ديني

لماذا فرض الله العبادات والشرائع

مفهوم العبادة في الإسلام وخصائصها

يؤدّي الإنسان واجب العبوديّة لله، وهو بهذا يقتدي بالأنبياء -عليهم السلام-، وبالأخصّ محمد – صلّى الله عليه وسلّم- الذي أمره الله بعبادته فقال: (وَاعبُد رَبَّكَ حَتّى يَأتِيَكَ اليَقينُ)،[٦] وكذلك الملائكة الذين لا ينقطعون عن عبادة الله، قال الله في وصف حالهم: (إِنَّ الَّذينَ عِندَ رَبِّكَ لا يَستَكبِرونَ عَن عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحونَهُ وَلَهُ يَسجُدونَ)، وقد عُرِّفَت العبادة باللغة والاصطلاح الشرعي بما يأتي:

  • العبادة لغة: هي الخضوع والتذلّل للغير بقصد التعظيم، وهو غير جائزٍ إلّا لله تعالى كما تُستعمل العبادة بمعنى الطاعة، وقال الراغب الأصفهاني إنّ العبودية تطلق على إظهار التذلّل والخضوع، أمّا العبادة فهي أبلغ منها، فالعبادة هي الغاية في التذلّل.
  • العبادة اصطلاحاً: تعرّف العبادة الشرعية بأنّها الانقياد والخضوع لله تعالى، مع التقرّب إليه وما شُرع من محبته، وعرّف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- العبادة بأنّها اسمٌ جامعٌ لكلّ ما يحبه الله -تعالى- ويرضاه من الأقوال والأفعال، سواءً كان القول أو الفعل ظاهراً أم باطناً، ومثال العبادة الظاهرة: الصلاة، والزكاة، والحجّ، والدعاء، والذكر، إضافة إلى بِرّ الوالدين، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الخَلق، وغير ذلك من الأعمال والأقوال، ومثال العبادة الباطنة: حُبّ الله ورسوله، والخوف من عذابه ، والرجاء لرحمته، والتوكُّل عليه، وشكره، والصبر على أحكامه، والرضا بقضائه.

خصائص العبادة

للعبادة في الإسلام مجموعة من الخصائص، والتي منها:

  • يُسر العبادة: أشار القرآن الكريم إلى أنّ الدين الذي ارتضاه الله للبشريّة ليس فيه حَرج، ولا مَشقّة على الناس، قال -تعالى-: (مَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وقال -تعالى-: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ) فمثلاً أباح الله الفِطر في السفر للصائم، قال -تعالى-: (يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ). وقد أكّد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على مبدأ اليُسر في العبادة في الكثير من المواقف العملية، تقول السيدة عائشة- رضي الله عنها-: (ما خُيِّرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُما أَيْسَرُ مِنَ الآخَرِ، إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، ما لَمْ يَكُنْ إثْمًا، فإنْ كانَ إثْمًا، كانَ أَبْعَدَ النَّاسِ منه) ومثال على ذلك أنّه كان يُفطر في السفر مع قدرته على الصيام، وكان يُصلّي من الليل وينام، فلا يقومه كلّه كما أنّه شدّد في نَهي المُغالين في العبادة، ومن ذلك أنّه لمّا أسلم أعرابيّ، ثمّ جاءه في العام الذي يليه وقد تغيّر، فلم يعرفه، ولمّا عرفه سأله عن حاله، فأخبره أنّه كان يصوم، ويقوم الليل بشكل دائم، فنهاه عن ذلك؛ لأنّ فيه إنهاكاً للنفس.
  • التوازن في العبادة: وهو يعني أن لا يطغى جانب على جانب في العبادة؛ فلا يقتصر المسلم على العبادات البدنيّة من صلاة، وحَجّ -مع أهميّتها-، وإنّما يُؤدّي عبادات أخرى مهمّة، كتعليم الناس الخيرَ، والدعوة إلى الله، والنصيحة للمسلمين، ويُلاحَظ أنّ نَفْع هذه العبادات يتعدّى صاحبها إلى غيره.
  • الشمول: يمكن القول إنّ عبوديّة الله تشمل العبادات القلبيّة من مَحبّة، وتعظيم، وغيرها، والعبادات القوليّة، مثل: النصيحة، وذكر الله، وغيرها، كما تشمل الشعائر التعبُّدية من صلاة، وصيام، وزكاة، وحج، وغيرها من النوافل، والطاعات، والصدقات، وتشمل الشرائع من اجتناب المُحرَّمات، وإقامة الحدود، وفِعل الواجبات، والمندوبات، وهكذا فإنّ العبادة تشمل علاقة الإنسان بربّه، وعلاقته بغيره من البشر، كما تشمل حياة الإنسان في الدنيا، والقبر، والآخرة.

أين فرضت شرائع الإسلام

الوقت الذي فُرضت الصَّلاة

فيه فُرضت الصَّلاة في ليلة الإسراء والمعراج قبل هجرة النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى يثرب “المدينة المنور حاليًّا”- بخمس سنواتٍ، وقيل بثلاث سنوات، وقيل قبل الهجرة بسنةٍ ونصف، وهو موضع خلافٍ بين المؤرخين. وقد فُرضت الصّلاة في السَّماء السّابعة، عندما عُرِج بالنَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- وكان عددها خمسين صلاةً في اليوم واللّيلة، وحاول الرسول -عليه السلام- التخفيف على المسلمين لتستقرّ في النهاية الصَّلاة المكتوبة على كُلِّ مسلمٍ مكلّفٍ بخمس صلواتٍ في اليوم واللَّيلة. كانت أول صلاة صلّاها النبي -صلى الله عليه وسلم- هي صلاة الظهر بمكة المكرمة، وقد نزل جبريل -عليه السلام- على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلّمه أركان الصلاة، وواجباتها، وسننها

لماذا فرض الله الصيام

الحكمة من تشريع صيام شهرِ رمضان

تجلّت حكمة الله -سبحانه- من تشريع صيام شهر رمضان وفرضه على كلّ مسلمٍ في العديد من الأمور، بيان البعض منها وتفصيله آتياً:

  •  تحقيق تقوى الله في النفوس، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فالصيام عبادةٌ تقوّي الوازع الإيمانيّ وتعزّزه لدى المسلم؛ فتمنعه من الوقوع في المحرّمات، أو التمادي فيها، وتشكّل له حاجز وقايةٍ يحميه من تتبُّع الآثام والشرور؛ فالتقوى التي يحقّقها الصيام تحمل النفس على الالتزام بما أمر به الله -تعالى-، واجتناب ما نهى عنه، فتحميها من ارتكاب ما يؤدّي بها إلى الهلاك والخسران، وتجنّبها التعرّض لسخط الله، وعذابه في الآخرة، كما أنّ تكرار الصيام عاماً تلو آخرٍ يجدّد الإيمان، ويجعله أكثر رسوخاً وثباتاً، كما يعظّم الصيام مراقبة الله لدى النفس الإنسانية؛ فالصائم يمتنع عن طعامه وشرابه وما يشتهيه؛ لنيل رضا ربّه -عزّ وجلّ-، كما يتجلّى الإخلاص في تلك العبادة في كونها سرّاً بين العبد وربّه؛ فلا يعلم أحدٌ بصيام العبد سوى ربّه المُطّلع على عباده؛ ولذلك اختص الله -سبحانه- تلك العبادة بالأجر العظيم المُضاعف؛ لخُلوّها من الرِّياء والسُّمعة.
  • تحقيق وحدة الأمة الإسلاميّة؛ إذ إنّ وحدة العقيدة، والإخلاص لله -سبحانه- في عباداته، من أهمّ ما يُظهر وحدة الأمّة، كما أنّ توحيد الله -تعالى- هو الأساس الذي قامت عليه الشرائع السماويّة جميعها، قال -عزّ وجلّ-: (وَما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ مِن رَسولٍ إِلّا نوحي إِلَيهِ أَنَّهُ لا إِلـهَ إِلّا أَنا فَاعبُدونِ).
  • تعويد النفس على البَذْل والعطاء؛ فالصائم يستشعر حاجات الفقراء والمساكين، فيبذل ويُحسن إليهم، وبذلك يصبح المجتمع المسلم مجتمعاً متكاملاً متراحماً، تسوده معاني الأُلفة والمودّة
  • استشعار نعمة الهداية إلى دين الإسلام التي منّ الله بها على عباده، قال الله -تعالى-: (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)،[٨] فعبادة الصيام تجعل المسلم يستشعر نعمة هداية الله -تعالى- له؛ وذلك حينما يمتنع عن المُحرّمات، ويلتزم بما أمر به الله -سبحانه-.

عبادة الله

كيف نعبد الله عن طريق الإكثار من الفرائض والنوافل التي تجب على كل مسلم بالغ، عاقل، وهي كالتالي:

  • الالتزام بالصلوات في مواقيتها: فالله سبحانه وتعالى فرض على المسلمين خمس صلوات، فلا شيء يعادل ثوابها، فاحرصوا على أدائها.
  • القيام بما جاء من أركان الاسلام، من صوم، وزكاة، وحج البيت.
  • الالتزام بأوامر الله والبعد عن نواهيه، فالقرآن يحمل جملة من الأوامر والنواهي، فعلى المسلم الذي يبحث عن إرضاء الله العمل بكل ما جاء به القرآن الكريم.
  • طاعة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، يقول الله سبحانه وتعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ”، أي أنّ القرآن ربط طاعة الله بطاعة رسوله.
  • الإيمان بالرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وما جاء به، لأن الإيمان بالله مقترن بالإيمان بالرسول.
  • الإحسان بالوالدين وبرهما، فالإحسان للوالدين يأتي في المرتبة الثانية بعد الله.
  • حفظ القرآن الكريم، وتلاوته في كل يوم، من أعظم الأعمال التي يحبها الله في عباده قراءتهم لكلامه.
  • التقرب لله بركعتين قيام الليل فإنّها خير من الدنيا وما فيها.
  • التوبة التامة إذا قمت بعمل مكروه، والعزم على ألّا تعود له.
  • كثرة الاستغفار، فإن الاستغفار يزيل سيئات الإنسان حتى لو كانت كالجبال.
  • حلاوة اللسان، فالمسلم لا ينطق بالكلام الفاحش، أو البذيء، بل ينطق بالكلام الطيب والعذب.
  • الدعاء، إن الله سبحانه وتعالى يحب من يسأله ويبغض على من لا يسأله، فالدعاء يعتبر من خير العبادات التي تقربنا إلى الله، وتزيد من صلة العبد بربه، ويجعل المسلم يؤمن بأن الله قادر على كل شيء.
  • التسبيح بعد الانتهاء من أداء الصلوات، وفي أوقات الصباح والمساء.
  • المداومة على ذكر الله، فالمؤمن التقي يذكر الله في جميع أوقاته، في السراء شكر، وفي الضراء شكر.
  • الصبر على كل ما يصيب الإنسان من بلاء.
  • قراءة أذكار الصباح والمساء، إضافة إلى أنّها عبادة، فهذه الأذكار تقي المسلم من كل الشرور في يومه.
  • الصدقات، خير الأعمال التي تقربنا لله، فإنّ المسلم يتصدق بقدر استطاعته وله الثواب في ذلك حتى لو كانت صدقته شق تمرة. صلة الرحم، فتذكر أخي المسلم، لا يدخل الجنة قاطع رحم.
  • عند مرورك عن جماعة، فاحرص على إفشاء السلام، فهذه الإعمال وإن كان المسلم ينظر لها بأنها بسيطة ولا تفعل شيء، فهو مخطئ لأن هذه الأعمال لها الثواب الكبير، وتقرّبنا لله.
  • زيارة المريض، ما أعظم المسلم الذي يذكر أخيه عند مرضه ويحرص على زيارته.
  • الحرص على طلب العلم، مكانة طالب العلم كبيرة عند الله، فاحرصوا على العلم فإنّه سلاح المسلم في مجابهة الأعداء أيضاً.
  • الجهاد في سبيل الله، حيث إنّ الله سبحانه وتعالى فرض الجهاد على كل مسلم عاقل وبالغ.
  • حيث ذكرت الآيات والأحاديث النبوية الشريفة فضل الجهاد عند الله.
  • أن يحرص المسلم، على محاسبة نفسه ومراجعتها، وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأن يكون متواضعاً.

الحكمة من فرض الصلاة

الحكمة من الصلاة

الحكمة من مشروعية الصلاة

فرض الله -تعالى- الصلوات على عباده، لحكمٍ عظيمةٍ، وأسرارٍ جليلةٍ، فجعل الصلاة إلى الصلاة، كفارةٌ لما بينهما من صغائر الذنوب، فلله -عزّ وجلّ- في كلّ ما يأمر به، أو ينهى عنه حكمةٌ، ولم يطلب من عباده العبادة؛ لعدم احتياجه إليهم، فهو الغني وحده، وإنّما طلبها من عباده؛ لاحتياج العباد إليه، ولقيام المصالح الدينية والدنيوية، وفي ذلك يتحقّق صلاح الأبدان، وصلاح القلوب، والعباد، والشعوب، كما يرتبط صلاح الأبدان بصلاح القلوب، ولقد شرع الله لعباده من العبادات ما يستوجب الأجر والثواب، ومن ذلك الصلوات الخمس، التي تطهّر القلوب، وتعدّ الأساس في الصلة بين العبد وربّه، فالذي يُقدم على الصلاة، يطهّر باطنه وظاهره، ويقف بين يدي ربّه، متوجّهاً إليه بوجهه وقلبه، يتلو آياته، ويتدبّرها، ويعيش معها، ويعتبر منها، ويطمع بما يرد في الآيات من فضل الله تعالى، ويستعيذ من وعيده، وعذابه، ثمّ بعد ذلك يركع حانياً قامته، ورأسه، مستشعراً عظمة مَن يركع له، قائلاً: (سبحان ربّي العظيم)، فيكون حينئذٍ معظّماً لله في قلبه، ولسانه، وجسده، وظاهره وباطنه، ثمّ بعد أن يعظّم المصلّي الله بما هو أهله، يرفع المصلّي رأسه، حامداً لله، مُثنياً عليه، وبعد ذلك يسجد له، خافضاً أعلى ما فيه من الجوارح، ويستذكر حينئذٍ من تنزّه عن السفلية، ويصفه بالعلوية، قائلاً: (سبحان ربّي الأعلى)، ويدعو الله -عزّ وجلّ- بما شاء من الدعاء، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (وأمَّا السُّجودُ فاجتهِدوا في الدُّعاءِ فقَمِنٌ أنْ يُستجابَ لكم)،[٤] وبعد السجود يجلس المصلّي جلسة الخاضع، يدعو الله تعالى، ويسأله الرحمة والمغفرة، ويصفه بما هو أهله، ويصلّي عليه، ويسلّم على نبيه، وعلى نفسه، وعلى كلّ من معه، وعلى كلّ عبدٍ صالحٍ في السماوات و الأرض، ويعود للصلاة على النبي، ويعوذ بالله من فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن عذاب النار، وعذاب القبر، ويدعو بما شاء، ولذلك كانت الصلاة، قرّةً للعيون، وراحةً للنفوس، يدخل إليها المؤمن بقلبٍ، ويخرج بغير القلب الذي دخل فيه.

السابق
كيفية يؤدي المريض الصلاة
التالي
ما هي فوائد شرب مغلي البقدونس

اترك تعليقاً