تنمية بشرية

كيف تتحكم بأفكارك وتصبح سيد عقلك؟

كيف تتحكم بأفكارك وتصبح سيد عقلك؟

العقل سلاح ذو حدين؛ إذ قد يحسِن الإنسان استغلاله لمصلحته، فتزدهر حياته؛ وقد يسيء استخدامه، فيكون وسيلة لضياعه؛ فعندما تتحكم بأفكارك، يعني هذا أنَّك تؤثِّر في طريقة عيش حياتك؛ ذلك لأنَّ عقلك وأفكارك يؤثِّران في إدراكك ونظرتك إلى الواقع.

يُعتقَد أنَّ المعدل الوسطي للأفكار التي تجول داخل الدماغ البشري في اليوم الواحد هو 70.000 فكرة، ويُعدُّ هذا العدد كبيراً للغاية، خصوصاً إذا كانت هذه الأفكار عديمة الفائدة، أو مجرد هدر للطاقة، أو حتى سلبية.

يمكن أن تفقد السيطرة على أفكارك، ولكن عليك عدم فعل ذلك مطلقاً؛ إذ إنَّ عقلك وأفكارك ملك إرادتك، وقد حان الوقت لتستعيد السيطرة على حياتك؛ لذا احرص على أن تكون صانع أفكارك الوحيد، والقادر على التحكم بها ومراقبتها بكامل وعيك؛ وكن سيد عقلك.

عندما تغير طريقة تفكيرك، ستتغير معها مشاعرك أيضاً، وتتمكن من إزالة جميع العوامل التي تثير تلك المشاعر؛ حيث ستمنحك هذه التغييرات راحة البال والسعادة والطمأنينة التي تبحث عنها.

من أين تتولد أفكارك؟

دعونا نُشبِّه ما يجري في عقلك بطاولة حوار يجلس حولها “أشخاص” لديهم خلفيات وطرائق تفكير مختلفة، ويطرح كلٌّ منهم أفكاره الخاصة حول كل أمر يحدث معك؛ إذ يوجد أربعة أشخاص رئيسين على هذه الطاولة، وهم: الناقد الداخلي، والقَلِق، ومثير الشغب، والمُؤرِّق.

قبل أن تصبح سيد عقلك، ينبغي أن تدرك أنَّك تعيش الآن تحت رحمة مجموعة من “الدخلاء” يقبعون داخل عقلك، ويتحكمون بأفكارك؛ وكي تتصدى لهم، عليك أن تعرف طبيعتهم ودوافعهم على مبدأ “اعرف عدوك”.

لذا، سنعرِّفك بهؤلاء “الدخلاء” الذين يزرعون أفكاراً ضارة ولا جدوى منها داخل عقلك:

1. الناقد الداخلي:

هو المسؤول عن التنكيل بك؛ حيث يبني آراءه، ويطرح الأفكار بناء على ما يأتي:

  • كلام الآخرين، وغالباً كلام والديك.
  • الأفكار التي كوَّنتها بناء على توقعاتك الشخصية أو توقعات الآخرين.
  • مقارنة نفسك بالآخرين، بما فيهم أولئك الذين يظهرون على وسائل التواصل الاجتماعي.
  • الأشياء التي قلتها لنفسك بعد التعرض إلى تجارب مؤلمة كالخيانة أو الرفض؛ إذ تثير وجهة نظرك حول الوضع حالة من انعدام الثقة بالنفس ولوم الذات، والتي لا تستحقها غالباً في حالات الخيانة أو الرفض.

إنَّ ما يحفِّز الناقد الداخلي هو الألم، وضعف الثقة بالنفس، وانعدام حبِّ الذات؛ وبما أنَّه جزء من شخصيتك، فلماذا تنكِّل أنت بنفسك؟ ولماذا تسمح لأي أحد بأن يعاملك معاملة قاسية؟

2. القَلِق:

يعيش هذا الدخيل في المستقبل البعيد، في عالم يحكمه سؤال “ماذا لو؟”؛ حيث يدفعه شعور الخوف -الذي غالباً لا يكون لوجوده أي سبب منطقي- إلى طرح أفكاره؛ إذ يخشى هذا المسكين أن يتكرر ما حدث معه في الماضي.

3. مثير الشغب:

يُثير مشاعر الغضب والإحباط والألم التي تنبع من جروح الماضي التي لم تشفَ بعد؛ حيث تنطلق أعمال الشغب هذه بمجرد تعرضه إلى أي أمر يذكِّره بها، من كلام أو إحساس أو حتى أصوات أو روائح.

لا يمتلك مثير الشغب أي دوافع حقيقية، كما أنَّه لا يمتلك القدرة على السيطرة على انفعالاته إطلاقاً؛ فهو حبيس تجارب الماضي التي لم تعد تنفعك أبداً، هذا إن نفعتك أصلاً في السابق.

4. المؤرِّق:

يظهر المؤرِّق نتيجة تكاتف عدد من “الدخلاء” المختلفين، ومن ضمنهم: المخطِّط الداخلي، والمنقِّب، والمتأمِّل؛ إضافة إلى الناقد الداخلي والقَلِق.

تثير الأمور التالية حفيظة المؤرِّق:

  • حالة الصمت التي عادة ما يحاربها.
  • العمل الذي أهملته خلال يومك.
  • الشك الذاتي، وضعف الثقة بالنفس، والقلق العام.
  • كل ما يحفز الناقد الداخلي والقَلِق.

كيف تكون سيد عقلك؟

أنت المسؤول عمَّا تفكر فيه، وعن مراقبة هذه الأفكار؛ وكي تتحكم بها، عليك أن تعير انتباهك إليها أولاً لتحدد “مَن” يتولى زمام الأمور داخل عقلك، وتجد الطريقة المناسبة للتصدي له.

ابدأ يومك بالانتباه إلى أفكارك وضبط نفسك عندما تراودك أفكار غير مرغوب فيها، وتوجد طريقتان لذلك:

  • الطريقة الأولى: قاطعها، ثم استبدلها.
  • الطريقة الثانية: تخلَّص منها كلياً.

تمنحك الطريقة الثانية راحة البال، بينما تكون الطريقة الأولى بمثابة إعادة برمجة عقلك الباطن كي تتولَّد الأفكار الإيجابية تلقائياً عند تعرُّضك إلى مواقف مشابهة؛ لذا استخدم الطريقة الأولى لتتعامل مع الناقد الداخلي والقَلِق، والطريقة الثانية لتكبح جماح مثير الشغب والمُؤرِّق.

1. التعامل مع الناقد الداخلي:

عندما تراودك أفكار سلبية عن نفسك، كأن تشتم أو توبِّخ أو تقلل من احترام ذاتك؛ قاطعها على الفور، حيث يمكنك أن تصرخ في سرك قائلاً: “توقف، فهذا يكفي، وأنا من يتحكم بالأمور الآن”؛ ثم استبدل بعدها تلك الأفكار السلبية بأخرى إيجابية.

لنفترض أنَّك وصفت نفسك “بالفاشل”، استبدل هذه الفكرة وقل: “لقد خلقني الله في أحسن صورة لأعيش وأختبر الحياة بحلوها ومرِّها؛ وإنَّني مذهل، وأحبُّ نفسي كما أنا”.

كما يمكنك أن تجري حواراً مع نفسك لتطعن برأي من زرع هذه الفكرة في رأسك في حال كنت تعرفه: “لا يعني قول “فلان” عني أنَّني فاشل أنَّي كذلك بالفعل؛ فهذا رأيه فحسب، وليس حقيقة لا يمكن إنكارها؛ أو أنَّه ربَّما كان يمزح، وأخذت الأمر بجدية لأنَّني أعاني من انعدام الأمان”.

إذا كنت تدرك أنَّ أفكاراً نقدية تراودك باستمرار، فيمكنك أن تجهِّز وتدوِّن الأفكار الإيجابية مسبقاً لتكون جاهزاً للتصدي لها، ويُعدُّ الناقد الداخلي أول من ينبغي عليك طرده بالقوة إن لزم الأمر؛ ذلك لأنَّه:

  • يثير حفيظة القَلِق.
  • يتضاعف استياؤك عندما ينعتك الآخرون بما تنعت به نفسك؛ ممَّا يتسبب بإثارة مثير الشغب.
  • تراودك هذه الأفكار عادة عند النوم؛ ممَّا يعزز تواجد المؤرِّق.
  • يطرح أفكاراً متنمِّرة تؤذيك لفظياً وعاطفياً.
  • تكون هذه الأفكار كفيلة بتدمير ثقتك بنفسك؛ فهي تقنعك بأنَّك لا تستحق شيئاً؛ ولكن لا تصدِّقها أبداً، واطردها بعيداً من أجل مصلحتك وقيمتك.

تخلَّص من الناقد الداخلي، وستقلل تباعاً تأثير بقية “الدخلاء”؛ واستبدلهم بعدها بـ “أصدقاء جدد” يدعمونك ويشجعونك ويحسِّنون حياتك؛ فهذا ما تحتاجه داخل عقلك.

2. التعامل مع القَلِق:

يضرنا الشعور بالقلق لفترات طويلة نفسياً وعاطفياً وجسدياً، كما قد يترتب عليه آثار صحية طويلة الأمد؛ حيث يحفِّز الخوف استجابة “الكر أو الفر”، ويثير الهموم والقلق في العقل والجسد؛ ممَّا يجعل التحكم بأفكارك بفاعلية أكثر صعوبة.

عليك أن تتعرَّف على “الفكرة المقلِقة” فور ظهورها من خلال إحساسك بها؛ إذ توجد دلالات جسدية تؤكد أنَّ استجابة “الكر أو الفر” الناتجة عن الخوف قد بدأت بالظهور فعلياً، وهي:

  • ارتفاع معدل ضربات القلب، وضغط الدم، وزيادة إفراز الأدرينالين.
  • التنفس السطحي، وضيق التنفس.
  • تشنج العضلات.

استخدم الطريقة الأولى التي ذكرناها آنفاً لمقاطعة أي فكرة تثير القلق، واستبدلها بممارسة الامتنان والدعاء لما تتمنى أن يحدث؛ فعلى سبيل المثال: بدلاً من أن تقلق على أحبائك لأنَّهم سافروا في جو سيئ، ادعُ لهم بالخير قائلاً: “اللَّهم احمِ أحبائي، وهوِّن عليهم سفرهم، واحرسهم من كل مكروه وسوء، وامنحهم يقظة في ضمائرهم ووعياً في أبصارهم وبصائرهم”.

ابتسم في أثناء دعائك أو ادعُ بصوت عالٍ؛ حيث سيساعدك ذلك على الشعور بالطمأنينة وراحة البال؛ فعندما تتوكل على الله سبحانه وتعالى وتؤمن يقيناً أنَّ دعواتك ستتحقق، سيعزز ذلك شعورك بالطمأنينة وراحة البال.

أمَّا الآن، خذ نفساً عميقاً على شكل شهيق بطيء من أنفك، وزفير بطيء من فمك؛ وكرِّر العملية بقدر ما تشاء حتى تشعر أنَّك اقتربت من التحكم بأفكارك؛ حيث يقلل استبدال الخوف بالدعاء والامتنان من ردات فعلك، ممَّا يخفف توتر مثير الشغب أيضاً.

لنفترض مثلاً أنَّ طفلك ضاع منك في السوق، ستكون ردة فعلك بعد أن تجده هي الصراخ عليه قائلاً: “لقد أخبرتك ألَّا تبتعد عن ناظري”، ولكنَّ ردة الفعل هذه ستضاعف شعور الطفل بالخوف الناتج عن ضياعه في المقام الأول؛ كما يُظهِر ذلك أنَّ والديه سيغضبان منه عندما يقترف أي خطأ، والذي قد يدفعه إلى الكذب أو إخفاء الأمور عنهم في المستقبل؛ لذا، عليك أن تغيِّر تلك الأفكار عندما تراودك، وأن تلجأ إلى الدعاء بدلاً من القلق: “اللهم إنِّي أستودعك ابني وقرة عيني، فاحفظه برعايتك وأعِده إلي سليماً معافى”؛ وعندما تعثر على طفلك بعدها، ستكون ردة فعلك مفعمة بالامتنان والشكر، وتعود بالنفع على الجميع.

3. التعامل مع مثير الشغب:

يتطلب التخلص من مثير الشغب انتباهاً وتخطيطاً لتحدد الأسباب التي تثيره، وتعمل على إزالتها؛ ولكن حتى ذلك الوقت، يمكنك أن تكبح جماحه من خلال التنفس بكامل وعيك بمجرد الشعور بوجوده.

تحفِّز أفكار مثير الشغب استجابة الكر أو الفر نفسها التي يحفزها القَلِق، وتكون الدلالات الجسدية على وجوده متشابهة أيضاً؛ لكن ستتمكن بالقليل من الانتباه من التمييز بين مشاعر القلق والغضب والإحباط والألم.

لعلَّك سمعت بنصيحة مفادها أن تَعُدَّ إلى العشرة عندما ينتابك الغضب، وستستفيد أكثر عندما تمارس التنفس الواعي في أثناء ذلك؛ فهو نشاط بسيط للغاية، وكل ما عليك فعله هو أن تعير انتباهك لشهيقك وزفيرك.

الشهيق عبر الأنف:

  • اشعر بالهواء وهو يدخل إلى فتحتي أنفك.
  • اشعر بامتلاء رئتيك بالهواء وبتمددهما.
  • ركِّز على حركة صدرك وبطنك بينما يدخل الهواء.

الزفير عبر الأنف:

  • اشعر بتفرغ رئتيك من الهواء.
  • ركِّز على انخفاض صدرك وبطنك.
  • اشعر بخروج الهواء من فتحات أنفك.

مارس هذه العملية بقدر ما ترغب، واصرف تفكيرك عن الوضع الحالي إذا أردت؛ حيث يمكنك بعدها التعامل مع الأمور بطريقة هادئة ومنطقية أكثر، وتجنُّب إظهار أي سلوك مزعج لتتمكن من التحكم بأفكارك بأقصى ما يمكنك.

إنَّ إحدى الاضطرابات التي يسببها مثير الشغب هو أنَّه يزيد من مشكلات المؤرِّق؛ وعندما تطرد مثير الشغب أو تكبح جماحه على الاقل، ستقلل من ردود فعلك، والتي تقلل بدورها الحاجة إلى اجترار أفكارك مراراً وتكراراً حول ما جرى وما قد يجري، ممَّا يمنعك من النوم بعمق؛ لذا كن سيد عقلك، وامنع مثير الشغب من إدخال التوتر إلى حياتك وعلاقاتك.

4. التعامل مع المؤرِّق:

تذكَّر أنَّ المؤرِّق يتكون من: المُخطط الداخلي، والمنقِّب، والمتأمِّل، إلى جانب الناقد الداخلي، والقَلِق.

يعاني الكثير من الناس من مشكلة شائعة، وهي عدم قدرتهم على إسكات دماغهم في أثناء النوم، حيث يمنعهم ذلك من التنعم بنوم عميق يشحن طاقتهم؛ لذا إليك طريقة لتتحكم بعقلك، وتطرد المؤرِّق وجميع أعوانه:

  • ركِّز على تنفسك، وراقب ارتفاع وانخفاض صدرك وبطنك؛ إذ قد تبعد هذه الطريقة الأفكار السيئة لفترة مؤقتة.
  • جرِّب التخلص من التفكير غير المنضبط من خلال تخيل أنَّك تتنفس الكلمة في أثناء الشهيق، وتطلقها خارج عقلك في أثناء الزفير.

عندما تجد نفسك تفكر، استخدم تقنية التخلص من الأفكار السلبية هذه عبر الشهيق والزفير؛ فهي تساعدك على السيطرة على عقلك، والتحكم بأفكارك، والتمتع بالهدوء.

ستشعر بالنعاس بعد تكرار هذه العملية لعدة مرات من أول مرة تجربها، وتغط في نوم عميق خلال عشر دقائق؛ وحين تواجه ليالٍ عصيبة من الأرق، يمكنك أن تعير انتباهاً أكبر من خلال تثبيت عينيك نحو الأعلى وهما مغمضتان.

يُنصَح باستخدام هذه التقنية إذا كنت ممَّن يواجهون صعوبات في أثناء النوم لأنَّ عقلك لا يتوقف عن التفكير، حيث ستنعم بعدها بليالٍ هانئة؛ كما يمكنك أن تستخدمها متى ما أردت؛ وما عليك سوى:

  • العودة إلى النوم عندما تستيقظ باكراً جداً.
  • التوقف عن التفكير.
  • تهدئة مشاعرك.
  • التركيز على الحاضر.

الخلاصة:

إنَّ عقلك سلاح ذو حدين؛ إذ قد يفيدك أو يدمرك بناء على كيفية تعاملك مع أفكارك.

يمكنك أن تسمح للأفكار المدمِّرة وغير المرغوب فيها باحتلال عقلك، أو يمكنك اختيار “أصدقاء” محبين كالسلام والامتنان والعطف والحب والفرح؛ وتأكد أنَّ بإمكانك أن تجعل من عقلك صديقاً وداعماً لك؛ حيث يمكنك الاعتماد عليه لتحفيزك وتشجيعك، وتصبح بذلك قادراً على التحكم بأفكارك.

 

السابق
مصادر تشتيت الانتباه: ما هي؟ وكيف نتغلب عليها؟
التالي
هل فترة انتباهك قصيرة؟ إليك 15 طريقة لتحسينها

اترك تعليقاً