الحياة والمجتمع

سبب نزول سورة الملك

سبب نزول سورة الملك

قبل التفصيل فيما جاء من سبب نزول سورة الملك، لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ علم أسباب النزول علمٌ واسع وعظيم، وهو مفتاح الدخول إلى تفسير الآية أو السور القرآنية، فهو يمهِّد ويفصِّل في الحادثة أو القضية أو المسألة التي كانت سببًا في نزول الآية القرآنية أو السورة، ويهتمُّ علم أسباب النزول بوقت ومكان نزول الآية أو السورة القرآنية؛ لأنَّ هذا أيضًا سبب من أسباب الوصول إلى الفهم الصحيح للآية القرآنية.

أمَّا فيما يخصُّ سبب نزول سورة الملك على وجه الخصوص، فقد جاء في سبب نزول سورة الملك سبب واحد، وهو: في نزول قول الله تعالى، في الآية الثالثة عشر من سورة الملك: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}،[٦] حيث جاء في سبب نزول تلك الآية قول ابن عباس: “نَزَلتْ في المشركين، كانوا ينالون من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فخبَّره جبريل -عليه السَّلام- بما قالوا فيه ونالوا منه، فيقول بعضهم لبعض: أسرِّوا قولَكم لئلّا يسمعَ إلهُ مُحمَّد”، والله تعالى أعلى وأعلم.

تفسير سورة الملك

فضل سورة الملك

ورد في سورة الملك العديد من الفضائل التي تحدّث عنها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ورواها أصحابه، يُذكر منها ما يأتي:

  • كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يحبّ سورة الملك، ويداوم على قراءتها كلّ ليلةٍ، وذُكر أنّه يودّ لو أنّها في قلب كلّ مسلمٍ.
  • اتّبع أصحاب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- خطاه في اهتمامهم بسورة الملك، فذات مرّةٍ سأل ابن عبّاس أحد جلسائه أن يحدّثه بحديثٍ يفرح له، فما كان قوله إلّا أن أوصاه بسورة الملك، يتعلّمها ويعلّمها صبيانه وأهله وجميع جيرانه.
  • ذكر ابن عبّاس أنّها المنجية من العذاب بإذن الله تعالى، والمجادلة عن صاحبها يوم القيامة، إذ تطلب من ربّها أن ينجّي صاحبها من النار، ومن عذاب القبر.
  • ذكر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّها شفيعةٌ لأصحابها، فقال في فضلها: (إنَّ سورةً من القرآنِ ثلاثون آيةً، شَفَعَتْ لرجلٍ حتى غُفِرَ له، وهي: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ).

أهداف سورة الملك

لا بدَّ في الحديث عن مقاصد سورة الملك أن يدور الحديث حول ملامح السور المكية التي اختصَّت بها وميَّزتها عن السور المدنية التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة، فكغيرها من سور القرآن الكريم المكية تبدأ سورة الملك بالتعريف بعظمة الخالق -تبارك وتعالى- وبتفرده بالحق وحده وهذه من أعظم مقاصد سورة الملك، كما تدعو المسلمين جميعًا إلى التأمل والتدبر في خلقِ الله تعالى والتفكُّر بإتقان صنعته سبحانه، وتقرُّ أيضًا بربوبية الله أثناء عرض الدلائل على قدرته وحكمته وعلمه مبينةً الحكمة من وجود الخلق والحياة والموت أيضًا، قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ * الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}[٧]، وقد جعل الله تعالى ذلك في آيات جليلة تسلب الأذهان وتسحرُ القلوب بجمالها وصدقها.

ومن مقاصد سورة الملك أنَّ الله تعالى يبيِّنُ فيها فضيلةَ الإيمان بالغيبيات التي ذكرها الله ويوصي بمراقبة الله تعالى في السر والعلن من قبل المؤمنين، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[٨]، ومن مقاصد سورة الملك أيضًا وجوب توكُّل المسلمين على الله تعالى وحده لا شريكَ له والابتعاد عن اللجوء لغيره من العبيد لأنَّ الله وحده من يملك الضر والنفع، قال تعالى: { قُلْ هُوَ الرَّحْمَٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}[٩]، ومن مقاصدها أيضًا أن يعلم المسلمون أنَّ الله وحده القادر على إنزال المطر بعد الجفاف ولا أحد غيره يستطيع أن يأتي بماء معينٍ لعباده المسلمين

فوائد سورة الملك

لكل سورة من سور القرآن فوائد عظيمة لا يمكن إحصاؤها، وفيما يلي إشارة إلى فوائد سورة الملك:

  • تجادل سورة الملك عن صاحبها يوم القيامة لتدخلة الجنة، ومن هذا الباب جاءت تسميها بالمجادلة.
  • تشفع لقارئها ومن يلازمها يوم القيامة حتى ينال المغفرة ويدخل الجنة.
  • تقي صاحبها عذاب القبر وتمنعه عنه ومن هنا جاء وصفها بالمانعة؛ عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ قال: “من قرأ {تباركَ الذي بيدِه الملكُ} كلَّ ليلةٍ؛ منعه اللهُ عز وجل بها من عذابِ القبرِ، وكنا في عهدِ رسولِ اللهِ نسميها: (المانعةَ)، وإنها في كتابِ اللهِ عز وجل سورةٌ من قرأ بها في كلِّ ليلةٍ، فقد أكثر وأطاب” [ المصدر: صحيح الترغيب|خلاصة حكم المحدث: حسن].
  • يكمن في قراءتها إحياءٌ لسنة النبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فقد كان عليه الصلاة والسلام يقرأها عند النوم.
  • تمنح سورة الملك شعور التوكل والثقة بالله تعالى من خلال مواضيعها الرئيسية التي تتمحور حول توحيد الله عز وجل والإقرار بألوهيته وحده وأن كل شيء في الكون بيده، فهو وحده عز وجل المهيمن على كل شيء في الحياة بما فيها من إنسان، وحيوان وجماد، مما يُشعر المؤمن بالقوة لاعتماده على الله جل وعلا.
  • تخبر المؤمنين عن سبب وجودهم في الحياة، إذ جاء الجواب عن هذا السؤال في الآية القرآنية: [الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا] [الملك: 2].

ولنيل فضائل سورة الملك وتحقيقها لا بدّ من العمل والالتزام بما ورد فيها من أحكام، والمداومة على قراءتها كل يوم لا سيما عند النوم اقتداءً بالنّبي -صلّى الله عليه وسلّم-، والإيمان إيمانًا يقينيًّا بما جاء فيها وتصديق أخبارها وتدبّر معانيها وأحكامها.

السابق
دواء دولو-فاست dolo-fast لعلاج التهاب العضلات والأوتار
التالي
صفات الله الواردة في سورة الملك

اترك تعليقاً