الحياة والمجتمع

ما هو مفهوم الحرية

تعريف الحرية في الإسلام

ما تزال كلمة الفاروق عمر رضي الله عنه حينما قال متى استعبدتم النّاس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً خالدةً عبر السّنين تطرق مسامع الظّالمين وتؤرّق مضاجع المستكبرين في الأرض، فبعد أن ساد الظّلم والقهر والعبوديّة بأشكالها في أنحاء الجزيرة العربيّة؛ حيث كان يستعبد القوي الضّعيف، ولا تُعطى للمرأة أبسط حقوقها في الحياة.

جاء الإسلام بشعار تحرير النّاس من أغلال الجاهليّة وضلالاتها، وتحرير المرأة من الغبن والأسر التي كانت فيه إلى رحاب حريّةٍ لم يعرف لها العالم مثيلًا في عدالتها وسموّها ورقيّها حتّى صارت مبادىء الإسلام مضربًا للأمثال ونموذجًا يحتذى به .

عبّر الصّحابي الجليل ربعيّ بن عامر رضي الله عنه بكلماتٍ بليغة عن أهداف هذه الرّسالة حينما قال لكسرى بعثنا الله لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، ومن جور الأديان إلى سعة الإسلام؛ فالإسلام هو أوّل من أقرّ بحرّية الإنسان الكاملة، فما هو مفهوم الحرّية في الإسلام، وما هي أبرز مظاهرها ؟.

تعرّف الحرّية في الإسلام بأنّها الأرادة الكاملة في الاختيار دون قهرٍ أو إجبار.

معنى الحرية الحقيقي

الحرية هي إمكانية الفرد دون أي جبر أو شرط أو ضغط خارجي على اتخاذ قرار أو تحديد خيار من عدة إمكانيات موجودة. مفهوم الحرية يعين بشكل عام شرط الحكم الذاتي في معالجة موضوع ما. والحرية هي التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه سواء كانت قيودا مادية أو قيودا معنوية، فهي تشمل التخلص من العبودية لشخص أو جماعة أو للذات، والتخلص من الضغوط المفروضة على شخص ما لتنفيذ غرض ما، والتخلص من الإجبار والفرض.

تعريف الحرية فلسفيا

مفهوم الحرية فلسفياً

عند السفسطائيين

تُعتبر الحرية عند السفسطائيين حرية عقيدة وسياسة وفنون وأخلاق، وقد ركّزوا في المفاهيم التربويّة التي وضعوها على مفهوم الشعور بالحريّة، والاعتزاز بالنفس، وقد جعلوها قائمةً على العقل الإنسانيّ، فهم ينظرون إلى الحياة على أنها مجموعةٌ من الأفعال الحرّة التي يقوم بها الإنسان من أجل تحقيق ذاته، ويُرجع الفلاسفة الفسطسائيون أن طول عُمر الإنسان يعود لتمتعه بالحرية النفسيّة الكاملة، وقد طالبوا بتوفير الحريّة لإرادة النفس الفرديّة، فمع الحريّة تبرز العقلانيّة الناصعة، فهي بذلك خطوة تعكس إيمانها العميق بالحرية الإنسانية.

عند أرسطو

لقد اهتم أرسطو كثيراً بإنصاف الفرد وتحريره من كل أشكال الحتميّة، وقد آمن أرسطو بالحريّة الإنسانيّة إلى حدٍ كبير، ويؤكد أنّ بناء شخصية الإنسان من أهم الأشياء التي يجب على الإنسان الاهتمام بها، ويقول بأن الرذائل والفضائل التي نفعلها هي مسؤوليّة شخصيّة.

عند الأبيقوريّة

حاول الأبيقوريّون منذ القدم السعيّ الجادّ في محاربة المخاوف، والأوهام التي تُسيطر على عقل الشخص وتقف عثرة أمام حصولِه على حريته ومن ثم شعوره بالسعادة، فهم يؤمنون أنه بالرغم من الظروفِ السياسيّة والاجتماعية المُحبِطة التي يعيش فيها الفرد إلا أنّ عليه تحدّيها ومُحاولة التغلب عليها من أجل العيش بهدوء وحرية، وقد أعلن الأبيقوريون أن سعادة الإنسان كامنة في داخله، بل واعتبروا العمل على تحرير الإنسان من مخاوفه من مهام الفلسفة.

عند إيمانويل

كانت يؤمن إيمانويل كانت بأنّه لا يوجد أحدٌ يُلزم الإنسان بالتعامل أو التفكير بالطريقة التي يُريدها، ويرى أن كلَّ شخص يستطيع البحث عن سعادته وفرحه بالطريقة التي يراها مناسبة له. عند سارتر يقول سارتر إنّه لا يوجد فرق بين وجود الإنسان منذ ولادته وحصوله على حريته، فهو يربط بين الوجود الإنسانيّ من حيث الحصول على الحرية، فالحرية عنده كائن بشري يُفرز عدمُه الخاصّ غاضاً البصرَ عن أحداث الماضي والمستقبل للإنسان، ويحاول سارتر لفت الانتباه الى مبدأ الثنائية.

الحرية موضوع

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

(لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً)

خلق الله تعالى الناس أحراراً ولم يجعلهم عبيداً للعبيد، وأعطاهم إرادة ومشيئة واختياراً، فالأصل في الوجود الحرية وما تعنيه من تخلص من القيود، وتحرر من التعقيدات غير المبررة، فالفرد مسؤول على اتخاذ قراراته، وتحديد خياراته وفقاً لما يراه مناسباً له، دون الإجبار والإكراه على شيء معين، فالحرية تتيح للإنسان الاستقلالية، وتفتح له الآفاق، ليستنشق الهواء كما يحب، وينطلق بفكره وأعماله للحدود التي يريدها من ابتكار وإبداع.

إن الحرية هي قدرة الإنسان على اختيار أسلوب حياته، والعيش بالطريقة التي يحب، بشرط عدم المساس بحريات الآخرين وأذيتهم، أو أذية نفسه بداعي الحرية، كما أنّ للمجتمع الذي يعيش فيه عادات وتقاليد حميدة لا يجوز له خرقها بداعي الحرية أياً، فالحرية أنواع عديدة منها حرية التنقل، واختيار المهنة التي سيعمل بها الفرد، وحرية اختيار شريك الحياة، وحرية البيع والشراء والمأكل والملبس والمشرب والكثير من الانواع على ألّا يتجاوز الإنسان فيها ضوابط الشريعة والمجتمع إذ يُعدّان حدوداً للحرية الواعية وابتعاداً عن الفوضى.

علينا أن نسعى جميعاً لتحقيق حرياتنا والحفاظ عليها، بشرط الابتعاد عن المفاهيم الخاطئة التي تدعو إلى بعض السلوكيات غير المقبولة بداعي الحرية، فنرى مِن الشباب مَن يسعى للاستقلال عن نظام العائلة في سن صغيرة بداعي الحرية مثلاً، ونرى بعضهم يعصون أوامر والديهم ومربيهم كنوع من انواع الحرية، وغيرهما من السلوكات السلبية التي لا تمثل هذا المفهوم، فالحرية معنى سامٍ يرقى بمن فهمه حق الفهم، ويُطيح بمن جهله.

حدود الحرية

لا يوجد حريةٌ مطلقةٌ للإنسان فحريته مقيدةً بضوابط دينيةٍ وأخلاقيةٍ تتلاءم وطبيعة المجتمع الذي يعيش به، فبالقدر الذي يحترم به الشخص حريات الآخرين سيمارس حريته بمسؤوليةٍ ومعرفةٍ، فكلّ شخص تربطه مصالح مع مجتمعه ولأجل المحافظة على مصالحه يجب المحافظة على مصالح الآخرين وكما قال الفلاسفة القدماء: (تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين).

يعيش الإنسان في هذا العصر ضمن نطاقٍ واسعٍ من الحريات التي لم تكن موجودةً في السابق، وذلك بسبب سعة الاطّلاع والمعرفة بحياة الشعوب الأخرى، كلّ ذلك حصل بسبب انتشار وسائل الاتصال التي ألغت المسافات بين الشعوب وأزالت الحواجز، حتّى أنّها استطاعت إلغاء الخصوصية للجماعة والفرد، فقد أصبح العالم عبارةً عن قريةٍ صغيرةٍ، وهذا أدّى إلى حدوث صراعاتٍ بين الكيانات الاجتماعيّة بسبب الفوارق الطبقيّة والمعرفيّة.

أهمية الحرية

الحُريَّة من أحد أُسس الحياة التي بدونها لا يَكون للحياة أيَّةُ معنى، فعلى مُستوى بسيط قد تَشعُرَ بالضيق إذا قام أحدهم على إجبارك بأن تُشاهد أو تَسمع برنامجاً لا تُحبّه، فما بالُكَ إذا قام شخصٌ ما بسجنك وتقييدك أو بسلب حُريَّتك في الاختيار فيما يتعلّق بأمرٍ مَصيريّ يُحدد حَياتك. الإنسان الّذي لا يمتلك حَقَّ حريّة الاختيار لا تَكون لديه القُدرة على الإبداع أو على الابتكار وبالتّالي لا تَكون لديه القدرة على الإنتاج أو حتذى على تقديم ما هو جديد، واختراع ما هو مُفيد ومُيسّر لحياة الإنسان. الإنسان الذي لا يَمتلك حق التعبير عن رأيه هو إنسان أبكم لا يستطيع الكلام، فهو يرى الفساد ولا يَستطيع ردعه، ويرى الانتهاكات اليوميَّة لحقوقه ولا يَستطيع إيقافها، ويرى نفسَهُ محكوماً بقواعد وقوانين جائرة لا يَستطيع الإفلات منها.

وهذا كُلهُ بدوره سيجعل الإنسان كالآلةِ بلا روح، يَعمل بمللٍ وبخوفٍ من المُستقبل، ويركضُ فقط ليؤمّن قوت يومهِ، ويجعل من الدولة مكاناً مظلماً لا حياة فيها ولا تقدّم ولا إصلاح ولا تنمية. والإنسان الّذي لا يمتلك حقّ التنقّل وحريّة الحركة هو بالضبط كمن وُضع في قفصٍ مُظلم فيه نافذةٌ صغيرة تجعله يرى مقداراً ضئيلاً من النورِ والضوء ومساحةً مَحدودةً من سماءٍ حُرمَ من التحليق فيها، فتخلُقُ فيه كائناً محبطاً مقتول النفس عالقاً ما بين أرضٍ مُنع من أن يطأها وسماءٍ لن يلمسها.

أنواع الحرية

وبعد الحديث عن مفهوم الحرية لغةً واصطلاحًا وكيفية الحصول على الحرية، سيتم الإجابة على سؤال ما هي أنواع الحرية، فيوجد عدة أنواع للحرية يتم استخدامها في الحياة، وفيما يأتي بيان بعضها:

الحرية السياسية

وهي الحرية التي تُمكّن الانسان من المشاركة في أخذ القرارات الحكومية، ومن هذه القرارات القدرة على التصويت؛ لاختيار متنافس أو مرشح على وظيفة حكومية عامة، وقدرة الفرد أن يقوم بترشيح نفسه أو أن ينافس على وظيفة عامة، وأن يمتلك الحقّ في الاعتراض على قرارات الحكومة إن كانت هذه القرارات ضد المصلحة العامة للدولة، والحرية السياسية لا تكون لها معنى أو أهمية إذا لم تساندها حقوق أخرى؛ كالحقوق الاقتصادية، والحقوق الاجتماعية، فلا أهمية لأن يقوم الفرد بالتصويت إذا لم توفر أو تلبي هذه القرارات أو هؤلاء الأشخاص احتياجات الأشخاص الأساسية.

الحرية الاجتماعية

وهي الديمقراطية والحرية الاجتماعية، تتضمن القدرة على التعبير والإعلام؛ وهي حقّ نشر الأفكار والآراء الخاصة للفرد، وحقّ الديانة؛ وهو حقّ ممارسة الشعائر الدينية، وحقّ الاجتماع؛ وهو حقّ الإنسان في التعامل مع الأشخاص الذي يريد التعامل معهم، وحقّ التعليم؛ وهي القدرة على التعلّم والالتحاق بالجامعات والمدارس، واختيار التخصص المناسب للشخص، والقدرة على النشر والكتابة.

الحرية الاقتصادية

وهي أن يستطيع الانسان أخذ قراره الاقتصادي بنفسه دون تدخل طرف آخر، و الحرية الاقتصادية تتضمن حقّ التملك، والحصول على الربح من خلال ملكيته، والإنسان له القرار في اختيار وظيفته، والشخص له حرية ادخار ماله، واستثمار هذا المال بكامل إرادته.

السابق
مفهوم المجتمع المحلي
التالي
ما هو القانون المدني

اترك تعليقاً