة في الإسلام:
“إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً” .
وكانت أم عمارة إحدى امرأتين وفدتا مع ثلاثة وسبعين رجلاً إلى مكة للقاء النبي “صلى الله عليه وسلم” ومبايعته عند العقبة، كما بايعت النبي “صلى الله عليه وسلم” بيعة الرضوان عند الشجرة التي رضي الله عن كل من بايع تحتها، وأثبت ذلك في محكم التنزيل فقال جل شأنه: “لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً” .

مع الرسول في الجنة

في يوم أحد شاهدها الرسول “صلى الله عليه وسلم” تقاتل مع زوجها وولديها، فقال لابنها عبدالله “بارك الله عليكم من أهل بيت، رحمكم الله أهل بيت” .
قالت أم عمارة: ادع الله أن نرافقك في الجنة .
فقال: “اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة” .
قالت: والله لا أبالي بعد ذلك ما أصابني من الدنيا .
ولم يتوقف دور أم عمارة في الدعوة الإسلامية على ما قدمته في حياة الرسول “صلى الله عليه وسلم” فقط، ولكنه امتد إلى آخر يوم في حياتها، حيث شاركت في جيش أبي بكر الذي حارب المرتدين، وفي معركة اليمامة مع خالد بن الوليد .
ورغم قوة إيمانها وتسليمها بقضاء الله وقدره، فإنها حزنت على ولدها “حبيب” الذي أرسله النبي “صلى الله عليه وسلم” برسالة إلى مسيلمة الكذاب فقتله بعد أن أهانه وعذبه .
سأله الكذاب: أتشهد أن محمداً رسول الله؟
فيقول: نعم
فيقول له: أتشهد أني رسول الله؟
فيقول: لا أسمع شيئاً .
أخذ الكذاب يقطع بسيفه في جسم الفتى المؤمن الصابر، فلا يزيده التعذيب إلا عزماً وصلابة وإيماناً وإحساناً حتى مات .
علمت بموت ولدها فنذرت ألا يصيبها غسل حتى يقتل مسيلمة، ووفت بنذرها .

طبيبة المجاهدين

وإلى جانب دورها البطولي في المعارك، وشرف الدفاع عن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” كانت أم عمارة تقوم بواجبها الإنساني في تمريض المجاهدين، حيث كانت تحمل الأربطة على وسطها، وكلما أصاب أحد المجاهدين جرح، جرت إليه وضمدت جراحه، وطلبت منه أن ينهض بسرعة ليستأنف الجهاد في سبيل الله .
وكما فعلت مع الجميع، فعلت مع ابنها الذي جرح في أحد، وقالت له بعد أن أسعفت جراحه: قم وانهض إلى الجهاد، وعندما شاهد النبي “صلى الله عليه وسلم” ما أصاب ولدها أشار إلى أحد المشركين، وقال: “هذا ضارب ابنك” فسارعت إليه وضربته في ساقه فوقع على الأرض وأجهزت عليه .
وهكذا غيرت أم عمارة تلك القاعدة التي تقول: إن الحرب والجهاد شأن من شؤون الرجال، لا تستطيع النساء المشاركة فيه، أو تحمل أعبائه وقسوته، وأكدت عملياً أن ساحة الجهاد والكفاح الوطني تتسع للرجال والنساء، فالكل يحمل المشاعر الوطنية، والكل يستطيع أن يؤدي واجباته، دفاعاً عن دينه ووطنه وكرامته .
لقد أبلت هذه الفارسة في الغزوات التي شاركت فيها بلاء حسناً، وكلّما رآها النبي “صلى الله عليه وسلم” تدافع عن الإسلام والمسلمين هتف قائلاً: “من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة” .
فقدت نسيبة بنت كعب “رضي الله عنها” يدها في إحدى الغزوات، وقدمت ولدها شهيداً في سبيل الله، وعاشت تجاهد في سبيل الله بكل ما أوتيت من عزم وقوة، وكلمة الحق على لسانها، والسيف في يدها، ووعاء الماء في اليد الأخرى، والأربطة حول وسطها تضمد بها الجراح أثناء الغزوات، وكانت كلماتها ترفع همم المجاهدين، وتشد من أزر المقاتلين، فيكون النصر حليفهم، والسداد رفيقهم .

الثأر من الكذاب

وتمضي الأيام والسنون وترتفع راية الإسلام، ويفتح المسلمون مكة بإذن الله وعونه، ويلتحق النبي “صلى الله عليه وسلم” بالرفيق الأعلى، وينقلب المرتدون المنافقون على أعقابهم، فكانت معركة اليمامة وهي من أشرس المعارك على المسلمين وفيها قتل ابنها حبيب، فمضت تطلب قتل عدو الله مسيلمة الكذاب، فإذا به قتيل، وإذا عبدالله ابنها الآخر هو الذي أخذ بثأر أخيه وخلص الإسلام من رأس الفتنة .
تذكرت وعد النبي الكريم، ووعده حق أنها معه في الجنة، هي وأهلها، وتذكرت ردها عليه، بألا يشغلها أمر من أمور الدنيا أو تجزع لصروفها ومصائبها، ولكن تصبر وتحتسب لتنال في نهاية المطاف جزاء المحسنين الصابرين .
سبقت نسيبة بنت كعب الكثيرين، في كل ميدان مضت فيه، وفي كل غزوة خاضتها وشاركت فيها، وستظل السيرة الطيبة لهذه الفارسة النبيلة على كل لسان إلى يوم الدين، وسيذكر المسلمون لها هذا الموقف النبيل في غزوة أحد، عندما وقفت تقاتل دفاعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، أمامه وخلفه وعن يمينه وشماله، وهو يكرر كلماته: “من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة” .

أم عمارة وغزوة أحد

قال ابن هشام: وقاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم أحد، فذكر سعيد بن أبي زيد الأنصاري أن أم سعد بنت سعد بن الربيع كانت تقول: دخلت على أم عمارة فقلت لها: يا خالة أخبريني خبرك.

فقالت: خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس، ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله ﷺ وهو في أصحابه، والدولة والريح للمسلمين.

فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله ﷺ، فقمت أباشر القتال، وأذبُّ عنه بالسيف، وأرمي عن القوس، حتى خلصت الجراح إلي.

قالت: فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور، فقلت لها: أصابك بهذا؟ قالت: ابن قمئة، أقمأه الله، لما ولى الناس عن رسول الله ﷺ أقبل يقول: دلوني على محمد لا نجوت إن نجا.

فاعترضت له أنا، ومصعب بن عمير، وأناس ممن ثبت مع رسول الله ﷺ، فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كانت عليه درعان.

قال ابن إسحاق: وترس أبو دجانة دون رسول الله ﷺ بنفسه، يقع النبل في ظهره وهو منحن عليه، حتى كثر فيه النبل.

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، أن رسول الله ﷺ رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها، فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده.

قال ابن إسحاق: وحدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بني عدي بن النجار قال: انتهى أنس بن النضر، عم أنس بن مالك، إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم، فقال: فما يجلسكم؟

قالوا: قُتل رسول الله ﷺ.

قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله ﷺ، ثم استقبل القوم، فقاتل حتى قُتل، وبه سمي أنس بن مالك.

فحدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: لقد وجدنا بأنس بن النضر يومئذ سبعين ضربة، فما عرفه إلا أخته، عرفته ببنانه.

قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم: أن عبد الرحمن بن عوف أصيب فوه يومئذ، فهتم وجرح عشرين جراحة أو أكثر، أصابه بعضها في رجله فعرج.

من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة

قال عبد العزيز الرَّافعي في كتابه ((أم عمارة الصحابية الباسلة)) :

“لقد كان مصدر البطولة هذه المرَّة امرأة والمرأة حينما تتخطى حواجز أنوثتها لتدخل بطولة الأبطال من الرِّجال تعتبر بطولتها في ميدانهم أكثر استلفاتاً وأشد إثارة للإعجاب ” وهنا تميَّزت أم عمارة …
فكانت رضي الله عنها قد شهدت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم غزوة أحد، وقالت: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول : ((لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان)).
وكانت تقاتل يومها أشدَّ القتال، وكانت حاجزة ثوبها على وسطها حتَّى جرحت ثلاثة عشر جرحاً، وكانت تقول: (إني لأنظر إلى ابن قمئة وهو يضربها على عاتقها وكان أعظم جراحها داوته في سنة، ثم نادى منادي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى حمراء الأسد، فشدت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدَّم !!!
أيُّ صدق هذا، وأيُّ إخلاص، وأيّ حبٍّ لهذه الدَّعوة، وأيّ عظمة تلك لذاك الدّين يُبذل لأجله كل هذا ؟!
وجرح ابنها فنزف بغزارة, فقال له النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ))اعصب جرحك))، فسمعته أم عمارة، وكانت معها عصائب قد علقتها في وسطها، فأخذت منها وربطت بها جرح ابنها، وقالت: انهض وضارب القوم، فقال لها النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم : ((ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة ))..

قال فيها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة أحد عندما تخلَّف عنه الجميع ولم يبقى حوله إلاَّ القليل ومنهم أم عمارة : ((ما التفت يميناً ولا شمالاً إلاَّ وان أراها تقاتل دوني)) , وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم لابنها عبد الله بن زيد : ((بارك الله عليكم من أهل بيت , مقام أمك خير من مقام فلان وفلان, ومقام ربيك _ زوج امه_ خير من مقام فلان وفلان , ومقامك خير من مقام فلان وفلان رحمكم الله أهل بيت)). قالت أم عمارة : (ادعُ الله أن نرافقك في الجنَّة)، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم : ((اللَّهم اجعلهم رفقائي في الجنَّة)), فقالت: (ما أبالي ما أصابني من الدنيا).
وجرح ابنها فنزف بغزارة, فقال له النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ))اعصب جرحك))، فسمعته أم عمارة، وكانت معها عصائب قد علقتها في وسطها، فأخذت منها وربطت بها جرح ابنها، وقالت: انهض وضارب القوم، فقال لها النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم : ((ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة ))..
يا بني انهض فضارب القوم … أيُّ أم منَّا تستطيع أن تلقي ولدها إلى الموت، بل وتدفعه إليه دفعاً .. بل تراه يتهاوى أمامها، فتربط على جرحه وتدفعه ليكمل ما ربته عليه، وما نذرت لله نفسها وبنيها، وما بايعت عليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأيّ أم منا تطيق ما طاقت أم عمارة ؟!
وشهدت رضي الله عنها حرب اليمامة، وذلك لما بعث خالد بن الوليد إلى اليمامة، جاءت إلى أبي بكر الصّديق رضي الله عنه، فاستأذنته للخروج فقال : (قد عرفنا بلائك في الحرب، فاخرجي على اسم الله )، وأوصى خالداً بها وكان مستوصيّاً بها، وقد جاهدت باليمامة أجل جهاد، وجرحت اثني عشر جرحاً، وقطعت يدها وقتل ولدها ..
وظلت أم عمارة على ما هي عليه من جهاد متواصل مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ومع خلفائه رضوان الله عليهم حتَّى ارتقت روحها المطمئنة إلى بارئها سنة 13 هـ، ودفنت في البقيع ..فهنيئا لكِ يا أمَّ عمارة … وأعاننا المولى على الاحتذاء بكِ يا رفيقة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الجنَّة …

أم عمارة تذود عني

[ذود أم عمارة عن الرسول يوم أحد]

زادت حدة المعركة واجتمع الكفار على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فهجموا عليه هجمة واحدة، وأقبل أحدهم يقال له ابن قميئة يقول: دلوني على محمد، لا نجوت إن نجا.

فاعترضته المجاهدة المقاتلة، اعترضته أم عمارة، ومعها مصعب بن عمير، فاستشهد مصعب، ووقفت أم عمارة في وجه الكافر، فضربها ضربة أصابتها في عنقها إصابة بالغة، فما وهنت وما ضعفت وما استكانت، بل ردت الضربة ضربات، ولكن عدو الله كان معه درعان.

يقول صخرة بن سعد المازني حفيد أم عمارة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يرى نسيبة أم عمارة يومئذ تقاتل أشد القتال حتى جرحت ثلاثة عشر جرحاً، ثم يقول: وإني لأنظر إلى ابن قميئة وهو يضربها على عنقها وقد أعظم جراحها، فنظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جرحها، فنادى ابنها عبد الله: أمك، أمك؛ اعصب جرحها بارك الله عليكم من أهل بيت)، ما أعظمها من دعوة وشهادة وتزكية لذلك البيت! (فلما سمعت أم عمارة صوت النبي صلى الله عليه وسلم والدم ينفجر منها صاحت: ادع الله أن نرافقك في الجنة، فأتاها الجواب منه صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة، اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة، فهتفت رضي الله عنها: والله ما أبالي ما أصابني من الدنيا بعد اليوم).

هل سمعت الأمنية؟! هل سمعت المطلب؟! هل سمعت السؤال؟! إنها مرافقة الحبيب في الجنة، وما أدراك ما الجنة؟! ريحانة تهتز، ونور يتلألأ، ونهر مطرد، وقصر مشيد، وثمرة نضيجة، فأين المشمرات؟! أين الصادقات؟! أين العابدات؟! (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها).

اعمل لدار غدٍ رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها دلالها المصطفى والرحمن بايعها وجبرائيل ينادي في نواحيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها أنهارها لبن تجري ومن عسل والخمر يجري رحيقاً في مجاريها من يشتري الدار بالفردوس يعمرها بركعة في ظلام الليل يحييها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها ولا زال للتاريخ حديث يخبرنا به عن أم عمارة وماذا صنعت، وماذا سطرت.

فلما عاد القوم إلى المدينة وقد استشهد الصفوة الأخيار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، رجعت أم عمارة صابرة على جراحها، وفي اليوم التالي نادي منادي النبي صلى الله عليه وسلم للخروج مرة ثانية لمن شهد المعركة فقط، وأرادت أم عمارة أن تخرج، وهي التي أصيبت إصابات بالغة، شدت عليها ثيابها فما استطاعت من شدة الجراح والآلام وكثرة النزف، فمكثت وهي كارهة، وحولها نساء المسلمين يضمدن جراحها، حتى عاد النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام.

فلما وصل أرسل إليها عبد الله بن كعب المازني يسأل عنها، فأخبروه أنها بخير وسلامة، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بسلامتها، وكيف لا يفرح وهي التي فدته بروحها.

لقد كانت رضي الله عنها مجاهدة ومربية للمجاهدين، فلقد شهد أبناؤها المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تشعل في نفوسهم الحماس وروح الجهاد، فلم يتخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في معركة من معاركه.

ونحن نريدك أن تشعلي الحماس في النفوس، وتبثي حب الجهاد والتضحية لهذا الدين الذي هو شرف لكِ وعز في الدنيا والآخرة {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف:44

تضحية أم عمارة

بدايات النور وبواكير الدعوة:
سمعتْ أمُّ عمارةَ بالدِّين الجديد الذي ذاع صِيتُه على استحياء في جنبات مكَّة، فراحتْ ترقب أخبارَه جادَّةً باحثةً عن الحقِّ المبين، حتى أشرق نور اليقين في قلبها، وملأ عليها جنباتِها، فلم تلبثْ إلاَّ يسيرًا حتى أسلمتْ، وكانتْ بذلك من السابقين الأوَّلين إلى الإسلام، وكان ذلك حين بايعتْ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في بيعة العَقبة الثانية.

ومضتْ أمُّ عمارة قُدمًا تهبُ طاقاتِها لخدمة هذا الدِّين منذُ لحظاتها الأولى في الإسلام، فكان شغلُها الشاغل وهمُّها الكبير أن تثْبت للمرأة المسلمة دَورَها الواضح في خِدمة الدَّعوة، كما أظهرتْ طاقاتٍ عظيمةً سخَّرتها في بناء جيلٍ مسلم بالتربية القويمة والتنشئة الطيِّبة، فغذتْ أولادَها بمعاني الجِهاد، وطلب الشهادة في سبيل نصرة دِين الله، فأخذوا ينهلون من إيمان والدتهم العظيم، وضربوا أروعَ الأمثلة في البطولة والجِهاد.

حضرتْ نسيبة – رضي الله عنها – معظمَ المشاهد مع رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وكانت تهبُ نفسَها ورُوحَها، وكلَّ طاقاتها في سبيل بقاء الإسلام عزيزًا شامخًا، فقد شاركتْ في مُجمل أحداث الدَّعوة الأولى التي خطَّتِ المعالِمَ الرئيسة للدِّين الجديد، فقد شهدتْ بالإضافة إلى بَيعةِ العقبة الثانية كُلاًّ من بيعة الرِّضوان، وصلح الحُديبية، وعمرة القضاء.

لم تكن هذه المشاعر والعواطف النبيلة التي ملأتْ على أمِّ عمارة فؤادَها، نتيجة نزعة عابرة تزول على مرِّ الأيَّام؛ بل كان مصدرُها إيمانًا عميقًا، ويقينًا بالله ورسوله، وهو إيمانٌ ثابت لا يزول، أو يتزحزح أمامَ أيِّ قوَّة من قوى الظُّلم، واستطاعتْ بذلك أن تُسجِّل على أوراق الدَّهر من الأعمال والفضائل التي قلَّ نظيرها.

المزيد من العطاء والجهاد:
لم تَرتَوِ أمُّ عمارةَ بما كان منها حتى الآن؛ بل أخذتْ تُقدِّم – رضي الله عنها – المثلَ الأعلى في التضحية والفِداء، فكثُرتْ صورُ عطائها المشرق، وبان ثباتُها في الملمَّات الصِّعاب، وفاقتْ قوَّتُها وشجاعتها قوَّةَ الرجال، ومن ذلك ما قامتْ به يومَ أُحد سَنةَ ثلاث من الهجرة، وكانتْ تشارك في سقاية الجُند، وتحمل بيدها الماء في قِربةٍ صغيرة، وتدور به على الجرحَى والعطشى.

لم تقتصرْ تلك المرأة العظيمة، على تقديم المساعدة إلى الجيش الإسلاميِّ فحسبُ؛ بل نراها تشارك أيضًا في القِتال، وها هي تُخبرنا عن ذلك فتقول: “خرجتُ أوَّلَ النهار إلى أُحد، وأنا أنظر ما يصنع النَّاسُ، ومعي سِقاءٌ فيه ماء، فانتهيتُ إلى رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وهو في أصحابه، والدَّولة والرِّيح للمسلمين، فلمَّا انهزم المسلمون، انحزتُ إلى رسول الله، فجعلتُ أُباشِر القِتال، وأدافع عنه بالسَّيف، وأرمي بالقوْس حتَّى خلصتْ إليَّ الجراح”، تقول راوية الحديث – وهي جميلة بنت سعد بن الرَّبيع -: “فرأيتُ على كَتفِها جرحًا له غَورٌ أجوفُ”.
وقد شوهدتْ – رضي الله عنها – في ذلك اليوم المشهود، وهي تُقاتل أشدَّ القِتال، وكانتْ تحجز ثوبَها على وسطها، حتى جُرحتْ ثلاثةَ عشر جرحًا، وكان أعظمُ هذه الجراح ناشئًا من ضربةِ الفارس المشرك ابن قميئة، لَمَّا ضربها الشقيُّ وهي تدافع بجسدها عن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وجلستْ تُداوي جُرحَها ذلك سَنة كاملة.

وتَمضي أمُّ عمارة في سبيل الجِهاد يومَ أُحد قُدمًا، وقد شعرتْ بدقَّة الموقف، ورسول الله مستهدفٌ فمضتْ تَقِيه وتفديه، وتُناجِز العدوَّ، فلا تعبأ بما يُصيب جسدَها من جراح، وما ينال صدرَها مِن سِهام، ويعجب حينها – صلَّى الله عليه وسلَّم – بصنيعها، فيقول: ((لَمَقام نسيبةَ بنت كعب خيرٌ من مقام فلان وفلان))، وعنها يقول أيضًا: ((ومَن يُطيق ما تُطيقين يا أمَّ عمارة))، ويقرُّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – لأمِّ عمارة فضلَها وبلاءَها في ذلك اليوم المشهود، فيقول: ((ما التفتُّ يمينًا ولا شِمالا ًإلاَّ رأيتُها تقاتل دوني))، وفي ذلك إقرارٌ بالاستبسال، ومقاتلة العدوِّ قتالًا مباشرًا، بالإضافة إلى خِفَّة الحركة بالذود عن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – حتى نهاية المعركة.

ويُصاب ابنُها عبدالله، فتجرح عضدُه اليُسرى، وغدتْ تنزف نزفًا غزيرًا، فراحتْ أمُّه تُمرِّضه وتضمِّده، حتى إذا اطمأنَّتْ عليه قالتْ له: “انهض بُنيَّ فضاربِ القوم”، ولم يملكْ حينَها رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – إلاَّ أن يدعوَ لهذه الأُسرة المجاهدة مِن سويداء قلبه قائلًا: ((بارك الله عليكم مِن أهل بيت، ورَحِمكم الله أهلَ بيت، اللهمَّ اجعلهم رُفقائي في الجنَّة))، فبوركتْ حينَها أمُّ عمارة ببركة هذا الدُّعاء، وبورك لها مقامُها الطيِّب، وتفرُّ من مُقلَتيها دموعُ الفرح الباكي، وهي تقول: “ما أُبالي بعدَها ما أصابني من الدنيا”.

حاولتْ أمُّ عمارة بعدَ أُحد المشاركةَ في غزوة حمراء الأسد، وشدَّتْ عليها ثيابَ الجِهاد رغمَ ما نزل بها من شدَّة البلاء يومَ أُحد، إلاَّ أنَّ إلحاح نزيف جرحِها الطريِّ الذي لم يبرأْ بعد، منعها من الخروج وصدَّها عن متابعة المسير، فرجعتْ وعينُها تَفيض من الدَّمع حزنًا من عدم تمكُّنِها من تلبية نداء الجِهاد، وانكبَّ عليها أهلُها وذووها يمرِّضونها ويضمِّدون عليها جراحها النازفة

اسم الصحابية نسيبة

نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار

نسيبة المازنية أم عمارة

فإن أم عمارة نَسيبة بنت كعب المازنية النجارية الأنصارية.. إحدى نساء الصحابة الجليلات، ومن أسرة عريقة في المجد والإسلام، قال ابن حجر في الإصابة: شهدت بيعة العقبة مع زوجها وابنيها وأختها، وزوجها صحابي جليل زيد بن عاصم، وابنها حبيب هو الذي قطعه مسيلمة الكذاب عضواً عضواً، عندما جاءه يحمل رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب منه أن يشهد له بالرسالة فرفض، فقطعه عضواً عضواً، فأقسمت نسيبة لتنتقمن منه، وابنها عبد الله بن زيد هو الذي روى لنا كيفية وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
شهدت نسيبة مع زوجها وابنيها موقعة أحد، وكانوا من القلائل الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ودافعوا عنه دفاع الأبطال، دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: بارك الله فيكم من أهل بيت. وفي رواية: رحمكم الله من أهل بيت.
قالت نسيبة للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن نرافقك في الجنة. فقال: اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة. قالت نسيبة: ما أبالي ما أصابني بعد ذلك في الدنيا. ذكر هذا الذهبي في سير أعلام النبلاء.
وشهدت نسيبة بيعة الرضوان يوم الحديبية، كما شهدت يوم حنين، ويوم اليمامة مع جيش خالد بن الوليد وفي ذلك اليوم قَتل ابنُها عبد الله مسيلمة الكذاب. قال الذهبي: جرحت يوم اليمامة اثني عشر جرحاً وقُطعت يدها، وكان أبو بكر يسأل عنها وهو خليفة، وعندما عادت إلى المدينة كان يزورها.
ونسيبة من أهل بيت وهبوا حياتهم وكل ما يملكون لله ولرسوله، ولهذا الدين العظيم رضي الله عنهم أجمعين.
قال صاحب الغزوات: وعاشت بعد ذلك ويدها شلاء لا تمسح بها على مريض إلا شفاه الله.
أما قصة استهزاء المرأة بها فلم نقف عليها، ولمزيد من أخبارها يمكنك الرجوع إلى سير أعلام النبلاء، والإصابة في تمييز الصحابة، وأسد الغابة، والاستيعاب.
والله أعلم.

السابق
دواء ايماكورت – Emacort علاج التهاب الجلد التأتبي.
التالي
دواء ايمثاكسيت EMTHEXATE علاج في الأورام السرطانية

اترك تعليقاً