ديني

ما هي البدعة

ما هي البدعة إسلام ويب

قد عرف محمد الخادمي الحنفي البدع بقوله: جمع بدعة خلاف السنة اعتقاداً وعملاً وقولاً، وهذا معنى ما قالوا: البدعة في الشريعة إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر أيضاً: أن المعنى الشرعي للبدعة هو: الزيادة في الدين أو النقصان منه الحادثان بعد الصحابة بغير إذن من الشرع.
وبهذا التعريف يعلم أنه لا اختلاف بين تعريف الحنفية للبدعة، وتعريف غيرهم من العلماء من أهل المذاهب الأخرى، فالشاطبي عرف البدعة بقوله: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه.
وقوله (تضاهي الشرعية) أي: تشبه الطريقة الشرعية لكنها في الحقيقة مضادة لها، وقد مثل الشاطبي للبدعة بقوله: ومنها: التزام الكيفيات والهيئات المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، وما أشبه ذلك.
ومنها: التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شبعان وقيام ليلته. انتهى

ومن الضوابط التي وضعها العلماء للبدعة قولهم: كل عمل لم يعمله النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي له، وعدم المانع من فعله، ففعله بعد ذلك بدعة، وهذا يخرج صلاة التراويح وجمع القرآن من البدعة، لأن صلاة التراويح لم يستمر النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها (جماعة) لوجود المانع، وهو الخوف من أن تفرض.
وأما جمع القرآن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، لعدم وجود المقتضي لذلك، فلما كثر الناس واتسعت الفتوحات وخاف الصحابة من دخول العجمة جمعوا القرآن.
وليعلم المسلم أن البدعة خطرها عظيم على صاحبها وعلى الناس وعلى الدين، وهي مردودة على صاحبها يوم القيامة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد” رواه البخاري ومسلم .
وعند مسلم “من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد” ، وقوله: في أمرنا أي: في ديننا، وقوله: رد أي: مردود على صاحبه كائناً من كان.
وأيضاً: البدعة ضلالة، لقوله صلى الله عليه وسلم: “وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار” رواه النسائي .
نعوذ بالله من البدع ومن النار.

 

أقسام البدعة

تقسيم الإمام النووي للبدعة

(1) بدعة واجبة. ومثالها: نظم أدلة المتكلمين على الملاحدة.

(2) المندوبة. ومثالها: تصنيف كتب العلم.

(3) المباحة. مثالها: التبسط في ألوان الطعام.

(4) (5) الحرام والمكروه. وهما واضحان.

أمثلة على البدع

1- مِن أكثر البدع شيوعاً بدعة الإنشغال في العبادة عن طلب العلم فقد تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثيراً مِن الأحادث عن أهمية العلم وطلب العلم وكيف أن الجهل لا يولد سوى الضلالة.

2- بعضاً مِن البدع ينتج عنها الحرج في الدين ومِن أبرز هذه البدع أفعال بعض الموسوسين والمتشككين مثل التنحنح أو المكوث في الخلاء لأوقات طويلة وغيره.

3- مِن أهم البدع شيوعاً الإحتفال بمولد النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام بالطريقة الشائعة هذه الأيام والتي تُعد سنة عن الفاطميين ومِن الممكن إستبدال طريقة الإحتفال هذه بتلاوة القرأن الكريم وذكر السيرة النبوية أو إطعام الفقراء وفعل أياً مما يُقرب العبد مِن ربه.

4- التلفظ بالنية تُعد مِن البدع الشائعة بعض الشيء ومِن الجدير بالذكر أنه قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أن النية مكانها القلب لا غير كما أن الجهر بالنية يُعد إثم عظيم وهو أمر إتفق عليه كافة العلماء.

5- وفيما يتعلق بالقبور فمِن البدع الشائعة عن القبور التمسح بالأضرحة وذبح الذبائح عندها ومناجاة أهل القبور وغيره مِن الأفعال الحمقاء.

6- وعن البدع المتعلقة بالمساجد ودخولها فيجب العلم أنه مِن غير المشروع على الإطلاق دخول الأطفال إلى المسجد بأوساخهم وكذلك الأمر بالنسبة لصراخهم فيها.

7- ومِن الضلالات كذلك الإنارة بشكل مبالغ والإسراف في الأفعال.

 

ما هي البدعة الحسنة

إحداث شيء في الدين لا يستند إلى دليل شرعي أمر مذموم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. متفق عليه. وفي رواية لمسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

أما فعل شيء دل عليه الدليل الشرعي فهذا لا يسمى بدعة في الشرع، وإن أطلق عليه لفظ البدعة فهو من الإطلاق اللغوي للبدعة وهو في الحقيقة سنة حسنة ومن هذا الباب قول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح جماعة: نعمت البدعة هذه. وهذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنُّ الاجتماع لها طوال أيام الشهر، إنما صلَّى بهم ليالي ثم ترك ذلك، وكان عمر رضي الله عنه أول من جمع الناس عليها وندبهم إليها على النحو المعروف الآن فالاجتماع لصلاة التراويح سنة حسنة؛ لأنها موافقة للأصول الشرعية، فقد رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان، وصلَّى بهم جماعة ليالي من رمضان ثم ترك ذلك خشية أن تفرض على الأمة، فلما مات صلوات الله وسلامه عليه وانقطع الوحي واستقرت الفرائض على ما هي عليه، كان فعل عمر لها مع انتفاء المانع الذي خشيه النبي صلى الله عليه وسلم سنة حسنة، وبهذا يظهر بطلان الاستدلال بحديث: من سن في الإسلام سنة حسنة. على ما يسمى بالبدعة الحسنة وذلك لأن مقصود الحديث بالسنة الحسنة هو الفعل الصالح الذي دل عليه دليل شرعي كما أفهمه سبب ورود الحديث من ابتداء أحد الصحابة بالصدقة وتتابع الناس على إثره.

وقد سئل الشيخ الفوزان حفظه الله: ما حكم تقسيم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة؟ وهل يصح لمن رأى هذا التقسيم أن يحتج بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: من سن سنة حسنة في الإسلام… الحديث، وبقول عمر: نعمت البدعة هذه…؟

نرجو في ذلك الإفادة، جزاكم الله خيرًا.

الجواب:

ليس مع من قسم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة دليل، لأن البدع كلها سيئة؛ لقوله: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. رواه النسائي في سننه من حديث جابر بن عبد الله بنحوه، ورواه الإمام مسلم في صحيحه بدون ذكر: وكل ضلالة في النار. من حديث جابر بن عبد الله. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة. رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله، فالمراد به: من أحيا سنة، لأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك بمناسبة ما فعله أحد الصحابة من مجيئه بالصدقة في أزمة من الأزمات، حتى اقتدى به الناس وتتابعوا في تقديم الصدقات.

وأما قول عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه. رواه البخاري في صحيحه من حديث عبد الرحمن بن عبد القاري، فالمراد بذلك البدعة اللغوية لا البدعة الشرعية، لأن عمر قال ذلك بمناسبة جمعه الناس على إمام واحد في صلاة التراويح، وصلاة التراويح جماعة قد شرعها الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث صلاها بأصحابه ليالي، ثم تخلف عنهم خشية أن تفرض عليهم. انظر: صحيح البخاري. (2/252) من حديث عائشة رضي الله عنها. وبقي الناس يصلونها فرادى وجماعات متفرقة، فجمعهم عمر على إمام واحد كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليالي التي صلاها بهم، فأحيا عمر تلك السنة، فيكون قد أعاد شيئًا قد انقطع، فيعتبر فعله هذا بدعة لغوية لا شرعية، لأن البدعة الشرعية محرمة، لا يمكن لعمر ولا لغيره أن يفعلها، وهم يعلمون تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من البدع. انتهى من المنتقى من فتاوى الفوزان.

أما الاستدلال على ذلك بالقاعدة الأصولية العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فغير مسلم لأنا لو تنزلنا مع الخصم وسلمنا له بأن لفظ الحديث يعم كل ابتداع فيدخل فيه ما يسمى بالبدعة الحسنة فقد خص ظاهر هذا العموم بالأحاديث التي تذم البدعة وهي ما سبق من مثل قوله: صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. وقوله: وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة. وقد تقرر في علم الأصول أنه إذا تعارض عام وخاص فإن الخاص يقضي على العام ويقدّم عليه.

على أنا نقول: إن البدعة لم تدخل أصلا في عموم هذا الحديث لأن الحديث موضوعه السنة الحسنة، وابتداع شيء في الدين ليس بحسن بل هو قبيح فبطل إذن كونه سنة حسنة وبذا يكون خارجا عن مدلول الحديث أصلا.

شروط البدعة

  • أن يكون مجالها في الدين، فالابتداع لا يكون إلا في الدين، وأن الأشياء العاديّة لا يدخلها الابتداع.
  • أن لا يكون له أصل في الشرع، إذ لو كان له أصل في الشرع فلا يكون بدعة.

كيف تعرف البدعة

هناك قواعد مهمة إذا علمتها سهُل عليك القوة في أمر السنة والرد على أهل البدع.
أما القاعدة الأول منها: فهي أن الأصل في العبادات الحظر حتى يأتي الدليل، الأصل في العبادات المنع حتى يأتي الدليل بها، لم؟ لأن العبادة شُرعت على غير تعليل عقلي، فالأصل أن لا يتعبد أحد بشيء حتى يأتي الدليل به لقول الله جل وعلا ?وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا?[الحشر:7] ما آتاكم من الأقوال والأعمال والاعتقادات فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.
هذه قاعدة مهمة أن الأصل في العبادات الحظر حتى يأتي الدليل، فإذا أتى آتٍ وقال لك أن هذه البدعة طيبة، فقل: الأصل في العبادة المنع حتى يأتي الدليل، فهل أتى بهذه دليل هل أجمع عليها العلماء؟ هل ذكرها الصحابة؟ هل فعلها الصحابة؟ كما سيأتي في القواعد الأخرى هذه قاعدة مهمة.
القاعدة الثانية في أصول معرفة البدع والرد على أهلها:
أنّ البدعة التي أُحدثت لو كانت خيرا لفعلها خير هذه الأمة، وخير هذه الأمة هم صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتابعوهم وتابعوهم، هم خير هذه الأمة.
فإذن إذا أتى واحد وفعل بدعة فتسأله: هل فعلها الصحابة؟ هل فعلها التابعون؟ فإذا قال: لا. فتقول: إذن لو كانت خيرا تُقَرِّبُ إلى الله لفعلها خير هذه الأمة؛ بل لفعلها النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ولفعلها أصحابه في وقته، فلو كانت خيرا لفعلوها، فما دام أنهم ما يفعلوها، فدلنا ذلك على أنها ليست بطريقة مرضية؛ لأنهم خير هذه الأمة، ومقتضى أنهم خير هذه الأمة أن الأمور الخيرة قد عملوها في أمور العبادات والاعتقادات والجهاد وغير ذلك.
من القواعد أيضا المهمة في ذلك:
أنْ تعلم أن فعل النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ أو سنة النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ نقول سنة النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ على قسمين:
* سنة فعلية.
* وسنة تركية.
كما حققها العلامة ابن القيم في كتابه معالم الموقعين عن رب العالمين سنة فعلية وسنة تركية، الناس يهتمون بسنن الفعل النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، روي عنه أنه فعل كذا فنصلي، صلى الراتبة نصليها، أمر بالذكر فنذكر على هذا النحو، هذه سنة فعلية واضحة، فأمر أو أتى أو رغب فهذه سنن الأفعال، أو فعل ذلك بنفسه أو أقر غيره فهذه السنن الفعلية.
لكن المهم في قواعد البدع أن تعلم من سنته سنة الترك، وتركه سنة كما أن فعله سنة لأن الترك في الحقيقة فعل، هو ترك للفعل، فهو فعل ترك.
فلهذا نقول سنة النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ منها الترك.
وإذن الذي يرد اتباع السنة فإنه يفعل ما فعل عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ويترك ما ترك؛ لأن سنته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ منها سنة تركية.
هذه قاعدة مهمة، فتأتي إلى أهل البدع وتقول لهم: النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فعل وهذه سنة فعلية تقتدي بها أولا تقتدي؟ يقول: نعم أقتدي بها. فتقول: أيضا النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ترك وهذه سنة تركية، فإذا كانت سنة تركية فنترك لأنه ترك، كما أننا نفعل لأنه فعل.
فالسنة ترجع إلى الشيئين، وإقتداء المكلف بالنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ الذي يؤجر عليه من جهة النية ومن جهة الفعل أن يفعل لأجل أن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فعل،وأن يترك لأجل أن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ترك .
هذه بعض القواعد والمقام يقصر عن تفسير هذا المقال.
[الضوابط التي تفرق بين البدعة وغيرها]
نذكر بعد القواعد شيئا من الضوابط التي تفرق بين البدعة وغيرها.
البدعة من تعريفها الذي ذكر يظهر أنه يعني يغني من فعلها يلتزم بها.
ولهذا قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في موضع ضابط البدعة أنها ملتزم بها، قال الفرق بين ترك السنة وفعل البدعة أو بين مخالفة السنة والبدعة أن مخالفة السنة تقع أحيانا ونادرا، وأما البدعة فهي ملتزم بها.
وهذا ضابط مهم.
مثلا نوضح لك هذا الضابط مثلا لو رأيت رجلا يدعو بعد الصلاة رفع يديه فدعا، مرة رفع يديه فدعا هذا بدعة أو مخالف للسنة، تنظر:
إذا التزم بهذا الفعل فكان دائما عليه فنعماه أنه جعله من الدين وأراد بذلك التقرب إلى الله جل وعلا فكان بدعة.
وأما إذا فعله مرة فيكون خطأ مخالف للسنة لكن لا يكون بدعة.
فضابط الالتزام مهم في الفرق بين البدعة ومخالفة السنة، فمن خالف السنة وفعل فعلا مخالفا للسنة في أمر التعبد مرة أو مرتين بحسب ما ظهر له فإنه يقال أخطأ وخالف السنة؛ لكنه لا يسمى مبتدعا حتى يكون ملتزما بهذا الفعل فإذا التزمه صار فعله طريقة في الدين مخترعة تضاهي بها الطريقة الشرعية يقصد بها المبالغة في التعبد بها لله جل وعلا، وهكذا أفعال أخر من أمور التسبيح والأذكار، فينكر عليه تارة لمخالفته للسنة، وينكر عليه بأشد إذا كان على بدعة، فمن فعل شيء مخالفا للسنة ينكر عليه وينصح ويبين له لكن لا يسمى مبتدعا حتى يلتزم بذلك، فيكون التزامه طريقة في الدين مخترعة.
وهذا ضابط مهم في هذا البحث.
شبهات تتعلق بالنهي على البدع
قد علمنا النصوص التي دلت على التحذير من البدع والنهي عنها، وأنّ كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وأنّ ما عمل أحد عملا ليس عليه أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وهو رد يعني مردود عليه، «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ -وفي رواية (مَا لَيْسَ فيه)- فَهُوَ رَدٌّ» يعني مردودا عليه.
فهناك شبهات حسّنها أهل البدع وعلماء البدعة والضلالة.
من هذه الشبهات: أنهم قالوا الصحابة رضوان الله عليهم فعلوا أشياء لم تكن في عهده عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ما هي؟ قالوا: جمع القرآن، هل النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ أذن بجمع القرآن؟ هل جمع القرآن في عهده؟الصحابة أحدثوا الجمع جمع القرآن في كتاب واحد، وهو في عهده عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ كان مفرقا في الصحف والعظام والألواح ونحو ذلك، فجمعهم لهم تقربوا به إلى الله جل وعلا ولم يجعله أحد بدعة مذمومة، فدل على أنه وإن كان بدعة لكنه بدعة حسنة.
هذه شبهة، وهي ناتجة عن الجهل أو عدم فقه الشرع كما ذكرنا لكم في أسباب البدع.
الله جل وعلا دلنا في كتابه على أن القرآن سيكون كتابا، فقال جل وعلا ?الم(1)ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ?[البقرة:1-2]، الكتاب إشارة إلى أي شيء؟ الكتاب اسم للمجموع، وقال?تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ?[الحجر:1]، (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ) النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في عهده لم يكن ثمة مصحف مجموع في شيء واحد، قال فيما رواه مسلم في الصحيح يعني نهى عن أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو أين المصحف؟ أين الكتاب؟ الذي قال الله فيه (ذَلِكَ الْكِتَابُ)؟ هل هو إشارة إلى اللوح المحفوظ أو الكتاب الذي سيجمع؟
فهذا فيه دليل على أنه يجب أن يجمع حتى يكون كتابا؛ ولكن في عهده عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ما قام المقتضي بجمعه فيما بين دفتين لم؟ لأن الوقت يتنزل ما انتهى الوقت بعد، هل تم تنزل القرآن؟ ما تم في حياته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
ولهذا نقول في عهده عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ القرآن ينزل والآيات تنزل، فإذا كان سيجمع في مصحف واحد معنى ذلك أنه ستدخل آية في هذا الموضع وتدخل آية في ذلك الموضع، وسيكون تلاوته ليست متواترة بل ستحتاج إلى أن ينسخ مرة ثانية وثالثة بعد نزول مجموعة من الآيات أو بعض السور.
فأُخِّر جمعه لتلك الدلالة إلى ما بعد عهده عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ حتى يتم تنزل القرآن وإيحاء الله جل وعلا لنبيه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
فلهذا نقول إنه ليس لهذه الشبهة معنى؛ لأن الصحابة فعلوه من جهة الفقه في النص، ففعلوا ما دل النص بالإشارة وباللفظ على أنه يجب أن يُفعل، فهم امتثلوا الأمر الذي دُل عليه بالإشارة.
شبهة ثانية: قالوا النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يقول «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة»، (من سن في الإسلام سنة حسنة) فهذا يدل على أن من جاء بشيء جديد ولكنه حسن فإن له أجرا. والنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ثبت عنه ذلك كما رواه مسلم في صحيحه وغيره فقال (من سن في الإسلام سنة حسنة).
الجواب فيما لو طرح أحد عليك سمعت هذه الشبهة. الجواب على ذلك: أن هذا الحديث له سبب وسببه يوضح معناه، والعلماء يقولون: العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب. إذا علمت السبب فهمت الكلام.
وسببه أن قوما مجتابي النمار يعني كانت عليهم ملابس مجتابة أي محرقة أتوا إلى النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فلما رآهم رق لحالهم وعُرف ذلك في وجهه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فحث على الصدقة وأمر بها، فقام رجل فقال: عليَّ يا رسول الله كذا. فلما فعل ذلك تبادر الناس وفعلو مثل فعله فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ حين ذلك «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عل بها إلى يوم القيامة» معنى (من سن في الإسلام سنة حسنة) يعني ترك العمل بها هي من الدين لكن ترك العمل بها مثل التصدق؛ لأنه قالها حتى تصدق ذاك فتبعه الناس على ذلك.
فالذي يبتدئ بالأمر الذي شُرع في الدين ويتبعه الناس على إحياء هذا الأمر الذي شرع في الدين يكون ذلك الفاعل الأول سن في الإسلام سنة حسنة، ما ابتدع ولكنه أحيى تلك السنة.
ومن معلوم في قواعد اللغة أنه يطلق الشيء على مُلاَبسه فيقال من سن ويراد من أحيي السنة كما قال عز وجل ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا?[المائة:6]، يعني إذا أردتم القيام للصلاة كقوله ?وَقَبِضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا?[طه:96]؛ يعني قبضت قبضة من أثر [حافر] الرسول فنبذتها، ونحو ذلك مما هو معلوم في اللغة.
إذن هذه الشبهة لا وجه لها.
ومن الشبه التي يقولونها: إن هؤلاء ما أرادوا إلا الخير.
هذا سبق ن ذكرته لكم؛ يعني ذكرت لكم جوابه وأنه ليس بشيء لأنه ليس الأمر على أن تريد الخير الأمر على أن يكون عملك خالصا صوابا .
من الشبهات أيضا: هذه مهمة أنهم قالوا: الصحابة أحدثوا أشياء والمسلمون أحدثون أشياء في أمورهم، فأحدث عمر وضع الدواوين، وأحدثوا في المساجد؛ يعني في تنظيم بعض الأشياء المتعلقة بالإمام وبالأئمة، وأحدثوا بعض أنواع الإدارة، وأحدثوا ديوان الجند، وأحدثوا المدارس، وأحدثوا كذا وكذا… إلى آخره.
يعني أنهم فعلوا أشياء ونظَّموا أشياء جديدة، وهذه لاشك أنهم يريدون بها أنها من الدين لأنها تقرب إلى الله جل وعلا، فلم يجعلوها من البدع.
والجواب عن ذلك: أن هناك فرقا مهما بين البدع، وبين ما سماه الإمام مالك وأتباعه وطائفة من أهل العلم المصالح المرسلة.
هناك شيء اسمه البدع كما ذكرنا، وهناك مصالح مرسلة.
المصالح المرسلة مثل فعل الصحابة، نظموا الإدراة، نظموا أمور دنياهم، نظموا الدواوين، عملوا أشياء أحدثوا التاريخ وكتابة التاريخ ونحو ذلك، هذه من المصالح المرسلة.
والمصالح المرسلة مرعية في الدين ويُحثُّ عليها لأن فيها رفع الحرج.
الفرق بين البدعة والمصلحة المرسلة أن المصلحة المرسلة راجعة إلى أمر به حفظ أمرٍ ضروري من الدين، والضروريات خمس، وإلى رفع حرج عن المسلمين في شيء.
إذن فهي راجعة إلى جهة المعاملة إلى جهة العمل إلى جهة التنظيم، لا إلى جهة العبادة، وأما البدعة فليست راجعة إلى هذه الأشياء، وإنما هي راجعة لإحداث أمر في الدين، يعني في العبادات.
ففرق بين شؤون وبين أمور المعاملات وما يفعله الناس، فالصحابة ما أثبتوا أمرا في العبادات وإنما أحدثوا أمر في دنياهم، وقد قدمت لك القاعدة أما الأصل في العبادات الحظر حتى يرد دليل الجواز، والأصل في المعاملات الجواز حتى يرد دليل الحظر.
أيضا من الفرق المهم بين المصلحة المرسلة وبين البدعة:
أن المصلحة المرسلة راجعة إلى الوسائل وسيلة.
وأما البدعة فهي غاية.
وهذا فرق مهم البدعة غاية؛ يعني هي في نفسها مرادة يتعبد الله بها، وأما المصلحة المرسلة فهي وسيلة لتحصيل أمر مشروع.
ففرق ما بين الإذن بالوسائل التي تدخل تحت قاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد، فإذا كان المقصد وهو حفظ أمر ضروري مطلوبا في الشرع فإن وسيلته وهي المصلحة المرسلة مطلوبة، وإذا كان المقصد وهو إزالة الحرج مطلوبا في الشرع فكذلك وسيلته التي هي المصلحة المرسلة مطلوبة، فهذا فرق مهم.
فإذن الذي يحتجون به في مسألة المصالح المرسلة والبدع لا وجه له لأن الفرق بينهما قائم، وقد حقق العلماء ذلك بتفصيل وإيضاح.
نختم كلامنا بذكر:
طائفة من البدع
هذا الذي سبق تأصيل، والتأصيل مهم لأنك به تعرف ما لا نذكره، قد نذكر أشياء من البدع ليست على وجه الحصر ولكن على وجه التمثيل، فإذا عرفت القواعد والتأصيلات في هذا الأمر المهم فإنك تعرف البدعة من السنة إن شاء الله تعالى.
من البدع المحدثة بدع متعلقة بالأزمنة:
فهناك في شهر محرم أحدثوا بدع مثل بدع الرافضة في ضرب الصدر ونحو ذلك في أيام عاشوراء يعني اليوم العاشر في محرم وفي غيره.
هناك بدع متعلقة بشهر ربيع الأول ومن أظهرها بدعة الاحتفال بالمولد، الاحتفال بيوم مولد النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فيجتمعون ليلته ويقرَؤون سيرته وبعض القصائد التي في مدح النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وربما كان منها ما فيه شرك أكبر بالله جل وعلا، وقد ذكرت لك فيما سبق أن أول من أحدث بدعة الاحتفال بمولد النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وبالموالد جميعا من؟ الدولة العبيدية.
ومنها بدع في شهر رجب مثل بعض الصلوات فيه، وبعض العبادات التي يتقربون إلى الله جل وعلا فيها، فشهر رجب ليس له مزية عن غيره من الشهور.
ومنها بدع متعلقة بغيرها من الأشهر كشهر شوال ونحو ذلك.
هناك بدع راجعة إلى هيئات العبادة:
مثل الاجتماع على الذكر على نحو معين، تقول نجتمع على الذكر ويذكرون الله على شكل جماعي واحد، يقول: سبحان الله، والجميع: سبحان الله، سبحان الله.
هذا الفعل هيئة التسبيح في أصله مشروع لكن هذه الهيئة غير مشروعة لم؟ لأن سنة النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ جاءت بشيئين:
* جاءت بالفعل في نفسه؛ يعني بالحكم في نفسه من حيث الفعل أو الترك.
* وجاءت بهيئة الفعل.
فجاءت بالتسبيح من حيث هو، وكذلك هيئة التسبيح أنه يكون مثلا باليد.
فثم شيئان الكيفية والهيئة، والأمر في نفسه العبادة في نفسها.
فإذا كانت الهيئة في أصلها مشروعة لابد أن تكون الهيئة مشروعة، فإذا كانت الهيئة غير مشروعة فإن ذلك من البدع التي تسمى البدع الإضافية، ولو كان أصلها مشروعا؛ لكن لما كانت الهيئة مبتدعة كان ذلك دليل عدم الجواز.
من ذلك أيضا: بعض الأذكار مثل أن يذكر الله عز وجل في أعلى المنارة؛ يعني على المناير يصلون على النبي بعد الآذان، أو يذكرون الله على المآذن على نحو ما.
أو يجتمعون في الصلاة على النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ على صفة ما.
هذا كله من هيئة البدع؛ لأن أصل هذه الأعمال مشروع ولكنها مبتدعة.
أعظم البدع البدع الشركية ووسائل الشرك:
ومن وسائل الشرك التي هي داخلة في البدع الاعتناء بالقبور، من البدع ومن أخطر أنواعها وسائل الشرك الأكبر، ومن ذلك العناية بالقبور، وذلك تشييدها أو تجصيصها أو التسريج عليها أو بناء الأبنية عليها أو وضع القباب عليها أو بناء المساجد عليها وهو أشدها وقد قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «لَعْنَة اللّهُ على الْيَهُودَ وَالنّصَارىَ. اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ أَلاَ فَلاَ تَتّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ. إِنّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ».
هذه بدعة وخيمة ووسيلة من وسائل الشرك، لما حدثت في هذه الأمة آل الأمر بالناس إلى أن يعظموا ذلك المقبور، فيخترعوا له من الصفات ما تضاهى به صفات الله جل وعلا، ثم عبدوهم وتوجهوا إليهم.
من البدع المتعلقة بوسائل الشرك أن يدعو المرء الله جل وعلا متوسلا إليه بذات أحد من الخلق أو بجاهه أو بحرمته، مثلا يقول: اللهم إني أسألك بجاه نبيك، أسألك بحرمة أهل بدر، أسألك بأبي بكر، بالعالم الفلاني، فيجعل التوسل بذات أو بجاه أو بحرمة . لظنه أن ذاك عند الله عز وجل له جاه وله حرمة، وإذا كان كذلك جاز أن يكون وسيلة وهذا من الاعتداء في الدعاء وبدعة ووسيلة من وسائل الشرك.
فلهذا لم يأتِ بأن أحدا من الصحابة ولا من السلف توسل بهذا التوسل البدعي؛ لأنه توسل بأمر خارجي فلان أو عمل فلان أو جاه فلان له وأنت ليس لك إلا ما سألت ?وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى?[النجم:39] فتوسلت بأمر خارج عنك، فكان ذلك اعتداء في الدعاء وبدعة، يؤول الأمر بهذه البدعة حتى يعظم ذلك الذي يُتوسل به دائما فيسأل أو يجعل له صفات من التعظيم لا يجوز أن تجعل لبشر.
كذلك كم الابتداع العظيم الابتداع في أنواع الاعتقاد، الابتداع في مسائل الصفات، بأن يجعل العقل محكما في صفات الله جل وعلا، وهذه بدعة أحدثها الجهمية والمعتزلة، فإنهم جعلوا العقل محكما على الغيبيات، وجعْل العقل محكما على الغيبيات فيه تقديم العقل على ما جاء به النقل، وهذا فيه قدح صريح فيما جاء عن الله جل وعلا أو عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فإذن الواجب ألا يتعرض للصفات بتأويل يخرجها عن ظاهرها، ولا أن يتعرض لها بمجاز يخرجه عن حقيقتها فالإيمان بها على ما دله عليه ظاهرها وعلى ما دل عليه حقيقة اللفظ الافرادية أو التركيبية مع نفي المثيل عن الله جل وعلا ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ?[الشورى:11].
من البدع ما حدث في أبواب القدر من أن يُجعل الإنسان هو الذي يخلق فعل نفسه، أو أن يجعل الإنسان مجبورا على فعله كقول غلاتهم من الجهمية، أو قول متوسط الجبرية من الأشاعرة ونحوهم.
كذلك في أبواب الإيمان ابتدعت أشياء كثيرة من أقوال الخوارج ونحو ذلك ومن البدع المحدثة أيضا التي أُحدثت في الدين أن يفرق في أبواب الإمامة في الاعتقاد ما بين الإمامة العظمى والإمامة الخاصة، قال بعضهم: الإمامة العظمى لها حقوق هي التي جاءت في الحديث، وأما الإمام أو ولي الأمر إذا كان في بلد معين فهذا له السمع والطاعة، وليس له حقوق الإمامة العظمى من البيعة ونحو ذلك.

 

حكم البدعة

يختلف حكم البدعة وحكم فاعلها بحسب اختلاف نوع البدعة حقيقية أو إضافية، وبحسب ما وقع فيه الابتداع، في الأصول أو الفروع، وبحسب حال المبتدع من العلم أو الجهل، والدعوة إليها أو عدم الدعوة، والإصرار عليها أو عدمه، والتستر بها أو إظهارها وغير ذلك…

قال الشيخ صالح الفوازن في شرح كتاب التوحيد: كل بدعة في الدين فهي محرمة وضلالة، لقوله صلى الله عليه وسلم: وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. وقوله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. وفي رواية: من عمل عملاً ليس من أمرنا فهو رد… إلى أن قال: ومعنى ذلك أن البدع في العبادات والاعتقادات محرمة، ولكن التحريم يتفاوت بحسب نوعية البدعة، فمنها ما هو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقرباً إلى أصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم، وكأقوال غلاة الجهمية والمعتزلة -ومنها ما هو فسق اعتقادي كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة في أقوالهم واعتقاداتهم المخالفة للأدلة الشرعية، ومنها ما هو معصية كبدعة التبتل والصيام قائماً في الشمس، والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع. انتهى.

ومن العلماء من يذكر في أقسام البدع ما هو مكروه فقط ويمثلون لذلك بزخرفة المساجد وتزويق المصاحف، ومنهم من يذكر فيها ما هو مباح مثل التوسع في اللذيذ من المآكل والمشارب والملابس والمساكن، ولبس الطيالسة وتوسيع الأكمام، من غير سرفٍ ولا اختيالٍ.

والابتداع في العادات التي ليس لها تعلق بالعبادات جائز، لأنه لو كانت المؤاخذة في الابتداع في العادات لوجب أن تعدّ كل العادات التي حدثت بعد الصدر الأول -من المآكل والمشارب والملابس والمسائل النازلة- بدعاً مكروهاتٍ وهذا باطل، لأنه لم يقل أحد بأن تلك العادات التي برزت بعد الصدر الأول مخالفة لهم، ولأن العادات من الأشياء التي تدور مع الزمان والمكان، هذا عن حكم البدع.. وأما عن حكم أصحابها فتبع لذلك.

وجاء في مختصر كتاب الاعتصام للشاطبيفصل: (إثم المبتدعين ليس على رتبة واحدة): إذا ثبت أن المبتدع آثم فليس الإثم الواقع عليه على رتبة واحدة، بل هو على مراتب مختلفة، من جهة كون صاحبها مستتراً بها أو معلناً، ومن جهة الدعوة إليها وعدمها، ومن جهة كون البدعة حقيقية أو إضافية، ومن جهة كونها بينة أو مشكلة، ومن جهة كونها كفراً أو غير كفر، ومن جهة الإصرار عليها أو عدمه -إلى غير ذلك من الوجوه التي يقطع معها بالتفاوت في عظم الإثم وعدمه أو يغلب على الظن.

1- أما الاختلاف من جهة الإسرار والإعلان، فظاهر أن المسر بها ضرره مقصور عليه لا يتعداه إلى غيره، فعلى أي صورة فرضت البدعة من كونها كبيرة أو صغيرة أو مكروهة، هي باقية على أصل حكمها، فإذا أعلن بها -وإن لم يدْعُ إليها- فإعلانه بها ذريعة إلى الاقتداء به.

2- وأما الاختلاف من جهة الدعوة إليها وعدمها فظاهر أيضاً، لأن غير الداعي وإن كان عرضه بالاقتداء فقد لا يقتدي به، ويختلف الناس في توفر دواعيهم على الاقتداء به، إذ قد يكون خامل الذكر، وقد يكون مشتهراً ولا يقتدى به، لشهرة من هو أعظم من الناس منزلة منه.

وأما الداعي إذا دعا إليها فمظنة الاقتداء أقوى وأظهر، ولا سيما المبتدع اللسن الفصيح الآخذ بمجامع القلوب، إذا أخذ في الترغيب والترهيب، وأدلى بشبهته التي تداخل القلب بزخرفها.

3- وأما الاختلاف من جهة كون البدعة حقيقية أو إضافية، فإن الحقيقية أعظم وزراً، لأنها التي باشرها المنتهي بغير واسطة، ولأنها مخالفة محضة وخروج عن السنة ظاهراً.

4- وأما الاختلاف من جهة كونها ظاهرة المأخذ أو مشكلة، فلأن الظاهر عند الإقدام عليها محض مخالفة، فإن كانت مشكلة فليست بمحض مخالفة، لإمكان أن لا تكون بدعة، والإقدام على المحتمل، أخفض رتبة من الإقدام على الظاهر.

5- وأما الاختلاف بحسب الإصرار عليها أو عدمه فلأن الذنب قد يكون صغيراً فيعظم بالإصرار عليه، كذلك البدعة تكون صغيرة فتعظم بالإصرار عليها، فإذا كانت فلتة فهي أهون منها إذا داوم عليها، ويلحق بهذا المعنى إذا تهاون بها المبتدع وسهل أمرها، نظير الذنب إذا تهاون به، فالمتهاون أعظم وزراً من غيره.

6- وأما الاختلاف من جهة كونها كفراً وعدمه فظاهر أيضاً، لأن ما هو كفر جزاؤه التخليد في العذاب -عافانا الله- فلا بدعة أعظم وزراً من بدعة تخرج عن الإسلام… والله المستعان بفضله. انتهى.

 

تعريف البدعة لغة واصطلاحا PDF

https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%B9%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81%D9%87%D8%A7-%D8%A3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%B9%D9%87%D8%A7-%D8%A3%D8%AD%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%87%D8%A7-pdf#

السابق
ما هى فلسفة التربية
التالي
ما هو وادي الويل

اترك تعليقاً