ديني

كيفية جهاد النفس

محاربة النفس

محاربة النفس هي تعويد النفس على القيام بأوامر الله تعالى، والالتزام بها، واجتناب ما نهى عنها، والابتعاد عنها، وعرّفها المناوي بأنها: (حمل النفس على المشاق البدنية ومخالفة الهوى وقيل: هي بذل المستطاع في أمر المطاع)، أما القشيري فقال عنها: (أصل مجاهدة النفس فطمها عن المألوفات وحملها على غير هواها)، حيث يمكن تحقيق مجاهدة النفس بالعديد من الأمور التي توصل العبد إليها، وفيما يأتي بيان البعض منها:

  •  الاستعاذة بالله من الشهوات والأهواء، والخوف منه، وذلك ما كان من يوسف عليه السلام عندما عرضت عليه امرأة العزيز نفسها، رغم أنه كان شاباً أعزباً، إلا أن الله تعالى أنجاه منها، وصرف كيدها ومكرها عنه، وفي ذلك نيلٌ لظل الله تعالى يوم القيامة.
  • استشعار مراقبة الله تعالى، والحرص على غضّ البصر، حيث قال الله سبحانه: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)،[٦] وقال أيضاً: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).
  • يعد الزواج أو الصيام من الوسائل التي تعين العبد على عدم الوقوع في المحرّمات، وفي ذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (يا معشرَ الشبابِ، مَن استطاع منكم الباءةَ فلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لم يَسْتَطِعْ فعليه بالصومِ فإنه له وجاءٌ).
  • الابتعاد عن الأسباب والعوامل التي توقع العبد في الشهوات والمحرمات، والحرص على إشغال النفس واستغلال الأوقات في الأمور النافعة والمفيدة.

جهاد النفس حديث

ان جهاد النّفس عظيم، يتقدّمُ كلّ أنواع، ومراتب الجهاد، ولا تتحقّق تلك المراتب إلا بجهاد النّفس، وقد جاء في بعض الروايات أنّ هناك حديثاً وردَ عن الرسول، فيما يخصّ جهاد النفس، ونصّه ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنّه قال للصحابة عند رجوعهم من الغزو: ((رجعنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر)، قالوا: وهل هناك جهاد أعظم من جهاد الكفار؟ قال: (نعم . جهاد النفس))، وهذا الحديث لا يصحّ عن الرسول عليه الصلاة والسلام،وورد هذا النّص في كتاب الأسرار المرفوعة عن ملا علي قاري، وقيل لا أصل له، أو بأصله موضوع.

قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حجَّة الوداع: (ألَا أُخبِرُكم بالمؤمنِ: مَن أمِنه النَّاسُ على أموالِهم وأنفسِهم والمسلمُ مَن سلِم النَّاسُ مِن لسانِه ويدِه والمجاهدُ مَن جاهَد نفسَه في طاعةِ اللهِ والمهاجرُ مَن هجَر الخطايا والذُّنوبَ)،وفي شرح الحديث الشريف أنّ جهاد النّفس لا يكون محموداً إلا إذا غلبَ هوى النفس، وجهاد النّفس مقدم على جهاد العدو، وإذا لم يجاهد المسلم نفسه، لتفعل ما أمرها به الله، وتمتنع عمّا نهاها عنه لن يتمكن المسلم من جهاد العدو.

طرق مجاهدة النفس

طرق قد تساعد المرء على مجاهدة نفسه:

  • استغلال الوقت: يجب على الإنسان المسلم استغلال وقته، وأن يقضيه في كل ما يفيد في هذه الدنيا والآخرة.
  • التعرف على أحوال المجتهدين: وخير المجتهدين جميعاً حبيبنا وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقرأ سيرته، واقتدي بأفعاله، واهتدي بهديه، واتبع سنته، وأصلح نفسك، وارفع من همتك كما أمرك نبيك عليه السلام.
  • مصاحبة الأخيار وتجنب الفجار: لأن للرفيق الصالح أثراً كبيراً على نفس الشخص المسلم، فالرفيق هو قرينك، لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) رواه أبو داود.
  • أن يستعين الإنسان المسلم بالله سبحانه وتعالى: يجب أن تستعين بالله على الطاعة، وترك المعصية، فالله خير معين للإنسان المسلم.
  • أكثر من السجود: بهذه السجدات تستشعر عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وتوصل دعائك إليه، وتطلب منه الذي تريد، تطلب منه أن يعصمك من نفسك الأمّارة بالسوء، ومن الشيطان، ونزوات الدنيا المهلكة.
  • أكثر من الدعاء: فهو يساعدك على مجاهدة نفسك، والدعاء سلاح المخلصين الصابرين، وتذكر أن بالدعاء نجى الله نبيه يوسف الصديق، وبالدعاء والاستغفار أخرج الله نبيه يونس عليه السلام من بطن الحوت، فلا تستهن بالدعاء، فهو خير معين عند الكُرب، وهو صفة الصداقين والأنقياء.

مجاهدة النفس والصراع مع الشيطان

مَن أقبل على الله وفرَّغ نفسه لعبادة ربه فإنه يُيسِّره لليُسرى، ويُجنِّبه العُسرى، ويَرزقه مِن حيث لا يحتسب، وليس معنى تفرُّغه أن يجلس ويَنقطع عن طلب الرزق الحلال من أبوابه المشروعة، ويَبقى عالةً على غيره، وَيُضيِّع مَن يقوت، وإنما المطلوب أن يَعبد الله وحده ويعمل على بصيرة من أمره، وأن يكون عمله لله فيما يأتي ويَذر، حتى تكون أعماله الدينيَّة والدُّنيوية لله؛ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح: ((كفى بِالمرْء إِثمًا أن يضيِّع مَن يقوت))، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((وابدأْ بمَن تَعول)).

كما أنَّ أحدَنا يأتي شَهوته ويكون له فيها أجر؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: ((وفِى بُضْعِ أحدكم صدقة))، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجرٌ؟ قال: ((أرأيتم لو وضعها فِى حرامٍ أكان عليه فيها وزرٌ؟ وكذلك إذا وضعها فى الحَلال كان له أجرٌ)).

كما أن العادات قد تَنقلِب إلى عبادات إذا صلَحت النيَّة؛ فقد ينام العبد وينوي بنومه التَّقَوِّي على قيام الليل، ويَغرسُ غرسًا فيؤكل منه فيكون له صدقة، وهذا مِن فضل الله على عبده المسلم؛ ففي الحديث عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ما مِن مسلمٍ يغرِس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ؛ إلا كان له به صدقة)).

فيَنبغي استحضار النية الصالحة في جميع الأعمال، حتى في الحِرَف والصناعات التي يحتاج إليها الناس، فيكون ذلك مِن باب التعاون على البر والتقْوى.

والمرء في هذه الحياة في صراع وجهاد مع أعداء ثلاثة؛ هم: الهوى، والنفس، والشيطان، ولا بدَّ له مِن الاستعداد لمُجاهَدة كل عدو بما يناسبه من سلاح.

الشيطان:

لا شكَّ أن عداوة الشيطان للإنسان قديمة قِدَم الإنسان؛ فهو قد نصَب العداء له منذ أن خلق اللهُ آدم – عليه السلام – بيده، ونفَخ فيه مِن روحه، ثم أمَر الملائكة بالسجود له، فرفض الشيطان أن يسجد؛ حسدًا لآدم – عليه السلام – قال – تعالى -: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ﴾ [الإسراء: 61]، وقال – تعالى -: ﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12].

لذا فقد أمرنا الله – تعالى – بأن نتَّخذ الشيطان عدوًّا؛ فقال – تعالى -: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6].

وعداوة الشيطان لابن آدَم ظاهِرة، ومَسالِكه في ذلك كثيرة؛ قال تعالى – إخبارًا عن إبليس -: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16، 17].

فالشيطان – عليه لعائن الله – حريص يَبذل جهده في إغواء العباد وصدِّهم عن صراط الله المستقيم بكلِّ ما يَستطيع، فما مِن طريق خير إلا وله فيه صدٌّ واعتِراض وتثبيط، وما مِن طريق شرٍّ إلا وله فيه ترغيب وتسهيل وتزيين وحثٌّ وتشجيع، فهو حريص على إيقاع بني آدم معه في النار، فيُحسِّن لهم الكفْر والمعاصي، ويَعِد ويُمنِّي؛ قال الله – تعالى -: ﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [النساء: 120]، وقال – تعالى -: ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ ﴾ [الأنفال: 48]، وقال – تعالى -: ﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الحشر: 16]؛ فالشيطان يَعد ويمنِّي، فإذا وقع العبد في حبائله تخلَّى عنه وتبرَّأ منه.

تهذيب النفس

يمكن للمسلم تهذيب نفسه بعدّة طرق، منها ما يأتي:

  • تهذيب النفس بمجاهدتها أول ما يجب على المسلم القيام به لتهذيب نفسه وإبعادها عن الذنوب والمعاصي هو جهاد النفس، ويُقصَد بجهاد النفس أن يبذل المرء الوسع والطّاقة في شتّى الأمور والأحوال التي تختصّ بها النّفس البشريّة حتى يستطيع إبعادها عن المعاصي والذنوب، وتحفيزها على الصبر والمداومة على الطّاعات، وتحمُّل الأعباء والمشاق النفسيّة والجسديّة والمعنويّة لتلك الطّاعات.
  • تهذيب النفس بالابتعاد عن المعاصي ينبغي على العبد إذا أراد تهذيب نفسه أن يُبعدها عن المعاصي، وأن يأمرها بذلك بين الفترة والأخرى، ويراقب أداءه لذلك حقاً.
  • تهذيب النفس بإبعاد وساوس الشيطان عنها يجب على المسلم أن يُجاهد نفسه بإبعاد وساوس الشيطان وتأثيره عليه، فإن من أعظم ما يضُرّ بالمسلم ويجعله يتنكب طريق الحق، ويسلك طريق المعاصي هو وسوسة الشيطان له بالسوء وتفكيره بفعل ما وسوس له الشيطان به، وقد جاء في الحديث في هذا الباب ما روي أن المُصطفى -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (يأتي الشَّيطانُ أحدَكُم فيقولَ: مَن خلقَ كذا وَكَذا؟ حتَّى يَقولَ لَهُ: مَن خلقَ ربَّكَ؟ فإذا بلغَ ذلِكَ، فليَستَعِذْ بالله ولينتَهِ. وفي رواية: فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل آمنت بالله).

دعاء جهاد النفس

  • اللهم إن نفوسنا بيدك تتوفاها متى شئت.. فلا تتوفاها إلا وأنت راض ٍ عنا اللهم ارزقنا توبة وأعمالا مقبولة تُحسن بها خاتمتنا، وتُثقل بها موازين حسناتناوتكتب لنا بها شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ورفعة الدرجة في الفردوس الأعلى.
  • اللّهم إني أعوذ بك من فتن الدنيا، اللّهم قوّ إيماننا ووحد كلمتنا وانصرنا على أعدائك أعداء الدين، اللهم شتت شملهم واجعل الدائرة عليهم، اللهم انصر إخواننا المسلمين في كل مكان.
  • اللهم ارحم آبائنا وأمهاتنا واغفر لهما وتجاوز عن سيئاتهما وأدخلهم فسيح جناتك، وألحقنا بهما يا رب العالمين.
  • اللهم بشرني بالخير كما بشرت يعقوب بيوسف وبشرني بالفرح كما بشّرت زكريا بيحيى.
  • أستغفر الله، وأتوب إليه مما يكره قولاً وفعلاً، وباطناً وظاهراً.
  • اللّهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
  • اللهم إليك مددت يدي، وفيما عندك عظمت رغبتي، فاقبل توبتي، وارحم ضعف قوتي، واغفر خطيئتي، واقبل معذرتي، واجعل لي من كل خير نصيباً، وإلى كل خير سبيلاً برحمتك يا أرحم الراحمين.
  • اللهم ارزقني قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة.
  • اللهم إني أسألك يا فارج الهم، و يا كاشف الغم، يا مجيب دعوة المضطرين، يا رحمن الدنيا، يا رحيم الآخرة، ارحمني برحمتك.
  • اللّهم ارزقني الرّضى وراحة البال، اللهم لا تكسر لي ظهراً ولا تصعب لي حاجة ولا تعظّم عليّ أمراً، اللهم لا تحني لي قامة ولا تكشف لي ستراً ولا تفضح لي سرّاً.
  • اللهم إني أسألك في صلاتي ودعائي بركة تطهر بها قلبي، وتكشف بها كربي، وتغفر بها ذنبي، وتصلح بها أمري، وتغني بها فقري، وتذهب بها شري، وتكشف بها همي وغمي، وتشفي بها سقمي، وتقضي بها ديني، وتجلو بها حزني، وتجمع بها شملي، وتبيض بها وجهي.
  • اللهم إني أستغفرك من كل فريضة أوجبتها علي في آناء الليل والنهار تركتها خطأ أو عمداً أو نسياناً أو جهلاً، وأستغفرك من كل سنة من سنن سيد المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم تركتها غفلة أو سهواً أو نسياناً أو تهاوناً أو جهلاً أو قلة مبالاة بها، أستغفر الله العظيم وأتوب إليه.
  • اللّهمّ إنّ عصيتك جهراً فاغفر لي، وإن عصيتك سراً فاسترني، اللّهم لا تجعل مصيبتي فى ديني ولا تجعل الدنيا أكبر همّي، اللهم لا تجعل ابتلائي في جسدي، ولا في مالي، ولا في أهلي.
السابق
قصة المثل ” غراب البين ضيع المشيتين
التالي
قائمة الدول الناطقة بالانجليزية

اترك تعليقاً