الأسرة في الإسلام

بر الوالدين بعد وفاتهما

بر الْوَالِدَيْنِ بعد وفاتهما

مما لا شك فيه أن مقام الوالدين عظيم، وأن العبد إذا وفقه الله لبر والديه والإحسان إليهما وهما أحياء فقد أعانه على عبادة من أعظم العبادات، وطاعة من أهم الطاعات؛ وذلك لعظيم وأهمية هذا العمل في الإسلام؛ ولما يترتب عليه من سعادة الدنيا والآخرة، وفوق ذلك أنه يرى ذلك في أولاده معه، فكما تدين تدان، والحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم)، وهذه الأخيرة حقيقة من أعظم الجوائز التي يحرص عليها العقلاء من البشر؛ لأنه يرى بنفسه أثر ذلك في حياته، إلا أن الإنسان منا قد تطرأ عليه ظروف أو عوارض وشواغل تدفعه إلى التقصير أو عدم القيام بالواجب على الوجه المطلوب، ويظل الأمر كذلك ونحن لا نشعر، وتمر الأيام تلو الأيام ثم نفاجأ بخبر لم نكن نتوقعه أو نحسب له حساباً، وهو وفاة الوالدين أو أحدهما، وقد يكون الشخص بعيداً عنهما، فيظل يتجرع مرارة وألم هذا العمل وكأنه ارتكب جرماً عظيماً وإثماً كبيراً، رغم أن بعده عنهما يكون بموافقتهما ورغبتهما غالباً، إلا أن الإنسان الصالح لا يسامح نفسه ويشعر بفوات فرصة لا تتكرر، وخسارة لا يمكن تعويضها.

وقد عرض مثل هذا الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم، إذ (جاءه رجل فقال: يا رسول الله! لقد مات أبواي، فهل علي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال: الصلاة عليهما -بمعنى الدعاء لهما- والاستغفار لهما، وإكرام صديقهما، وإنفاذ عهدها، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما)، فهذه أعمال خمسة – أخي – بمقدورك أن تجتهد فيها قدر استطاعتك، وأبشر فإنها ستكون بمنزلة بر الوالدين في حياتهما، ورجاؤنا في الله أن تكون هذه الأعمال جبراً للخلل أو النقص أو التقصير الذي حدث منا في حياتهما، وما ذلك على الله بعزيز.

1- أما الصلاة عليهما فقد ذكر أهل العلم أنها بمعنى صلاة الجنازة عليهما عند موتهما أو الدعاء لهما يومياً، وبصفة منتظمة على الأقل خمس مرات.

2- والاستغفار لهما معروف، وهو سؤال الله المغفرة لهما بأي صيغة من صيغ الاستغفار، وهي كثيرة ومتنوعة.

3- وأما إكرام صديقهما فهو عبارة عن إكرام أصدقاء الوالد والوالدة، والبحث عنهم، ومساعدتهم، وزيارتهم إن كان ذلك ممكناً.

4- وأما إنفاذ عهدهما فقد يكون الوالد أو الوالدة قد وعدا أحداً بشيء في حياتهما، فمن البر الوفاء بعهدهما ما دام ذلك ممكناً.

5- وأما صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما؛ فهي عبارة عن صلة الأرحام المعروفة، فصل أقارب والديك، وأحسن إليهما، واجتهد في مساعدتهما وإكرامها بداية من الإخوة والأخوات والجيران والأجداد والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم وهكذا.

وبذلك نكون قد قدمنا أعمالاً نرجو من الله أن تكون جبراً لهذا الخلل غير المتعمد غالباً، وسداً للعيب الذي وقعنا فيه، حيث شغلتنا حياتنا عن إكرام ذوي الفضل والمروءة والإحسان، اللذين قدما حياتهما خدمة لأولادهما، وكان شعارهما دائماً (لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً).

فاجتهد في ذلك وسل الله القبول.

أنواع بر الوالدين بعد موتهما

الإكثار من الدعاء والاستغفار لهما:

من أهم أنواع بر الوالدين بعد موتهما الإكثار من الاستغفار لهما فقال سبحانه وتعالى في ذكره دعاء إبراهيم: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) سورة إبراهيم، 40-41 .

الدّعاء لهما: ومن الأعمال التي لا تنقطع عن المسلم بعد وفاته ولد صالح يدعو ويستغفر له، وهي صفات الابن البار والصالح ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له) رواه مسلم.

قضاء الدّين عنهما:

من أفضل أنواع بر الوالدين بعد موتهما قضاء الدين عنها، وتنفيذ عهدهما ووصيتهما، فهذا يعتبر من الطرق النافعة التي يمكن للمسلم أن يبر ويصل والديه بعد مماتهما.

ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (نفس المؤمن معلقة بدَينه، حتّى يقضى عنه) رواه الترمذي ، ولحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – قال: (يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين) رواه الألباني

قضاء ما عليهما من النّذور:

مثل نذر الصّيام، فقال الرسول – صلّى الله عليه وسلّم – في حديث عائشة رضي الله عنها: (من مات وعليه صيام صام عنه وليُّه) رواه البخاري .
أو نذر الحجّ أو العمرة، وهي من الأعمال المعروفة في بر الوالدين بعد وفاتهما، وخاصة إذا لم يكونا قد أديّا هذه الفريضة في حياتهما.أو غير ذلك ممّا يمكن النّيابة فيه.

قضاء ما عليهما من الكفّارات:

ويعد من أهم أنواع بر الوالدين بعد موتهما قضاء ماعليهما من كفارات مثل كفّارة اليمين، وكفّارة قتل الخطأ، وغير ذلك، وذلك لدخول هذه الواجبات في قوله – صلّى الله عليه وسلّم – في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه: (أنَّ امرأةً رَكِبتِ البَحرَ فنذرَت، إنِ اللهُ تبارَكَ وتعالى أنجاها أن تَصومَ شَهْرًا، فأنجاها اللهُ عزَّ وجلَّ، فلَم تَصُمْ حتَّى ماتَت، فجاءَتْ قَرابةٌ لَها إمَّا أُختَها أو ابنتَها إلى النَّبيِّ – صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ – فذَكَرَت ذلِكَ لهُ، فقالَ: أرأيتَكِ لَو كانَ علَيها دَينٌ كُنتِ تَقضينَهُ؟ قالَت: نعَم. قال: فدَينُ اللَّهِ أحقُّ أن يُقضَى، فَاقضِ عَن أمِّكِ) رواه الألباني .

صلة الرّحم التي لا توصل إلا بهما:

من أهم أنواع بر الوالدين بعد موتهما صلة الرحم
ففي حديث أبي بردة رضي الله عنه قال: (قدمْتُ المدينةَ، فأتاني عبدُ اللهِ بنُ عمرَ، فقال: أتدري لم أتيتُكَ؟ قال: قلتُ: لا. قال: سمعتُ رسولَ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ – يقولُ: من أَحَبَّ أن يَصِلَ أباهُ في قبرِهِ، فليَصِلْ إخوانَ أبيهِ بعدَهُ، وإنّهُ كان بينَ أبي عمرَ وبينَ أبيكَ إِخاءٌ ووُدٌّ، فأحببتُ أن أَصِلَ ذاكَ) موارد الظمآن .

إكرام أصدقائهما من بعدهما:

يعد من أفضل أنواع بر الوالدين بعد موتهما إكرام أصدقائهما من بعد مماتهم ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – أنّه قال: (إنّ أبرَّ البر صلةُ الولدِ أهلَ وُدِّ أبيه )، رواه مسلم.

إذا كان الإحسان إلى الميت من خلال الإحسان إلى أصدقائه، فالوالد والوالدة أولى بهذا الإحسان بعد موتهما، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:( ما غرتُ على نساءِ النبيِّ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ – إلا على خديجةَ. وإنّي لم أُدركها. قالت: وكان رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ – إذا ذبح الشاةَ فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاءِ خديجةَ، قالت: فأغضبتُه يومًا، فقلتُ: خديجةُ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنّي قد رُزِقْتُ حُبَّها) رواه مسلم .

التصدّق عنهما:

من أفضل أنواع بر الوالدين بعد موتهما التصدق عنهما، فالصدقة من الأمور التي يؤجر عليها المسلم، وتُرضي الله تعالى، فعندما يتصدق الشخص عن والديه بعد وفاتهما قد تكون سبباً في نجاتهما، ودخولها برحمة الله تعالى إلى الجنة
ففي حديث لسعد بن عبادة رضي الله عنه، أنّ أمّه توفيت، فقال: (يا رسولَ اللهِ، إنَّ أمي تُوفيتْ وأنا غائبٌ عنها، أينفعها شيٌء إن تصدَّقتُ بهِ عنها؟ قال: نعم. قال: فإني أُشْهِدُكَ أنَّ حائطي المِخْرَافَ صَدَقَةٌ عليها) رواه البخاري.

قصص عن بر الوالدين بعد موتهما

  • من قصص عن بر الوالدين بعد موتهما يُحكي أن رجلا من بني سلمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل بقي

من بر أبوي شيء أبرُّهما به من بعد موتهما؟ قال: نعم. الصلاة عليهما (الدعاء)، والاستغفار لهما، وإيفاءٌ بعهودهما من بعد موتهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ” ابن ماجه

وحثَّ الله كلَّ مسلم على الإكثار من الدعاء لوالديه في معظم الأوقات، فقال ” رَبَّنَا اغْفِرْ لِي ولِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ” ” سورة إبراهيم

وقال : ” رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا” سورة نوح

  • من قصص عن بر الوالدين بعد موتهما عن أبي بردة قال: قدمت المدينة فأتاني عبد الله بن عمر فقال: أتدري لِمَ أتيتك؟ قال: قلت: لا. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: “من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه من بعده، وإنه كان بين أبي عمر وبين أبيك إخاءً وود، فأحببت أن أصل ذلك”.[رواه ابن حبان وصححه الألباني

خطبة عن بر الوالدين بعد الموت

ما ينفع الوالدين بعد الوفاة

كثير من الناس لا يدري كيف يبر والديه بعد موتهما.  وكثير من الناس يحاول أن ينفع والديه بعد موتهما فيقع في البدع والمحاذير، فيضيع ماله ولا يكاد يتحصل على حسنة واحدة، بل ربما جنى من وراء ذلك الكثير من السيئات.  فتعالوا بنا نتعرف من الشيخ محمود المصري – حفظه الله – كيف ينفع العبد والديه بعد الموت -بإذن الله-  ربنا ارحمهما كما ربونا صغارًا…آمين.

بر الْوَالِدَيْنِ بعد وفاتهما النابلسي

دعاء بر الوالدين بعد وفاتهما

  • “اللهم ارحم روحاً صعدت إليك و لم يعد بيننا و بينها إلا الدعاء”
  • “اللهم ارحمها و اغفر لها و انظر اليها بعين لطفك و كرمك يا أرحم الراحمين”.
  • “اللهم ارفع درجته فى المهديين واخلفه فى عقبة الغابرينن، و اغفر لنا و له يالله و أفسح له فى قبره و نور له فيه”.
  • “اللهم أبدله دارًا خيرًا من داره و أهلاً خيرًا من أهله و ادخله الجنة و أعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار”.
  • “اللهم ارحمه فوق الأرض و تحت الأرض و يوم العرض عليك اللهم قه عذاب يوم تبعث عبادك”.
  • “اللهم أنزل نوراً من نورك عليه”.
  • “اللهم أنِر له قبره و آنس وحشته ووسع مدخله”.
  • “اللهم ارحم غربته و ارحم شيبته”.
  • “اللهم اجعل قبره روضه من رياض الجنة لا حفره من حفر النار”.
  • من دعاء للوالدين المتوفين: “اللهم اغفر له و ارحمه و اعف عنه و أكرم منزله”.
  • “اللهم أبدله دارًا خير من داره و أهلا ًخيرًا من أهله و ذرية خيرًا من ذريته و زوجًا خيرًا من زوجه”.
  • “اللهم انقله من ضيق اللحود ومن مراتع الدود الى جناتك جنات الخلود”
  • “لا إله إلا أنت يا حنان يا منان يا بديع السموات والأرض تغمد (المتوفي) برحمتك يا أرحم الراحمين”.
  • “اللهم إن (المتوفى) فى ذمتك و حبل جوارك فقه من فتنة القبر و عذاب النار
    و أنت أهل الوفاء و الحق فاغفر له و ارحمه إنك أنت الغفور الرحيم”.
  • “اللهم ارحمه و اغفر له و أكرم منزله”.
السابق
ما هو داء القطط
التالي
ما هو جهاز المناعة

اترك تعليقاً