ديني

فضل قيام الليل في العشر الآواخر من رمضان

فضل قيام الليل في العشر الآواخر من رمضان

العشر الأواخر فرصةٌ للتغيير

تفضّل الله -تعالى- على عباده بمواسم ونفحاتٍ تتضاعف فيها الحسنات، وتُكفَّر فيها السيِّئات، وتُغفَر فيها الذنوب، ويُعوّض العبد فيها ما فاته من الخير فيما مضى من الأيّام، فترتفع في تلك المواسم درجاته عند الله -تعالى-، ومن تلك المواسم العشر الأواخر من شهر رمضان، وقد كان السَّلَف الصالح يتنافسون فيها بالقُربات، ويطرقون كلّ سبيلٍ في اغتنامها، فيجدر بالمسلم الحرص على رمضان، واستغلاله، ونَيْل فضائله، والثبات على الطاعة، والإكثار منها، وتجديد التوبة، وتجنُّب المُلهيات.

فَضْل قيام الليل في العشر الأواخر من رمضان

اختصَّت العشر الأواخر من رمضان عن غيرها من الأزمان؛ لِما فيها من عبادات الليل، وصلاة القيام، ومنها صلاة التراويح؛ إذ إنّ لقيام الليل فضلاً عظيماً؛ فقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (سُئِلَ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقالَ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ)،فكان النبيّ يحثّ الصحابة -رضي الله عنه- على قيام الليل، وقد حرصوا عليه؛ سواء في جماعة، أو مُنفردين؛ لِعلمهم بما فيه من مغفرةٍ للذنوب، ورَفْعٍ للدرجات عند الله، وتطهيرٍ للقلوب، ونَهي عن معصية الله، ونَيلٍ لعظيم المكانة في الدُّنيا والآخرة.

فَضْل عبادة الليل

تتميّز عبادة الليل بعدّة أمورٍ وميّزاتٍ، بيان البعض منها فيما يأتي:

  • تُعَدّ أكثر تحقيقاً للإخلاص؛ لبُعدها عن نَظْر العباد الآخرين، فلا تُثير في القلب العجب، أو الرِّياء.
  • تُعَدّ أعظم مَشقّةً من عبادة النهار؛ إذ يحتاج العبد إلى مجاهدة نفسه لقيام الليل؛ ولذلك فإنّ أَجْرها أعظم من أَجْر غيرها، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
  • توافق صفاءً في الذِّهن؛ بسبب الابتعاد عن المشاغل؛ فيكون وقَعْها في القلب أعظم، وتدبُّر الآيات فيها أنفع، قال -تعالى-: (إنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا).
  • تُوافق ساعات استجابة الدعاء، وتنزُّل الرحمات، ونزول الله إلى السماء الدُّنيا في الثُّلث الأخير من الليل، فقد ثبت في صحيح البخاريّ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فيَقولُ: مَن يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له، مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له).
  • تجمع بين طلب المغفرة، وتنقية القلب من الذنوب، والتقرُّب إلى الله بالطاعات، ونَيل الأُجور؛ وبذلك ترتفع درجات العبد عند الله.

فَضْل قيام الليل

تترتّب الكثير من الفضائل والأُجور على قيام الليل، بيان البعض منها فيما يأتي:

  • ينال به المسلم مَحبّة الله، وولايته؛ فمن الصفات التي وصف الله -تعالى- بها عباده تظهر في قوله: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)
  • يُعَدّ من أسباب زوال الهَمّ والغمّ، وجَلْب البِشارات، يقول -تعالى-: (أَلا إِنَّ أَولِياءَ اللَّـهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ*الَّذينَ آمَنوا وَكانوا يَتَّقونَ*لَهُمُ البُشرى فِي الحَياةِ الدُّنيا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبديلَ لِكَلِماتِ اللَّـهِ ذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ).
  • يُعَدّ ممّا يُعين على أمور الدُّنيا والآخرة، وهو سببٌ لتحقيقها؛ إذ ورد عن الإمام مسلم عن جابر بن عبدالله أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنَّ مِنَ اللَّيْلِ ساعَةً، لا يُوافِقُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا، إلَّا أعْطاهُ إيَّاهُ).
  • تُعَدّ صلاة الليل أفضل الصلوات بعد الصلوات الخَمس؛ فقد ثبت في الصحيح عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ).
  • يُعَدّ سبباً في استجابة الدعاء، ومغفرة الذنوب، وقبول العبادات؛ فقد ثبت في صحيح البخاريّ أنّ النبيّ -صلّى الله ليه وسلّم- قال: (مَن تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وسُبْحَانَ اللَّهِ، ولَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، ولَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ له، فإنْ تَوَضَّأَ وصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ).
  • يُعَدّ عِصمةً من الفِتَن، ونَهياً عن الوقوع في الإثم، لِما أخرجه الإمام البخاريّ عن أمّ المؤمنين أمّ سلمة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (اسْتَيْقَظَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ وهو يقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتْنَةِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الخَزَائِنِ، مَن يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ، كَمْ مِن كَاسِيَةٍ في الدُّنْيَا عَارِيَةٍ يَومَ القِيَامَةِ)
  • يُعَدّ من أسباب دخول الجنّة، والنجاة من النار، قال -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).

فَضْل قيام رمضان وليلة القدر

سَنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- العديد من الشعائر العظيمة في شهر رمضان المبارك، ومنها: قيام الليل؛ فقد حثّ عليه ورغّب فيه قولاً، وعملاً؛ فثبت عنه أنّه قال: (من قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)، ومن عبادات قيام الليل الصلاة؛ سواء كانت أوّل الليل، أو آخره، والقيام بالصلاة في رمضان تُراد به صلاة التراويح، وفي بيان فَضْل ذلك قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّهُ من قام مع الإمامِ حتى ينصرفَ هو، كُتِبَ لهُ قيامُ ليلةٍ).

وتجدر الإشارة إلى مُضاعفة أجر القيام في العشر الأواخر من رمضان؛ طلباً لليلة القَدْر، وطَمَعاً في نَيل الأجر العظيم، والثواب الجزيل من الله -سبحانه-؛ لِما ورد عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) ولذلك كان جديراً بالمسلم أن يتحرّاها، ويحرص على إحيائها، ولمّا لم يرد ما يُحدّدها بعَينها، كان من الجدير تحرّيها في العشر الأواخر من رمضان؛ لقَوْل الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ( تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ)،وبذلك يكون المسلم نال أَجْر قيام العشر الأواخر كاملةً، وقيام ليلة القَدْر

هَدْي النبيّ في العشر الأواخر من رمضان

كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يخصّ العشر الأواخر من رمضان بالاجتهاد في العبادة ما لا يجتهد في غيرها؛ فقد ثبت عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَجْتَهِدُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ، ما لا يَجْتَهِدُ في غيرِهِ)،فكان -صلّى الله عليه وسلّم- يتفرّغ للعبادة إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان، ويجتهد فيها؛ بإحياء الليل بالعبادة؛ من صلاةٍ، وذِكْرٍ، ودعاءٍ، ويترك كلّ ما يُشغله من أمور الدُّنيا، كما كان يحثّ أهله على القيام، كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذَا دَخَلَ العَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَرَ) وكان يعتكف لله -سبحانه-؛ يخلو به، ويتقرّب إليه بالدعاء، والرجاء، والتضرُّع، مُنقطِعاً عن الدُّنيا، فقد ثبت عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِن بَعْدِهِ).

أمورٌ تعُين على قيام الليل

هناك العديد من الأمور التي تُعين العبد على قيام الليل، وإحياء الليل بالعبادة، بيان البعض منها فيما يأتي:

  • عدم إرهاق النفس بالأعمال التي تُتعب الجسد؛ إذ يجدر بِمَن أراد قيام الليل عدم إرهاق نفسه؛ ليتمكّن من السهر ليلاً.
  • الحرص على القيلولة نهاراً؛ إذ إنّها تُعين المسلم وتقوّيه على القيام ليلاً.
  • تحقيق الخوف من الله في القلب، والخشية منه، وتقواه.
  • عدم التعلُّق بالحياة الدُّنيا، وما فيها من مَلذّاتٍ وشهواتٍ، والاستعداد للقاء الله -سبحانه وتعالى-.
  • التزام الطاعات، والابتعاد عن المعاصي والذنوب.
السابق
تقرير عن الصدقة
التالي
ما هي صفات الفتاة المسلمة

اترك تعليقاً