حكم قصيرة

ما هي اخلاق الاسلام

ما هي اخلاق الاسلام

الأخلاق في الإسلام

تنهض الأمم وترتقي برقيّ أخلاق أبنائها، فالحضارات مهما بلغت وتطوّرَت لا يعلو شأنها ولا يَستقيم حالها دون أن تربط مَسيرتها بالمَبادئ والمُثُل والقيم، وإنّ أفول شمس كثيرٍ من الحَضارات السّابقة كان بسبب انفِكاكها عن قِيَمها وأخلاقها.

جاء الإسلام بشريعةٍ خالدةٍ لم تترك شيئاً من أمور الدّنيا والآخرة إلاّ وضعت له المَنهج والطّريق؛ فالمُسلم يَعبدُ الله سُبحانَه وتعالى على بصيرةٍ ونورٍ، ولا يَنحرف عن منهاجِ ربّه وهدي نبيّه، وقد احتلّت الأخلاق جانباً رئيسيّاً في ديننا وهدي نبيّنا الذي جاء ليُتمّم مكارم الأخلاق ويَربطها بشريعة الله التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا تتنازعها الأهواء؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ)،فكلّ خُلُقٍ بلا دين أو عقيدة إنما هو هواء لا خير فيه.

حثّ نبّينا عليه الصّلاة والسّلام على التحلّي بالخلق الحسن، والصّفات الحميدة، وقد أقرّ الإسلام لمّا جاء ما كانَ من الأخلاق والقِيم والعادات الحسنة التي اعتاد أهل الجاهليّة على فعلها؛ كالكرم، والجود، وإعانة المحتاج وعابر السبيل، وإكرام الضيف، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة.

أخلاق المسلم في القرآن

القرآن الكريم هو أصل الأخلاق الإسلامية , والإسلام يربط بين القول والعمل والقيمة والسلوك . والأخلاق في الإسلام قاسم مشترك على مختلف أوجه الحياة , سياسية واجتماعية وقانونية وتربوية. وغاية الأخلاق في الإسلام بناء مفهوم (( التقوى )) الذي يجعل أداء العمل الطيب واجباً محتماً ويجعل تجنب العمل الضار واجباً محتماً، ويجعل الخوف من الله أقوى .

فالقيم الأساسية في الإسلام ثابتة لا تتغير لأنها صالحة لكل زمان ومكان وإن الأخلاق والعقيدة والشريعة ليست من صنع الإنسان ولذلك فهي قائمة على الزمان ما بقي الزمان على اختلاف البيئات والعصور وإن الحق سيظل هو الحق لا يتغير.
ولذلك فإن أبرز قواعد الإسلام هو ( ثبات القيم ) وبالتالي (ثبات الأخلاق) وإن الالتزام الخلقي هو قانون أساسي يمثل المحور الذي تدور حوله القيم الأخلاقية فإذا زالت فكرة الالتزام قضي على جوهر الهدف الأخلاقي، ذلك انه إذا انعدم الالتزام انعدمت المسؤولية وإذا انعدمت المسؤولية ضاع كل أمل في وضع الحق في نصابه .
والإسلام يحمل قواعد نظرية أخلاقية متكاملة تقود إلى الفضائل في أحسن ما تكون عليه، وهذا ينبع من غاية رسالة الإسلام التي هي رحمة للعالمين.
وفي النص القرآني نجد أن كلمة (خُلُق) قد وردت مرتين :
الأولى :  في رد قوم هود عليه السلام عندما دعاهم لعدم التعلق بالدنيا والتطاول بالعمران، وأن يعبدوا الله فذلك أقوم وافضل لهم . فأجابوه وفق ما جاء في الآية الكريمة { إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ(137) }  الشعراء
فردهم هذا يتضمن مقولة مفادها : أن هذا الذي جئتنا به، هو سنة وعادة قوم سبقوك في الظهور، وادّعوا مثل دعواك.
وفي تلمس معاني هذه الآية الكريمة يتبين لنا أن دعوة الأنبياء والرسل كانت دوما تعتمد خطاً واحدا في منهاجها الأخلاقي الذي يقود إلى صلاح المجتمعات، وصلاح الأفراد.
الثانية :  في قوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) } القلم
جاء الخطاب من الله تعالى إلى النبي محمد صلى الله عليه ، وهو من كانت سيرته سنة يقتدى بها. وتؤكد كتب السيرة انه لم يكن لبشر ما كان ! للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الأخلاق، فقد كان أحسن الناس خلقاً.. وأكثرهم محبة ورأفة ورحمة.
فدلت الآية على أن المتصف بما في القرآن من مكارم الأخلاق أنه يكون على خلق عظيم وذلك لعظم ما في القرآن من مكارم الأخلاق , فمن ذلك قوله تعالى:{ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(237)} البقرة
فانظر ما في هذه الآية من الحض على مكارم الأخلاق من الأمر بالعفو والنهي عن نسيان الفضل. وقال تعالى:{ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(2)} المائدة
فانظر ما في هذه الآيات من مكارم الأخلاق والأمر بأن تعامل من عصى الله فيك بأن تطيع الله فيه. وقال تعال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا(36)}
فهذه الآية تأمر بالإحسان إلى المحتاجين والضعفاء .
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(90)} النحل
وقال تعالى:{ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(151)}الأنعام
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا(58)} النساء
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ(12)}
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ما يدعو إليه القرآن من مكارم الأخلاق ومحاسن العادات.
فعنوان الأخلاق الإسلامية استمد منه الرحمة, الرحمة من الإنسان لأخيه الإنسان، والرحمة من الإنسان للحيوان فلا يجهده أو يحمله فوق طاقته.
والرحمة تكون من الإنسان للطبيعة فلا يعبث بثرواتها التي هي خيرات أمده الله بها.
فالأخلاق الإسلامية ينبوع رحمة يوصل إلى الفضيلة مما يثمر سعادة عامة شاملة لكل أبناء المجتمعات .
فالخلق كلهم عباد الله. وتبدو الحاجة اليوم اكثر منها في أي وقت مضى للالتزام بالخلق القرآني .

************************
* أهم المصادر والمراجع :
ـ تفسير القرطبي: لأبي عبد الله القرطبي.
ـ أضواء البيان: لمحمد الأمين الشنقيطي.

ـ الإيمان والحياة: للدكتور يوسف القرضاوي.

 

أخلاق المسلم وصفاته

الخلق لغة: هو السَّجيَّة والطَّبع والدِّين، وهو صورة الإنسان الباطنية، أما صورة الإنسان الظاهرة فهي الخُلق؛ لذلك كان من دعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «… واهدِني لأحسنِ الأخلاق، لا يهدي لأحسنِها إلا أنت، واصرِفْ عني سيِّئَها، لا يصرِفُ عني سيِّئها إلا أنت» (رواه مسلم). ويوصَفُ المرءُ بأنه حسَنُ الظاهر والباطن إذا كان حسَنَ الخَلْق والخُلُق.
والخُلق اصطلاحًا:
عبارة عن هيئة في النفس راسخةٍ تصدُرُ عنها الأفعالُ بسهولةٍ ويُسرٍ، من غير حاجة إلى فكرٍ ولا رويَّة، وهذه الهيئة إما أن تصدُرَ عنها أفعالٌ محمودة، وإما أن تصدُرَ عنها أفعالٌ مذمومةٌ، فإن كانت الأولى، كان الخُلُق حسَنًا، وإن كانت الثانية، كان الخُلُق سيِّئًا.
هناك فَرْقٌ بين الخُلُق والتخلُّق؛ إذ التخلُّق هو التكلُّف والتصنُّع، وهو لا يدوم طويلاً، بل يرجع إلى الأصل، والسلوك المتكلَّف لا يسمَّى خُلقًا حتى يصير عادةً وحالةً للنفس راسخةً، يصدُرُ عن صاحبِه في يُسر وسهولة؛ فالذي يصدُقُ مرة لا يوصَفُ بأن خُلقَه الصدقُ، ومن يكذِبُ مرَّةً لا يقال: إن خُلقَه الكذب، بل العبرةُ بالاستمرار في الفعل، حتى يصيرَ طابعًا عامًّا في سلوكه.
حُسْنُ الخُلُق
مُعظَمُ العباداتِ التي يتقرّبُ بها العبدُ إلى ربِّهِ تحتاجُ إلى جهدٍ بدنيٍّ ومُجاهدةٍ نفسيَّةٍ لِتحصِيلِ أجرها وتثبيتِ مُستحقِّها؛ فالصَّلاةُ والصِّيامُ والزَّكاةُ والحجُّ وغيرها عباداتٌ عظيمةٌ تحتاجُ إلى جَلَدٍ عظيمٍ وهِمَّةٍ عاليةٍ لأدائِها والتقرُّبِ بها، بل إنَّ الخَلل البسيطَ في بعضِ أركانِها قَدْ يُبطِلها ويوجِبُ قَضاءَها أو التَّكفيرِ عنها. أمَّا عبادةُ حُسْنِ الخُلُق فَهيَ آدابٌ وفَضائِلُ فِطريَّةٌ إيمانيَّةٌ تَنعَكِسُ على عاداتِ المَرءِ وسُلوكاتِهِ دُونَ جُهدٍ مَبذولٍ أو تَكلُّفٍ وعَناءْ، فَهِيَ عِبادةٌ صامِتةٌ عَظيمَةُ الأجْرِ ويَرتَقي أَجْرُها لدَرَجاتِ قائِم اللَّيلِ صائِم النَّهارِ كَما وَرَدَ عَن رَسولِ الله صلَّ الله عليهِ وسلَّم، فعَن عائِشَةَ رضيَ الله عنها قالت: سَمِعْتُ رسولَ الله صلَّ الله عليهِ وسَلَّمَ يَقول: (إنَّ المؤمن لَيُدركُ بحُسْن خُلقه درجاتِ قائم اللّيل صائمِ النهار) فعِبادةُ حُسنِ الخُلُق تُزيِّنُ سائِرَالعِباداتِ، وتُكمِّلُها، وتَحتلُّ مساحةً من الأَجرِ مِثلَ غيرِها، وتُفاضِلُ دَرجاتِ الإيمانِ كما جاءَ في الحديثِ (أَكمَلُ المؤمنينَ إيماناً أَحسَنُهم أَخلاقاً).
كيفَ تُكْتَسَبُ الأخلاقُ الحَسَنة
سُئِلَ عبدالله بن عباس رَضِيَ الله عنهُ عن حُسنِ الخُلقِ كَيفَ يَكون فأجاب: (حُسنُ الخُلُقِ أمْرٌ هَيِّنٌ وَجهٌ بَشوشٌ وكلامٌ لَيِّن). مَكارِمُ الأخلاقِ مخزونةٌ عندَ الله يمنَحها لِعبادِه بالفِطرةِ ثمَّ بالتعلُّم، وهي رزقٌ يُسخِّرهُ الله لمن يُحِب من عبادهِ جزاءً لتقرُّبهم ووَصلهم بالطّاعات، وتُكتَسَبُ الأخلاقُ بالتَّفكُر والتَّعقٌّلِ وصُحبَةِ الأخيارِ ابتداءً حتى تُصبحَ سُلوكاتٍ تُمارَسُ دونَ شُعورٍ وقََصد، ومَكارِمُ الأخلاقِ في الإسلامِ كثيرةٌ، منها الصَّبرُ، والكَرَمُ، والإيثارُ، والرِّفقُ، والعَدلُ، والحَياءُ، والشُّكرُ، وحِفظُ اللِّسانِ، والعِفَّة، والوَفاء، والصِّدق. ونَقيضُها صفاتٌ خُلُقيَّةٌ مَذمومةٌ نَهى عنها الرَّسولُ عليه الصّلاة والسّلام، كالغَضَبِ، والغِيبةِ، والنَّميمَةِ، والكَذِبِ، والكلامُ الفاحِشُ وغيرها من الصِّفاتِ التي لا تَقبَلُها الفِطرةُ السَّليمةُ.
أهم الأخلاق التي ينبغي على المسلم التحلّي بها
ينبغي على المُسلِمِ أن يَتمسَّك بالأخلاقِ الإسلاميَّة جميعها دون تفريدٍ أو انتقاء، وأن يتحرَّى التخلُّق بكلِّ الفضائِلِ والخِصالِ الحَسنةِ حتَّى يتطبَّع بها وتُصبِح برمجةً ذاتيَّة في أفعالِه وانعِكاساتِه السُّلوكيَّةِ واللفظيَّة، ومِن أهمِّ الأخلاق التي ينبغي على المُسلِم أن يتحلَّى بها:
-الأمانة: وهِي من أخلاقِ الرَّسول عليه الصّلاة والسّلام التي عُرِفَ وتميَّزَ بها قبل البعثَةِ لِحُسنِ ما كانَ يتخلَّقُ بها. وتعني حفظُ الحقوقِ وأداؤها لأصحابها، وقد أَثنى الله تَعالى عَليها وذَكَرها في كِتابِه العَظيم وجَعَلها من علاماتِ الإيمانِ ونَقيضُها الخيانةُ من علاماتِ النِّفاق.

-الحِلم: وهُو الترَّفع عن مُبادلة النّاسِ الإساءةَ بالإساءَة وإظهارِ الصَّبرِ عليهِم وسِعةَ الصَّدر لأفعالِهم. وهو خُلُقٌ ربَّانيٌّ نَسَبَهُ الله لنفسِهِ وجعَلهُ من أسمائِه.
-العِفَّة: وهيَ الكفُّ عن المُحرَّماتِ واجتنابها والابتعادِ عن مَسالِكها، وترويضُ النَّفسِ عن طلبِها والترغُّبِ فيها، والعفَّةُ من أخلاقِ الأنبياء وعَلاماتِ الصَّالحين، وبِها يتلذّذُ المؤمنُ الحقُّ ويستَشعِرُ حَلاوةَ إيمانِهِ وعِفَّته.
نماذج من الأخلاق الحميدة:
ومن حسن الخلق: برُّ الوالدين، وصلة الأرحام، وليس الواصل بالمكافئِ، ولكن الواصل الذي إذا قَطَعت رحِمُه وصَلها.
ومن حُسن الخلق: الإحسانُ إلى الجيران، وإيصال النفع إليهم.
ومن حُسن الخُلق: إفشاء السلام على الخاص والعام، وطِيب الكلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام؛ فقد بشر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من كان كذلك بدخول الجنة بسلام.
ومن حسن الخُلق: أن تسلِّمَ على أهل بيتك إذا دخَلْتَ عليهم، وهذه سنَّة مشهورة، وقد أصبحت عند الكثير من الناس اليوم مهجورة، مع أنها بركة على الداخل المسلِّم وأهل بيته، كما بيَّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن حسن الخلق: معاشرة الزوجة بالإكرام والاحترام، وبشاشة الوجه، وطيب الكلام؛ قال صلى الله عليه وسلم: «خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (السلسلة الصحيحة).
ومن حُسن الخُلق: معاشرة الناس بالحفاوة والوفاء، وترك التنكُّر لهم والجفاء، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، والنصيحة لهم؛ فذلك من أهم أخلاق الإيمان والديانة.
ومِن حُسن الخلق: استعمال النظافة في الجسم والثياب، وفي المنزل؛ فإن الله جميلٌ يحب الجمال، طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، وإن الله إذا أنعم على عبدِه نعمة يحبُّ أن يرى أثرَها عليه.
من فوائد الأخلاق للفرد والمجتمع:
1- نشر الأمن والأمان بين الأفراد والمجتمع.
2- وجود الأُلفة والمحبة بين الناس.
3- سيادة التعاون والتكافل الاجتماعي بين المجتمع؛ فالمسلمون أمة واحده، يعطف غنيُّهم على فقيرهم.
4- نبذ الفُرقة والخلاف وما يمزق المجتمعَ، والالتزام بالقِيَم والمبادئ.
5- المساهمة في خدمة المجتمع، ورفع معاناته، وتقديم ما يفيد للأمة والبشرية؛ فالمؤمن مثل الغيثِ أينما حلَّ نفَع.
6- الإيجابية في المجتمع، وتفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مشتملاً على أسسه وقواعده دون تنفير للناس، أو تغييب للشريعة وتعاليمها.
7- بذل الخير للناس بحب وسعادة غامرة، وتفعيل الإنتاج، وثقافة البذل والعطاء بين المجتمع.
8- بث روح التسامح ونشرها بين الناس، تحت شعار: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ)، ونحو مجتمع راقٍ تسودُه الألفة والمحبة.

 

بحث عن مكارم الأخلاق في الإسلام

مكارم الأخلاق في الإسلام دعا الله تعالى إلى مكارم الأخلاق في الإسلام فجعلها أسمى غايات الرسالة المحمدية التي حملها سيدنا محمد -صلّى الله عليه وسلّم- للعالمين، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: “إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ”، وإنَّ مكارم الاخلاق في الإسلام تتمثل في كلِّ خُلُقٍ حسنٍ، دعا إليه الدين في الكتاب والسنّة أو لم يدعُ إليه بشك صريح إلّا أنّه يوافق الفطرة الإنسانية السليمة، ومن أهم مظاهر مكارم الأخلاق في الإسلام هي:

  • إفشاء السلام: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: “واللهِ؛ لا تَدخلوا الجنَّةَ حتى تُؤمِنوا، ولا تُؤمِنوا حتى تَحابُّوا. قال: إنْ شِئتُم دلَلتُكم على ما إذا فعَلتُموهُ تَحابَبتُم، أفْشوا السَّلامَ بَينَكم” .
  • عدم التناجي: ففي التناجي البغض والحقد والكراهية، وكلُّ هذه الأمور وقف الإسلام في وجهها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: “إذا كانوا ثلاثةٌ، فلاَ يتَناجَى اثنانِ دونَ الثَّالثِ”.
  • الكلمة الطيبة: أن يتلفظ الإنسان بكلِّ ما هو خير، ويترك كلَّ كلامٍ منافٍ للأخلاق الكريمة الحسنة، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: “مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ، فليَقُلْ خَيْرًا أو ليَسكُتْ”.
  • عدم الحديث فيما لا يعني المرء: لقولِ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث: “إنَّ مِن حُسنِ إسلامِ المرءِ تركَه ما لا يَعنيه”.
         والصدق والأمانة وتحرِّي سُبل الرزق المشروعة كلُّها من مكارم الأخلاق في الإسلام والتي دعا إليه الدين وأمر بها، والله تعالى أعلم.

خلق من اخلاق الاسلام مع دليل القران والسنة

 

سلسلة أخلاق المسلم

  • الأخلاق
    الإسلام دين الأخلاق الحميدة، دعا إليها، وحرص على تربية نفوس المسلمين عليها. وقد مدح الله -تعالى- نبيه، فقال: {وإنك لعلى خلق عظيم}.
    [القلم: 4].
    وجعل الله -سبحانه- الأخلاق الفاضلة سببًا للوصول إلى درجات الجنة العالية، يقول الله -تعالى-: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين . الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} [آل عمران: 133-134].
    وأمرنا الله بمحاسن الأخلاق، فقال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا بالذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت: 34]. وحثنا النبي صلى الله عليه وسلم على التحلي بمكارم الأخلاق، فقال: (اتق الله حيثما كنتَ، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالقِ الناسَ بخُلُق حَسَن) [الترمذي].
    فعلى المسلم أن يتجمل بحسن الأخلاق، وأن يكون قدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أحسن الناس خلقًا، وكان خلقه القرآن، وبحسن الخلق يبلغ المسلم أعلى الدرجات، وأرفع المنازل، ويكتسب محبة الله ورسوله والمؤمنين، ويفوز برضا الله -سبحانه- وبدخول الجنة.
    وهذا الكتاب يتناول جملة من الأخلاق الرفيعة التي يجب على كل مسلم أن يتحلى بها، وأن يجعلها صفة لازمة له على الدوام.

 

  • الإخلاص
    يحكى أنه كان في بني إسرائيل رجل عابد، فجاءه قومه، وقالوا له: إن هناك قومًا يعبدون شجرة، ويشركون بالله؛ فغضب العابد غضبًا شديدًا، وأخذ فأسًا؛ ليقطع الشجرة، وفي الطريق، قابله إبليس في صورة شيخ كبير، وقال له: إلى أين أنت ذاهب؟
    فقال العابد: أريد أن أذهب لأقطع الشجرة التي يعبدها الناس من دون الله. فقال إبليس: لن أتركك تقطعها.
    وتشاجر إبليس مع العابد؛ فغلبه العابد، وأوقعه على الأرض. فقال إبليس: إني أعرض عليك أمرًا هو خير لك، فأنت فقير لا مال لك، فارجع عن قطع الشجرة وسوف أعطيك عن كل يوم دينارين، فوافق العابد.
    وفي اليوم الأول، أخذ العابد دينارين، وفي اليوم الثاني أخذ دينارين، ولكن في اليوم الثالث لم يجد الدينارين؛ فغضب العابد، وأخذ فأسه، وقال: لابد أن أقطع الشجرة. فقابله إبليس في صورة الشيخ الكبير، وقال له: إلى أين أنت ذاهب؟ فقال العابد: سوف أقطع الشجرة.
    فقال إبليس: لن تستطيع، وسأمنعك من ذلك، فتقاتلا، فغلب إبليسُ العابدَ، وألقى به على الأرض، فقال العابد: كيف غلبتَني هذه المرة؟! وقد غلبتُك في المرة السابقة! فقال إبليس: لأنك غضبتَ في المرة الأولى لله -تعالى-، وكان عملك خالصًا له؛ فأمَّنك الله مني، أمَّا في هذه المرة؛ فقد غضبت لنفسك لضياع الدينارين، فهزمتُك وغلبتُك.
    ***
    هاجرت إحدى الصحابيات من مكة إلى المدينة، وكان اسمها أم قيس، فهاجر رجل إليها ليتزوجها، ولم يهاجر من أجل نُصْرَةِ دين الله، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله؛ فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصِيبُها أو امرأة ينكحها (يتزوجها)؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه) [متفق عليه].
    ما هو الإخلاص؟
    الإخلاص هو أن يجعل المسلم كل أعماله لله -سبحانه- ابتغاء مرضاته، وليس طلبًا للرياء والسُّمْعة؛ فهو لا يعمل ليراه الناس، ويتحدثوا عن أعماله، ويمدحوه، ويثْنُوا عليه.
    الإخلاص واجب في كل الأعمال:
    على المسلم أن يخلص النية في كل عمل يقوم به حتى يتقبله الله منه؛ لأن
    الله -سبحانه- لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه تعالى. قال تعالى في كتابه: {وما أمروا إلا يعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} [البينة: 5]. وقال تعالى: {ألا لله الدين الخالص} [الزمر: 3]. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابْتُغِي به وجهُه) [النسائي].
    والإخلاص صفة لازمة للمسلم إذا كان عاملا أو تاجرًا أو طالبًا أو غير ذلك؛ فالعامل يتقن عمله لأن الله أمر بإتقان العمل وإحسانه، والتاجر يتقي الله في تجارته، فلا يغالي على الناس، إنما يطلب الربح الحلال دائمًا، والطالب يجتهد في مذاكرته وتحصيل دروسه، وهو يبتغي مرضاة الله ونَفْع المسلمين بهذا العلم.
    الإخلاص صفة الأنبياء:
    قال تعالى عن موسى -عليه السلام-: {واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصًا وكان رسولاً نبيًا} [مريم: 51]. ووصف الله -عز وجل- إبراهيم وإسحاق ويعقوب -عليهم السلام- بالإخلاص، فقال تعالى: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار . إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار . وإنهم عندنا من المصطفين الأخيار} [ص: 45-47].
  • الإخلاص في النية:
    ذهب قوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: يا رسول الله، نريد أن نخرج معك في غزوة تبوك، وليس معنا متاع ولا سلاح. ولم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم شيء يعينهم به، فأمرهم بالرجوع؛ فرجعوا محزونين يبكون لعدم استطاعتهم الجهاد في سبيل الله، فأنزل الله -عز وجل- في حقهم قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا ما نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم . ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا ألا يجدوا ما ينفقون}.
    [التوبة: 91-92].
    فلما ذهب صلى الله عليه وسلم للحرب قال لأصحابه: (إن أقوامًا بالمدينة خلفنا ما سلكنا شِعْبًا ولا واديا إلا وهم معنا فيه (يعني يأخذون من الأجر مثلنا)، حبسهم (منعهم) العذر) [البخاري].
    الإخلاص في العبادة:
    لا يقبل الله -تعالى- من طاعة الإنسان وعبادته إلا ما كان خالصًا له، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن رب العزة: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركتُه وشركَه) [مسلم].
    فالمسلم يتوجه في صلاته لله رب العالمين، فيؤديها بخشوع وسكينة ووقار، وهو يصوم احتسابًا للأجر من الله، وليس ليقول الناس عنه: إنه مُصَلٍّ أو مُزَكٍّ أو حاج، أو صائم، وإنما يبتغي في كل أعماله وجه ربه.
  • الإخلاص في الجهاد:
    إذا جاهد المسلم في سبيل الله؛ فإنه يجعل نيته هي الدفاع عن دينه، وإعلاء كلمة الله، والدفاع عن بلاده وعن المسلمين، ولا يحارب من أجل أن يقول الناس إنه بطل وشجاع، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يا نبي الله، إني أقف مواقف أبتغي وجه الله، وأحب أن يرَى موطني (أي: يعرف الناس شجاعتي). فلم يرد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نزل قول الله تعالى: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا}.
    [الكهف: 110].
    وجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر (يشتهر بين الناس)، والرجل يقاتل ليرَى مكانه (شجاعته)، فمن في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قاتل لتكون كلمة الله هي العُليا فهو في سبيل الله) [متفق عليه].
    جزاء المخلصين:
    المسلم المخلص يبتعد عنه الشيطان، ولا يوسوس له؛ لأن الله قد حفظ المؤمنين المخلصين من الشيطان، ونجد ذلك فيما حكاه القرآن الكريم على لسان الشيطان: {قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلصين} [الحجر: 39-40]. وقد قال الله تعالى في ثواب المخلصين وجزائهم في الآخرة: {إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرًا عظيمًا} [النساء: 146].
  • الـريـاء:
    هو أن ينشط المرء في عمل الخيرات إذا كان أمام الناس، ويكسل إذا كان وحده، ويجتهد إذا أثنى عليه الناس، وينقص من العمل إذا ذمه أحد، وقد ذكر الله صفات هؤلاء المرائين المنافقين، فقال تعالى: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى . يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً} [النساء: 142].
    فالرياء صفة من صفات المنافقين، والمسلم أبعد ما يكون عن النفاق، فهو يخلص قلبه ونيته دائمًا لله، قـال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم) [مسلم].
    الرياء شرك بالله:
    المسلم لا يرائي؛ لأن الرياء شرك بالله -سبحانه-، قال صلى الله عليه وسلم: (إن أَخْوَفَ ما أتخوَّف على أمتي الإشراك بالله، أما إني لستُ أقول: يعبدون شمسًا ولا قمرًا ولا وَثَنًا، ولكن أعمالا لغير الله وشهوة خفية) [ابن ماجه]. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر). قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: (الرياء، يقول
    الله -عز وجل- يوم القيامة -إذا جزي الناس بأعمالهم-: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا؛ فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً؟) [أحمد].
    وهكذا.. لا يأخذ المرائي جزاءً على عمله؛ لأنه أراد بعمله الحصول على رضا الناس ومدحهم والمكانة بينهم، فليس له من أجرٍ يوم القيامة.
    المرائي في النار:
    أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه في إحدى الغزوات أن فلانًا سيدخل النار، وكان فلان هذا يقاتل مع المسلمين، فتعجب الصحابة، وراقبوا الرجل ليعرفوا حاله؛ فوجدوه يقاتل قتالا شديدًا؛ فازداد عجب الصحابة، ولكن بعد قليل حدث أمر عجيب؛ فقد جُرح هذا الرجل؛ فأخذ سيفه، وطعن به نفسه؛ فقال له بعض الصحابة: ويلك! أتقتل نفسك، وقد كنت تقاتل قتالا شديدًا؟ فقال الرجل: إنما كنتُ أقاتل حميةً (عزة للنَّفْس)، وليرى الناس شجاعتي، ثم مات الرجل، وصدق فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم.
    وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن المرائين أول الناس عذابًا يوم القيامة؛ فأول ثلاثة يدخلون النار: عالم، وقارئ للقرآن، وشهيد؛ لأنهم كانوا لا يخلصون أعمالهم لله، ولا يبتغون بها وجهه.
    الرياء يبْطِلُ العبادات:
    إذا أدَّى الإنسان عبادته، وليس فيها إخلاص لله، فإنه لا يأخذ عليها أجرًا ولا ثوابًا، بل عليه الوزر والعقاب؛ لأنه لم يخلص لله رب العالمين. قال الله -تعالى-: {فويل للمصلين . الذين هم عن صلاتهم ساهون . الذين هم يراءون . ويمنعون الماعون} [الماعون: 4-7].
    والذين يتصدقون، ولكن يمُنُّون بأعمالهم، ولا يخلصون فيها لله، فإنهم لا يأخذون على صدقتهم أجرًا من الله، وتصبح مثل الأرض الصلبة التي لا تخرج زرعًا كما وصف القرآن الكريم المرائي بقوله تعالى: {فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدًا لا يقدرون على شيء مما كسبوا} [البقرة: 264].
    كما جعل الله -عز وجل- عبادة المرائين عديمة الفائدة لهم، يقول تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورًا} [الفرقان: 23].
  • الصبر
    ذات يوم مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبر، فرأى امرأة جالسة إلى جواره وهي تبكي على ولدها الذي مات، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقي الله واصبري). فقالت المرأة: إليك عني، فإنك لم تُصَبْ بمصيبتي.
    فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تكن المرأة تعرفه، فقال لها الناس: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسرعت المرأة إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم تعتذر إليه، وتقول: لَمْ أعرفك. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) [متفق عليه]. أي يجب على الإنسان أن يصبر في بداية المصيبة.
    ***
    أسلم عمار بن ياسر وأبوه ياسر وأمه سمية -رضي الله عنهم- وعلم الكفار بإسلامهم، فأخذوهم جميعًا، وظلوا يعذبونهم عذابًا شديدًا، فلما مرَّ عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، قال لهم: (صبرًا آل ياسر! فإن موعدكم الجنة)
    [الحاكم]. وصبر آل ياسر، وتحملوا ما أصابهم من العذاب، حتى مات الأب والأم من شدة العذاب، واستشهد الابن بعد ذلك في إحدى المعارك؛ ليكونوا جميعًا من السابقين إلى الجنة، الضاربين أروع الأمثلة في الصبر وتحمل الأذى.
    ما هو الصبر؟
    الصبر هو أن يلتزم الإنسان بما يأمره الله به فيؤديه كاملا، وأن يجتنب ما ينهاه عنه، وأن يتقبل بنفس راضية ما يصيبه من مصائب وشدائد، والمسلم يتجمل بالصبر، ويتحمل المشاق، ولا يجزع، ولا يحزن لمصائب الدهر ونكباته. يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين} [البقرة: 153].
    الصبر خلق الأنبياء:
    ضرب أنبياء الله -صلوات الله عليهم- أروع الأمثلة في الصبر وتحمل الأذى من أجل الدعوة إلى الله، وقد تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاق في سبيل نشر الإسلام، وكان أهل قريش يرفضون دعوته للإسلام ويسبونه، ولا يستجيبون له، وكان جيرانه من المشركين يؤذونه ويلقون الأذى أمام بيته، فلا يقابل ذلك إلا بالصبر الجميل. يقول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن صبر الرسول صلى الله عليه وسلم وتحمله للأذى: (كأني أنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي (يُشْبِه) نبيًّا من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- ضربه قومه فأدموه (أصابوه وجرحوه)، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) [متفق عليه].
    وقد وصف الله -تعالى- كثيرًا من أنبيائه بالصبر، فقال تعالى: {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين . وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين} [الأنبياء: 85-86].
    وقال الله تعالى: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} [الأحقاف: 35]. وأولو العزم من الرسل هم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد -عليهم صلوات الله وسلامه-.
    وقال تعالى: {ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وآذوا في سبيلي حتى أتاهم نصرنا} [الأنعام: 34].
    وقال تعالى عن نبيه أيوب: {إنا وجدناه صابرًا نعم العبد إنه أواب}
    [ص: 44]، فقد كان أيوب -عليه السلام- رجلا كثير المال والأهل، فابتلاه الله واختبره في ذلك كله، فأصابته الأمراض، وظل ملازمًا لفراش المرض سنوات طويلة، وفقد ماله وأولاده، ولم يبْقَ له إلا زوجته التي وقفت بجانبه صابرة محتسبة وفيةً له.
    وكان أيوب مثلا عظيمًا في الصبر، فقد كان مؤمنًا بأن ذلك قضاء الله، وظل لسانه ذاكرًا، وقلبه شاكرًا، فأمره الله أن يضرب الأرض برجله ففعل، فأخرج الله له عين ماء باردة، وأمره أن يغتسل ويشرب منها، ففعل، فأذهب الله عنه الألم والأذى والمرض، وأبدله صحة وجمالا ومالا كثيرًا، وعوَّضه بأولاد صالحين جزاءً له على صبره، قال تعالى: {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب} [ص: 43].
    فضل الصبر:
    أعد الله للصابرين الثواب العظيم والمغفرة الواسعة، يقول تعالى: {وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة: 155-157]. ويقول: {إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10].
    ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما أُعْطِي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر)
    [متفق عليه]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نَصَبٍ (تعب) ولا وَصَبٍ (مرض) ولا هَمّ ولا حَزَنٍ ولا أذى ولا غَمّ حتى الشوكة يُشَاكُها إلا كفَّر الله بها من خطاياه) [متفق عليه].
    أنواع الصبر:
    الصبر أنواع كثيرة، منها: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على المرض، والصبر على المصائب، والصبر على الفقر، والصبر على أذى
    الناس.. إلخ.
    الصبر على الطاعة: فالمسلم يصبر على الطاعات؛ لأنها تحتاج إلى جهد وعزيمة لتأديتها في أوقاتها على خير وجه، والمحافظة عليها. يقول الله -تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} [الكهف: 28]. ويقول تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} [طه: 132].
    الصبر عن المعصية: المسلم يقاوم المغريات التي تزين له المعصية، وهذا يحتاج إلى صبر عظيم، وإرادة قوية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل المهاجرين من هجر ما نهي الله عنه، وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات
    الله -عز وجل-) [الطبراني].
    الصبر على المرض: إذا صبر المسلم على مرض ابتلاه الله به، كافأه الله عليه بأحسن الجزاء، قال صلى الله عليه وسلم: (من أصيب بمصيبة في ماله أو جسده، وكتمها ولم يشْكُهَا إلى الناس، كان حقًّا على الله أن يغفر له).
    [الطبراني].
    وصبر المسلم على مرضه سبب في دخوله الجنة، فالسيدة أم زُفَر -رضي الله عنها- كانت مريضة بالصَّرَع، فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لها بالشفاء. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيكِ). فاختارت أن تصبر على مرضها ولها الجنة في الآخرة. [متفق عليه]. ويقول تعالى في الحديث القدسي: (إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه (عينيه) فصبر، عوضتُه منهما الجنة) [البخاري].
    الصبر على المصائب: المسلم يصبر على ما يصيبه في ماله أو نفسه أو
    أهله. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضتُ صَفِيهُ من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة) [البخاري]. وقد مرَّت أعرابية على بعض الناس، فوجدتهم يصرخون، فقالت: ما هذا؟ فقيل لها: مات لهم إنسان. فقالت: ما أراهم إلا من ربهم يستغيثون، وبقضائه يتبرمون (يضيقون)، وعن ثوابه يرغبون (يبتعدون).
    وقال الإمام علي: إن صبرتَ جرى عليك القلم وأنتَ مأجور (لك أجر وثواب)، وإن جزعتَ جرى عليكَ القلم وأنت مأزور (عليك وزر وذنب).
    الصبر على ضيق الحياة: المسلم يصبر على عسر الحياة وضيقها، ولا يشكو حاله إلا لربه، وله الأسوة والقدوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه أمهات المؤمنين، فالسيدة عائشة -رضي الله عنها- تحكي أنه كان يمر الشهران الكاملان دون أن يوقَد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، وكانوا يعيشون على التمر والماء. [متفق عليه].
    الصبر على أذى الناس: قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم إذا كان مخالطًا الناس ويصبر على أذاهم، خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) [الترمذي].
    الصبر المكروه:
    الصبر ليس كله محمودًا، فهو في بعض الأحيان يكون مكروهًا. والصبر المكروه هو الصبر الذي يؤدي إلى الذل والهوان، أو يؤدي إلى التفريط في الدين أو تضييع بعض فرائضه، أما الصبر المحمود فهو الصبر على بلاء لا يقدر الإنسان على إزالته أو التخلص منه، أو بلاء ليس فيه ضرر بالشرع. أما إذا كان المسلم قادرًا على دفعه أو رفعه أو كان فيه ضرر بالشرع فصبره حينئذ لا يكون مطلوبًا.
    قال الله -تعالى-: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرًا} [النساء: 97].
    الأمور التي تعين على الصبر:
    * معرفة أن الحياة الدنيا زائلة لا دوام فيها.
    * معرفة الإنسـان أنه ملْكُ لله -تعالى- أولا وأخيرًا، وأن مصيره إلى الله تعالى.
    * التيقن بحسن الجزاء عند الله، وأن الصابرين ينتظرهم أحسن الجزاء من الله، قال تعالى: {ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}
    [النحل: 96].
    * اليقين بأن نصر الله قريب، وأن فرجه آتٍ، وأن بعد الضيق سعة، وأن بعد العسر يسرًا، وأن ما وعد الله به المبتلِين من الجزاء لابد أن يتحقق. قال تعالى: {فإن مع العسر يسرًا. إن مع العسر يسرًا} [الشرح: 5-6].
    * الاستعانة بالله واللجوء إلى حماه، فيشعر المسلم الصابر بأن الله معه، وأنه في رعايته. قال الله -تعالى-: {واصبروا إن الله مع الصابرين} [الأنفال: 46].
    * الاقتداء بأهل الصبر والعزائم، والتأمل في سير الصابرين وما لاقوه من ألوان البلاء والشدائد، وبخاصة أنبياء الله ورسله.
    * الإيمان بقدر الله، وأن قضاءه نافذ لا محالة، وأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. قال تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله
    يسير . لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} [الحديد: 22-23].
    الابتعاد عن الاستعجال والغضب وشدة الحزن والضيق واليأس من رحمة الله؛ لأن كل ذلك يضعف من الصبر والمثابرة.
السابق
طريقة لازالة اثار الحروق الجديدة
التالي
ما هو سقر

اترك تعليقاً