الحياة والمجتمع

كيف نحافظ على العادات والتقاليد

أمثلة على العادات والتقاليد

العادات والتقاليد العادات والتقاليد

مُصطلحان نسمع بهما في حياتنا اليوميّة بشكلٍ مُستمر، فكُل أمر نقوم بهِ في المُجتمع مُرتبطٌ بهما، وكُلّما قامَ الشخص بأمر خارج عن نطاقهما يلومهُ الآخرون بحُجة أنّهُ خرجَ عن ما هوَ مُتعارف عليه، إنَّ العادات والتقاليد هيَ أشبه بالقواعد الراسخة والمُحدّدة في كُل بلد من بُلدان العالم، فهُنالِكَ على سبيل المثال عادات الزواج وتقاليد الطعام وغيرها الكثير، وعلى كُل شخص التعرُف عليها حتّى يكونَ مُلِمّاً بها ولا يبتعد عنها بقدر الإمكان، ومع أنَّ العادات والتقاليد يأتيان مع بعضهما البعض إلّا أنَّ بينهما العديد من الفروقات والاختلافات، وفيما يلي سنتعرف على أهمها.

العادات

إنَّ العادات هيَ الأمور التّي اعتادَ النّاس على القيام بها في المُجتمع، أو ضمن عائلات ومجموعات مُحدّدة، فهيَ كالقواعد التّي تمَّ نصها وكتابتها من قبل أشخاص مُعينين حتّى يقوم الآخرون بتطبيقها والالتزام بها، وغالباً ما يُطلق على الأمر الذّي يقوم به العديد من النّاس بالعادات، وتشمل العادات أي أفعال ترتبط بالحياة اليوميّة لمُجتمعٍ مُعيّن، كعادات احترام الكبار في السن في المُجتمعات العربيّة، أو عادة خلع الحذاء أثناء دخول المنزل لدى الأتراك، وغيرها الكثير من الأمثلة، وهذهِ الأمور لا تُعتبرُ راسخةً أو مُلزم بها في المُجتمع، ولكنّها مُتعارفٌ عليها ويُفضّلُ الالتزام بها بقدر الإمكان. ومن بعض الأمثلة على العادات:

الانحناء لكبار السن، ففي بعض الدول يُعتبر هذا السلوك من الأمور التّي تدُل على الاحترام واللباقة.

التجشؤ أثناء تناول الطعام، ففي بعض الدول يُعتبرُ هذا الأمر طبيعيّاً ولا يستلزم الاعتذار أو الإحراج.

الجلوس على الأرض أثناء تناول الطعام، فبعض المُجتمعات تُفضّل القيام بذلِك؛ لأنّهُ من العادات الصحيّة للجسد، بالإضافة إلى أنّهُ يوفّر الراحة الإضافيّة للشخص.

التقاليد

التقاليد هيَ اعتقاداتٌ وسلوكيّاتٌ متوارثة من جيلٍ إلى آخر في المُجتمع مُنذُ فترة طويلة من الزمن، ويتبع النّاس هذهِ التقاليد بشكلٍ فطري وطبيعيّ في نشأتهم، فكُل عائلة تعلّم أبناءها تقاليد المُجتمع التّي تعيشُ فيه مُنذُ الصغر، كتقليد طريقة تناول الطعام، ففي اليابان مثلاً يتناولونَ الطعام باستخدام العيدان الخشبيّة، أمّا في الدول الأجنبيّة يتم تناوله باستخدام الشوكة والسكينة، كذلِكَ الأمر بالنسبة لتقاليد الزواج والمُناسبات الاجتماعيّة المُختلفة، فكُل دولة أو مُجتمع معروفٌ بأمورٍ تخصّهُ عن الآخرين.

ومن بعض الأمثلة على التقاليد:

ضرب العريس في يوم زفافه، ففي بعض الدول يضرب أهل العروس العريس قبلَ إتمام مراسم الزفاف؛ حتّى يتأكدوا من صبره وفيما إذا كانَ كفؤاً للزواج بابنتهم.

تكريم الضيف بشكلٍ كبير، فبعض الدول تهتم بالضيف وتُقدّم لهُ سُبل الراحة المُختلفة.

تناول الطعام باليدين، فبعض المُجتمعات تتناول الطعام بيديها كجُزءٍ من تقاليدها.

أهمية العادات والتقاليد

العادات والتقاليد تحمل في طياتها الكثير من الفوائد والحكم، بغض النظر عن بعض هفواتها وتقصيرها في سد الحاجة، وفيما يأتي بعض أهم ما تقدمه وتحفظه العادات والتقاليد للإنسان:

حفظ الذكريات: فالذكريات تبقى طويلًا لتصبح فيما بعد حديث شيّق في الاجتماعات العائلية.

تقوية الروابط الأسرية: إن اتباع العادات والتقاليد يزيد من أواسر المحبة والألفة والانتماء بين الأسر والأفراد، ويظهر ذلك جليًا في الأعياد والمناسبات الرسمية والدينية.

سد الفجوة بين الأجيال: الموروثات من عادات وتقاليد تقرب الأجيال من بعضها وتخلق بينهم روابط مشتركة وقصص وأحاديث متبادلة بين الصغار والكبار.

الإحساس بالهوية والانتماء: شعور الإنسان بأنه ينتمي لمجموعة ما؛ يمارس عاداتها وتقاليدها يزيد من إحساسه بقيمته وهويته، ويبعده عن الشعور بالضياع أو عدم الانتماء.

حفظ التراث والحضارة: تحفظ العادات والتقاليد حضارة الشعوب وثقافتها من جيل لآخر.

التميز والهوية: تميز العادات والتقاليد الشعوب عن بعضها، فتظهر لكل أمة ومنطقة تقاليد معينة تميزها عن غيرها من الشعوب والمناطق.

لماذا نتمسك بالعادات والتقاليد

تنتشر العادات والتقاليد والأوضاع الاجتماعية في كثير من المجتمعات، ويرتبط التمسك بها والإصرار عليها بمستوى ثقافة المجتمع وتعلمه، وبمدى الترابط الاجتماعي. فالمجتمعات المتعلمة والمثقفة أكثر جرأة على تجاوز العادات والتخلي عنها من المجتمعات الأمية، وتزداد الجرأة على تجاوزها كذلك كلما قل الترابط الاجتماعي؛ فمجتمعات المدن أقل تمسكا بها من المجتمعات القبلية والبوادي. وحين تستقر هذه العادات والأوضاع لدى الناس ويتشربونها، يقع الخلط بينها وبين الأحكام الشرعية، وأبرز مثال على ذلك: العادات المرتبطة بقضية المرأة. العادات بين طرفين وقد يختلط الأمر على بعض الغيورين، فيدافعون عن بعض العادات ويصرون على التمسك بها والتشبث بها ظنا منهم بأنها جزء من الدين، والدين إنما مرجعه الوحيان وما استنبط منهما. وثمة طائفة أخرى يهمهم شأن الإسلام، ويسعون إلى جعله مقبولا بين الآخرين، ومن ثم فهم يسعون إلى أن يبعدوا وينفوا عنه أي صفة من صفات القصور والنقص، حتى ولو كان معيار القصور والنقص هو ما يراه رجال الغرب الذي لا يدين بالإسلام. ومن ثم يشن هؤلاء حربا شعواء على العادات والأوضاع الاجتماعية لأنها ليست من الدين، بل هي (لدى هؤلاء تشوه صفاءه ونقاءه). وكما أن حرص الطرف الذي يصر على التمسك بها والتشبث غير كاف في سلامة موقفه، فحرص هذا الطرف أيضا على إبراز الإسلام بصورة صافية لدى الآخرين ليس كاف هو الآخر. والغلو ومجانبة الاعتدال في المواقف أيا كان اتجاهه أمر مذموم، فالوسطية سنة الله في خلقه وشرعه. ومن ثم فالإصرار على التمسك بالعادات والأوضاع الاجتماعية التي لم يأت بها شرع منزل أمر مرفوض. العادات والتقاليد وعلاقتها بالشريعة ويزداد الأمر رفضا حين تخالف العادات أدبا شرعيا، كالتعود على نمط من الضيافة يدخل صاحبه في دائرة السرف، أو يحمله فوق ما يطيق، ولو دعي للإنفاق في سبيل الله لما بذل عشر ذلك. وفي المقابل فثمة عادات لم ينص الشرع على اعتبارها، لكنه مع ذلك لم ينص على إلغائها، فالأمر فيها ليس منكرا يغلظ فيه على صاحبه ويشدد عليه، ما لم يعتقد ارتباطها بشرع الله وينزلها منزلته. والعجب أن طائفة ممن يبالغ في الوقوف ضد هذه العادات لا يجد غضاضة فيما يسمى بالأعراف الدبلوماسية، والبروتوكولات الرسمية، وهي في الأغلب تقليد ليس له مبرر موضوعي، ومع ذلك يلتزم بها ويحافظ عليها، بل يعاب على من يخالفها ويتجاوزها؟ فلم تكون عادات الساسة وبروتوكولاتهم جديرة بالاحترام دون عادات رجال القبائل؟ ومن العادات والأوضاع الاجتماعية ما يندرج في باب الشيم ومعالي النفوس، فهو مما ينبغي أن يحافظ عليه ويرعى؛ فالإخلال به لدى أهله مخل بالمروءة. ومنها ما يندرج تحت مقاصد الشرع العامة، كمحافظة المرأة وحيائها، وتوقير الكبير وتقديره، فعدم نص الشرع عليه بخصوصه ليس مسوغا للتخلي عنه بحجة كونه عادة.

أضرار العادات والتقاليد

إعاقة التقدم المجتمعي: ففي كثير من الأحيان يمتنع أفراد المجتمع عن فعل أمر ما لأنّه في نظرهم يعارض العادات والتقاليد، مثل بعض المجتمعات التي تمنع عمل المرأة أو مشاركتها في الأعمال التطوعية وغيرها من الأمور.

التعارض مع الدين: ففي بعض الأحيان تكون العادات والتقاليد منافيةً لكثير من الأمور والأصول التي نص عليها الدين، مثل عادة إقامة بيوت العزاء والصرف المبالغ فيه في الأفراح والثأر وإطلاق العيارات النارية وغيرها من الأمور.

الفجوة بين المجتمع وما وصلت إليه الحضارة العالمية: فالإنسان في حال تمسك بعادات بالية بلا مبرر أو سبب منطقي لهذا، فإن هذا التمسك اللاعقلاني سيكون سببًا لرفضه كل التحديثات التي يجريها العلم أو التي تطرأ على الساحات الدينية والعلمية والنفسية والاجتماعية وغيرها؛ فيبقى دائمًا في آخر الركب حبيس الأفكار القديمة التي ورثها عن أجداده.

العادات والتقاليد الإيجابية والسلبية

للمجتمعات العربية عادات وتقاليد فلكل مجتمع خاصة مغايرة عن المجتمع الآخر، وإن كانت كلاهما تستسقي من معين واحد فمنها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي، إلا أن الكثير من هذه المجتمعات قد درست بعناية فائقة مع مرور الزمن مدى تأثير هذه العادات والتقاليد على مجتمعها وتخلصت من الكثير من الشوائب التي ألصقت بالقيم والعادات والتقاليد، التي أضرت بالمجتمع بتقهقره وتخلفه عن مواكبة حضارة تنموية، والسبب الرئيس في تخلفنا وتأخرنا، والأداة المتأصلة بطبائعنا وغرائزنا الممتطية لذرائع كثيرة، أريد بالبعض منها عمل باطل بغير وجه حق.
ولعل مجتمعنا لديه حالة مضاعفة من العادات والتقاليد التي جثمت على صدره وينشد الكثيرون الخلاص منها، وقد أصبحت كأنشودة نشاز ومملة في كثرة ترديدها وتكريس بعض مفاهيمها الخاطئة، علما أن الإنسان بيده الخلاص مما هو سلبي والتمسك بما هو إيجابي، ولكن! ألتمس العذر للبعض الذي يمنعه حياؤه من التخلص من عادة طيبة خصلة حميدة، ولا ألتمس العذر لمن يمارس عادة سيئة وغير مستساغة كالكبرياء والنفاق والكذب والنميمة.
هناك عادات إيجابية مستحبة يجب التمسك بها، مثل إفشاء السلام والبشاشة في المحيا ولطف الخلق والمحافظة على الآداب العامة والخاصة وصلة الرحم وإكرام الضيف بغير إسراف والتآلف الأسري وتلمس مساعدة الفقراء وقضاء حاجات الناس بأريحية وليست منة، واجتناب التعدي على الغير بالقذف والسب والتهم الباطلة وأكل حقوقهم. كل ذلك يدخل في نطاق العادات الإيجابية المفيدة للإنسان في دنياه وآخرته!!
ومثلما هناك عادات إيجابية سارة، تتواجد تقاليد سلبية ضارة، جراء تشويه لبعض عاداتنا وتقاليدنا الجميلة، وهي تشويهات متشبثة بعقول البعض مضرة تنم عن نقص وعي إن لم يكن جهالة، فأي مجتمع، يسعى للتقدم وينفر من التأخر .. لذلك يتواجد بيننا وبشكل ملحوظ فئة تسعى بنا نحو التقهقر والتأخر مخافة كل ما هو جديد ومبهج في رقي مجتمعنا. همها مصادرة الفرح وخلق أجواء النكد والعبوس وسوء الظن وإلقاء التهم جزافا على الآخرين، وهو الشيء المنظور والواقع في مواقع كثيرة لا تخفى على القاصي والداني. ولكن لما كل هذا ومتى تنتهي فصول هذه المسرحية المملة والمتخلفة سيناريو وإخراجا؟!
خلاصة القول: إن هذه الكلمات ليست بمثابة ملاكمة كلامية ولا محاكمة غيبية ولا كلمات سوء ظن وافتراء على الغير، والعياذ بالله. ولكن ما أتى ويأتي من تصرفات هوجاء من فئة ذات أفكار عوجاء، هو محاولة الزج بنا في متاهات الانغلاق والأنفاق المظلمة من الجهالة والضلالة. فيجب التصدي لكل ما هو معيق لنمونا الحضاري والعائد لنهضة الوطن ورفاهية المجتمع، فنحن في زمن الانفتاح وليس زمن الإذعان والانبطاح.

أنواع العادات والتقاليد

في الحديث عن العادات والتقاليد، فإنّنا نجد أن غالبية الأفراد يميلون إلى اعتبار اللفظين مشتركين لمعنى واحد وهو الأمر القديم، الذي لا حداثة فيه، وهذا سبب وجيه، وراجع إلى ارتباطهما الوثيق دوماً، وفي كل مجالات الحياة، فلا نكاد نذكر اللفظ الأول حتى نتبعه باللفظ الآخر، وإن كانت العادات هي مجموعة الأمور التي اعتدنا على القيام بها منذ الصغر، وهي راجعة إلى ما قام به الآباء والأجداد على امتداد حياتهم بشكلٍ كبير، أما التقاليد، فهو الموروث الثقافي الذي ورثناه عن الآباء القدامى، وأصبح بالنسبة إلينا كالكتب القديمة أو المراجع، نعود إليها عند الحاجة، ومن أهم الأمور التي عانينا منها في الآونة الأخيرة إلى الاضطرار إلى تبرير كافة التصرفات التي تصدر منا للأبناء تحت مسمى العادات والتقاليد، وإن كنّا نتبعها بدون وعي، ونحن حتى لا نعلم أصلها، وفصلها، فوجدنا بعض الأبناء الذين يتكبرون على هذه المعاني السامية بحجة الانفتاح التكنولوجي والتواصل مع الآخرين، وهذا الأمر لا يمكن أن يخالف العادات والتقاليد في شيء، فالأهم من كل ذلك أن تكون قادراً على التواصل مع الحداثة والقدم بدون أن تضر نفسك، أو تقلل من شأنك، أو يصدر عنك أي فعل يسيء لمعتقداتك وتفكيرك، ويجعلك تنحرف عن مسارك الذي يفترض أن تسير عليه طوال حياتك.

العادات والتقاليد الخاطئة في المجتمع

أن يُحظر على المرأة قيادة السيارة في مجتمع ما، وتتفشى ظاهرة ختان الإناث في مجتمع آخر، ويُفرض ارتداء ملابس بعينها على النساء في مجتمع ثالث، ويستمر منع الاختلاط في مؤسسات تعليمية في مجتمعات عدة، بذريعة التمسك بالعادات والتقاليد المجتمعية والخوف من تبعات التحضر، فإن ذلك لا يتواءم مع التطورات الحضارية الراهنة، ويجعل من الحاجة إلى ربيع عربي لتحرير العقول ضرورة حتمية.

لم يعد من المقبول في عصر التقدم العلمي والفكري أن تُقيّد المجتمعات بعادات تجاوزها الزمن، ولم يعد يصلح محاصرة الأجيال الجديدة بها، ومحاكمة كل من يخرج عنها أو يرفض الالتزام بها، والتعامل معه بطريقة عنصرية والنظر إليه على أنه ارتكب معصية لا تغتفر، لمجرد أنه حرر عقله من القيود التي لا تتناسب مع أفكاره وحياته الشخصية.

تذهب الكثير من الدراسات والأبحاث الاجتماعية إلى أن شجاعة المجتمعات وتقدمها الفكري والعلمي والثقافي والحضاري، يُقاس بمدى قدرتها على التخلي التدريجي عن العادات البالية التي لم تعد مناسبة لأجيال الحاضر والمستقبل، لتجنب وجود صراع محتدم بين الأجيال وما يترتب عليه من انقسام مجتمعي بين أجيال تتمسك بالماضي، وأخرى تسعى لمسايرة عالمها المعاصر.

المجتمعات التي مازالت تقدس الأعراف والتقاليد، تستطيع أن تلفظ الأفعال المنحرفة التي تتنافى مع الآداب والأخلاقيات وتجعل مرتكبيها في عزلة
مشكلة بعض المجتمعات التي تتمسك بالعادات والتقاليد، أنها لا تفرّق بين ثقافة “العيب”، وبين الحاجة إلى الحداثة والتحرر من القيود والإعلاء من شأن الخصوصيات لمواكبة التطورات في شتى مناحي الحياة.

من الصعوبة تصوُر أن إقامة علاقة عاطفية بين شاب وفتاة ما زالت من المحرمات التي تلفظها بعض المجتمعات وتتعامل معها على أنها جريمة أخلاقية، أو أن تعلُم اللغات الأجنبية يعدّ في بعض المدارس تقليدا أعمى للغرب من شأنه هدم المجتمع واستعماره بأفكار وثقافات منحلّة، والنظر إلى دراسة وممارسة الفنون دعوة للتحرر والانحطاط والانحدار الأخلاقي.

يظل التمسك بالعادات والتقاليد أشرس أنواع تكبيل العقول وفرض القيود وانتهاك الخصوصية الإنسانية والوقوف حائل أمام التجديد الفكري، لأنها تحرم الفرد داخل المجتمع من صنع عادات تتماشى مع الحقبة الزمنية التي يعيش فيها ولم تعد تتناسب مع الحياة بظروفها وتغيراتها الحاليّة.

صحيح هناك تقاليد إيجابية لا يمكن التخلي عنها، ومن الواجب الأخلاقي الحفاظ عليها، لكن أن يتحول الأمر من الواجب إلى التقديس، فإن ذلك يضاهي العيش داخل سجن أبدي يفقد فيه السجين كل آمال التحرر دون أن يرتكب جريمة تُذكر.

يبقى التشبث ببعض العادات دون التحرر المطلق منها، مبعثا للجهل، وعدم سقوط أقنعتها مع الوقت يدفع بعض الأجيال للتمرد عليها
أزمة بعض المجتمعات، أنها تخلط بين الحرية المطلقة والتحرر الفكري، ولا تدرك أن العادات والتقاليد وضعت لتخدم الفرد وليس ليتعامل معها كمعتقد ديني يتحتم الإيمان به، كما أن نفس هذه المجتمعات لا تقر بأن هناك عادات تتغير مع الزمن، وإذا لم يحدث ذلك التغير فإنها تصبح عبئاً ضرره أكبر من نفعه.

ويبقى التشبث ببعض العادات دون التحرر المطلق منها، مبعثا للجهل، وعدم سقوط أقنعتها مع الوقت يدفع بعض الأجيال للتمرد عليها واختيار أخرى يعاقبون بها المجتمع.

الأزمة الحقيقية أن هناك أفكارا لا يستفيد منها المجتمع، ولا تعود على الأفراد بفوائد، بل إنها تسلب منهم أحيانا السعادة وتعكر عليهم صفو الحياة، كأن تختن أنثى، وتجبر أخرى على ارتداء ملابس بعينها لتجنب التحرش، أو يُحظر تدريس المناهج الجنسية لتجنب خدش الحياء، أو حتى الالتحاق بالتعليم الأجنبي بدعوى ترسيخه للأفكار المنحرفة، مثل ما فعله والد الطالبة مريم المصرية الشهيرة بـ”بنت البواب” التي تفوقت في المرحلة الثانوية ورفض الأب منحة مجانية من الجامعة الأميركية حتى لا تعتنق ثقافات غربية.

هناك من يحاول أسلمة بعض المعتقدات والأفكار والموروثات القديمة، مثل تحريم خلع النقاب وخروج المرأة من منزلها لغير الضرورة، وتعليم الفتيات بدعوى عدم اختلاطهم بالذكور، وهناك قاعدة اجتماعية تقول إن المرأة هي المتضرر الأكبر من التمسك الأعمى بالتقاليد، بدعوى أن الرجل لا يعيبه شيء، وهي القاعدة التي رسخها شيوخ التيارات الدينية المتشددة وآمنت بها بعض المجتمعات وطبقتها بحذافيرها.

النظر إلى السائد والقائم بقوة العرف والأقدمية على أنه الأفضل في المطلق، لا لشيء سوى أنه عادة موروثة عن الآباء الأولين، إقرار بضعف وعي من هم في الحاضر والمستقبل.

يرى دعاة هدم العادات القديمة، أن التحرر من قيود الموروثات التي تجاوزها الزمن، السبيل الأمثل نحو تأسيس مجتمع حضاري شجاع، مؤسس على الإبداع والابتكار ومحاكاة التطور العصري، وقتها سوف يكونون أحرص على بناء مجتمع سليم وحر وقوي ومحصّن من الانحرافات أكثر من حرص المجتمع نفسه.

 

 

السابق
ما الفرق بين الغزوة والمعركة
التالي
مفهوم الدولة الدينية

اترك تعليقاً