تعليم

ترتيب الأولويات

ترتيب الأولويات في الإسلام

ترتيب الأولويات حسب الأهمية:-

أ- الإهتمام بالعقيدة أولا قبل كل شئ:-

ونعني بذلك تقديم ما يتصل بالإيمان بالله تعالى وتوحيده، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهي أركان الإيمان كما بينها القرآن الكريم. يقول تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾ [البقرة: 177]. وقال تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]. وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136]. وإنما لم تذكر الآيات الإيمان بالقدر ضمن أصول العقيدة، لأنه داخل في مضمون الإيمان بالله تعالى.

فالإيمان بالقدر إيمان بمقتضى الكمال الإلهي، وشمول علمه، وعموم إرادته، ونفوذ قدرته.والعقيدة هي الأصل، والتشريع فرع عنه. والإيمان هو الأصل، والعمل فرع عنه.فالإيمان الحق لابد أن يثمر عملا، وعلى قدر تمكن الإيمان ورسوخه تكون الأعمال، من فعل المأمور، أو اجتناب المحظور. والعلم الذي لم يؤسس على إيمان صحيح لا وزن له عند الله، وهو كما صوره القرآن: ﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39].

 

لهذا كان الأمر الأحق بالتقديم والأولى بالعناية من غيره، هو تصحيح العقيدة، وتجريد التوحيد، ومطاردة الشرك والخرافة، وتعميق بذور الإيمان في القلوب، حتى تؤتي أكلها بإذن ربها، وحتى تغدو كلمة التوحيد: “لا إله إلا الله” حقيقة في النفس، ونورا في الحياة، يبدد ظلمات الفكر، وظلمات السلوك. يتضح ذلك جلياً في قول أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها -: “إن ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبداً ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبداًفإن حاجتنا إلى العقيدة فوق كل حاجة، وضرورتنا إليها فوق كل ضرورة، لأنه لا سعادة للقلوب، ولا نعيم، ولا سرور إلا بأن تعبد ربها وفاطرها تعالى.ولقد أرسل الله رسله جميعاً بالدعوة إلى التوحيد قال تعالى ﴿ ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل:36] ويقررالله سبحانه وتعالى أيضاً هذه الحقيقة ويؤكدها، ويكررها في قصة كل رسول على وجه الانفراد ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [المؤمنون: 23] ﴿ وإلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 65] وهي الكلمة نفسها التي تكررت على لسان صالح وشعيب وموسى وعيسى – عليهم الصلاة والسلام -، حتى أصبحت قاعدة عامة: ﴿ ومَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إلاَّ نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ أَنَافَاعْبدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25].

 

فالتوحيد مفتاح دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو أول ما يدخل به المرء في الإسلام، وأخر ما يخرج به من الدنيا، فهو أول واجب وآخر واجب.

 

ولقد أمضى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حياته في الدعوة إلى هذه العقيدة وجاهد أعدائه من أجلها قال صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله…) (رواه الشيخان) بل وأرسل رسله وأمرهم أن يبدءوا بالدعوة إلى العقيدة قبل كل شيء كما في قصة معاذ بن جبل – رضي الله عنه – عندما بعثه إلى اليمن: قال إنك تأتى قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: عبادة الله وحده، فإن هم أطاعوا لذلك….) (أخرجه الشيخان).

 

إن الاهتمام بغرس العقيدة أولا كان منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمصلحين من بعدهم ومن ذلك قوله تعالى عن نوح في دعوته لولده وتحذيره من مصاحبة أهل الضلال ﴿ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴾ [هود: 42].وكذلك يقول تعالى عن إبراهيم حين وصى بها أبناءه ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132].

 

وفي أول وصايا لقمان لأبنه تحذيره له من الشرك قال تعالى ﴿ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].

 

وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلمي وصي ابن عباس رضي الله عنهما فيقول ( يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله……….. ). وعَنْ جُنْدُبٍ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ نَبِيِّنَا – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِتْيَانًا حَزَاوِرَةَ، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَنَزْدَادُ بِهِ إِيمَانًا، فَإِنَّكُمُ الْيَوْمَ تَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ».

 

ب- الفرائض قبل السنن والنوافل:-

يقول النبي صلي الله عليه وسلم: “إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها..”: ومن الخطأ الذي يقع فيه بعض الناس الإشتغال بالسنن والتطوعات من الصلاة والصيام والحج عن الفرائض. ولقد رأينا النبي صلى الله عليه وسلم ينهي المرأة أن تصوم تطوعا، وزوجها شاهدا – حاضر غير مسافر – إلا بإذنه، لأن حقه عليها أوجب من صيام النافلة.وأيضا نري الرجل يحج حجة الإسلام ثم نجده يحج ويعتمر مرات عديدة ويتكبد الأموال والوقت والجهد، وهناك مسلمون يموتون من الجوع – حقيقة لا مجازا – في بعض الأقطار كالصومال، وآخرون يتعرضون للإبادة الجماعية، والتصفية الجسدية، كما رأينا في فلسطين، وسوريا وغيرها – وهم في حاجة إلى أي معونة من إخوانهم، لإطعام الجائع، وكسوة العاري، ومداواة المريض، وإيواء المشرد، وكفالة اليتيم، ورعاية الشيخ والأرملة والمعوق، أو لشراء السلاح الضروري للدفاع عن النفس، وهناك شباب وفتيات يحتاجون للزواج فلا يستطيعونالزواجلعدم وجود المؤنة.

 

ولو فقهوا دينهم، وعرفوا شيئا من فقه الأولويات، لقدموا إنقاذ إخوانهم المسلمين على استمتاعهم الروحي بالحج والعمرة، ولو تدبروا لعلموا أن الاستمتاع بإنقاذ المسلمين أعمق وأعظم من استمتاع عارض قد يشوبه بعض التظاهر أو الرياء، وصاحبه لا يشعر.لقد قرر فقهاء الإسلام: أن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة.وقد أوصي سيدنا أبو بكر الصديق عمر ابن الخطاب رضي الله عنهما وصية جامعة جاء فيها: إني موصيك بوصية إن حفظتها: إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل، ولله في الليل حق لا يقبله في النهار، وإنها لا تًقبل نافلة حتي تًؤدي الفريضة عبدالله ابن المبارك يقدم اليتامي علي حجته:- كان عبد الله بن المبارك – رضي الله عنه – يحج عاماً ويغزو في سبيل الله عاماً آخر، وفي العام الذي أراد فيه الحج.. خرج ليلة ليودع أصحابه قبل سفره.. وفي الطريق وجد منظراً ارتعدت له أوصاله. واهتزت له أعصابه!!. وجد سيدة في الظلام تنحني على كومة أوساخ وتلتقط منها دجاجة ميتة.. تضعها تحت ذراعها.. وتنطلق في الخفاء..

فنادى عليها وقال لها: ماذا تفعلين يا أمة الله؟ فقالت له: يا عبد الله – اترك الخلق للخالق فلله تعالى في خلقه شؤون، فقال لها ابن المبارك: ناشدتك الله أن تخبريني بأمرك.. فقالت المرأة له: أما وقد أقسمت عليّ بالله.. فلأخبرنَّك، فأجابته دموعها قبل كلماتها: إن الله قد أحل لنا الميتة..أنا أرملة فقيرة وأم لأربع بنات غيب راعيهم الموت واشتدت بنا الحال ونفد مني المال وطرقت أبواب الناس فلم أجد للناس قلوبا رحيمة فخرجت ألتمس عشاء لبناتي اللاتي أحرق لهيب الجوع أكبادهن فرزقني الله هذه الميتة.. أفمجادلني أنت فيها؟ وهنا تفيض عينا ابن المبارك من الدمع وقال لها: خذي هذه الأمانة وأعطاها المال كله الذي كان ينوي به الحج.. وأخذتها أم اليتامى، ورجعت شاكرة إلى بناتها. وعاد ابن المبارك إلى بيته، وخرج الحجاج من بلده فأدوا فريضة الحج، ثم عادوا، وكلهم شكر لعبد الله ابن المبارك على الخدمات التي قدمها لهم في الحج. يقولون: رحمك الله يا ابن المبارك ما جلسنا مجلسا إلا أعطيتنا مما أعطاك الله من العلم ولا رأينا خيرا منك في تعبدك لربك في الحج هذا العام.

 

فعجب ابن المبارك من قولهم، واحتار في أمره وأمرهم، فهو لم يفارق البلد، ولكنه لايريد أن يفصح عن سره، وفي المنام يرى رجلا يشرق النور من وجهه يقول له: السلام عليك يا عبدالله ألست تدري من أنا؟ أنا محمد رسول الله أنا حبيبك في الدنيا وشفيعك في الآخرة جزاك الله عن أمتي خيرا… يا عبد الله بن المبارك، لقد أكرمك الله كما أكرمت أم اليتامى.. وسترك كما سترت اليتامى، إن الله – سبحانه وتعالى – خلق ملكاً على صورتك.. كان ينتقل مع أهل بلدتك في مناسك الحج..

وإن الله تعالى كتب لكل حاج ثواب حجة وكتب لك أنت ثواب سبعين حجة.

 

عبدالله ابن عباس يقدم قضاء حاجة أخيه المسلم علي اعتكافه في المسجد النبوي:- عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان معتكفا في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم، فأتاه رجل فسلم عليه ثم جلس، فقال له ابن عباس: يا فلان أراك مكتئبا حزينا ؟! قال: نعم يا ابن عم رسول الله لفلان علي حق ولاء، وحرمة صاحب هذا القبر ما أقدر عليه، قال ابن عباس: أفلا أكلمه فيك، فقال: إن أحببت قال: فانتعل ابن عباس ثم خرج من المسجد فقال له الرجل: أنسيت ما كنت فيه؟؟!! قال: لا ولكني سمعت صاحب هذا القبر صلى الله عليه و سلم والعهد به قريب فدمعت عيناه وهو يقول: ( من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله تعالى جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق أبعد مما بين الخافقين ) رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي واللفظ له والحاكم مختصرا وقال صحيح الإسناد.لم يترك ابن عباس رضي الله عنه اعتكافه في أي مسجد، بل ترك الاعتكاف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع ما له من أجر مضاعف وعظيم، ولم يتركه لينقذ مسلما من الموت جوعا أو بردا أو خوفا وذعرا، بل خرج ليكلم له دائنه بالتأجيل والنظرة إلى الميسرة فحسب، وهي حاجة ربما يستصغرها بعض المسلمين اليوم، إلا أنها كانت كافية لإخراج ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم من معتكفه وعبادته. أفلا تستحق آلام المسلمين المنكوبين اليوم، بأن نخرج من شح النفوس وهواها إلى كرمها وتقواها، و من قسوة القلوب وغفلتها إلى لينها و ذكرها لخالقها ومولاها، ومن إغلال الأيدي إلى الأعناق إلى بسطها بعض البسط في الإنفاق.

ج – أولوية حقوق العباد على حق الله المجرد:-

لقد رأينا الشرع الحنيف يؤكد في كثير من أحكامه تعظيم ما يتعلق بحقوق العباد. ففرض العين، المتعلق بحق الله تعالى وحده يمكن التسامح فيه، بخلاف فرض العين المتعلق بحقوق العباد. فقد قال العلماء: إن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة، وحقوق العباد مبنية على المشاحة. ولهذا إذا كان الحج مثلا واجبا، وأداء الدين واجبا، فإن أداء الدين مقدم. فلا يجوز للمسلم أن يقدم على الحج حتى يؤدي دينه. إلا إذا استأذن من صاحب الدين، أو كان الدين مؤجلا، وهو واثق من قدرته على الوفاء به. ولأهمية حقوق العباد هنا – وبخاصة الحقوق المالية – صح الحديث أن الشهادة في سبيل الله – وهي أرقى ما يطلبه المسلم للتقرب إلى ربه – لا تسقط عنه الدين.ففي الصحيح: “يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين”. وفيه: أن رجلا قال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعم، إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر مقبل غير مدبر”، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كيف قلت”؟ فأعاد الرجل سؤاله، وأعاد الرسول الكريم جوابه وزاد عليه: “إلا الدين، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك”.

وأعجب من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “سبحان الله! ماذا أنزل من التشديد في الدين؟! والذي نفسي بيده، لو أن رجلا قتل في سبيل الله، ثم أحيي، ثم قتل، ثم أحيي، ثم قتل، وعليه دين، ما دخل الجنة حتى يقضى دينه”. ومثل هذا من غل من الغنيمة، وهو في سبيل الله، أي في الجهاد (أي أخذ من الغنيمة لنفسه وهي من حق الجيش كله) فإن مد يده إلى مال الغنيمة قبل أن يقسم، ولو كان شيئا تافها، يحرمه فضل الجهاد، وأجر المجاهد، وإذا قتل يحرمه شرف الشهادة، وأجر الشهيد.كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم (والثقل: الغنيمة) رجل يقال له: “كركرة” فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هو في النار”، فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءة قد غلها. وتوفى رجل من الصحابة في خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “صلوا على صاحبكم”، فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال: “إن صاحبكم غل في سبيل الله” (أي وهو في الجهاد) ففتشوا متاعه فوجدوا فيه خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين.من أجل درهمين أعرض النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه، ليكون في ذلك أبلغ زاجر عن الطمع في المال العام، قل أو كثر.

وعن ابن عباس قال: حدثني عمر قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد، حتى مروا على رجل، فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلا، إني رأيته في النار، في بردة غلها ـ أو في عباءة غلهاـ “، ثم قال: “يا ابن الخطاب، اذهب فناد في الناس: إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون”.

 

وكذلك نري أيضا أن النبي صلي الله عليه وسلم يشدد في حق الجار ويرهب من أذي الجار ويبين أنه أولي من الإكثار من النوافل:-

فعن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله إن فلانة تصلي بالليل و تصوم بالنهار و في لسانها شيء، تؤذي جيرانها، سليطة اللسان، قال:”لا خير فيها، هي في النار”، و قيل له: إن فلانة تصلي المكتوبة و تصوم رمضان و تتصدق بالأثوار من الإقط (أي: اللبن المجفف) و ليس لها شيء غيره و لا تؤذي أحدا قال:” هي في الجنة..( سنده صحيح رواه أحمد وابن حبان ) ففيه أن أذى الجار محبط للعمل و أنه لا خير في المؤذي لجيرانه و فيه أنه اقتصاد في العمل مع عدم الأذية أفضل بكثير من الإكثار بالنوافل مع أذية الجيران.

 

وقال أيضا:- عن أبي هريرة – رضي الله عنهُ- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” أتدرون ما المفلسُ؟” قالوا”: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال:” إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناتهُ قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار” رواه مسلم.

 

علام تدل هذه الأحاديث؟ إنها تدل على تعظيم حقوق الخلق، ولا سيما ما يتعلق بالمال، سواء أكان خاصا أم عاما، فلا يجوز أخذه من غير حله، وأكله بالباطل، وإن كان تافها، لأن المهم هو المبدأ، ومن اجترأ على أخذ القليل، يوشك أن يجترئ على الكثير، والصغيرة تجر إلى الكبيرة، ومعظم النار من مستصغر الشرر.

د – تقديم المصلحة العامة علي المصلحة الخاصة:-

اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون مصالح العباد مصالح عامة ومصالح خاصة.

مصلحة يعود نفعها على الفرد ومصلحة يعود نفعها على المجتمع والعبادوقد بنى الإسلام تشريعاته على تأمين المصالح الخاصة والعامة.

فالإسلام يدور مع المصلحة والنفع للعباد فحيثما وجدت المصلحة وجد الإسلام قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الرعد: 17] فالحق هو عين المنفعة وعين المصلحة وقد فهم الصحابة هذا المعنى وبنوا عليه رسالتهم ولقد أظهرها ربعي بن عامر رضي الله عنه لرستم مبينا له معالم هذه الرسالة العظيمة وما تقتضيه من حمل المصلحة للعباد (نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ) وإذا ما تعارضت المصلحة الخاصة مع مصلحة العباد فإن الإسلام يرغب في تقديم المصلحة العامة. وإذا نظرنا إلى التشريعات كلها وجدناها تخدم هذا المعنى فالجهاد والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها كلها تصب في المصلحة العامة، فالرجل الذي يذهب إلى الجهاد تاركا كل أموره الخاصة من بيت وأولاد وتجارة أو وظيفة أو غيرها وذهب ربما تزهق روحه في سبيل الله تجد أن الدافع من وراء ذلك هي المصلحة العامة وحينما تعرض الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة لمحنته المشهورة جاءه الإمام الشعبي وقال له: يا أحمد إن الله قد أعطاك الرخصة فخذ بها ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾. فقال له الإمام أحمد انظر يا شعبي من خلف هذا الباب فنظر الشعبي فرأى آلاف الطلاب يحملون الدواة والقلم والقرطاس ينتظرون قول الإمام أحمد لينشروه في الآفاق وصمَّم الإمام على موقفه وكان يستطيع أن يحظى بالنعيم والخير والرضى إلا أنه آثر المصلحة العامة للعباد على مصلحته الخاصة حتى لو كان فيها من النغص ما فيها.

إن تغليب المصلحة العامة على الخاصة أمر رغب فيه الإسلام وقد كان هذا هو سلوك الصحابة والتابعين والعلماء والمخلصين من هذه الأمة، ولولا تغليبهم للمصلحة العامة ما ألفوا مؤلفاتهم ولا سهروا الليالي ولا أمضوا حياتهم كلها جهاد وحركة لنشر الدعوة والقيم والمبادىء والأخلاق ولما كان أغلبهم يموت ويدفن خارج أرضه ووطنه بعيداً عن أزواجهم وذرياتهم وما كان ذلك كله إلا من أجل مصلحة العباد.

وهذه بعض النماذج العظيمة لأناس قدموا مصلحة دينهم ووطنهم علي راحتهم ورغباتهم. هذا عثمان رضي الله عنه في عام الرمادة وقد أشتد بالمسلمين الفقر والجوع جاءت تجارته من الشام ألف بعير محملة بالتمر والزيت والزبيب فجاءه تجار المدينة وقالوا له تبيعنا و نزيدك الدرهم درهمين؟ فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه لهم لقد بعتها بأكثر من هذا. فقالوا نزيدك الدرهم بخمسة ؟ فقال لهم عثمان رضي الله عنه لقد زادني غيركم الدرهم بعشرة: فقالوا له فمن الذي زادك ؟ وليس في المدينة تجار غيرنا ؟ فقال لهم عثمان رضي الله عنه لقد بعتها لله ولرسوله فهي لفقراء المسلمين..الله أكبر…ماذا لو لم يكن يحمل بين جوانحه ضمير المؤمن الحي لكانت هذه فرصة لا تعوض ليربح أموالا طائلة ولو كانت على حساب البطون الجائعة والأجساد العارية وآهات المرضى والثكالى وهموم أصحاب الحاجات… وكنه قدم حاجة المجتمع العامة علي حاجته الخاصة.

وكذلك فعل أبو بكر رضي الله عنه فقد تصدق بكل ماله في تجهيز جيش العسرة.. وعندما يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا تركت لعيالك؟ فيقول: تركت لهم الله ورسوله. وهذا مصعب بن عمير رضي الله عنه الفتى الشاب الثري المدلل يضحي بكل شيء ويصبح آية من آيات الجهاد والتضحية للشباب المسلم في كل زمان.. يضحي برغباته كشاب في كمال فتوته من أجل مصلحة دعوته ورفعة وطنه فالمسلم الحق هو من باع لله نفسه وماله ووقته ووطنه فليس له فيها شيء، وإنما هي وقف على رفع راية دينه ووطنه.

هـ ـ الإهتمام بالمضمون أكثر من الشكل:ــ

فالإنسان مثلا لا يقاس بطول قامته، أو قوة عضلاته، أو ضخامة جسمه، أو جمال صورته، فهذه كلها خارجة عن جوهره وحقيقة إنسانيته، فما الجسم ـ في النهاية ـ إلا غلاف الإنسان ومطيته، أما حقيقة الإنسان فما هو إلا العقل والقلب. وقد وصف الله تعالى المنافقين بقوله: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ﴾ [المنافقون: 4]. كما وصف عادا على لسان نبيه هود بقوله: ﴿ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ﴾ [الأعراف: 69]، ولكن هذه البسطة في الخلق جعلتهم يغترون ويستكبرون كما قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾ [فصلت: 15]. وفي الحديث الصحيح: “إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، فلا يزن عند الله جناح بعوضة. اقرأوا إن شئتم: ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ [الكهف: 105]”. وصعد ابن مسعود يوما شجرة، فظهرت ساقاه، وكانتا دقيقتين نحيلتين، فضحك بعض الصحابة من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أتضحكون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من جبل أحد” ليس المهم إذن ضخامة الجسم، إذا لم يكن يسكنه عقل ذكي، وفؤاد نقي، وقديما قال العرب: “ترى الفتيان كالنخل، وما يدريك ما الدخل”. اعتبر الإسلام ضخامة الجسم وقوته ليست هي مقياس الرجولة، ولا معيار الفضل في الإنسان، فكذلك جمال الوجه وحسن الصورة.

وفي الحديث: “إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم”. لذلك أمر الإسلام في بناء الأسرة المسلمة اختيار الزوج الصالح والزوجة الصالحة واعتبر مخالفة هذا الأمر يؤدي إلي فتنة في الأرض وفساد كبير. فقال صلي الله عليه وسلم (إذا جائكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ». وقال صلي الله عليه وسلم (تنكح المرأة لأربع لمالها وجمالها وحسبها ودينها؛ فعليك بذات الدين تربت يداك »ولقد بين النبي صلي الله عليه وسلم ميزان الرجال.

روي البخاري من حديث سهل بن سعد قال: مرَّ رجل علينا ونحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل عندنا: ( ماذا تقول في هذا الرجل ؟!).. قال: يا رسول الله هذا من أشراف أهل المدينة.. هذا من أحسنهم حسباً ونسباً.. هذا من أكثرهم مالا.. هذا حري.. إن خطب يخطب.. وإن تكلم يُسمع.. وإن شفع يُشفع.. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم.. ثم مرَّ رجل آخر فقال للرجل نفسه: ( فماذا تقول لهذا الرجل ؟!).. قال يا رسول الله: هذا من فقراء الأنصار.. هذا لا حسب ولا نسب.. هذا حري.. إن خطب ما يُخطب.. وإن تكلم ما يُسمع.. وإن شفع ما يُشفع.. فقال الصادق المصدوق: ( هذا _ يعني الفقير اللي لا حسب ولا نسب _ هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا ).. هذا _ الذي في نظرك الذي إذا تكلم ما يسمع، وإذا شفع ما يشفع، وإذا خطب ما يخطب..( هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا ).. ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾ ولقد وضع أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب قانونا لمعرفة الرجال حينما سأل عن رجل فقال رجل قال:لا بأس به يا أمير المؤمنين. قال:هل صحبته في سفر ؟ قال: لا يا أمير المؤمنين. قال: هل جرت بينك وبينه خصومة قط ؟قال: لا يا أمير المؤمنين قال: فهل ائتمنته على درهم أو دينار قط ؟قال: لا يا أمير المؤمنين قال: لا علم لك بالرجل، إنما رأيت رجلاً يضع رأسه في المسجد ويرفعه !! قال اذهب فأنت لا تعرفه.

و ـ درء المفاسد مقدم علي جلب المنافع:ــ

هذه قاعدة عظيمة من قواعد الفقه الإسلامي والأدلة عليها قول الله تعالى: ﴿ وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام:108].فالله جل وعلا نهى الصحابة الكرام أن يسبوا الآلهة أو يسفهوا أحلام من يعبد هذه الآلهة، مع أن سب الآلهة الباطلة ممدوح، بل محثوث عليه، وتسفيه أحلام من يفعل ذلك ممدوح، بل محثوث عليه، بل يثاب المرء إذا فعل ذلك، لكن منع الله جل في علاه هذه المصلحة لدرء مفسدة أعظم منها، أو لتعارض مفسدة مع هذه المصلحة، ألا وهي سب الله جل في علاه، فإن من أعظم المفاسد أن يسب الله جل في علاه. ولذلك بين لنا الله جل في علاه قاعدة شرعية لا بد أن نسير عليها طيلة تعبدنا لله جل في علاه، ألا وهي: دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، فإن كان في سب الآلهة مصلحة فإن دفع المفسدة أولى. ومن الأدلة التي تثبت ذلك: حديث النبي صلى الله عليه وسلم عموماً: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا).

ففي هذا الحديث دلالة على هذه القاعدة العظيمة، ووجه الدلالة: أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه منفعة، فسهل فيه وعلقه بالاستطاعة، وأمر بامتثال النهي مطلقاً لأنه مفسدة تجتنب، فالحديث يبين أن الشرع يهتم بالانتهاء عن المنهيات، بدفع المفاسد كلها. فالمنافع فيها التسهيل، قال صلى الله عليه وسلم: (فأتوا منه ما استطعتم)، أما في المنهيات وفي المفاسد قال: (فانتهوا). وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة رضي الله عنه وأرضاها وقال لها: (لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة، ولبنيتها على قواعد إبراهيم، ولجعلت لها باباً منه يدخل الناس، وباباً يخرجون منه)، ولم يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

فالمصلحة هنا: أن تكون الكعبة كما بنيت على عهد إبراهيم. والمصلحة الثانية: أنه لا يفرق بين الناس، حيث إنَّ أهل مكة كانوا قد جعلوا مصعداً يصعد عليه الشرفاء ليدخلوا الكعبة، لكن الضعفاء أو الفقراء لا يدخلون.

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يريد مصلحة أعظم من ذلك ألا وهي عدم التفريق؛ لأن رب أشعث أغبر عند الله أفضل من آلاف من هؤلاء المعظمين، فقال: (ولجعلت لها باباً يدخل منه الناس)، والمصلحة العظمى: باب يخرجون منه خشية التزاحم. فهذه مصلحة عظيمة جداً أن تبنى الكعبة على قواعد إبراهيم، لكن نازعت هذه المصلحة مفسدة فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الشاهد، والمفسدة هي: حدوث الفتنة وهو ارتدادهم عن الإسلام، فإنَّ أهل مكة كانوا يعظمون الكعبة، ويعظمون الشعائر، فإذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يهدم الكعبة سيقولون: النبي صلى الله عليه وسلم لا يعظم الكعبة فتحدث الفتنة بينهم، فيرتدون عن الإسلام؛ لأنهم لا يفقهون أن النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم مصلحة كبيرة جداً، بل سيقولون: لم يعظم شعائر الله جل في علاه، كيف يأمرنا أن نعظم شعائر الله وهو لم يعظم شعائر الله حين هدم الكعبة؟

ترتيب الأولويات بالانجليزي

prioritization

تحديد أولوياتك واهدافك

تُعد مهارة ترتيب الأولويَّات – وهي الأعمال والأنشطة التي حقُّها التقديم على غيرها – واحدةً من أهمِّ المهارات التي يحتاج إليها المرءُ في حياته عمومًا، وفي أوقات تداخُل الأعمال وتشابُكها خصوصًا، وذلك لثلاثة أسباب:
1- استمرار النجاح والفاعليَّة والارتقاء.
2- الشعور بالتَّقدير الذَّاتي أو الغيري أو كليهِما، واكتساب المزيد من الثقة بالنَّفس وثقة الآخرين.
3- التخلُّص من ضغوط التوتُّر والقلق المصاحِبة لتعدُّد المهامِّ وضيق الوقْت، أو قلَّة الموارد والإمكانيَّات.

ذلك أنَّه مهْما كانت القُدرة على الاستِمْرار في عملٍ ما، أو بذْل جهدٍ متواصل مهمَّة إلى حد كبير في تحقيق إنجاز أو إنتاجٍ ما، فإنَّه لا يمكن لأحد أن ينكرَ أنَّه في بعض الأحيان تكون هذه القُدْرة غيرَ ذات أهميَّة، إذا كانت في اتِّجاه لا يخدم الهدَف الأهمَّ، أو حين يكون الاستِمْرار في عملٍ ما معرقلاً ومعوقًا عن أداء عمل أكثر أهميَّة، وأعظم خطورة، أو سببًا في فشلٍ أو خسارة لا يُمكن تعويضها بعدئذٍ أبدًا.

بدهية شرعية وعقلية:
إنَّ الزَّوجة الفطِنة الواعية تُدرك أنَّ تقديم الأهمِّ على المهمِّ – فوق أنَّه بدهيَّة عقليَّة – هو حقيقة شرعيَّة، أمَّا كونُها حقيقةً شرعيَّة؛ فلثبوت الأدلَّة من الكتاب والسنَّة التي تدلُّ على ذلك.

ومنها: قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: 19، 20].

وقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلاَّ الله، وأدْناها إماطة الأذى عن الطَّريق))؛ رواه مسلم.

فلو أماط شخصٌ ما الأذى عن الطَّريق، وهو لم يُحقِّق شهادة أن لا إله إِلاَّ الله، لما دخل الإيمان قلبه، وما اعتُبر مؤمنًا، مع أنَّه قام بشيء من جزئيات الإيمان.

وقوله – صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((وما تَقَرَّبَ إليَّ عَبْدِي بشَيْءٍ أحَبّ إليَّ ممَّا افْتَرَضْتُ علَيْه، وما يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حَتَّى أُحِبَّه))؛ رواه البُخاري.

الأهم قبل المهم:
إنَّ اهتمام المرأة بنظافة بيْتها وتجميله، أو إعْداد الطَّعام لزوجها، أو العمل لدعوتها، أو الصيام نافلة تقرُّبًا لله وتزكيةً لنفسِها – أمرٌ مهمٌّ إلى أبعد درجة، ولكن إذا عرْقلها أو قلَّل قدرَتَها على الاستِجابة لرغبة زوجِها في إعفاف نفسه وقتَ حاجته – لكون العفاف هو أحد أهم وأكبر الأهداف من الزَّواج – يُعدُّ ضربًا من الخلل في قدرة الزَّوجة على ترتيب أولويَّاتها، فضلاً عن نتائجِه الوخيمة على علاقتِها بزوجها، التي ربَّما تُفْضِي إلى خسارة الزَّوجة لزوْجِها إلى الأبد، في الوقت الذي ستجِد فيه أنَّها لم تكن مُصيبةً عند الاحتِكام إلى الشَّرع أو العقْل.

إنَّ الزَّوجة الواعية الرَّاقية لا يُمكِن إلاَّ أن تكون حريصةً على ترتيب أولويَّاتِها، حتى لا تُفوِّت على نفسِها ومَن حولَها مصالح كثيرة، ذلك أنَّ تقديم المهمِّ على الأهمِّ يهدر أوقاتًا كثيرة، يُمكن أن تستغلَّ في الأنفع والأصْلح، وكلَّما اشتغل الإنسانُ في المهمِّ عن الأهمِّ ابتعد عن مدارج الكمال.

قال الإمام أبو عبيدة: “مَن شغل نفسَه بغير المهمِّ أضرَّ بالأهمِّ”.

وقال العلامة الإمام ابن القيم – مبينًا سعي الشيطان في إضاعة وقت المسلم -: “يأمُره بالأعمال المفضولة من الطاعات، فيُحسِّنها في نظره، ويُريه ما فيها من الفضل ليشغله عما هو أفضل، ويشغله بما هو محبوب عند الله عمَّا هو أحبُّ إليه”.

وهذا يعني: أنه لا يجوز الانشِغال بالجزئيَّات عن الأساسيَّات، وكذلك لا يَجوز الإعْراض عن الجزئيَّات استِخْفافًا بها؛ فكلُّ ما ثبت في الشَّرع له حقُّ التقدير، والشيطان في غوايته لبني آدم ينظر إلى الأولويات عند ذلك الشخص، فمثلاً الرجُل الصالح يغريه بالسُّنن حتى يشغله بها عن الأهم وهي الواجبات.

رتب أولويات حياتك

نظرية ترتيب الأولويات

تفترض نظرية ترتيب الأولويات وجود علاقة بين القضايا التي توليها وسائل الإعلام مزيدًا من الاهتمام وبين تزايد اهتمام الجماهير بتلك القضايا. فترتيب الأولويات يعني بنقل البروز والاهتمام وتحريك القضايا من أجندة وسائل الاعلام إلى اجندة الجمهور.

ذكر نورتن لانج ان منتديات الكترونية تعدُّ المحرك الأول في وضع الأولويات المحلية وأنها تلعب دورًا كبيرًا في تحديد ما يتحدث عنه الأفراد وما يفكرون فيه.

ترتيب أهدافك

لتحديد أهدافك بدقة عليك أولاً أن تصنع قائمة بكل ما تحتاج في الحياة، لا ما تريد بل ما تحتاج، ومتأكد أنك سمعت هذه النصيحة كثيراً، لذلك من باب التذكرة ولأهميتها، لأنك سوف تختار من هذه القائمة هدف واحد تعمل عليه من هذه اللحظة وبمجرد أن تغلق هذه الصفحة!

1 – كن عادلاً!

أنت تعرف قدراتك وإمكانياتك جيداً، وإذا كنت لا تعرفها فابحث في سجل الماضي وسوف تجدها، كن مديراً عادلاً! وذلك بالقيام بتوزيع أهدافك على أوقاتك المختلفة بنظرة عادلة، أي باختصار لا تختار هدف يحتاج إلى شهور أو سنين وتقرر إنجازه في أيام! ولكن على حسب المدة التي لديك ضع الهدف الملائم. إذا كنت تدرس فهدف كبير بجانب الدراسة ليس أمراً سليماً، ولكن هدف بسيط وسهل لا يلزمه الكثير من الوقت هو الاختيار الأمثل، والأهداف الكبرى من نصيب الإجازات! فكر مرة أخرى في هذه النقطة وأنت تنظر للقائمة وقم بتأخير بعض الأهداف للإجازات، وأخرى لوقت أخر ملائم لها أو لمرحلة عمرية معينة! كم هدف أخّرت وكم بقي لديك؟

2 – تعلم التضحية

يلزمك أن تتعلم التضحية حتى تستطيع تأخير أهداف غير مهمة الآن، وأن تسيطر على إلحاح نفسك في طلبها، لأجل هدف بين يديك تستطيع البدء في العمل عليه وتحقيقه وأن تصل به إلى القمة! انظر لما بين يديك واستجمع القوة التي تعينك على ترك الباقي جانباً الآن، وسوف تضطر لذلك عاجلاً أم آجلاً، فقم بالتضحية من أجل أن تحقق أهداف أكثر، بدلاً من أن تضحي من أجل أهداف أقل بعد فوات الأوان.

3 – أهدافك ملكك أنت

إذا كان ما يدفعك لأهدافك هو حبك للشهرة، أو الإعجاب بالنفس، أو تأثير الحقد! فتوقف عن ذلك لأنك لن تجني إلا التشتت والضلال، فالهدف الذي لا ينبع من داخلك وتحتاجه بشده لا يُعَد هدفاً، وسوف تبذل جهداً كبيراً ومن المحتمل ألا تحققه، لذلك قم بتأجيل أو حذف هذه النوعية من الأهداف من قائمتك، وابحث عن أهداف تحتاجها أنت، لا تحتاجها لتلقيها في وجه الناس! وتقول لهم ها أنا قد نجحت.

 4 – تخلص من حب الإعجاب والشهرة

تكملة للنقطة السابقة! أنت لست موجود في الحياة لتبهر الناس! تخلى عن هذه القناعة، على الأقل ابحث عن حظك من الشهرة وإعجاب الناس بعد أداء العمل على أكمل وجه، وبالتأكيد سوف تنال ذلك! باختصار لا تجعل إعجاب الناس غايتك، وسوف ترى أنك وضعت الكثير من الأهداف من أجل هذه الغاية، قم بتأخيرها إذا كانت لا تفيدك الآن، أو احذفها إذا كانت لن تفيدك بتاتاً.

5– الصبر

العجلة من أكتر ما يصيب الإنسان بالتشتت والسير في أكثر من طريق! فاتسامك بالصبر، وقناعتك بأنك بإتقان العمل ومرور الوقت ستحصل على ما تحتاج، سيؤثران على طريقة تحديدك لأهدافك في الحياة، وستشعر بهدوء قوي سيجعلك تشعر بأنك لست حيواناً يدور في ساقية الحياة، فكر من منطلق الصبر في اختيار أهدافك وسوف تري نفسك قادر على اختيار الأهداف التي تناسبك.

6 –  دقائق مجتمعة يومياً تساوي هدفاً كاملاً

الوقت من أسرع كنوز الحياة ضياعاً بإهمالنا لقيمته، فدقائق مجتمعة يومياً لفترة معينة قد تصنع المعجزات، عند تحديدك لأهداف ضع للوقت أهمية خاصة، كل دقيقة منه! فاستغلالك لدقائق انتظارك للحافلة أو للقطار يشكلون فارقاً في حياتك، فمن الممكن أن تختار هدف صغير تحققه في هذا الوقت، بدلاً من تضييع الوقت فيما يؤذيك، وهكذا بالنسبة لباقي وقتك! إذا لم ترفه عن نفسك في وقت فراغك فاستثمره فيما يفيدك، ويجعلك تصعد على سلم أهدافك بشكل أسرع.

7 – اصنع سلالم من أهدافك تصل بها لقمة مجدك

كما تلاحظ في البيوت لا يمكنك الصعود بدون السلم! وإن حاولت التسلق كاللص هناك احتمال كبير أن تسقط! هذا بجانب التأخير والمشقة، وهذا ما يقع فيه معظمنا هذه الأيام، اجمع من قائمة أهدافك سلماً تصعد عليه، ومع كل ما ذكرناه سابقاً ستجد نفسك قادراً على صنع سلماً جيداً، الأسهل ثم الأصعب هذه هي الحياة وسوف تحصل على كل ما تحتاج.

8 – هون على نفسك وابدأ بالأسهل

تأكيداً على أهمية البدء بالأهداف السهلة، والطاقة التي سوف تكتسبها لتكمل بقية أهدافك في الحياة، كالبنزين بالنسبة للسيارة على طريق طويل! إذا بدأت في هدف ووجدت مشقة وصعوبة ووصلت لحائط مسدود، اجلس وفكر إذا كنت قد اخترت هدفاً ليس ملائماً الآن، وتأكد أنه من الأفضل أن ترجع على أن تكمل ولا تنجز شيء، عد وابحث في أهدافك واختر الأسهل.

9 – انظر لما بين يديك

من أكثر النقاط أهمية في تحديدك لأهدافك أن تنظر لما بين يديك وتسأل نفسك، ماذا لدي الآن؟ ما أكثر الأهداف في قائمتي والتي قطعت فيها شوطاً طويلاً، ومن السهل إكمالها وسوف أحقق فيها إنجازاً إذا بدأتها الآن؟ أسئلة سهلة سوف تجعلك تدرك مكانك، على أساسها تحدد أفضل وأنسب وأسهل هدف تبدأ به رحلتك في الحياة.

10 – كن قنوعاً

القناعة هي أن تقبل العمل على هدف واحد الآن، وأن تسير في طريق واحد لتبدع فيه وتنتج شيء ذا قيمة، وحينما تصبح على أرض صلبة يمكنك حينها التفكير في هدف أخر، هي أن ترضي أن تكون صاحب إنجاز واحد على أن تكون مطارد ل 5 أحلام تتحدث بهم هنا وهناك وليس في يديك شيء! حينما تسأل بقناعة، ما الهدف الذي سوف أختاره الآن؟ متأكد أن اختيارك سيكون أسهل هدف في القائمة، وأكثرهم ملائمة لوضعك وما بين يديك.

السابق
كيفية حل المشكلات
التالي
أهم الدورات للمهندسين

اترك تعليقاً