ديني

شرح خطبة الوداع

شرح خطبة الوداع

تحليل الخطبة

استهلّ النبيُّ – صلّى الله عليه وسلم – خطبته بتحريم الدّماء والأموال، وشبّه شدّة هذا التحريم بحُرمة يوم عرفة، من شهر ذي الحجة، في البلد الحرام مكة، حيث إنّ لمكة المكرّمة حرمةٌ عظيمةٌ فلا يُسفك فيها دمٌ، ولا يُقتل فيها طيرٌ، ولا تُقطع أشجارها، ولا تُلتقط لقيطتها إلّا لمُنشدٍ أي باحثٍ عن صاحب هذه اللقيطة أو الشيء المفقود، أمّا عن حُرمة شهر ذي الحجَّة؛ فقد جعَل الله تبارك وتعالى عدَّة الشهور اثنَا عشر شهرًا، وجعل منها أربعةً حُرُم، ثلاثٌ تأتي سرداً أي متتاليةً وهي: ذو القِعدة، وذو الحَجَّة، ومُحرَّم، وشهرٌ واحدٌ يأتي منفرداً ألا وهو رجب، والشاهد في كُل ذلك تعظيم شأن القتل وسلب الأموال، فلا يحلُّ دم امرىء مُسلمٍ إلّا بإحدى ثلاثة أمور: الثيب الزاني، أي المتزوج الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة، أي المُرتدّ عن الإسلام ما لم يتب، والقاتل، مع التنبيه بضرورة أن يتّخذ الحاكم المُسلم العقوبة في حقّ هؤلاء، كي لاينقلب المُجتمع كشريعة الغاب، كُلٌ يأخذ حقه بيده، أمّا في ما يتعلّق بالأموال، فلا يأخذ أحدٌ مالاً إلّا حلالاً وبحقِّ الله، فسوف يُسأل صاحب المال بين يدي الله من أين اكتسب هذا المال؟ وفيم أنفقه.

أبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم كُلّ أمرٍ كان في الجاهلية، فالإسلام يَجُبُّ ماقبله، فلا كِبرٌ في الإسلام، ولا بطَر، ولا تفاخرٌ في الأنساب والأحساب، ودماءُ الجاهلية موضوعةٌ، وقد بدأ بنفسه حيث وضع دم ابن ربيعة، وأبطل ربا العباس بن عبد المُطّلب، وإنّما خصّ الربا لما له من شديد عقوبة، حيث اللعنة والطرد من رحمة الله، ثمّ انتقل الخطاب إلى حُسن معاملة النساء، وخاصّة الزوجات حيث على الزوج أن يتّقي الله في معاملتهه معها دون ظلمٍ، أو جور، أو إنقاصٍ في المأكل والمشرب والمَلبس، وأمر بغضّ البصر لصون المجتمع من الفواحش، وقد نبهت الخطبة على فعلٍ مشين وهو أن تسمح المرأة لمن يكره الرجل أن يُدخلهم إلى بيته بذلك ، فهذا من حقّ الرجل عليها، وعليها أن تطيعه في ذلك، فلا يدخل بيته إلّا من يُحب، وإن خالفت ذلك فعليه أن يُقوّمها ويلومها بالضرب غير المُبرّح، وقد أشار العلماء بأنّ الضرب هنا يكون بعود السواك مثلاً وذلك للفت انتباهها إلى فعلتها وليس بهدف الضرب على مثل هذا الفعل. بيّنت الخطبة أنّ النجاة الحقيقية تكون بالاعتصام بكتاب الله والسنَّة الشريفة؛ فمن أراد الثبات فعليه أن يتمسَّك بهما، ففيهما سعادة الدنيا والآخرة، ولم تدع السنة والقرآن خيراً إلّا وأمرا به، أمّا ما كان فيه شرٌ فقد نهيا عنه، وفي خاتمة الخطبة برّأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم نفسه بعدما بيَّن للناس هذه الأمور الهامّة باعتبارها دستوراً صالحاً لكلّ الأوقات والأزمان حتّى قيام الساعة، قائلاً ((اللهم اشهَد، اللهم اشهَد)) بأنّي قد أدّيت الأمانة، ونصحت الأمة.

مبادئ خطبة الوداع

قال الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، إن خطبة الوداع للنبي صلى الله عليه وسلم التي خطبها في المسلمين في حجة الوداع تضمنت أهداف ومقاصد الإسلام الكبرى، ووصفها بأنها بمثابة وثيقة لحقوق الإنسان، سبقت دساتير العالم، كإعلان عالمي لمبادئ الإنسانية.

وشدد خالد في الحلقة السابعة والعشرين من برنامجه الرمضاني “السيرة حياة” على أن “وصايا النبي في حجة الوداع لها أهمية كبيرة، لأنه كان يعرف أنها آخر كلماته وآخر وصية لأمته وهي كلها مجتمعة معه في الحج، حيث حج معه 120 ألف، وهو أكبر عدد في تاريخ الإسلام، وراءهم نساء وأطفال ومرضى حوالي نصف مليون مسلم”.

وأشار إلى إن خطبة الوداع توافر فيها كل أنواع المكانة العالية: أشرف مكان، أشرف وقت، أشرف يوم، أشرف ناس، أنقى وأقدس أرض ووقت ويوم وناس”.

ولفت إلى أن النبي ألقاها في ثلاث أماكن: أمام الكعبة، في عرفة، في منى، وأخذ يكرر نفس الكلام، وكأنه يقول: أنا لدي كلام محدد، حتى في منى لم يكن هناك مكان يجمع فيه كل الناس حتى يسمعوا، فكان ينتقل من مكان لآخر بين خيم الحجاج، يقول نفس الكلام، وهذا تأكيد على أهميته.

وعدد خالد المبادئ التي تضمنتها خطبة الوداع على النحو التالي:المبدأ الأول: أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، كأن المعنى الحرمة مركبة مغلظة وليست بسيطة. لم يقل أيها المسلمون، بل قال أيها الناس، لكونها مبادئ لكل البشرية.

وتابع خالد: “تضمن هذا المبدأ: حرمة الدم والمال والعرض، لأنها ضمان لاستقرار المجتمع الذي لا يقوم إلا بحماية هذه العناصر الثلاث، والمعنى: كل مكان أو زمن يحدث فيه قتل.. هو حرام حرام حرام، كأنك قتلت في مكة في يوم عرفة.. وكذا الاستيلاء على أموال الناس، كأنك أكلت أموالهم يوم عرفة، والخوض في أعراض الناس وهتك سترهم والتشهير بهم، كأنك فعلت ذلك يوم عرفة، ثم قال: “ألا هل بلغت اللهم فاشهد”.

واستطرد: “المبدأ الثاني: إن دماء الجاهلية موضوعة، أي انتهت.. سامحوا لا تطالبوا بها، وأول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن عبدالمطلب ابن عم النبي، الذي قتل في الجاهلية، فسامح فيه النبي، وإن ربا الجاهلية موضوع، لو لك مال عند أحد فيه ربا.. اتركه.. سامح فيه.. وأن أول ما أبدأ به ربا عمي العباس بن عبدالمطلب.. وإن مآثر الجاهلية موضوعة.. التعالي والتفاخر .. أوقفوا ذلك.. بدلها بالتسامح والعفو.. كل الجاهلية موضوعة إلا السدانة والسقاية”، واستدرك قائلًا: “لم يلغ كل ماهو قادم ممن قبله.. تسامح ديني”.

وواصل: المبدأ الثالث الذي حمل قيمة التعايش والمساواة وعدم العنصرية بين البشر بصرف النظر عن دينهم أو جنسهم أو لونهم أو عرقهم، إذ قال: “أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب وإن أكرمكم عند الله أتقاكم، لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى، لا فضل لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس سواسية كأسنان المشط، ألا هل بلغت اللهم فاشهد”..

وعلق خالد: “هذا ما قاله النبي قبل حقوق السود في أمريكا بـ 1200 سنة، وقبل عنصرية التنظيمات الدينية المتشددة”.

وتابع: “المبدأ الرابع: خاص بالمرأة، “أيها الناس.. إن لنسائكم عليكم حقًا، إنما النساء أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرًا، ألا هل بلغت اللهم فاشهد”.

ونوه بأن “أكبر غضب لله إيذاء امرأة”، فيما وصفه بـأنه “فكر جديد لم يعرفه العالم عند الارتباط بالمرأة.. أنت أخذتها بأمان الله.. هدية من الله لك. ثم قال فليبلغ الحاضر الغائب، لأن أغلب الغائبين نساء”.

وذكر المبدأ الخامس والأخير في خطبة الوداع: “أيها الناس أتدرون من المسلم؟، المسلم من سلم الناس من لسانه ويده. أيها الناس أتدرون من المؤمن: المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأعراضهم، أيها الناس أتدرون من المهاجر: المهاجر من هجر ما نهى الله عنه”.

وألمح خالد إلى أن هذا “إعادة تعريف للدين الإسلامي بأنه دين الأخلاق الإنسانية.. والإسلام هو مسالمة الناس والإيمان.. هو الأمانة للأموال والأعراض.. الإسلام هو الأخلاق.. التدين ليس شكلًا.. الدين هو الخلق فمن زا

د عليك في الخلق زاد عليك في التدين. في آخر حجة الوداع قال النبي كلامًا مؤثرًا:” حَياتِـي خَيْرٌ لَكُمْ ومَـمَاتِـي خَيْرٌ لَكُمْ”.

حجة الوداع للاطفال

مضمون خطبة حجة الوداع

حبا الله تعالى رسوله الكريم بقدرة بيانية وبلاغية من الطراز الرفيع، وقد وظف الرسول الأكرم هذه القدرات البيانية المتميزة أحسن توظيف في دعوته إلى الله تعالى، فكان للكلمات التي تنساب من فمه الشريف وقع على أذن من يستمع إليه.

اشتهر عدد كبير من أقوال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، إلى درجة أن بعض الدول غير الإسلامية صارت تستعملها لعرض القيم التي تود بثها بين شعوبها.

من بين أبرز ما قاله رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، تلك الخطبة التي شرقت وغربت، والتي استطاعت أن تلخص أهم المبادئ الإنسانية التي إن التزم الناس بها، وليس المسلمون فقط، سعدوا في الدنيا، واستطاعوا بناء حضارات أخلاقية.

وقد سميت هذه الخطبة الشريفة باسم خطبة الوداع، كونها ألقيت من قبل الرسول الأعظم في حجة الوداع.

حملت هذه الخطبة وصايا خاتم الأنبياء والمرسلين، ويمكن القول أنها ملخص لأهم المبادئ التي دعت إليها تلك الرحلة الطويلة من الدعوة إلى الله والتي ابتدأها آدم –عليه الصلاة والسلام-، واختتمها محمد –صلى الله عليه وسلم.

استعرضت خطبة حجة الوداع مبادئ إنسانية سامية، أولها التأكيد على حرمة دم الإنسان، وعلى حرمة ماله، وقد شدَّد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في التأكيد على هذا الأمر، وشبه حرمة الدم والمال بحرمة اليوم الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام.

بعد ذلك انتقل الرسول إلى التأكيد على أمرين هامين هما: تأدية الأمانات لأصحابها كاملة غير منقوصة، وتحريم التعامل بالربا، لما يتسبب به من تشاحن وتباغض، وتحاسد، وتدابر بين الناس، ولما فيه من استغلال القوي للضعيف المحتاج، وقد وضع الرسول –صلى الله عليه وسلم- كل أنواع الربا، وابتدأ بربا عمِّه العباس بن عبد المطلب –رضي الله عنه-. انتقل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك إلى التأكيد على واحد من أهم المبادئ التي يتحدث بها العالم كله اليوم شرقاً وغرباً، ألا وهو حقوق المرأة، حيث شدد الرسول في خطبة الوداع على أهمية التعامل الحسن مع النساء، وعلى ضرورة إعطائهن كل ما يطلبنه من حقوقهنَّ المشروعة.

بعدها أكَّد الرسول الأعظم على أهمية انتشار الأخوَّة بين أبناء المجتمع الإسلامي، ومن مظاهر هذه الأخوة أن لا يأخذ الأخ من مال أخيه شيئاً، فالأموال حرام على من لا يملكها.

كما أبطل رسول الله في هذه الخطبة عادات الجاهلية القبيحة، وأكد على معيار التفاضل الجديد بين الناس ألا وهو التقوى، فلا فضل لأحد على أحد آخر، إلا بالتقوى، والله تعالى هو المطلع على القلوب، العالم بأحوال الناس، وهو وحده الذي يعلم من عمَّرت التقوى قلبه، وكيانه.

فما أحوج المسلمين اليوم إلى الاستفادة من مضامين هذه الخطبة التي حددت الخطوط العامة والرئيسية في العلاقات بين المسلمين خاصة وبين بني البشر عامة، ونحن في عصر تغول قوى الاستكبار العالمي، وسيطرة التطرف والإرهاب الممول –للأسف- من دول عربية وإسلامية، تتولى تنفيذ مخططات أعداء الأمة على أرض المسلمين وبأموالهم ايضا.

سبب تسمية حجة الوداع بحجة الكمال

لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودع الناس بعد أداء المناسك في هذه الحجة..
روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج بها وقال: هذا يوم الحج الأكبر، فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اشهد ! وودع الناس فقال: هذه حجة الوداع..
بعد أن بلغ النبي صلى الله عليه وسلمالرسالة، وأدى الأمانة، وأكمل الله تعالى الدين، وأتم النعمة، وتمت أعمال دعوته صلى الله عليه وسلم ودخل الناس في دين الله أفواجا، أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرى ثمار دعوته، بعد هذه الحياة الطويلة في سبيل الله، وأن يعلم الناس مناسكهم، فأعلن في الناس أنه يريد الحج، فقدم المدينة خلق كثير كلهم يريد أن يقتدي ويأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم..

السابق
دواء سالونباس – Salonpas لعلاج تمزق العضلات
التالي
خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم

اترك تعليقاً