ديني

سيرة الإمام أبو حنية

قصة أبو حنيفة النعمان

نسب الإمام أبو حنيفة النعمان

هو النُّعمان بن ثابت بن زوطى التيمي، الكوفي، مولى بني تيم الله بن ثعلبة.

يقال: إنه من أبناء الفرس، أما زوطى: فإنه من أهل كابل، ووُلِد ثابتٌ على الإسلام، وكان أبو حنيفة تاجرَ حرير؛ (سير أعلام النبلاء جـ 6 صـ 390).

ميلاد أبي حنيفة: وُلد أبو حنيفة سنة ثمانين، في حياة صغار الصحابة، ورأى أنس بن مالك لما قدم عليهم الكوفة، ولم يثبت سماعُه من أحد من الصحابة؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 6 صـ 391).

لماذا سمي أبو حنيفة بهذا الاسم

قيل لأن له بنت اسمها حنيفة ولذلك سمي بهذا الإسم ورد هذا لأنه لا يعرف له أولاد.

وقيل أنه لأنه كان يلازم الدواء والدواء بلغة العراق حنيفة، فلذلك سمي بأبو حنيفة.

قصص أبو حنيفة

قال عبدالله بن رجاء الغداني: كان لأبي حنيفة جارٌ بالكوفة إسكاف يعمل نهاره كله، حتى إذا أقبل الليل رجع إلى منزله وقد حمل لحمًا فطبخه، أو سمكة فيشويها، ثم لا يزال يشرب الخمرَ، حتى إذا دب الشراب فيه غنَّى بصوت وهو يقول:

أضاعوني وأيَّ فتًى أضاعوا ♦♦♦ ليومِ كريهةٍ وسدادِ ثغرِ

فلا يزال يشرب الخمر، ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يسمَع ضجته، وكان أبو حنيفة يصلي الليل كله، ففقد أبو حنيفة صوته، فسأل عنه، فقيل: أخذه العسَس (الشرطة) منذ ليالٍ، وهو محبوس، فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غدٍ، وركب بغلته، واستأذن على الأمير، قال الأمير: ائذَنوا له، وأقبلوا به راكبًا، ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط، ففعل، ولم يزل الأمير يوسع له من مجلسه، وقال: ما حاجتك؟ قال: لي جار إسكاف، أخذه العسس منذ ليالٍ، يأمر الأمير بتخليته؟! فقال: نعم، وكل من أخذه بتلك الليلة إلى يومنا هذا، فأمر بتخليتهم أجمعين، فركب أبو حنيفة والإسكافي يمشي وراءه، فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه، فقال: يا فتى، أضعناك؟! قال: لا، بل حفِظت ورعَيت جزاك الله خيرًا عن حرمة الجوار ورعاية الحق، وتاب الرجل، ولم يعُدْ إلى ما كان؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 13 صـ 363: 362).

قال عبيدالله بن عمرو الرقي: كلم الأمير ابنُ هبيرة أبا حنيفة أن يتولى قضاء الكوفة، فأبى (رفض) عليه، فضربه مائة سوط وعشرة أسواط، وهو على الامتناع، فلما رأى ابن هبيرة ذلك خلَّى سبيله؛ (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني جـ 5 صـ 630).

(1) قال قيس بن الربيع: كان أبو حنيفة يبعث بالبضائع إلى بغداد، فيشتري بها الأمتعةَ، ويحملها إلى الكوفة، ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة، فيشتري بها حوائج الأشياخ المحدِّثين وأقواتهم وكسوتهم وجميع حوائجهم، ثم يدفع باقي الدنانير من الأرباح إليهم، فيقول: أنفقوا في حوائجكم، ولا تحمَدوا إلا اللهَ؛ فإني ما أعطيتُكم من مالي شيئًا، ولكن من فضل الله عليَّ فيكم، وهذه أرباح بضائعكم؛ فإنه هو والله مما يُجريه الله لكم على يدي، فما في رزق الله حولٌ لغيره؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 13 صـ 362).

(2) كان أبو حنيفة ربما مر به الرجل فيجلس إليه لغير قصد ولا مجالسة، فإذا قام سأل عنه، فإن كانت به فاقة (حاجة) وصَله، وإن مرِض عاده، حتى يجره إلى مواصلته؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 13 صـ 362).

(3) كان أبو حنيفة يبيع الخز (الحرير)، فجاءه رجلٌ فقال: يا أبا حنيفة، قد احتجت إلى ثوب خز، فقال: ما لونه؟ فقال: كذا وكذا، فقال له: اصبر حتى يقع وآخذه لك إن شاء الله، فما دارت الجمعة حتى وقع، فمر به الرجل، فقال له أبو حنيفة: قد وقعت حاجتك، فأخرج إليه الثوب فأعجبه، فقال: يا أبا حنيفة، كم أزِنُ للغلام؟ قال: درهمًا، قال: يا أبا حنيفة، ما كنت أظنك تهزأ، قال: ما هزأت، إني اشتريت ثوبين بعشرين دينارًا ودرهم، وإني بعت أحدهما بعشرين دينارًا، وبقِيَ هذا بدرهم، وما كنت لأربحَ على صديقٍ؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 13 صـ 362).

(4) كان أبو حنيفة إذا اكتسى ثوبًا جديدًا، كسا بقدر ثمنه الشيوخَ العلماء؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 13 صـ 358).

من أقوال الإمام أبو حنيفة النعمان

(1) قال أبو حنيفة: ما صليتُ صلاة منذ مات حماد إلا استغفرت له مع والدي، وإني لأستغفر لمن تعلمتُ منه علمًا، أو علَّمتُه علمًا؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 13 صـ 334).

(2) قال أبو حنيفة: دخلت على أبي جعفر المنصور أمير المؤمنين، فقال لي: يا أبا حنيفة، عمَّن أخذتَ العلم؟ قلت: عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عباس، فقال أبو جعفر: بخ بخ، استوثقت ما شئت يا أبا حنيفة الطيبين الطاهرين المباركين صلوات الله عليهم؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 13 صـ 334).

(3) قال أبو حنيفة: رأيتُ رؤيا أفزعتني، حتى رأيت كأني أنبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيت البصرة فأمرت رجلًا يسأل محمد بن سيرين، فسأله، فقال: هذا رجل ينبش أخبار النبي صلى الله عليه وسلم؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 13 صـ 335).

(1) قال الحسن بن زياد اللؤلؤي: كانت عندنا امرأةٌ مجنونةٌ يقال لها: أم عمران، مر بها إنسانٌ فقال لها شيئًا، فقالت: يا بن الزانيَينِ، وابن أبي ليلى قائمٌ يسمع، فأمر أن يؤتى بها، فأدخلها المسجد وهو فيه، فضربها حدَّيْن؛ حدًّا لأبيه وحدًّا لأمه، فبلغ ذلك أبا حنيفة، فقال: أخطأ فيها من ستة مواضع: المجنونة لا حد عليها، وأقام الحد عليها في المسجد ولا تقام الحدود في المساجد، وضربها قائمةً والنساء يُضرَبن قعودًا، وأقام عليها حدينِ، ولو أن رجلًا قذف قومًا ما كان عليه إلا حدٌّ واحدٌ، وضربها والأبوان غائبان ولا يكون ذلك إلا بمحضرهما؛ لأن الحدَّ لا يكون إلا لِمَن يطلبه، وجمع بين الحدين في مقام واحد، ومَن وجب عليه حدانِ، لم يُقَمْ عليه أحدهما حتى يجف الآخر، ثم يضرب الحد الثاني، فبلغ ذلك ابنَ أبي ليلى، فذهب إلى الأمير فشكاه، فحجَر الأمير على أبي حنيفة أن يفتي، فهذه قصة حجر الأمير في الفتيا على أبي حنيفة؛ (الانتقاء لابن عبدالبر صـ 152: صـ 153).

 

(2) قال ابن شبرمة: كنت شديد الإزراء على أبي حنيفة، فحضر الموسم وكنت حاجًّا يومئذ، فاجتمع عليه قومٌ يسألونه، فوقفتُ من حيث لا يعلم مَن أنا، فجاءه رجلٌ فقال: يا أبا حنيفة، قصدتُك أسألك عن أمر قد أهمني وأعجزني، قال: ما هو؟ قال: لي ولدٌ ليس لي غيره، فإن زوجتُه طلَّق، وإن سرَّيتُه أعتَق، وقد عجزت عن هذا، فهل من حيلة؟ فقال له للوقت: اشترِ الجارية التي يرضاها هو لنفسِك، ثم زوِّجها منه، فإن طلَّق رجعت مملوكتُك إليك، وإن أعتق أعتق ما لا يملِك، قال: فعلمتُ أن الرجل فقيهٌ، فمن يومئذ كففتُ عن ذِكره إلا بخير؛ (الانتقاء لابن عبدالبر صـ 154).

أبو حنيفة النعمان والشيعة

طعن الشيعة الإمامية في الإمام أبي حنيفة رحمه الله

نقلوا عن أبي حنيفة أنه أجاز وضع الحديث.
وعلم وورع الإمام وقبول العلماء له يكذب تلك الخزعبلات، والكلام في ضعف الرواية ليس هو الوضع في الحديث، فتنبه!!
فقد روى الكليني في (الكافي) عن سماعة بن مهران، عن إمامهم المعصوم السابع أبي الحسن موسى عليه السلام في حديث: (إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به، وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها -وأهوى بيده إلى فيه- ثم قال: لعن الله أبا حنيفة، كان يقول: قال علي عليه السلام وقلت أنا وقالت الصحابة).
وروى محمد بن عمرو الكشي في كتابه (اختيار معرفة الرجال) المعروف برجال الكشي، عن هارون بن خارجة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [الأنعام: 82] قال: (هذا ما استوجبه أبو حنيفة وزرارة).
وفي رواية عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [الأنعام: 82] قال: (أعاذنا الله وإياك من ذلك الظلم، قلت: ما هو؟ قال: هو والله ما أحدث زرارة وأبو حنيفة).
ويقول التيجاني: (فهذا أبو حنيفة نجده قد ابتدع مذهباً يقوم على القياس والعمل بالرأي مقابل النصوص الصريحة) .
وكل هذا مردود بما تواتر عن الإمام أبي حنيفة بأنه من أئمة السنة والحق والهدى، وبما خلفه من علم تعجز الرجال عن حمله.
ويكشف يوسف البحراني عن الحقد الدفين تجاه هذا الإمام الجليل فيقول:
(إن شاه عباس الأول لما فتح بغداد أمر أن يجعل قبر أبي حنيفة كنيفاً، وقد أوقف وقفاً شرعياً بغلتين وأمر بربطهما على رأس السوق، حتى إن كل من يريد الغائط يركبها ويمضي إلى قبر أبي حنيفة لأجل قضاء الحاجة، وقد طلب خادم قبره يوماً فقال له: ما تخدم في هذا القبر وأبو حنيفة الآن في درك الجحيم؟ فقال: إن في هذا القبر كلباً أسود دفنه جدك الشاه إسماعيل لما فتح بغداد، فأخرج عظام أبي حنيفة وجعل موضعها كلباً أسود، فأنا أخدم ذلك الكلب. وكان صادقاً في مقالته؛ لأن المرحوم الشاه إسماعيل فعل مثل هذا.
ومن كراماته: أن حاكم بغداد طلب علماء أهل السنة وعبادهم وقال لهم: كيف ذلك الرجل الأعمى إذا بات تحت قبة موسى بن جعفر عليه السلام يرتد إليه بصره وأبو حنيفة مع أنه الإمام الأعظم لم نسمع له بمثل هذه الكرامة؟
فأجابوه بأن هذا يصير أيضاً من بركات أبي حنيفة، فقال لهم: أحب أن أرى مثل هذا لأكون على بصيرة من ديني، فأتوا رجلاً فقيراً وقالوا له: إنا نعطيك كذا وكذا من الدراهم والدنانير وقل: إني أعمى، وامش متكئاً على العصا يومين أو ثلاثة، ثم تأتي ليلة الجمعة عند قبر أبي حنيفة، فإذا أصبحت فقل: الحمد لله ارتد بصري ببركات صاحب هذا القبر، فقبل كلامهم، ثم بات تلك الليلة تحت قبته، فلما أصبح بحمد الله وهو أعمى لا يبصر شيئاً، فصاح وقال: أيها الناس! حكايتي كذا وكذا، وأنا رجل صاحب عيال وحرفة، فاتصل خبره بصاحب البلد الحاكم، فأرسل إليه فقص قصته واحتيالهم عليه، فألزمهم بما يحتاج إليه من المعاش مدة حياته).

كيف مات الإمام أبو حنيفة النعمان

كيف مات أبو حنيفة

سطر الإمام أبو حنيفة في أيامه الأخيرة حروفًا من نور لا يمحوها الزمن؛ فقد اتفق المؤرخون على أن المنصور طلبه للقضاء، فامتنع؛ تطبيقًا لمذهبه في عدم القرب من السلطان، وخشية من الوقوع في الظلم بتأثير المجاملات أو النفاق،وحلف المنصور ليفعلن؛ فهو الأجدر بهذا المنصب، فحلف أبو حنيفة ألا يفعل، فأمر بسجنه وضيق عليه، فلم يهتم، فأمر بضربه كل يوم عشرة أسواط، فلم يؤثر عليه ذلك، وما حزن إلا لحزن أمه، واستمر على موقفه إلى أن صعدت روحه الزكية سنة 150هـ، وخرجت المدينة عن بكرة أبيها في جنازته، حتى إنهم أعادوا الصلاة عليه مرارًا كثيرة، وكان يسمع ضجيج الناس وبكاؤهم لمسافة أميال، وبكاه العلماء والشعراء، وبقي ذكره في التاريخ شهيد العلماء، وعالم الشهداءرحمه الله، وألحقنا به في الصالحين.

قال حماد بن أبي حنيفة: لما مات أبي، سألنا الحسن بن عمارة أن يتولى غسله، ففعل، فلما غسله قال: رحمك الله تعالى وغفر لك، لم تُفطِر منذ ثلاثين سنة، ولم تتوسَّد يمينك بالليل منذ أربعين سنة، وقد أتعبتَ مَن بعدك، وفضحتَ القرَّاء؛ (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني جـ 5 صـ 630).

توفي أبو حنيفة النعمان سنة مائة وخمسين هجرية، وله من العمر سبعون سنة، وصلى الناس عليه ببغداد ستَّ مرات؛ لكثرة الزحام، وقبره هناك؛ (البداية والنهاية لابن كثير جـ 10 صـ 111).

رحم الله الإمام أبا حنيفة رحمة واسعة، وجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة، مع النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقًا.

 

السابق
سيرة الإمام مالك بن أنس
التالي
سيرة الامام الشافعي

اترك تعليقاً