احكام الشريعة الإسلامية

بحث عن السنة النبوية

بحث عن السنة النبوية

سنة (إسلام)

يختلف تعريف السُنة عند المسلمين بحسب مجال استخدامها:

  • عند المحدثين السنة هي: «كل ما أثر عن النبي Mohamed peace be upon him.svg من قول أو فعل أو تقرير أو سيرة أو صفة خَلقية أو خُلقية، سواء أكان ذلك قبل البعثة أم بعدها». راجع الحديث النبوي.
  • عند علماء أصول الفقه؛ السنة هي: المصدر الثاني للتشريع. ويقصد بها الحديث نبوي من حيث أنه الأصل الثاني لتشريع الأحكام، وأيضا بمعنى: الحكم التكليفي المندوب غير الفرض.
  • في علم مصطلح الحديث السنة هي: «ما أضيف إلى النبي Mohamed peace be upon him.svg من قول أو فعل أو تقرير».
  • عند الفقهاء السنة هي: «ما دل عليه الشرع من غير افتراض ولا وجوب» أو «ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه».
  • عند علماء العقيدة؛ السنة هي: «هدي النبي Mohamed peace be upon him.svg في أصول الدين، وما كان عليه من العلم والعمل والهدى، وما شرعه أو أقره مقابل البدع والمحدثات في الدين». وقد تطلق السنة أيضا بمعنى الدين كله.

السنة في القرآن الكريم

أما عن مصطلح السنة فهي كلمة عربية قديمة، كانت تعرف قبل ذلك في عصر ما قبل الإسلام (الجاهلية). وقد يعرف المعني عادة ب (المارسة المتبعة) أو ( الممارسة). ولقد وردت كلمة سنة في القرآن الكريم حوالي ستة عشر مرة 16، وقد استخدمت في أوائل التسلل الزمني للقرآن في الآيات المدنية في فترة الوحي. وتعرف هذه الاعمال بالسنة أي سنة الله أو سنة الأولين (أول جيل بعد عهد النبي صلي الله عليه وسلم).أما بالنسبة للمفهوم الأساسي في وقت إسلامي لاحق لممارسة النبي Mohamed peace be upon him.svg للأعمال (’’سنة النبي’’)، فلا يمكن العثور عليها في القرآن الكريم، غير أنه مع ذلك مرسخ في القرآن الأحكام الإسلامية والصورة التشكيلية للسنة الماضية، -’’السنة الماضية’’- هي التي تحتوي علي إلزام، أنها جاءت في وقت سابق لاستعمالها. ويشتق الفعل العربي (مضي) من اسم الفاعل (ماض), وكما أشار ( Meïr Bravmann ) أنه يشتمل علي كلا من المعنين السابق والالتزام.

ويوجد في القرآن أيضا سنة الأولين وهذا ما ورد في سورة الأنفال -اية 38 ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾ [8:38]

السنة السيرة والحديث في الاستخدام القرآني

وهناك معني آخر للسنة وهو (الاستعمال) وهذا شائع بوجه عام، وقد يختلف علي حسب المنطقة والمكان – الذي تستخدم فيه- ،ولهذا في كتاب الموطأ للأمام مالك بن أنس (رضي الله عنه) تعتبر سنة أهل المدينة جزء رائد في الفقه الإسلامي. و في جميع المراكز حول العالم الإسلامي تحدث المرأ في بدايات القرن الثاني للمسلمين عن مصطلح (السنة عندنا) أو (السنة في رأينا)، دون أن يكون ذلك راجع للسنة النبوية في شيء.[2] والمعني المناقض والمضاد للسنة هو البدعة. وأيضا يظهر في الكتب الإسلامية السالفة مصطلح آخر للسنة وهو (السيرة)، وهذا بمعني السلوك أو أسلوب المعيشة، وكما أشار ( محمد براف مان) -1927- أنهما في كثير من الأحيان علي حد سواء في الاستخدام، سنة النبي وسيرته. ومن هذه الحالات تعتبر السيرة من حياة الأنبياء كنموذج أدبي، لكنها تطلق أيضا علي حياة النبي محمد Mohamed peace be upon him.svg ، ولقد قام ابن إسحاق 768م بالتمييز والمقارنة في هذا الموضوع. وبالإضافة إلي القرآن الكريم فإن السنة النبوية تعتبر هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي وفي الفقه الإسلامي. وقد حدد الإمام الشافعي (820م) في كتابه أن السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، وهذه السنة تكون من الأحاديث المتصلة بإسنادها للنبي Mohamed peace be upon him.svg . ولكن كان الإمام أحمد بن حنبل (855م) أول من حاول ربط السنة كمصدر للتشريع مع نصوص القرآن الكريم ، وقد استدل علي ذلك بقوله تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) سورة الأحزاب.

السنة كمصدر ثان للتشريع

تعتبر سنة النبي كما أوضح القرآن باعتبارها المصدر الثاني للتشريع، تم التأكيد عليها مرارا وتكرارا في القرآن الكريم. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴾ [8:20]، وقال تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾ [5:92] ، وقال تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [24:54] .

والذي يتبع السنة النبوية يسمي بصاحب السنن، ولذا كان في القرن الإسلامي الثاني (الثامن ميلاديا) بعدما ألفت علوم الحديث كان يسمي بهذا الاسم صاحب السنة والجماعة. وبالتالي تربط التقاليد الإسلامية القرآن بالسنة والتي يجب اتباع القياس فيها حتي نضمن وحدة المسلمين أجمعين، وخطاب النبي محمد صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع يجمع هذه الأفكار كلها. يقول Mohamed peace be upon him.svg ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلو بعدي أبدا كتاب الله وسنتي).

أنواع السنة النبوية

لمّا كان النبيّ محمد -صلَّ الله عليه وسلم- خير البشر فلا بُد أن يكون كلامه محط اهتمام وأنظار الجميع، فكان من حوله يتتبّعون كلامه وأفعاله فيقتدون به وينقلون لغيرهم ما رأو أو سمعوا منه – صلى الله عليه وسلّم- إذ إن الاقتداء به طريقٌ لدخول الجنة والبعد عن النار، لذلك كانوا يتبعونه أينما حلّ وذهب ليقتدوا به أحسن اقتداء، وغير أن اتباعه سبيلٌ إلى الجنّة، فقد كان أفضل نموذج بشري للأخلاق، فإن السنة النبوية لم تقتصر على كلام الرسول فحسب بل على أفعاله أيضًا.

السنة القولية

أول أنواع السنة النبوية التي سيتمّ الحديث عنها هي السنّة القولية وهي وَرد عن النبي -صلّ الله عليه وسلم- من أقوال فمثلًا حديث” من أحدَث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. ” هذا قول ورد عن الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- بوحيٍ من الله فالحديث النبوي الشريف معناه من الله ولفظه من سيدنا محمد، وهي أقوى حجّة من باقي أنواع السنّة، فإذا تعارض القول مع الفعل رُجِّح القول؛ لأن فيه ذكر صريح بطريقٍ مباشر، وقد يكون الفعل خاصًا به من دون الناس فقصد هنا من الفعل الخصوصيّة له -صلّ الله عليه وسلم- لكن القول يبقى واضحًا عامًا موجّهًا لعامّة الناس.

السنة الفعلية

أمّا السنّة الفعلية فهي احدى أنواع السنة النبوية وهي ما نُسِب إلى الرسول – صلّ الله عليه وسلم- من أفعال، أي هي فِعل الرسول فمثلًا: حديث عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما قال: “كان رسول الله إذا قام في الصلاة يرفع يديه حتى إذا كانتا حذو منكبيه كبّرثم إذا أراد أن يركع رفعهما حتى يكونا حذو منكبيه كبّر وهما كذلك ركع ثم إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما حتى يكونا حذو منكبيه قال: سمع الله لمن حمده ثم يسجد ولا يفع يديه في السجود ويرفعهما في كل ركعة وتكبيرة كبّرها قبل الركوع حتى تنقضي صلاته” ، فهذا الحديث يدل على فعل الرسول -صلّ الله عليه وسلم- في الصلاة، فاقتدى الناس به في ذلك وعُرفت كيفية أداء الصلاة من فعله -صلّى لله عليه وسلم- حتّى هذا الزمان تتمّ الصلاة كما فعل.

السنة التقريرية

آخر أنواع السنة النبويّة التي تلي السنة الفعلية هي السنّة التقريرية وهي ما صدر من الصحابه من قول أو فعل فأقرّّهم عليه النبي -صلّى الله عليه وسلم- فاستحسنها أو لم ينكرها عليهم، فمثلًا: حديث خالدِ بن الوليد قال: “أُتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بضبٍ مشويٍ، فأهوَى إليهِ ليأكلَ، فقيلَ له: إنهً ضَبّ، فأمسكَ يده، فقال خالد: أحرامٌ هوَ؟ قال: لا، ولكنَّهُ لا يكون بأرضِ قَومي، فأجِدُني أعافُه، فأكلَ خالدٌ ورسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَنظر”  إذْ إقرّ الرسول على خالد أكل الضب ولم ينكره عليه، لكن السنّة التقريرية أضعف في وجوب الاتباع إذ قد تكون خاصّة في لحالة أو ظرف مُعين.

السنة النبوية الشريفة كاملة pdf

اضغط هنا لتحميل ملف السنة النبوية

السنة النبوية مكوناتها و خصائصها و مقاصدها

ا – تعريف السنـة لغة وشرعا

السنة لغة هي : الطريقة والسيرة المسلوكة محمودة كانت أو ذميمة .
وشرعا هي: كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه و سلم من قول أو فعل أو تقرير . أو صفة خلقية أو خلقية أو سيرة.

ب- مكونات السنة النبوية

انطلاق من التعريف السابق يتبين إن السنة أنواع :

1- السنة القولية :
وهي ما حدث به النبي صلى الله عليه و سلم في مختلف الأغراض والمناسبات من غير اقترانه بفعل

2- السنة الفعلية :
هي الأعمال التي قام بها النبي صلى الله عليه و سلم على وجه البيان للقرآن الكريم والتبليغ عن الله سبحانه للأمة سواء اقترنت بقول أم لا .
– ويشترط كون الفعل صادرا عنه صلى الله عليه و سلم بقصد التشريع ،فتخرج الأفعال الجبلية وخصائصه واجتهاده في أمور الدنيا..

3- السنة التقريرية :
« هي ما أقره النبي صلى الله عليه و سلم مما صدر عن بعض الصحابة من أقوال وأفعال سواء أكان بمحضر رسول الله صلى الله عليه و سلم أو بمجلس آخر بسكوته و عدم إنكاره أو بموافقته واستحسانه » لأن النبي صلى الله عليه و سلم لا يسكت على منكر

4- صفته صلى الله عليه وسلم :
والتي تشمل أوصافه الخلقية والخلقية .. المجلية لخلقه العظيم

5- سيرته صلى الله عليه وسلم :
وهي الأحداث والوقائع الثابتة بالروايات الصحيحة المتعلقة بحياته صلى الله عليه و سلم وحياة الواقع حوله منذ الولادة إلى حين وفاته صلى الله عليه و سلم

ج – خصائص السنة النبوية
تتميز السنة النبوية بعدة خصائص نذكر منها :

1- خاصية الشمول :
بحيث تشمل حياة الإنسان كلها من البداية إلى النهاية ،وحضورها في كل مجالات الحياة المتنوعة، وإحاطتها بكل أبعاد الإنسان

2 – خاصية التوازن :
أي تتميز بمنهج وسط لأمة وسط لا إفراط ولا تفريط ،لا غلو ولا تقصير ،كما ورد في عدة حوادث عن النبي صلى الله عليه
و سلم أنه كان يوجه أصحابه إلى التوازن ويحذرهم من الغلو كما في قصة النفر الثلاثة

3- خاصية اليسر :

أي تتميز باليسر والسهولة والسماحة ،دون إحراج أو إرهاق كما ورد ذلك جليا في عدة أحاديث عنه صلى الله عليه و سلم منها « إنما أنا رحمة مهداة » وقوله « يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا » صحيح البخاري.

د – مقاصد السنة النبوية

وهي تتحدد من خلال مهامه صلى الله عليه و سلم

1- تبليغ القرآن الكريم : كما أمرنا الله بذلك في آيات عديدة

2- البيان للبلاغ القرآني وتوضيحه وتفصيله : قال تعالى { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} النحل

3- التجسيد العملي للبلاغ القرآني : فحياته صلى الله عليه و سلم وسيرته ،نموذج تطبيقي لما في القرآن الكريم . قال تعالى : «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة …..»
وفي حديث عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلقه صلى الله عليه و سلم قالت : « كان خلقه القرآن »

4- التعليم والتربية والتزكية للجماعة المؤمنة المتضمنة لحسن فهم الدين والإيمان به إيمانا يدفع للعمل به والعمل له

خطبة عن أهمية السنة النبوية

الحفاظ على السنة النبوية

{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}[النساء:65].

فالله -جل جلاله- يقسم هذا القسم بنفي الإيمان عنهم حتى يحكموا النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما شجر بينهم، وذلك فيما وقع بينهم من الخلاف، ويجعلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حكماً بينهم، ينفذ حكمه عليهم أعظم من نفوذ أحكام نفوسهم على نفوسهم، وهذا من مقتضى إتباعه -صلى الله عليه وسلم- وطاعته ومحبته، أن يكون عليه الصلاة والسلام هو المطاع وهو المقدم وهو الأولى بالإنسان من نفسه، كما قال الله -عز وجل- في سورة الأحزاب: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} [الأحزاب:6]، ويدخل في ذلك ألوان من هذه الأولوية له -عليه الصلاة والسلام-، فهو أولى بالمحبة وأولى بالطاعة وأولى بالتقديم وأولى بالإجلال والإعظام، وحكمه عليهم أنفذ من حكمهم على أنفسهم.

كل هذه المعاني داخلة في قوله: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} والقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، فمن طلب التحاكم إلى غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد خاب وخسر وصار متحاكماً إلى الطاغوت.

والله -عز وجل- يكذب هؤلاء معبراً عن إيمانهم المدعى بأنه مزعوم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا}[النساء:60-61].

فالمقصود أن هؤلاء الذين لا يتحاكمون إليه -صلى الله عليه وسلم- في حياته، ويرفضون التحاكم إلى شرعه وسنته بعد موته -عليه الصلاة والسلام-.
وهذا من مقتضى تحكيمه كما في هذه الآية: {حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ}: أي يحكموا شرعك وسنتك {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}، وليس ذلك فحسب، بل {ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} أي: لا يجدوا ضيقاً من حكمك ويسلموا من غير معارضة ولا تردد، وإنما ينقادون تمام الانقياد، فهذه حقيقة الإيمان برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
والله يقول: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ}[النساء:59]، إن تنازعتم في شيء: وشيء نكرة في سياق الشرط تعم، أي في أي شيء، {فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}، فهذا هو النهج الصحيح لرفع الخلاف بين الناس، فإذا وقع بينهم إشكال أو خلاف فإنهم يرجعون إلى هذا الأصل الكبير، التحاكم إلى الشرع، التحاكم إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
والشيطان قعد للناس في كل مرصد بكل طريق يصدهم على سبيل الله -عز وجل- والإنسان حينما يتفكر في ضلال من ضل يتعجب يقول: كيف افترقت هذه الأمة إلى هذه الفرق وعندهم كتاب الله -عز وجل- وعندهم سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؟

ولكن إذا نظرت وجدت أن هذه الطوائف قد وضع الشيطان لهم سدوداً تحول بينهم وبين طاعته -صلى الله عليه وسلم- والتحاكم إلى شرعه، فالرافضة مثلاً إذا قيل لهم: تحاكموا إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- لنعرف المحق من المبطل، قالوا: هذا القرآن محرف ولا يوثق به، وهذه السنة رواها صحابة كفرة ارتدوا على أعقابهم لم يبق إلا نفر قليل، فكيف نثق بها؟ ومن قال: إن الرسول هو الذي قالها؟ فهؤلاء كيف ترجع معهم إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؟

تحتاج أن تثبت لهم أولاً أن القرآن غير محرف، وأن الصحابة لم يرتدوا، ثم بعد ذلك تطالبهم بالتحاكم إلى الكتاب والسنة، وإذا سألتهم: ترجعون إلى ماذا؟ يقولون: عندنا أقوال الأئمة المعصومين.

جعلوا بشراً من غير الأنبياء لهم العصمة بأن لهم درجة ومرتبة تخضع لها جميع ذرات الكون، وأن كلامهم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وإذا أتيت إلى الصوفي وقلت له: نتحاكم معك إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، قال: أنتم تروون ميتاً عن ميت، حدثني فلان، حدثني فلان، حدثني فلان، ونحن نحدث عن الحي الذي لا يموت، يقول: حدثني قلبي عن ربي مباشرة، بالمواجيد والأذواق والإلهام الذي يدعون أن الله ألهمهم إياه، فهذا كيف ترجع معه إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟

وإذا نظرت أصحاب النـزعة العقلية من المعتزلة من المعاصرين والقدامى وقلت لهم: نتحاكم إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فنعرف الحق.

قالوا: الكتاب والسنة ما لم يثبت بطريق التواتر فإنه لا يوثق به في العقائد، وما ثبت بطريق التواتر فهذا يحتمل أن يكون منسوخاً أو مقيداً أو مؤولاً أو مجملاً أو نحو ذلك، وإنما نرجع إلى الأصل الكبير الذي لا يحصل فيه هذا التفاوت وهو العقل، هو الذي يحكم في القطعيات!
نقول لهم: حتى هذا العقل يتفاوت الناس فيه، ولذلك اختلفتم على فرق كثيرة، فالمعتـزلة فرق يلعن بعضها بعضاً، ويكفر بعضهم بعضاً، اختلفتم بالعقل، ولهذا جاءت طائفة فقالوا: حتى العقل لا يوثق بحكمه؛ لأنه يتفاوت، إذن: ماذا تريدون؟ قالوا: نرجع إلى الحس؛ الحس لا يخطئ، فجاءت طائفة فقالوا: حتى الحس يرى العصا في الماء منكسرة ويرى النجم من بعيد صغيراً، ويرى الإنسان على هيئة الشجرة من بعيد، حتى الحس، إذن: وماذا تريدون لا شرع ولا عقل ولا حس؟
ظهرت طوائف السفسطائية وأناس لم ينتفعوا ببعث الأنبياء أصلاً -عليهم الصلاة والسلام- وإذا قرأت في كتب بعض هؤلاء تقول: هؤلاء ما نظروا في الوحي، حتى إن بعضهم لما أراد أن يقرأ وهو من علماء المتكلمين، أراد أن يقرأ آية فتح المصحف وبدأ يقرأ في سورة الأعراف: المصّ، يريد قوله تعالى: {المص} [الأعراف:1]، عالم ما يعرف يقرأ: {المص}، يقرأ: المصّ هذا عالم، ما يعرف يقرأها!!
فهؤلاء أئمة الضلال، والله -عز وجل- يقول: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}[النساء:59]، ما يرد إلى العقل، ولا إلى الذوق، ولا إلى المواجيد، ولا إلى أئمة تدعى لهم العصمة، يقول: قال العلماء معناه إلى الكتاب والسنة -هذا بعد موته -عليه الصلاة والسلام-.

وقال تعالى:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} [النساء:80]؛ لأن ربه أمره بأن يأمر الناس، وأجرى ذلك على لسانه، وأوحاه إليه فطاعته من طاعة الله -عز وجل-.

وقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ* صِرَاطِ اللَّهِ} [الشورى:52-53]، تهدي أي هداية إرشاد ودلالة تدل الناس على الحق، وعلى الصواب في كل أمر من أمورهم، وذلك فيما يقيم لهم حياتهم الدنيا على وجه الكمال، وما يقيم لهم آخرتهم وتحصل لهم به النجاة.
{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}: الصراط هو الطريق الواسع الذي يسترق المارة، فصراط الله -عز وجل- صراط مستقيم، والسبل من جانبيه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- قال: “كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فخط خطاً، وخط خطين عن يمينه، وخط خطين عن يساره، ثم وضع يده في الخط الأوسط فقال: ((هذا سبيل الله))، ثم تلا هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [الأنعام:153][ رواه ابن ماجه افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم – باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم (11) (ج / ص 6)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (ج 1 / ص 7).].

وفي رواية عند ابن حبان من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- قال: خط لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطاً فقال: (هذا سبيل الله)، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال: (وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه)، ثم تلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} إلى أخر الآية [صحيح ابن حبان (ج1 / ص 180) وقال شعيب الأنؤوط: إسناده حسن].

هؤلاء ليبرالية، وهؤلاء علمانية، وهؤلاء حداثة، وهؤلاء صوفية، وهؤلاء تيجانية، وهؤلاء رافضة، وهؤلاء معتزلة، وهكذا من الفرق القديمة والحديثة، فهذه السبل على كل سبيل شيطان يدعو إليه.

وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:63]، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}: الأمر هنا مفرد مضاف إلى معرفة –الهاء- وذلك للعموم، فليحذر الذين يخالفون عن أوامره أن تصيبهم فتنة، والفتنة تفسر بمعان: الفتنة تأتي بمعنى الشرك، وتأتي بمعنى العذاب الذي يقع بهم سواء كان ذلك بالمحق والإهلاك، أو كان ذلك بما يحصل من تقليب قلوبهم وإزاغتهم وضرب قلوب بعضهم ببعض، كما قال -عز وجل-: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً}[الأنفال:25]، لما قال –جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ* وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:24-25].

فإذا رد الإنسان سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه قد يقلب قلبه -نسأل الله العافية- ويطمس عليه، وبعد ذلك لا ينتفع بوعظ واعظ ولا بآية، ولا بسنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يلقى الله -عز وجل- على شر حال.

ولقد سأل رجل الإمام مالك -رحمه الله- قال له: أريد أن أحرم من بيتي، أو من قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من القبر، فقال: لا، إلا الميقات، فقال: وماذا علي إذا زدت، إنما هي مسافة يسيرة، يعني من قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ميقات المدينة في أبيار علي، في ذي الحليفة، فقال: إني أخشى عليك الفتنة، قال: وأي فتنة؟ قال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].

وقال تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:34]، والمقصود بالحكمة هنا هي سنته -صلى الله عليه وسلم- وذلك أن الله -عز وجل- وجه أمهات المؤمنين إلى القرار في البيوت: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]، وجههن إلى هذا الاشتغال النافع في قعر البيوت، وهي التشاغل بكتاب الله -عز وجل- تلاوة وتدبراً وتفهماً وتعلماً، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- كذلك بالعمل بها ومتابعتها، فتبقى المرأة في بيتها عاملة بطاعة الله -جل جلاله- وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- والتأسي به، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:21].

هذا هو الذي أمرنا الله -عز وجل- به، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

السابق
فوائد ماء المرقدوش
التالي
طريقة استخدام القسط الهندي

اترك تعليقاً