احكام الشريعة الإسلامية

من يباح لهم الفطر في رمضان؟

من يباح لهم الفطر في رمضان بعذر شرعي دون أثم عليهم رخصة من الله تعالى غير آثمين فيه ومتى يجب عليه قضاء تلك الأيام التي أفطرها المسلم تعتبر من أهم القضايا الفقهية التي تناولتها المدارس الفقهية المسلمة على مر التاريخ الإسلامي، ويتم تناول فيها كل مستحدثات الأمور المعيشية في حياة المسلمين باستخدام مبدأ القياس الأصولي.

من يباح لهم الفطر في رمضان

قد أجاب الفقهاء على سؤال من يباح لهم الفطر في رمضان في باب كامل تحت اسم “من يُباحُ لهم الفِطرُ” والنسق العام الذي نراه في الأعذار التي تبيح الفطر هي التسيير على الذين يجدون مشقة من أي نوع بسبب عارض بخلاف مشقة الصيام المعتادة، المشقة التي قد تؤدي لهالك النفس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقَارِبُوا، وأَبْشِرُوا، واسْتَعِينُوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ” (صحيح البخاري 39)

بينما قسموا من يباح لهم الفطر في رمضان إلى عدة أقسام، وهم:

فطر المريض

الصنف الأول من الذين قد حددهم الفقهاء في إجابتهم على سؤال من يباح لهم الفطر في رمضان هم المرضى

أجمع الفقهاء على جواز الفطر للمريض كما قال ابن قدامة في (المغني من مستودعات الفقه الحنبلي 3/ 155): ” (أجمعَ أهلُ العِلمِ على إباحةِ الفِطرِ للمَريضِ في الجملةِ”، وبذلك أيضًا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى الكبرى 2/12): ” فالمريضُ له أن يُؤخِّرَ الصَّومَ باتِّفاقِ المُسلمين”، كما تم تأكيد هذا الإجماع في (روضة الطالبين) للإمام النووي، و(حاشية ابن عابدين 2/407)

استدل جمهور الفقهاء في هذا الرأي على قول الله تعالى في سورة البقرة:

“أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184)”

مستوى المرض الذي يبيح الفطر

قد قسم الفقهاء المرض من حيث مشروعية الفطر فيه إلى ثلاث أنواع:

النوع الأول: مرض يزيد بالصوم

يرى الجمهور من الفقهاء أنه إذا خاف المريض على نفسه الهلاك بسبب الصوم فله أن يُفطر، أو كان الصوم لا يضره لكمه يشق عليه، وذلك  قال به القرطبي في تفسيره 2/ 276:

“… وقال جمهورٌ مِنَ العُلَماءِ: إذا كان به مَرضٌ يُؤلِمُه ويُؤذِيه أو يخافُ تَمادِيَه أو يخافُ تَزَيُّدَه؛ صحَّ له الفِطرُ، قال ابنُ عطية: وهذا مذهَبُ حذَّاقِ أصحاب مالك، وبه يناظِرون، وأمَّا لفظُ مالك فهو المَرَضُ الذي يشُقُّ على المرء ويبلُغُ به، وقال ابنُ خويز منداد: … فقال مرَّةً: هو خَوفُ التَّلَفِ من الصيام. وقال مرة: شِدَّةُ المرضِ، والزيادةُ فيه، والمشقَّةُ الفادحة وهذا صحيحٌ مَذهَبُه، وهو مقتضى الظاهر؛ لأنَّه لم يخُصَّ مَرَضًا مِن مَرَضٍ فهو مباحٌ في كُلِّ مَرَضٍ، إلَّا ما خصَّه الدَّليلُ مِن الصُّداع والحمَّى والمرض اليسير الذي لا كُلفَةَ معه في الصِّيام”

استدل الفقهاء في هذا الرأي على الآية العامة السابق ذكرها في مقدمة الرأي “البقرة 184”

النوع الثاني: مرض يضر الصائم وقد يؤدي للموت

يكون الفطر واجبًا على المريض إذا كان الصوم يضر به صحيًا أو قد يتسبب في هلاكه، وقال بذلك الرأي:

  • فقهاء الشافعية عنهم الشربيني في: (مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج 1/437) والنووي في (المجموع 257/6).
  • فقهاء الحنفية عنهم ابن نجيم في (البحر الرائق شرح كنز الدقائق 303/2)
  • فقهاء المالكية عنهم الحطاب في (مواهب الجليل في شرح مختصر خليل 832/3)
  • بعض من فقهاء الحنابلة مثل البهواتي في (كشاف القناع عن متن الإقناع 310/2)

استدلوا في قولهم هذا بأدلة من القرآن الجريم نحو قول الله تعالى:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا” (النساء 29).

فالنهي في الآية السابقة عام يشتمل عن كل ما يزهق النفس وفيه ضرر للإنسان، كما أن سيدنا عمر رضي الله عنه قد احتج بتلك الآية على ترك الاغتسال في البرد الشديد الذي قد يؤدي إلى هلاك النفس.

“وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (البقرة 195).

التهلكة في الآية السابقة قال بعض الفقهاء على أنها عامة فاستدلوا بها على هذا المعنى، والبعض الآخر يرى أن المراد بها هو عدم الإنفاق في سبيل الله والقعود عن القتال.

النوع الثالث: مرض يسير

كما أورد ابن قدامه في كتابه (المغني من مستودعات الفقه الحنبلي 3/156) أن جمهور الفقهاء الأربع قد أجمعوا أن المسلم الذي مَرِضَ مرضًا يسير لا يؤثر على حياته ولا يشاق عليه صيامه (مثل الصداع أو البرد أو وجع الأسنان) فلا يرخص له الإفطار، هذا لأن المريض إن لم يتأثر بصيامه فتبطل العلة ويكون مثل الصحيح.

بعد الشفاء من المرض الذي أفطر فيه

أجمع الفقهاء على ان المسلم الذي كان مريض مرض ينتظر شفائه منه و شفاه الله منه وجب عليه من قضاء ما فتاه من أيام في أي وقت من العام.

استدل الفقهاء بهذا الرأي على قول الله تعالى: ” … فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ …” (البقرة 184)، فهذا دليل على وجوب القضاء على من كان مريض ومن ثم شفاه الل.

حكم المريض الذي لا يرجى برؤه

اتفق فقهاء المذاهب الأربعة أن المريض بمرض لا يرجى برؤه مثل أن يكون مرض مزمن، ولا يستطيع معه الصوم وجب عليه أن يطعم عن كل يوم أفطره مسكينًا، وقد ورد هذا الرأي في:

  • عن فقهاء الشافعية الإمام النووي في (المجموع 258/6).
  • عن فقهاء الحنفية ابن عابدين في حاشيته (476/3)
  • عن فقهاء المالكية ابن عبد البر في (الكافي في فقه أهل المدينة 608/2)
  • عن فقهاء الحنابلة البهوتي في (شرح منتهى الإرادات 1/475)، و(الروض المربع 1/228)

استدل الفقهاء في هذا القول بقول الله تعالى: “… وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ…” (البقرة 184) فبالقياس ألحق المريض بالمرض المزمن بالمرأة العجوز والشيخ الكبير في السن.

حكم المريض المتحامل على نفسه

نقل ابن قدامة عن جمهور الفقهاء في كتابه (المغني من مستودعات الفقه الحنبلي 156/3) أنه إذا تحامل المريض على نفسه وصام  فإنه يٌجزى صيامه حكمه مثل حكم المريض الذي يرخص له عدم ذهاب صلاة الجمعة ويذهب؛ ذلك لأن الصوم عزيمة يعلم بها الله وحده وأباح الله تركه لرخصة.

فطرِ المُسافِرِ

الصنف الثاني من الذين قد حددهم الفقهاء في إجابتهم على سؤال من يباح لهم الفطر في رمضان هو المسافر

اتفق الفقهاء على أنه للمسافر أن يفطر في سفره، وقد ورد هذا الرأي في كل كتب الفقهاء تقريبًا ونقل هذا الإجماع:

  • قال ابنُ قدامة في (المغني من مستودعات الفقه الحنبلي 3/ 116): “للمُسافِرِ أن يُفطِرَ في رمضانَ وغَيرِه, بدَلالةِ الكتابِ والسنَّةِ والإجماعِ”
  • قال الإمام النووي في (روضة الطالبين 2/369): “فالمرَضُ والسَّفَرُ مُبيحانِ بالنَّصِّ والإجماعِ”
  • قَال ابنُ عبد البر في (التمهيد 9/67) : “وأجمع الفُقَهاءُ أنَّ المسافِرَ بالخيارِ؛ إن شاء صام، وإن شاء أفطَر”

استدلوا في رأيهم هذا بأدلة من القرآن ومن السنة نحو:

قول الله تعالى في سورة البقرة: “أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ … (184)”

عن أنس ابن مالك أنه قال: ” أتيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في إبلٍ كانت لي أُخِذَتْ، فوافَقْتُه وهو يأكُلُ، فدعاني إلى طعامِه، فقُلتُ: إنِّي صائِمٌ، فقال: اُدْنُ أُخبِرْك عن ذلك، إنَّ اللهَ وضَعَ عَن المُسافرِ الصَّومَ، وشَطْرَ الصَّلاةِ” (رواه الترمذي 715).

فهذا دليل واضح أنه للصائم أن يُفطر إذا كان مسافر.

حكم صوم المسافر الذي لا يلحقه بصومه مشقة

إذا كان المسافر لا يشق عليه الصيام أو كان لديه الصوم والقطر سواء، ففي حكم صيامه اختلف الفقهاء في حكمه إلى قولين:

الرأي الأول

يرى أصحاب هذا الرأي ان الصوم في تلك الحالة أفضل له ، وقال بهذا الرأي:

  • جمهور فقهاء المذهب الحنفي
  • جمهور الشافعية
  • جمهور المالكية

كما أن الشيخ ابن عثيمين رحمه قد مال إلى هذا الرأي في (مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين 19/136)، واستدل أصحاب هذا الراي بعدة ادلة من القرآن والسنة نحو:

  • قول الله تعالى في سورة البقر: “… وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184)”
  • عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: ” خَرَجْنَا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَعْضِ أسْفَارِهِ في يَومٍ حَارٍّ حتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ علَى رَأْسِهِ مِن شِدَّةِ الحَرِّ، وما فِينَا صَائِمٌ إلَّا ما كانَ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وابْنِ رَوَاحَةَ” (صحيح البخاري 1945)

يدل هذا على ان الصيام للمسافر افضل بدليل قول الله تعالى وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صام في سفره  ويقول ابن حجر في (فتح الباري 4/182): “وفي الحديث دليلٌ على أنْ لا كراهِيَةَ في الصَّومِ في السَّفَرِ لِمَن قَوِيَ عليه ولم يُصِبْه منه مشقَّةٌ شديدة”

كما أن الصوم يبري الزمة من قضاء الصوم الذي يتأخر، وأن الفطر رخصة والصوم عزيمة والعزيمة أعلى منزلة من الرخصة، وأن الصوم والإفطار مع الصائمين أسهل على المكلف من الصوم والإفطار منفردًا بعد شهر رمضان.

الرأي الثاني

يرى أصحاب هذا الرأي أن الفطر أفضل للمسافر حتى لو لم يجد مشقة بسبب صومه، ثال بهذا الرأي فقهاء المذهب الحنفي ومال إليه شيخ الإسلام ابن تيمة حيث قال في (مجموع الفتاوى 336/22): “… والصَّحيحُ أنَّ الفِطرَ أفضَلُ إلَّا لمصلحةٍ راجحةٍ…”، وبه قال ابن باز في مجموع فتاويه 237/15: “… الأفضَلُ للصَّائِمِ الفِطرُ في السَّفَرِ مطلقًا، ومن صام فلا حَرَجَ عليه…”.

استدل أصحاب هذا الرأي بدليل من السنة بحديث جابر بن عبد الله قال: “كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا ورَجُلًا قدْ ظُلِّلَ عليه، فَقالَ: ما هذا؟ فَقالوا: صَائِمٌ، فَقالَ: ليسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ” (صحيح البخاري 1946)

فهذا دليل على أن الفطر للمسافر ليس من البر، ومن هنا أخذ أصحاب هذا الراي موقفه.

حكم صوم المسافر الذي يلحقه بصومه مشقة

اتفق جمهور الفقهاء الأربع على أنه إذا كان الصوم فيه مشقة للمسافر فالأفضل في هذه الحالة فالفطر أفضل له، لأن تكبد المشقة مع وجود الرخصة كأنه عدول عن رحمة الله عز وجل ورخصه كما قال ابن عثيمين في (الشرح الممتع 6/344).

مدة الإقامة التي يفطر فيها الصائم المسافر

اتفق الفقهاء (المالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل، وأقوال الصحابة) على انه إذا نوى المسافر أن يقيم أكثر من ثلاث أيام فيجب عليه الصوم، ولا يٌفطر إذا كان سيعاود سفره في أقل من هذه المدة.

استدل الفقهاء برأيهم هذا بحديث عن أبي العلاج بن أبي الحضرمي أنه النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يُقيمُ المُهاجِرُ بمكَّةَ بعد قضاءِ نُسُكِه ثلاثًا” (صحيح البخاري 3933)

هذا الحديث ورد بسبب هو أن المهاجرين قبل فتح مكة كان محم عليهم الإقامة فيها فكانوا لا يدخلونها للبقاء على حكم هجرتهم منها، فلما فتحت وأصبحت دار إسلام  كان المسلمون يتحرجون من الإقامة فيها، يقضون مناسك الحج ويخرجون سريعًا، فأذن لهم الرسول بالبقاء فيها لمدة ثلاث أيام فيبقون في حكم السفر.

فدل ذلك على أن السفر ينتهي بإقامة أربعة أيام فأكثر.

حكم صوم المسافر الدائم

يرى الفقهاء المحدثون أنه يباح لسائقي القطارات والطائرات وما إلى ذلك من الأعمال التي تستوجب سفر دائم أن يفطر، فقال ابن عثيمين رحمه الله (مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين 19/141)

” يجوز له أن يُفطِرَ في هذه الحالِ، ولو كان دائمًا يسافِرُ في هذه السيارةِ؛ لأنَّه ما دام له مكانٌ يأوي إليه وأهلٌ يأوي إليهم، فهو إذا فارَقَ هذا المكانَ وأولئك الأهلَ فهو مُسافِرٌ، وعلى هذا فيجوزُ له أن يفعَلَ ما يفعَلُه المسافِرونَ؛ فإنَّ اللهَ تعالى قد أطلَقَ في الآيةِ، فقال: أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ولم يُقَيِّدْه بشيءٍ، فما أطلَقَه اللهُ تعالى ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّه يجِبُ العَمَلُ بِمُطلَقِه”

حكم صوم المسافر إذا كان بوسائل سفر مريحة

أجمع الفقهاء  على انه يباح للمسافر الفطر في سفره حتى وإن كان يسافر بوسيل مريحة، وقد نقل لنا هذا الإجماع شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى 15/235):

” ويجوزُ الفِطرُ للمُسافِرِ باتِّفاقِ الأمَّةِ، سواءٌ كان قادرًا على الصِّيامِ أو عاجزًا، وسواءٌ شَقَّ عليه الصَّومُ أو لم يشُقَّ؛ بحيث لو كان مسافرًا في الظِّلِّ والماءِ ومعه مَن يَخدمُه جاز له الفِطرُ والقَصرُ”

فطر كبار السن

الصنف الثالث من الذين قد حددهم الفقهاء في إجابتهم على سؤال من يباح لهم الفطر في رمضان هم كبار السن، فقد أجمع الفقهاء على أنه يجوز الفطر للشيخ الكبير والمرأة العجوز الذين لا يقدرون على صوم شهر رمضان.

استدلوا في رأيهم هذا على قول الله تعالى في سورة البقرة:

“… وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184)”

نقل لنا هذا الإجماع ابن المنذر في كتابه (الإجماع 50) فقال: “… وأجمعوا على أنَّ للشَّيخِ الكبيرِ، والعجوزِ؛ العاجزينِ عَنِ الصَّومِ أن يُفطِرَا…”

كما أجمع الفقهاء أيضًا على أنه إذا أفطر كبير السن (رجل أو امرأة) فعليه أن يطعم عن كل يوم مسكينًا ذلك بدليل قوله تعالى: ” فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ” وفي التعليق على هذه الآية روى البخاري في صحيحه 4505 عن ابن عباس أنه قال: ” ليسَتْ بمنسوخةٍ، هو الشَّيخُ الكبيرُ، والمرأةُ الكبيرةُ لا يستطيعانِ أن يصوما، فيُطعِمانِ مكانَ كُلِّ يومٍ مِسكينًا”

كما أن سيدنا أنس ابن مالك لما كبر ولم يعد قادرًا على الصوم فكان يُفطر ويخرج عن كل يوم إطعام مسكين.

فطر الحامل والمرضع

الصنف الرابع من الذين قد حددهم الفقهاء في إجابتهم على سؤال من يباح لهم الفطر في رمضان هي المرأة الحامل أو المرضع.

فقد أجمع الفقهاء الأربع بأن المرأة الحامل أو المرضع إذا خافت على ولدها/ جنينها فلها أن تفطر، فقال بذلك:

  • فقهاء الحنفية مثل السرخسي في (المبسوط 92/3)
  • فقهاء الحنابلة وجمع أقوالهم ابن قدامة في (المغني من مستودعات الفقه الحنبلي 149/3)
  • فقهاء الشافعية فقال الإمام في (الأم 113/2) وقال به غيره مثل قول الإمام النووي رحمه الله في (المجموع 267/6)
  • فقهاء المالكية مثل قول ابن عبد البر في (الاستذكار 223/10)

استدل الفقهاء في قولهم هذا بحديث رواه انس ابن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” إنَّ اللهَ تبارك وتعالى وضَعَ عَنِ المُسافِرِ شَطرَ الصَّلاةِ، وعن الحامِلِ والمُرضِعِ الصَّومَ/ الصِّيامَ” (رواه الترمذي 715)

فهذا الحديث دليل صريح على ان الله رفع الحرج عن المرأة الحامل أو المرضعة أن تفطر في رمضان.

الواجب على المرأة الحامل/ المرضع إذا أفطرت

أجمع الفقهاء على أنه إذا أفطرت الحامل أو المرضع فعليها القضاء فقط ولا فدية عليها، ونقل هذا الإجماع ابن قدامة في  كتابه (المغني من مستودعات الفقه الحنبلي 194/3) فقال في خضم حديثه: ” وجملةُ ذلك أنَّ الحامِلَ والمُرضِعَ إذا خافتا على أنفُسِهما فلهما الفِطرُ وعليهما القضاءُ فحسْبُ، لا نعلَمُ فيه بين أهل العِلمِ اختلافًا”

استدلوا في قولهم هذا بأنه يقاس على المسافر والمريض لا سيما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الحامل والمرضع في ذات الحديث.

فطر الحائض والنفساء

الصنف الخامس من الذين قد حددهم الفقهاء في إجابتهم على سؤال من يباح لهم الفطر في رمضان هي المرأة الحائض أو النفساء، فمن رحمة الرحمن على المرأة في تلك الفترة أن أباح لها الفطر، بل المرأة الحائض منهية عن الصيام في تلك الفطر فالفطر واجب عليها.

فإذا صامت الحائض أو النفساء فهي آثمة ولا تؤجر عليه، وقد استدل الفقهاء في قولهم هذا بحديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال:

” يا مَعْشَرَ النِّساءِ، تَصَدَّقْنَ وأَكْثِرْنَ الاسْتِغْفارَ، فإنِّي رَأَيْتُكُنَّ أكْثَرَ أهْلِ النَّارِ فَقالتِ امْرَأَةٌ منهنَّ جَزْلَةٌ: وما لنا يا رَسولَ اللهِ، أكْثَرُ أهْلِ النَّارِ؟ قالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وما رَأَيْتُ مِن ناقِصاتِ عَقْلٍ ودِينٍ أغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، وما نُقْصانُ العَقْلِ والدِّينِ؟ قالَ: أمَّا نُقْصانُ العَقْلِ: فَشَهادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهادَةَ رَجُلٍ فَهذا نُقْصانُ العَقْلِ، وتَمْكُثُ اللَّيالِيَ ما تُصَلِّي، وتُفْطِرُ في رَمَضانَ فَهذا نُقْصانُ الدِّينِ.” (صحيح مسلم 79).

فهذا دليل صحيح على أن المرأة التي يصيبها الحيض في رمضان يجب عليها الفطر ولا صيام لها.

الواجب على المرأة التي افطرت بسبب الحيض

اتفق الفقهاء على أن المرأة التي أفطرت في شهر رمضان بسبب الحيض أو النفاس أن تقضي بعدد الأيام التي أفطرتها واستدلوا في قولهم هذا بحديث صحيح ورد في صحيح البخاري 321 متنه:

” أنَّ امْرَأَةً قالَتْ لِعائِشَةَ: أتَجْزِي إحْدانا صَلاتَها إذا طَهُرَتْ؟ فقالَتْ: أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ؟ كُنَّا نَحِيضُ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فلا يَأْمُرُنا به أوْ قالَتْ: فلا نَفْعَلُهُ”

الحرورية: هم جماعة من الخارج يأمرون المرأة بقضاء الصلاة أيضًا من التنطع في الدين والمغالاة.

في هذا الحديث نرى أن الأمر ميسر على النساء من رب العزة فنساء النبي صلى الله عليه وسلم هن القدوة لكل بنات حواء من المسلمين ويجب عليهن اتباعهن، فكن يقضين الأيام بعد شهر رمضان فقط وهكذا يجب على المرأة المسلمة دون قضاء الصلاة ولا إخراج فدية مقابل تلك الأيام.

حالات خاصة من يباح لهم الفطر في رمضان

في كافة كتب الفقه التفصيلية بعد أن يسرد الفقيه حالات من يباح لهم الفطر في رمضان يذكر بعض الحالات الخاصة التي قد يباح فيها الفطر، فمن نوى الصيام ولكن عرضت له ضرورة تجب عليه أن يُفطر فله ذلك

من تلك الأعراض التي قد تبيح الفطر:

  • من احتاج الفطر لضرورة انقاذ غيره مثل الغرق أو الحريق أو هدم …
  • من احتاج على الأكل والشرب للتقوي به على الجهاد فله أن يفطر سواء كان ذلك في إقامته أو في سفره..

لكن لا يجوز الفطر لمجرد احتمال وقوع المشقة أو طنها، فيظل صائم حتى تحدث بالفعل تلك المشقة.

بذلك نكون انتهينا بإيجاز من سرد حالات من يباح لهم الفطر في رمضان التي عدها الفقهاء، بجانب الإشارة العابرة إلى تفصيل كل حاجة، يجب الإشارة إلى أنه من كان يريد الاستزادة يجب عليه مطالعة الكتب التي وردت في الشرح أو استفتاء دار الإفتاء القريبة.

خلاصة الموضوع في 8 نقاط

في نقلنا لأقوال الفقهاء حول قولهم في من يباح لهم الفطر في رمضان قد خلصنا إلى:

  1. الفطر في رمضان يكون من باب التيسير على المسلمين ورحمة من الله به لرفع المشقة عنهم.
  2. يباح للمريض الذي يخشى تدهور حالته الصحية إذا صام أو لا يقدر على الصوم أن يفطر.
  3. إذا كان المريض الذي فطر في رمضان مريض بمرضي له علاج ويعود صحيحًا وجب عليه القضاء، أما إذا كان مريض بمرض لا يرجي برؤه فتجب عليه الكفارة.
  4. أجمع الفقهاء على أن المسافر يباح له الصوم سواء كان مريضًا أم لا، كما أنه حتى إذا كان سفره مريح يباح له الفطر كما يباح له الصيام.
  5. يباح لكبار السن الذين لا يقدون على الصوم أن يفطروا، مع إخراج كفارة إطعام مسكينًا عن كل يوم.
  6. يباح للمرأة الحامل والمرضع أن تفطر حافظًا على صحتها وصحة وليدها، ويجب عليها القضاء في أي وقت.
  7. يجب على الحائض والنفساء الفطر في رمضان ولا يشرع لها الصيام، ويجب عليها القضاء بعد رمصان ولا تجب علها الكفارة.
  8. يباح الإفطار في حالات خاصو مثل في الجهاد في سبيل لله لرفع القدرة على لقاء العدو، سواء كانت الحرب داخل البلد أو في السفر.
السابق
أنظمة فودافون ريد الجديدة 2021
التالي
كيفية تربية الأبناء على الإسلام

اترك تعليقاً