ديني

بحث عن بيعة العقبة الاولى

بيعة العقبة الأولى والثانية

بيعة العقبة الأولى

منطقة منى، والتي التقى عندها محمد بستة من الخزرج فكانت بداية لسلسلة لقاءات انتهت بالهجرة إلى المدينة المنورة.

وبينما كان النبي يعرض نفسه على القبائل عند “العقبة” في منى، لقي ستة أشخاص من الخزرج من يثرب، هم: أسعد بن زرارة، وعوف بن الحارث، ورافع بن مالك، وقُطبَة بن عامر بن حديدة، وعُقبة بن عامر بن نابي، وجابر بن عبد الله»، فقال لهم النبي: «من أنتم؟»، قالوا: «نفر من الخزرج»، قال: «أمن موالي يهود؟»، قالوا: «نعم!»، قال: «أفلا تجلسون أكلمكم؟»، قالوا: «بلى»، فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فقال بعضهم لبعض «يا قوم، تعلموا والله إنه للنبي توعدكم به يهود، فلا تسبقنّكم إليه». وقد كان اليهود يتوعدون الخزرج بقتلهم بنبي آخر الزمان. فأسلم أولئك النفر، ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم. فلما قدموا المدينة ذكروا لقومهم خبر النبي محمد، ودعوهم إلى الإسلام، حتى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكرٌ من النبي محمد.

حتى إذا كان العام المقبل، وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلًا، فلقوا النبي بالعقبة في منى، فبايعوه، وكانوا عشرة من الخزرج هم: أسعد بن زرارة، عوف بن الحارث، معاذ بن الحارث، ذكوان بن عبد قيس، عبادة بن الصامت، قطبة بن عامر بن حديدة، عقبة بن عامر السلمي، العباس بن عبادة، يزيد بن ثعلبة، رافع بن مالك، واثنين من الأوس وهما: عويم بن ساعدة، مالك بن التيهان. وكان نص البيعة كما رواها عبادة بن الصامت: «بَايَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ Mohamed peace be upon him.svg لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ الأُولَى عَلَى أَنْ لا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلا نَسْرِقَ، وَلا نَزْنِيَ، وَلا نَقْتُلَ أَوْلادَنَا، وَلا نَأْتِيهِ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلا نَعْصِهِ فِي مَعْرُوفٍ، فَإِنْ وَفَّيْتُمْ فَلَكُمُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَشِيتُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَأُخِذْتُمْ بِحَدِّهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَإِنْ سُتِرْتُمْ عَلَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَأَمْرُكُمْ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ.»، وكانت هذه البيعة وفق بيعة النساء التي نزلت بعد ذلك عند فتح مكة.

بيعة العقبة الثانية

رجع مصعب بن عمير إلى مكة، وخرج ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان من الأنصار في موسم الحج، وقالوا له: «يا رسول الله نبايعك؟» فقال لهم: «تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافوا في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة»، وقد سُميت ببيعة الحرب؛ لأن كان فيها البيعة على القتال والذي لم يكن شرطًا في البيعة الأولى،فعن عبادة بن الصامت قال: «دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ.» فبايعوه رجلًا رجلًا بدءًا من أسعد بن زرارة وهو أصغرهم سنًا. وكان الرِّجال تصفق على يدي النبي بالبيعة، أما الامرأتان اللتان حضرتا البيعة مع أزواجهما فقال لهما النبي: «قَدْ بَايَعْتَكُمَا، إنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ.»، وكان ذلك في شهر ذي الحجة قبل الهجرة إلى المدينة بثلاثة أشهر،الموافق (يونيو سنة 622م).

ثم قال لهم: «أخرجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيبًا يكونون على قومهم بما فيهم»، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبًا، تسعة من الخزرج وهم: أسعد بن زرارة، وسعد بن الربيع، وعبد الله بن رواحة، ورافع بن مالك، والبراء بن معرور، وعبد الله بن عمرو بن حرام، وعبادة بن الصامت، وسعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، وثلاثة من الأوس وهم: أسيد بن حضير، وسعد بن خيثمة، ورفاعة بن عبد المنذر، وقال للنقباء: «أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومي»

بيعة العقبة الأولى والثانية للاطفال

سبب تسمية بيعة العقبة الأولى بيعة النساء

سُميت بيعة العقبة الاولى في التاريخ الإسلامي ببيعة النساء، لأنها تتفق مع البيعة التي ذكرت في سورة الممتحنة الآية 12 الخاصة ببيعة النساء حيث يقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ”.

فوائد بيعة العقبة الأولى والثانية

أسماء المبايعين في بيعة العقبة الأولى والثانية

1- أسعد بن زرارة الخزرجي

2- رافع بن مالك الخزرجي

3- قطبة بن عامر الخزرجي

4- عقبة بن عامر الخزرجي

5- عوف بن الحارث الخزرجي

6- معاذ بن الحارث الخزرجي

7- ذكوان بن عبد القيس الخزرجي

8- عبادة بن الصامت الخزرجي

9- يزيد بن ثعلبة الخزرجي

10- العباس بن عبادة الخزرجي

11- أبو الهيثم بن التيهان الأوسي

12- عويم بن ساعدة الأوسي

بيعة العقبة الثانية في مكة وحضرها من الأنصار

بنود بيعة العقبة الثانية كانت بيعة العقبة الثانية مقدمةً لبناء الأمّة الإسلاميّة، وقد حرص النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على إيضاح عِظم هذه البيعة وأهمّيتها من خلال البنود التي عرضها على الأنصار، فعلى الرغم من أنّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- كان دائماً ما يُيسّر أمر الإيمان على الناس، ويُبسّطه لهم، بل كان يتألّف قلوبهم بالمال في بعض الأحيان، إلا أنّه في هذه البيعة تعمّد إظهار المشقة والصعوبة في كلّ بندٍ من بنود البيعة؛ ليعلم الأنصار خطورة هذه الخطوة، وليتخذوا القرار بناءً على تصورٍ حقيقيّ للموقف ليس فيه أيّ نوعٍ من اللبس، أو عدم الوضوح، حيث قال: (تُبايِعُوني على السَّمعِ والطَّاعةِ في النَّشاطِ والكسَلِ والنَّفقةِ في العُسرِ واليُسرِ وعلى الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ وأنْ يقولَها لا يُبالي في اللهِ لَومةَ لائمٍ وعلى أنْ تنصُرُوني وتمنَعوني إذا قدِمْتُ عليكم ممَّا تمنَعونَ منه أنفسَكم وأزواجَكم وأبناءَكم ولكم الجنَّةُ)، وفيما يأتي بيان كلّ بندٍ من البنود:

  • السمع والطاعة في النشاط والكسل: بيّن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الأمر للأنصار؛ أنّ السمع والطاعة لن يكون في حالة النشاط الإيمانيّ الذي يدفع صاحبه لتقبّل الأوامر بسهولةٍ فقط، بل لا بُدّ من أن يكون في حالات الفتور والكسل أيضاً، وكان من الممكن أن يجعل البيعة على السمع والطاعة من غير تفصيلٍ، ولكنّه تعمّد التفصيل؛ لبيان صعوبة الأمر، وليأخذ الأنصار قرار البيعة على بصيرةٍ.
  • النفقة في العسر واليسر: وكذلك الأمر بالنسبة للنفقة في العسر؛ فهي صعبةٌ جداً وليست كالنفقة في اليسر وتحتاج إلى إيمانٍ راسخٍ قويٍّ.
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:وفي هذه الفضيلة صعوبةٌ كبيرةٌ؛ إذ إنّ الإنسان بطبيعته لا يُحبّ أن يشعر بخطئه ويتجنب التعامل مع الذي يذكّره به، وهذا ما يحصل عندما يأمر الإنسان بالمعروف وينهى عن المنكر؛ ولذلك بيّن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- للأنصار أنّ الإيمان يستوجب تحمّل المصاعب والتضحية بكلّ شيءٍ.
  • قول كلمة الحقّ دون الخوف من لومة لائمٍ:اشترط رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على الأنصار في البيعة أن يقولوا كلمة الحقّ مهما كان الثمن، فمن المعروف أنّ كلمة الحقّ صعبةٌ على النفس؛ لما قد يترتّب عليها من لوم الأهل، والأقارب، والناس جميعاً.
  • نصرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم والدفاع عنه: أيّ أنّ رسول الله اشترط على الأنصار الجهاد في سبيل الله في البيعة، والحقيقة أنّ الجهاد من أصعب الأمور على النفس؛ ولذلك هو ذروة سنام الإسلام، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُهُ الصَّلاةُ، وذروةُ سَنامِهِ الجِهادُ)،[٧] وممّا زاد الأمر صعوبةً اشتراط النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- على الأنصار أن يدافعوا عنه ويحمونه كما يحمون أنفسهم، وأموالهم، وأزواجهم.

أسماؤهم

ذكر ابن كثير أن من حضر بيعة العقبة الثانية أحد عشر رجلًا من الأوس هم:

  • أسيد بن حضير
  • أبو الهيثم بن التيهان
  • سلمة بن سلامة بن وقش
  • ظهير بن رافع
  • أبو بردة بن نيار
  • نهير بن الهيثم
  • سعد بن خيثمة
  • رفاعة بن عبد المنذر
  • عبد الله بن جبير
  • معن بن عدي
  • عويم بن ساعدة

بيعة العقبة الأولى إسلام ويب

وسط الغيوم الملبدة، والظلام الحالك، لاحت بشائر الخير، وأشرقت أنوار الفجر، آتية من يثرب (المدينة).. فبعد عام من المقابلة التي تمت بين الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونفر من أهل يثرب عند العقبة، جاء إلى موسم الحج في السنة الثانية عشرة من البعثة، اثنا عشر رجلا(عشرة من الخزرج واثنان من الأوس)، من الذين أسلموا، وفيهم الستة الذين دعاهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في العام الماضي، فلقوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند العقبة فبايعوه بيعة العقبة الأولى..

وقد روى البخاري في صحيحه نص هذه البيعة وبنودها، فعن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:( بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله، فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه )، قال عبادة : فبايعناه على ذلك.

وبنود هذه البيعة هي التي بايع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليها النساء فيما بعد، ومن ثم عرفت ببيعة النساء. وقد بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع المبايعين مصعب بن عمير ـ رضي الله عنه ـ، يعلمهم الدين، ويقرئهم القرآن، فكان يسمى بالمدينة (المقرئ).

وأقام مصعب في بيت أسعد بن زرارة في يثرب، يدعو الناس إلى الإسلام، ويقود الحركة الدعوية الرائدة، وقد نجحت سفارته ودعوته نجاحا عظيما، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا ودخلها الإسلام.. وقبل حلول موسم الحج التالي ـ السنة الثالثة عشرة ـ، عاد مصعب بن عمير إلى مكة يحمل إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشائر الخير، ويقص عليه خبر يثرب، وما فيها من أرض خصبة للإسلام ودعوته..

ومن خلال هذه البيعة وما سبقها من أحداث، يمكن استخلاص العديد من الحِكم والدلالات الهامة، منها:

النصر من المدينة

لقد اقتضت حكمة الله أن يكون أنصار الإسلام الأُول من غير بيئته وقومه، حتى لا يظن أحد بأن دعوة الرسول ـ صلى الله عيه وسلم ـ كانت دعوة قومية، ثم إن الله عز وجل قد مهد حياة المدينة وبيئتها لقبول ونصرة هذا الدين، لأن المدينة كانت تعيش ظروفًا خاصة رشحتها لاحتضان دعوة الإسلام، فقد كان التطاحن والتشاحن بين الأوس والخزرج على أشده، حتى قامت بينهم الحروب الطاحنة التي أنهكت قواهم، مما جعلهم يتطلعون إلى دعوة جديدة، تكون سبباً لوضع الحروب والمشاكل فيما بينهم، ويتآلفون تحت ظلها.. يظهر ذلك في قول أولئك النفر الستة :” إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، فعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم، فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك “.. بالإضافة إلى‏ أن اليهود كانوا يسكنون المدينة، مما جعل الأوس والخزرج على اطلاع بأمر الرسالات السماوية، وكان اليهود يهددونهم بنبي قد أظل زمانه، ويزعمون أنهم سيتبعونه، ويقتلونهم به قتل عاد وإرم.. ولذا فبمجرد أن وصلت الدعوة إليهم، قال بعضهم لبعض‏:‏ ” تعلمون والله يا قوم، إنه للنبي الذي توعدكم به يهود، فلا تسبقنكم إليه “.. فهذه الظروف جعلت لدى أهل المدينة تطلعاً إلى هذا الدين، وعلقت آمالهم به،   عسى أن تتوحد بفضله صفوفهم، وتزول أسباب الشقاق فيما بينهم، ولقد كان هذا مما صنعه الله لرسوله، ـ كما يقول ابن القيم في زاد المعاد ـ، حتى يمهد بذلك لهجرته إلى المدينة، حيث اقتضت حكمة الله أن تكون هي المنطلق لنصرة الإسلام في أرجاء الأرض كلها..

الصبر طريق التمكين

فكانت إحدى عشرة سنة من الجهاد والدعوة والتعب، والصبر المتواصل، هي الثمن وبداية الطريق إلى نشأة مدِّ إسلامي عظيم، يبدأ بالمدينة، وينتشر في العالم كله، وتتساقط أمامه قوة الروم، وتتهاوى بين يديه عظمة فارس، وتذوب من حوله النظم والحضارات الزائفة، وكانت بداية ذلك بيعة العقبة الأولى..

لقد كان من اليسير على الله عز وجل، أن يقيم دعائم المجتمع الإسلامي الأول، بدون هذا التعب وهذه الشدائد التي لقيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته، ولكن تلك هي سنة الله في عباده، فالصبر على الشدائد، والثبات على الحق، طريق النصر والتمكين، فلا يُمحص الصادق من الكاذب دون ابتلاء، قال تعالى:{ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ. سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ. وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } (محمد من الآية 6:4)، وقال: { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } (العنكبوت 3:2).

سفير الإسلام الداعية الناجح

لقد ظهرت حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في اختياره لمصعب بن عمير ـ رضي الله عنه ـ، ليكون سفيراً للإسلام وداعيا له، كما ظهر فضله رضي الله عنه، وعلو منزلته..   فاختاره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن علم بشخصيته من جهة، وعلم بالوضع القائم في المدينة من جهة أخرى، حيث كان مصعب ، بجانب حفظه لما نزل من القرآن، يملك من حسن الخُلق والحكمة، والهدوء والرفق، قدرا كبيرا، فضلا عن قوة إيمانه، وشدة حماسه لدينه ودعوته، وهذه مقومات الداعية الناجح، ومن ثم استطاع خلال أشهر قليلة أن ينشر الإسلام في بيوت المدينة، وأن يكسب للإسلام أنصارا من كبار زعمائها، كسعد بن معاذ وأسيد بن حضير ، وقد أسلم بإسلامهما خَلق كثير من قومهم.. واستطاع مصعب ـ رضي الله عنه ـ أن يتخطى الصعاب التي توجد دائما في طريق كل داعية، يريد أن ينقل الناس من موروثات فاسدة ألفوها، إلى نظام وشرع جديد، يسمو بهم، ويشمل حاضرهم ومستقبلهم..

استشعر مصعب ـ رضي الله عنه ـ، أن من ورائه نبي مضطهد، ودين يصطدم مع العرف والعادات السائدة، وما كان معه من وسائل الإغراء ما يغري به الناس للدخول في دينه ودعوته، ولم يكن يملك ـ وكفى ـ سوى ثروة من الدين، والتقى والحكمة، قبسها وتربى عليها من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وإخلاص لله، جعله يضحي بماله وجاهه، في سبيل دينه ودعوته، ثم هذا القرآن الذي ينير طريقه، ويتخير من آياته ما يفتح به القلوب والعقول..

كان مصعب ـ رضي الله عنه ـ أترف وأنعم شاب في مكة، وأحسن شبابها حُلة وبهاء، فلما دخل الإسلام طوى تلك الرفاهية وذلك النعيم، وانطلق في طريق الدعوة الإسلامية من وراء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، يتجرع كل شدة، ويستعذب كل بلاء، حتى قضى نحبه شهيدا في غزوة أحد، وليس له ما يلبسه إلا ثوب واحد، أرادوا أن يكفنوه به، فكانوا إذا غطوا به رأسه ظهرت رجلاه، وإذا غطوا به رجليه خرج رأسه..

رجع مصعب ـ رضي الله عنه ـ إلى مكة، قبيل موسم الحج من العام الثالث عشر للبعثة، ونقل الصورة الكاملة التي انتهت إليها أوضاع المسلمين في يثرب، والقدرات والإمكانات المتاحة هناك، وكيف تغلغل الإسلام في جميع قطاعات الأوس والخزرج، وأن القوم جاهزون لبيعة جديدة كبيرة، قادرة على حماية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والدفاع عن الإسلام، وسوف يرى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما تقر به عينه، وينشرح صدره..

وهكذا مهدت البيعة الأولى لما بعدها من بيعة ثانية كبيرة، وأحداث هامة، ستغير مجرى التاريخ، وبشارة بتوالي مواكب الخير، والهدى والنور إلى مكة..

السابق
دواء فري-كال (Free-Cal) مكمل غذائي لمنع أو تعويض النقص في مستويات الكالسيوم في الجسم
التالي
الفرق بين التبني ورعاية اليتيم

اترك تعليقاً