أدبيات

قصص عن الزهد

قصص عن الزهد

قصص عن الزهد والرقائق

1- كان عبد الرحمن بن أبي ليلى يصلي في بيته فإذا شعر بأحد قطع صلاة النافلة ونام على فراشه – كأنه نائم – فيدخل عليه الداخل ويقول : هذا لا يفتر من النوم ، غالب وقته على فراشه نائم ، وما علموا أنه يصلي ويخفي ذلك عليهم .

2- وجاء رجل يقال له حمزة بن دهقان لبشر الحافي العابد الزاهد المعروف ، فقال أحب أن أخلوا معك يوماً ، فقال : لا بأس تُحدد يوما لذلك ، يقول فدخلت عليه يوماً دون أن يشعر فرأيته قد دخل قبة فصلى فيها أربع ركعات لا أحسن أن أصلي مثلها فسمعته يقول في سجوده ” اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الذل – يقصد بالذل عدم الشهرة – أحب إلي من الشرف ..اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الفقر أحب إلي من الغنى .. اللهم إنك تعلم فوق عرشك أني لا أُوثر على حبك شيئا ” يقول فلما سمعته أخذني الشهيق والبكاء ، فقال : ” اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن هذا هنا لم أتكلم ”

3- قال الأعمش : كنت عند إبراهيم النخعي وهو يقـرأ في المصحف ، فاستأذن عليه رجل فغطّى المصحف ، وقال : لا يراني هذا أني أقرأ فيه كل ساعة .

4- للإمام الماوردي قصة في الإخلاص في تصنيف الكتب، فقد ألف المؤلفات في التفسير والفقه وغير ذلك ولم يظهر شيء في حياته لما دنت وفاته قال لشخص يثق به: الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي وإنما إذا عاينت الموت و وقعت في النزع فاجعل يدك في يدي فإن قبضت عليها فاعلم أنه لم يقبل مني شيء فاعمد إليها وألقها في دجلة بالليل وإذا بسطت يدي فاعلم أنها قبلت مني وأني ظفرت بما أرجوه من النية الخالصة، فلما حضرته الوفاة بسط يده ، فأظهرت كتبه بعد ذلك

5- وهذا عبد الواحد بن زيد يخبرنا بحديث عجيب حصل لأيوب وقد عاهده ألاَّ يخبر إلا أن يموت أيوب ـ إذ لا رياء يومئذ ـ ، قال عبدالواحد : كنت مع أيوب فعطشنا عطشاً شديداً حتى كدنا نهلك ، فقال أيوب : تستر علي ، قلت : نعم إلا أن تموت، قال : عبد الواحد فغمز أيوب برجله على حِراءٍ فتفجَّر منه الماء فشربت حتى رويت وحملت معي.
كانت بينهم وبين الله أسرار لو أقسم منهم على الله أحد لأبرَّه لإخلاصهم وصدقهم مع الله تبارك وتعالى .

6- وهذا أبو الحسن محمد بن أسلم الطوسي، يقول عنه خادمه أبو عبد الله ، كان محمد يدخل بيتا ويُغلق بابه ، ويدخل معه كوزاً من ماء ، فلم أدر ما يصنع ، حتى سمعتُ ابناً صغيراً له يبكي بكاءه ، فَنهتهَ أمُهُ ، فقلتُ لها : ما هذا البكاء ؟ فقالت إن أبا الحسن يدخل هذا البيت ، فيقرأ القرآن ويبكي ، فيسمعه الصبي فيحكيه ، فإذا أراد أن يخرج غسل وجهه ؛ فلا يُرى عليه أثر البكاء .

7- ودخل عبد الله ابن محيريز دكاناً يريد أن يشتري ثوباً ، فقال رجل قد عرفه لصاحب المحل هذا ابن محيريز فأحسن بيعه ، فغضب ابن محيريز وطرح الثوب وقال ” إنما نشتري بأموالنا ، لسنا نشتري بديننا ”

8- وقال ابن عيينة : كان من دعاء المطرِّف بن عبد الله : اللهم إني أستغفرك مما زعمت أني أريد به وجهك ، فخالط قلبي منه ما قد علمت .

9- وكان رحمه الله إذا حدَّث بحديث النبي صلى الله عليه وسلم يشتدُّ عليه البكاء وهو في حلقته ، فكان يشدُّ العمامة على عينه ويقول : ما أشدَّ الزكام.. ما أشدَّ الزكام..

10 – روى صاحب طبقات الحنابلة: أن عبد الغني المقدسي المحدث الشهير, كان مسجوناً في بيت المقدس في فلسطين , فقام من الليل صادقاً مع الله مخلصاً, فأخذ يصلي, ومعه في السجن قوم من اليهود والنصارى, فأخذ يبكي حتى الصباح, فلما أصبح الصباح, ورأى أولئك النفر هذا الصادق العابد المخلص, ذهبوا إلى السجان, وقالوا: أطلقنا فإنا قد أسلمنا, ودخلنا في دين هذا الرجل, قال: ولِمَ؟ أدعاكم للإسلام؟ قالوا: ما دعانا للإسلام, ولكن بتنا معه في ليلة ذكرنا بيوم القيامة..!

11- رأى ابن عمر رجلاً يُصلي ويُتابع قال له : ما هذا ؟ قال : إني لم أصل البارحة ، فقال ابن عمر : أتريد أن تخبرني الآن ! إنما هما ركعتان

12- يقول الحسن البصري : ” إن كان الرجل جمع القرآن وما يشعر به الناس .. وإن كان الرجل قد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس ..وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوار وما يشعرون به ..ولقد أدركت أقواماً ما كانوا على عمل يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية أبداً ”

13- كان شريح القاضي يخلو في بيت له يوم الجمعة لا يدري أحد من الناس ماذا يصنع فيه.

14- قيل لابن المبارك: إبراهيم بن أدهم ممن سمع ؟ ممن أخذ الحديث ؟ وممن أخذ العلم ؟
قال ” قد سمع من الناس وله فضل في نفسه .. صاحب سرائر ما رأيته يظهر تسبيحاً ، ولا شيئاً من الخير ، ولا أكل مع قوم قط إلا كان آخر من يرفع يده – يتظاهر أنه ليس من أهل الزهد وإنما يأكل كما يأكل عامة الناس فلا يقوم أولهم – ”

15- وهذا عبد الله بن المبارك حينما خرج في غزو بلاد الروم فالتقى المسلمون بالعدو ، وخرج عِلجٌ من العدو يطلب المبارزة ويجول بين الصفين ، فخرج له رجل من المسلمين فقتله العلج ، وخرج ثاني فقتله ، وخرج الثالث فقتله ، فبرز له رجل آخر ، فصاوله ثم قَتَلَ العلجَ ، فاجتمع الناس عليه ينظرون من هو ؟ فجعل يغطي وجهه بكمه لئلا يعرفه أحد ، فجاءه رجل يقال له أبو عمر فرفع كمه عن وجهه ، فإذا هو عبد الله بن المبارك ، فقال عبد الله بن المبارك : ” وأنت يا أبا عمر ممن يُشنع علينا” – ماهذه الشناعة في نظر ابن المبارك رحمه الله ؟! الشناعة أنه أظهر أن هذا هو البطل الباسل الذي تمكن من قتل هذا العلج الذي قتل عدداً من المسلمين – كان يغطي وجهه بكمه يريد وجه الله تعالى – .

16- وهذا رجل مسلم وقع في حصار حاصره المسلمون للروم ، وطال هذا الحصار ، واشتد الإنتصار على المسلمين ، وأحرقتهم سهام العدو ، فعمد رجلٌ من المسلمين سراً إلى ناحية من الحصن ، فحفر نفقاً ثم دخل منه ، فهجم على الباب من الداخل وجعل يضرب في الأعداء حتى فتح الباب ودخل المسلمون ، واختفى ذلك الرجل فلم يعرفه أحد ، فصار قائد المسلمين – مَسلمَة – يقول ويستحلف الناس : سألتكم بالله أن يخرج إلي صاحب النفق ، فلما كان الليل جاء رجل فاستأذن على حارس مسلمة ، فقال الحارس من هذا ؟ قال : رجل يدلكم على صاحب النفق ، فاذهب إلى صاحبك – يعني مسلمة – وأخبره وقل له يشترط عليك شرطاً ، وهو ألا تبحث عن بعد ذلك اليوم أبداً ، ولا تطلب رؤيته بعده ولا الكلام معه أبدا ،فقال مسلمه : لهُ شَرطُه فأخبروني عنه من هو ؟ فدخل الرجل – نفسه – وقال أنا هو.. وليَ ما اشترطتُ ، لا تسألني .. لا تبحث عني .. لا تدعني إلا مجلسك .. فاختفى بين الجند .
فكان مسلمة بعد ذلك يقول : ” اللهم احشرني مع صاحب النفق ”

 

 

الزهد في الدنيا

قال أبو العباس سهل بن سعد الساعدي: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، دلّني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبّني الناس، فقال: «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ»، والزهد هو قصر الأمل في الدنيا، وعدم الحزن على ما فات منها، قال ابن تيمية: الزهد هو ترك ما لا ينفع في الآخرة، ويشمل ترك ما يضر، وترك ما لا ينفع ولا يضر. وفيه حث رسول الله على التقلل من الدنيا والزهد فيها وقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الزاهد في الدنيا يريح قلبه في الدنيا والآخرة والراغب في الدنيا يتعب قلبه في الدنيا والآخرة».
وأرشد صلى الله عليه وسلم، السائل إلى ترك الدنيا بالزهد فيها ووعده مقابل ذلك حب الله عز وجل وهو رضاه عنه، وأرشده إلى الزهد فيما في أيدي الناس إن أراد محبتهم له.
ونبه صلى الله عليه وسلم إلى أن من كانت الآخرة همه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه شتت الله شمله وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له والسعيد من اختار باقية يدوم نعيمها على بالية لا ينفذ عذابها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم أزهد الناس ولم يحرم على نفسه شيئاً أباحه الله له، قال الإمام أحمد بن حنبل: الزهد ثلاثة أوجه، الأول ترك الحرام، وهو زهد العوام، والثاني ترك الفضول من الحلال، وهو زهد الخواص، والثالث ترك ما يشغل عن الله، وهو زهد العارفين. ولا ينافي معنى الزهد الأخذ من طيبات الحياة الدنيا على قدر الحاجة، فقد كان من الصحابة من لديه الأموال الكثيرة، والتجارات العديدة. قال أهل العلم: حقيقة الزهد أن تجعل الدنيا في يدك لا في قلبك، مقبلاً على ربك مبتعداً عن الحرام، مستعيناً بشيء من المباحات.
قال العارفون: الزاهد هو الذي يقنع بما آتاه الله ولا يأسى على ما فاته من الدنيا ولا يعلق قلبه بغير ربه تعالى ويكون بما في يد الله أوثق مما في يده، ويعرض عن كل ما يشغله عن ربه وعبادته، وقال الفضيل بن عياض: أصلُ الزهد الرضا عن الله عز وجل.
وسئل الزهري عن الزاهد فقال: من لم يغلب الحرام صبره، ولم يشغل الحلال شكره، ويقول ابن القيم في الزاهد: هو لله وبالله ومع الله وما أعظم أنسه بالله وفرحه به وطمأنينته وسكونه إليه.

 

قصص زهد الصحابة

 

35572- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الْقُرَشِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُكَيْمٍ، قَالَ‏:‏ خَطَبَنَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ‏:‏ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَأَنْ تُثْنُوا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَأَنْ تَخْلِطُوا الرَّغْبَةَ بِالرَّهْبَةِ وَتَجْمَعُوا الإِلْحَافَ بِالْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَثْنَى عَلَى زَكَرِيَّا وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏إنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ‏}‏ ثُمَّ اعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ، أَنَّ اللَّهَ قَدَ ارْتَهَنَ بِحَقِّهِ أَنْفُسَكُمْ، وَأَخَذَ عَلَى ذَلِكَ مَوَاثِيقَكُمْ، وَاشْتَرَى مِنْكُمُ الْقَلِيلَ الْفَانِيَ بِالْكَثِيرِ الْبَاقِي، وَهَذَا كِتَابُ اللهِ فِيكُمْ لاَ تَفْنَى عَجَائِبُهُ وَلاَ يُطْفَأُ نُورُهُ فَصَدِّقُوا بِقَوْلِهِ، وَانْتَصِحُوا كِتَابَهُ، وَاسْتَبْصِرُوا فِيهِ لِيَوْمِ الظُّلْمَةِ، فَإِنَّمَا خَلَقَكُمْ لِلْعِبَادَةِ، وَوَكَّلَ بِكُمُ الْكِرَامَ الْكَاتِبِينَ‏,‏ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ، ثُمَّ اعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّكُمْ تَغْدُونَ وَتَرُوحُونَ فِي أَجَلٍ قَدْ غُيِّبَ عَنْكُمْ عِلْمُهُ، فَإِنَ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْقَضِيَ الآجَالُ وَأَنْتُمْ فِي عَمَلِ اللهِ فَافْعَلُوا، وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ إِلاَّ بِاللهِ، فَسَابِقُوا فِي مَهَلٍ آجَالَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ آجَالُكُمْ فَيَرُدَّكُمْ إِلَى أَسْوَأِ أَعْمَالِكُمْ، فَإِنَّ أَقْوَامًا جَعَلُوا آجَالَهُمْ لِغَيْرِهِمْ وَنَسُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَنْهَاكُمْ أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ فَالْوَحَاءَ الْوَحَاءَ وَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ، فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ طَالِبًا حَثِيثًا مَرُّهُ سَرِيعٌ‏.‏

35573- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ‏:‏ رَأَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ طَيْرًا وَاقِعًا عَلَى شَجَرَةٍ، فَقَالَ‏:‏ طُوبَى لَك يَا طَيْرُ وَاللهِ لَوَدِدْت أَنِّي كُنْت مِثْلَك، تَقَعُ عَلَى الشَّجَرَةِ وَتَأْكُلُ مِنَ الثَمَرِ، ثُمَّ تَطِيرُ وَلَيْسَ عَلَيْك حِسَابٌ، وَلاَ عَذَابٌ، وَاللهِ لَوَدِدْت أَنِّي كُنْت شَجَرَةً إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ مَرَّ عَلَيَّ جَمَلٌ فَأَخَذَنِي فَأَدْخَلَنِي فَاهُ فَلاَكَنِي، ثُمَّ ازْدَرَدَنِي، ثُمَّ أَخْرَجَنِي بَعْرًا وَلَمْ أَكُنْ بَشَرًا‏.‏

35574- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ زُبَيْدٍ، قَالَ‏:‏ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الْوَفَاةُ أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ‏:‏ إنِّي مُوصِيك بِوَصِيَّةٍ إنْ حَفِظْتهَا‏:‏ إنَّ لِلَّهِ حَقًّا فِي اللَّيْلِ لاَ يَقْبَلُهُ فِي النَّهَارِ، وَإِنَّ لِلَّهِ حَقًّا فِي النَّهَارِ لاَ يَقْبَلُهُ فِي اللَّيْلِ، وَأَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ نَافِلَةٌ حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ، وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمَ الْبَاطِلَ فِي الدُّنْيَا وَخِفَّتِهِ عَلَيْهِمْ، وَحُقَّ لِمِيزَانٍ لاَ يُوضَعُ فِيهِ إِلاَّ الْبَاطِلُ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، وَإِنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمَ الْحَقَّ فِي الدُّنْيَا وَثِقَلِهِ عَلَيْهِمْ، وَحُقَّ لِمِيزَانٍ لاَ يُوضَعُ فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ الْحَقُّ أَنْ يَكُونَ ثَقِيلا، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِصَالِحِ مَا عَمِلُوا، وَتَجَاوَزَ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ، فَيَقُولُ الْقَائِلُ‏:‏ لاَ أبلغ هولاء، وَذَكَرَ أَهْلَ النَّارِ بِسَيِّئِ مَا عَمِلُوا وَرَدَّ عَلَيْهِمْ صَالِحَ مَا عَمِلُوا‏:‏ فَيَقُولُ الْقَائِلُ‏:‏ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَؤُلاَءِ، وَذَكَرَ آيَةَ الرَّحْمَةِ وَآيَةَ الْعَذَابِ، لِيَكُون الْمُؤْمِنُ رَاغِبًا رَاهِبًا، وَلاَ يَتَمَنَّى عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِ، وَلاَ يُلْقِي بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَإِنْ أَنْتَ حَفِظْت قَوْلِي هَذَا فَلاَ يَكُنْ غَائِبٌ أَحَبَّ إلَيْك مِنَ الْمَوْتِ، وَلاَ بُدَّ لَك مِنْهُ، وَإِنْ أَنْتَ ضَيَّعْت قَوْلِي هَذَا فَلاَ يَكُنْ غَائِبٌ أَبْغَضَ إلَيْك مِنْهُ وَلَنْ تُعْجِزَهُ‏.‏

35575- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ‏:‏ حدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ‏:‏ رَافَقْت أَبَا بَكْرٍ وَكَانَ لَهُ كِسَاءٌ فَدَكيٌّ يُخِلُّهُ عَلَيْهِ إذَا رَكِبَ، وَنَلْبَسُهُ أَنَا وَهُوَ إذَا نَزَلْنَا وَهُوَ الْكِسَاءُ الَّذِي عَيَّرَتْهُ بِهِ هَوَازِنُ، فَقَالُوا‏:‏ أَذَا الْخِلاَلِ نُبَايِعُ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم‏.‏

35576- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى‏}‏ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم لاَ أُكَلِّمُك إِلاَّ كَأَخِي السِّرَارِ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ‏.‏

35577- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ، كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَخْطُبُنَا فَيَذْكُرُ بَدْءَ خَلْقِ الإِنْسَاْن فَيَقُولُ‏:‏ خُلِقَ مِنْ مَجْرَى الْبَوْلِ مِنْ نَتِنٍ، فَيَذْكُرُ حَتَّى يَتَقَذَّرَ أَحَدُنَا نَفْسَهُ‏.‏

35578- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنِ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ عَرْفَجَةَ السُّلَمِيِّ، قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ ابْكُوا فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا‏.‏

35579- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ‏:‏ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ‏:‏ وَاللهِ لَئِنْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ تَرَكَا هَذَا الْمَالَ وَهُوَ يَحِلُّ لَهُمَا شَيْءٌ مِنْهُ، لَقَدْ غُبِنَا وَنَقَصَ رَأْيُهُمَا، وَايْمُ اللهِ مَا كَانَا بِمَغْبُونَيْنِ، وَلاَ نَاقِصِي الرَّأْي، وَلَئِنْ كَانَا امْرَأَيْنِ يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا مِنْ هَذَا الْمَالِ الَّذِي أَصَبْنَا بَعْدَهُمَا لَقَدْ هَلَكْنَا، وَايْمُ اللهِ مَا الْوَهْمُ إِلاَّ مِنْ قِبَلِنَا‏.‏

35580- حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ قامَ أَبُو بَكْرٍ خَطِيبًا، فَقَالَ‏:‏ أَبْشِرُوا فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُتِمَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى تَشْبَعُوا مِنَ الزَّيْتِ وَالْخُبْزِ‏.‏

35581- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، قَالَ‏:‏ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ نَاسٌ مِنْ إخْوَانِهِ يَعُودُونَهُ فِي مَرَضِهِ فَقَالُوا له‏:‏ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم، أَلاَ نَدْعُو لَك طَبِيبًا يَنْظُرُ إلَيْك، قَالَ‏:‏ قَدْ نَظَرَ إلَيَّ، قَالُوا‏:‏ فَمَاذَا قَالَ لَك، قَالَ‏:‏ قَالَ‏:‏ إنِّي فَعَّالٌ لِمَا أُرِيد‏.‏

اجمل قصص السلف الصالح

يحكي أنه في يوم من الأيام طلب خليفة المسلمين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، من أهل حمص ان يقوموا بكتابة أسماء الفقراء والمحتاجين ليقدم لهم نصيبهم من بيت مال المسلمين، وعندما وردت قائمة بأسماء الفقراء وجد سيدنا عمر إسم ” سعيد بن عامر ” حامن حمص موجود في هذة القائمة بين أسماء الفقراء والمساكين والمحتاج .

تعجب سيدنا عمر كثيراً من أن يكون والي حمص من فقرائها، فأرسل إلي أهل حمص يسألهم عن سبب فقره، فأخبروه أنه ينفق كل راتبه علي الفقراء والمساكين قائلاً ” ماذا أفعل وقد أصبحت مسئولاً عنهم أمام الله عز وجل ” .

كما أخبروه أهل حمص أن سعيد بن عامر لا يخرج إليهم إلا وقت الضحي، ولا يروه ليلاً أبداً، كما أنه يحتجب عنهم تماماً يوماً كل أسبوع، وعندما سأله سيدنا عمر بن الخطاب عن السبب وراء هذا،فأخبره سعيد بن عامر أنه لا يخرج إليهم إلا وقت الضحي، لأنه لا يخرج إلا بعد أن يفرغ حاجة  أهله حيث أنه ليس لديه خادم وزوجته مريضة، فهو يقوم بخدمة أهله، كما يحتجب عنهم ليلاً لأنه قد خصص وقت النهار لقضاء حوائج أهل حمص، وقد خصص الليل لعبادة الله عز وجل، وأما إحتجابه عنهم لمدة يوم كامل كل أسبوع، لأنه في هذا اليوم يقوم بغسل ثوبة وينتظر حتي يجف، لأنه لا يملك ثوباً غيره .. فبكي أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأراضاه .

قصة الإمام البخاري والألف دينار

يحكي أن الإمام البخاري ذات يوم ركب سفينة في البحر وكان معه ألف دينار، وكان هذا مبلغ طائل حينها، فجاء إليه رجل من أصحاب السفينة وأظهر له الحب والمودة وأخذ يتقرب منه ويجالسه دائماً، وعندما وجد الإمام البخاري حبه وولاءه له مال إليه، حتي أنه أخبره ذات يوم عن الدنانير الموجودة لدية .

وفي يوم قام هذا الرجل من نومه يبكي ويمزق ثيابة ويطلم وجهه، إلتف لوحه الناس يسألونه عن سبب فعلة هذا، فقال لهم أنه كان لديه صره تحوي ألف دينار وقد ضاعت، فأخذ الناس يبحثون في السفينة بالكامل ويفتشون الجميع، فأخرج الإمام البخاري حينها صرته وألقاها في البحر خفية، وهكذا إنتهي الناس من تفتيش السفينة بالكامل ولم يعثروا علي الدنانير، فرجعوا إلي الرجل يبخونة بشدة لأنه كاذب .

وبعدما إنتهت الرحلة ونزل الناس من السفينة ذهب الرجل إلي الإمام البخاري وسأله : ماذا فعلت بصرة الدنانير ؟ فقال له : ألقيتها في البحر، تعجب الرجل كثيراً من فعله وسأله : كيف صبرت علي ضياع كل هذا المال منك ؟ فقال له البخاري : أنا أفنيت حياتي كلها أجمع أحاديث رسول الله صلي الله علية وسلم، وعرف العالم كله صدقي وثقتي، فلم يكن أبداً من الممكن أن أعرض سمعتي إلي تهمة سرقة مهما كان الثمن مقابلها ، وهل الدرة الثمينة التي حصلت عليها طوال حياتي ( يقصد الثقة والعدالة ) أضيعها مقابل عدة دنانير ؟!

قصص عن النية

عاد سمير إلى المنزل حزينا مهموما، وقد لا حظ والده ذلك عليه ، فسأله عن السبب،؟ فقال : لقد تصدقت على رجل ظننته فقيرة ، ثم أخبرني صدیقی عمر أنه محتال وليس فقيرا ! وكنت أتمنی أن تكون صدقتي في يد فقير أو محتاج. قال الأب : اسمع ياسمير ! سأقص عليك قصة شبيهة بما حصل لك ، ولعلك تجد فيها ما يخفف عنك : خرج رجل من بيته ومعه كيس من الدراهم يبحث عن فقير يتصدق علیه ، فرأي رجلا ممزق الثياب، فظنه فقيرة، فأعطاه الدراهم، وعاد إلى منزله مسرورا بما فعل .

وفي الصباح تبين له أنه لص ؟! فحزن وأسف على خطئه ولكن ذلك لم يمنعه من أن يتصدق مرة أخرى ! وفي اليوم التالي وضع الدراهم في كيس وهو مصمم على أن يعطي صدقته لمن يستحقها. فرأى امرأة بدا له أنها  مسكينة، فوضع الدراهم في يدها، وعاد إلى منزله مرتاح النفس. وفي الصباح تبين له أنها أمرأة غير مستقيمة ؟! فحزن وتألم لأنه اخطأ في المرة الاولي والثانية .

ولكنه لم ييأس ، وعزم في المرة الثالثة أن يتصدق ، فخرج من منزله ، وبحث طويلا، وفتش كثيرا حتى اطمأن إلى رجل بدا له أنه محتاج ، فوضع الكيس في يده، ورجع إلى المنزل. وفي الصباح تحدث الناس ، فقالوا : لقد تصدق رجل على غني غير محتاج. وحين بلغه ذلك حزن لأن الصدقة التي أراد أن يتصدق بها لم تقع في يد مستحقيها. وحاول أن يخفف عن نفسه، ولكنه كان يتذكر كيف أخطأ في المرات الثلاث ؟ وكيف لم ينتبه إلى هؤلاء ؟! ثم تعب من التفكير، فذهب إلى فراشه لينام. وفي تلك الليلة رأي مناما، ورأى في المنام احد الحكماء يسأله : عما حدث معه ؟ وما الذي أحزنه؟ فأخبره بالخطأ الذي وقع فيه ثلاث مرات !! فقال الحكيم : إن هذا الأمر لا يحزن، ولعلك كنت مصيبة ؟! قال الرجل : وكيف ، وأنا تصدقت على الص وامرأة غير مستقيمة ورجل غني ؟!

قال الحكيم : لعل المال الذي دفعته للص وانت تظنه فقيرة يكفه عن السرقة، ويجعله يستحيي ، فلا يمد يده إلى أموال الناس ! ولعل المال الذي دفعته للمرأة وانت تظن أنها مستقيمة ومحتاجه يجعلها ترجع عن انحرافها، وتصيح امرأة مستقيمة ولعل المال الذي دفعته اللغني وانت تظن أنه محتاج ، يجعله يستحيي من نفسه ، فينفق من ماله على الفقراء حين يرى من ينفق عليهم ، ويبحث عنهم.

قال الرجل للحكيم : إنك أذهبت الحزن عن نفسي ، وأسال الله أن يقبل مني ما أنفقته ، فإنني قصدت به وجهه الكريم قال الأب لسمير : والآن ما رأيك ياسمير بعد أن سمعت هذه القصة؟ هل ارتاحت نفسك ، وهدأ خاطرك ؟ قال سمير : نعم يا أبي. قال الأب : يابني إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امریء ما نوی . فطالما كانت نيتك ان تتصدق علي الفقراء فإن الله تعالي يجزيك علي نيتك الحسنة وهو لا يضيع اجر من احسن عملاً .

السابق
عمليات التجميل
التالي
الفشل الكلوي

اترك تعليقاً