الأسرة في الإسلام

ما هو الطلاق الرجعي

الطلاق الرجعي

‏الطلاق الرجعي لا يرفع الزوجية قبل انتهاء العدة ولا الحل ، وانما هو ينقص عدد الطلقات فإذا طلقها طلقة واحدة بقيت له طلقتان ، وان طلقها طلقتين بقيت له طلقة واحدة ، وهذا متفق عليه بين المذاهب ، وأحكامه هي :

١- لا يزيل الرابطة الزوجية .

٢- ولا يغير شيئا من الأحكام الثابتة بالزواج ما دامت في العدة .

٣- إذا مات أحدهما ورثة الآخر ، أي ثبوت التورات بين الزوجين .

٤- يحل الاستمتاع بين الزوجين خلال العدة ويعد رجوعا بالزوجية .

٥- لا يحل مؤخراً الصداق المؤجل ، أي لا يتعجل المهر المؤجل وانما يدفع بعد انقضاء العدة ، إذا كان المهر مؤجلا على الطلاق .

٦- تجب عليه نفقتها ما دامت في عدتها ، واذا أرضعت ولده منها أو قامت بحضانته فلا أجر لها على ذلك ما دامت في العدة ولها الأجر بعد انقضائها .

٧- ينقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته .

توثيق الطلاق الرجعي

يعدّ بقاء الزوجة في منزلها بعد وقوع الطلقة «الأولى» و»الثانية» من أهم المعالجات التي أوصت بها الشريعة الإسلامية؛ حفاظاً على بقاء واستمرار العلاقة الزوجية التي ربما تنهيها – وتزيد من حدة خلافاتها- تدخلات الأهل، أو نشر خبر الطلاق في محيط العائلتين، وباعتبار أنّ الطلقة الأولى بمثابة «جرس إنذار» ينبه الزوجان لإعادة ترتيب أوراقهما من جديد، فهما بحاجة لما يبعدهم عن أي ضغوط نفسية واجتماعية لتصحيح ما يمكن تصحيحه.

وعندما يخفي بعض الأزواج التطليق والإرجاع دون إشهاد أو توثيق أو حتى الوقوف عند معالجة أسباب تلك الخلافات؛ تبقى احتمالية تكرار الطلاق وانتهاء العلاقة، حيث كان من الممكن أن تستمر في حال إدخال طرف ثالث للإصلاح، والتفاهم، يثقون بإدارته الواعية، وحكمته في معالجة الخلاف، بحيث لا تكون هناك طلقة ثانية أو ثالثة.

تسمع كلمة «طالق» وتبكي في بيت أهلها.. «طيب اصبري شوي يمكن تنحل المشكلة»

«الرياض» من خلال هذا التحقيق تناقش قضية «إخفاء الطلاق الرجعي» دون معالجة أسباب وقوعه بموضوعية تمنع تكراره عند بعض الأزواج، الذين لا يدركون خطورة استنفاد رصيدهم من «الطلقات الثلاث» إلاّ متأخراً، في وقت لا يملك فيه الأهل أن يتدخلوا للصلح أو النصح، لا سيما وأنّ هناك الكثير من «المطلقين والمطلقات» يشعرون بالندم والأسف على عدم وجود أي فرص لعودة حياتهما الزوجية.

التيسان: لا يجوز كتم الطلاق وعدم الإشهاد عليه..

قلّة المبلغين

وذكر الشيخ «صالح التيسان» -مستشار أسري- أنّ الطلاق من المشكلات الأسرية التي كثر التساهل بها مع الأسف الشديد في المجتمع، حتى بلغت نسباً مخيفة، ويؤيد ذلك حالات الطلاق المعلنة من وزارة العدل، وإن كان المعلن عنه هو الموثق في المحاكم، وغالباً يكون طلاقا بائناً، أمّا الطلاق الرجعي -طلقة أو طلقتان- فغالب الحال لا يدخل في حساب نسب الطلاق؛ لقلة المبلغين.

وقال: «من المهم إخبار الزوجين لشخص حكيم وعاقل، قد يكون ولي أمر الزوجة أو غيره، حيث توضح له الأسباب التي أدت لوقوع الطلاق دون التشهير بين أفراد الأسرة، وهذا الأمر يترتب عليه معالجة أسباب النزاعات من الجذور ما أمكن، بالإضافة إلى إمكانية الاستعانة بمستشار أسري للعلاج والتوجيه»، موصياً في حال وقعت الطلقة الأولى بالإشهاد عليها، مستشهداً بالرجل الذي جاء إلى ابن عباس وقال: (طلقت امرأتي وراجعتها، فقال له: أشهدت على ذلك، قال: لا، فقال ابن عباس: طلقت لغير سنة، وراجعت  لغير سنة، لماذا لم تشهد؟ اشهد على رجعتها، واشهدوا ذوي عدل منكم)، مشيراً إلى أنّه من المهم أيضاً توثيق الطلقة، فلا ينكرها الزوج وهو الموافق للشرع وللتنظيم في المحاكم، بحيث يتم معرفة موعد التطليقة الأولى، وسببها، وكيف وقعت؟ وموعد الرجعة، وكذلك في التطليقة الثانية إذا قدر وقوعها، أمّا الثالثة فلا بد من إشهارها، كما يبيّن «الطرف الثالث» أثر الطلاق على الأسرة، حتى لا يستهين به الزوج أو الزوجة.

د. الحليبي: لجوء الزوجة إلى الصمت قد يكون حلاً

أمراض نفسية

وأضاف «التيسان» أنّ الإخبار والإشهار يتأكد في حال وقعت الزوجة بظلم وجور من الزوج، كأن يضربها، أو أن يكون مريضا نفسيا، يعاني من الشك، والغيرة المرضية، والوسواس القهري، وغيرها من الأمراض النفسية؛ مما يضبط الزوج، ويعالج جذور المشكلة التي أدت للطلاق، مبيّناً أنّه يتأكد الإخبار من الزوج في حالة الرغبة في حصوله على مساعدة أهل الفتاة في حل مشكلة متأصلة في الزوجة، مثل الخروج بدون إذنه، أو عدم طاعته، أو نشوزها ولجوئه لأسباب علاج النشوز ولم ترتدع، فطلق ليخبر أهلها بطلاقها؛ بهدف تعاونهم في تعديل سلوكها، والمحافظة على الأسرة من الانهيار، لافتاً إلى أنّه في حالات كثيرة كانت الطلقة رغم فداحتها رادعة للطرفين، مصححة لمسيرة حياة الأسرة.

الخوفي: الشاهد عونٌ لهما في علاج أسباب الطلاق

ضغط اجتماعي

وأشار «التيسان» إلى أنّ الحرص على عدم نشر خبر الطلقتين الأولى والثانية في المحيط الأسري أو المجتمع؛ يأتي لتدارك بعض الأضرار الاجتماعية والنفسية على الأسرة والمجتمع منها: إضعاف الأمل في استمرارية الحياة الزوجية بينهم، خاصةً إذا فتحت آذانهم للقائلين والخوض في مشكلتهما، وكذلك التقليل والاستهانة من شأن الطلاق في نفوسهم، الذي ربما يسارع في إيقاع الطلقة الأخيرة، وإنهاء الزوجية في ظل وجود الضغط الاجتماعي السلبي على الزوجين.

د. ابن نوح: لا يجوز إخراج مطلقته حتى تنقضي عدتها

تدخل الأهل

ولفت «د. خالد الحليبي» -مستشار أسري ومدير مركز التنمية الأسرية بالأحساء- إلى أنّ تدخل الأهل من أكثر الأسباب شيوعاً في وقوع الطلاق بالمجتمع، خاصةً الأم التي تنتصر لابنتها بلا عقلانية حتى تطلقها من زوجها، وتحرمها من بيت الزوجية، مشيراً إلى أنّ الدراسات تؤكّد أنّ الزوجة كلما ازداد ترددها إلى بيت أهلها غضباً من زوجها فإنّها تكون أقرب إلى الطلاق من غيرها، وخوفاً من التدخل الخاطئ من أهلها تلجأ الزوجة إلى الصمت، وعدم إخبار الأهل بوقوع الطلاق الأول والثاني، مشدداً على أنّ مراكز التنمية الأسرية وأمثالها من المؤسسات ومكاتب الصلح لها جهود رائدة في هذا المجال، وقد ظهر أثرها في تخفيض نسب الطلاق في المناطق بشكل مهني مدروس.

الطلاق الرجعي عند الشيعة

ما هو الطلاق البائن

إنّ الطلاق البائن هو الطلاق الذي لا يحقّ للزوج بعده أن يقوم بإرجاع مطلقته إلا في حال رضاها، وبعقد جديد، وهو على أقسام: الأوّل أن يقوم الرّجل بتطليق زوجته قبل أن يدخل بها، وذلك لقوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) سورة الأحزاب،49 ، وفي حال انتفت العدّة تنتفي الرّجعة، ومن ذلك أن يوجد سبب تستحق من خلاله الزّوجة الخيار، فتختار أن تتطلق طلاقاً بائناً، ومثال ذلك أن يطلق الرّجل زوجته الطلقة الثّالثة، ولا تحلّ له في هذه الحالة إلا إذا نكحت زوجاً آخر سواه نكاحاً صحيحاً وتامّاً، يتمّ الوطء فيه (1)، وذلك لقوله سبحانه وتعالى: (فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) سورة البقرة،230 .

وفي حال انتهاء العدّة بعد الطلقة الأولى أو الثّانية، فإنّ المرأة تبين بينونةً صغرى، ويمكن لزوجها أن يعيدها من خلال عقد زواج جديد، على ان يكون مستوفياً للشروط والأركان التّامة للزواج، وليس شرطاً أن تتزوّج قبل هذا العقد بغيره، وأمّا في البينونة الكبرى، فإنّ المرأة لا يحلّ لها أن تعود إلى زوجها إلا بعقد جديد، وذلك بعد أن تتزوّج رجلاً آخر سواه وهي راغبة في ذلك، ويتمّ دخوله بها، وفي حال طلّقها وأنهت عدّتها، يحلّ لزوجها الأول أن يراجعها بعقد جديد.

الطلاق الرجعي pdf

الطلاق بصيغة PDF

حدود العلاقة بين الزوجين في عدة الطلاق الرجعي

بخصوص التعامل مع الزوجة الرجعية فهو محل خلاف بين أهل العلم، فعند الحنفية والحنابلة أنها كالزوجة يجوز النوم بجوارها أو منفصلا عنها كما يجوز تقبيلها والسفر معها سواء قصدت بذلك ارتجاعا أم لا، ففي الإنصاف للمرداوي الحنبلي: قوله: ويباح لزوجها وطؤها والخلوة والسفر بها، ولها أن تتشرف له وتتزين وهذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، قال القاضي: هذا ظاهر المذهب. انتهى.

وفي تبيين الحقائق ممزوجا بكنز الدقائق للزيلعي الحنفي: والمطلقة الرجعية تتزين، لأن النكاح بينهما قائم والتزين للأزواج مستحب، ولأنه حامل على الرجعة، وهي مستحبة أيضا. انتهى.

وجاء في الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين متحدثا عن الزوجة الرجعية: ويلزمها طاعته، ويجوز أن تكشف له وأن ينفرد بها، وأن تتطيب له، وأن تمازحه وتضحك إليه، وأن يسافر بها، فكل ما يجوز للزوجة مع الزوج يجوز لها مع زوجها، إلا في مسائل قليلة. انتهى.

وفي الموسوعة الفقهية: وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ ـ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِلْحَنَابِلَةِ ـ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الاِسْتِمْتَاعُ بِالرَّجْعِيَّةِ وَالْخَلْوَةُ بِهَا وَلَمْسُهَا وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا بِنِيَّةِ الْمُرَاجَعَةِ، وَكَذَلِكَ بِدُونِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأِنَّهَا فِي الْعِدَّةِ كَالزَّوْجَةِ يَمْلِكُ مُرَاجَعَتَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا. انتهى
وتحصل الرجعة بالقبلة أو اللمس بشهوة عند الحنفية ولو كنت لا تنوي ارتجاعا، وإذا حصلت الرجعة عادت لعصمتك كما كانت، ويباح لك منها ما يباح للزوج من زوجته من الاستمتاع والسفر وغير ذلك، ولا تحصل الرجعة عند الحنابلة إلا بالجماع، وعند الشافعية والمالكية أن الرجعية أجنبية من زوجها فلا يجوز الاستمتاع بها من تقبيل وغيره، كما لا يجوز النوم بجوارها ولا السفر معها، جاء في أسنى المطالب ممزوجا بروض الطالب لزكريا الأنصاري الشافعي: فيحرم الاستمتاع بالرجعية والنظر إليها وسائر التمتعات، لأنها مفارقة كالبائن ويعزر بوطئها إن كان عالما معتقدا تحريم الوطء ورأى الإمام ذلك، لإقدامه على معصية عنده فلا حد عليه به لاختلاف العلماء في حصول الرجعة به، لا جاهلا ولا معتقدا حله لعذره ومثله في ذلك المرأة، وكالوطء في التعزير سائر التمتعات. انتهي.
وفي شرح الخرشي لمختصر خليل المالكي: والمعنى أن الرجعية حكمها حكم الزوجة في وجوب النفقة والكسوة والموارثة بينهما وغير ذلك إلا في تحريم الاستمتاع بها قبل المراجعة بنظرة أو غيرها من رؤية شعر واختلاء بها، لأن الطلاق مضاد للنكاح الذي هو سبب للإباحة ولا بقاء للضد مع وجود ضده ولا يكلمها ولا يدخل عليها ولو كان معها من يحفظها ولا يأكل معها ولو كانت نيته رجعتها حتى يراجعها وهذا تشديد عليه، لئلا يتذاكرا ما كان فلا يرد أن الأجنبي يباح له ذلك مع الأجنبية. انتهى.

مع التنبيه على أن المالكية تحصل عندهم الرجعة بالقبلة أو الاستمتاع مع نية الارتجاع، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 126276، ورقم: 30719.

أما خروجها أثناء العدة فهو محل خلاف بين أهل العلم، فلا يجوز عند الشافعية والحنفية إلا بإذنك أو لضرورة. جاء في الإقناع للشربيني الخطيب الشافعي: أما من وجبت نفقتها من رجعية أو بائن حامل مستبرأة فلا تخرج إلا بإذن أو ضرورة كالزوجة، لأنهن مكفيات بنفقة أزواجهن. انتهى.

وفي أسني المطالب ممزوجا بروض الطالب لزكريا الأنصاري الشافعي: ولا تخرج الرجعية والمستبرأة والبائن الحامل لما ذكر إلا بإذن أو لضرورة كالزوجة، لأنهن مكفيات بنفقتهن.  انتهى.

وفي بدائع الصنائع للكاساني الحنفي: وإن كانت الفرقة رجعية فلا يجوز لها الخروج بغير إذن الزوج، لأنها زوجته وله أن يأذن لها بالخروج. انتهى.

خلافا للمالكية والحنابلة، جاء في الموسوعة الفقهية: وخالف المالكية والحنابلة فقالوا بجواز خروج المطلقة الرجعية نهارا لقضاء حوائجها, وتلزم منزلها بالليل، لأنه مظنة الفساد، واستدلوا بحديث: جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: طلقت خالتي ثلاثا، فخرجت تجد نخلا لها، فلقيها رجل فنهاها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ذلك له، فقال لها: اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيرا ـ وصرح المالكية بأن خروج المعتدة لقضاء حوائجها يجوز لها في الأوقات المأمونة، وذلك يختلف باختلاف البلاد والأزمنة. ففي الأمصار وسط النهار، وفي غيرها في طرفي النهار، ولكن لا تبيت إلا في مسكنها. اهـ

والله أعلم.

الطلاق الرجعي للحامل

يقع عليها الطلاق، وقد ثبت عنه ﷺ أنه قال لـابن عمر لما طلق امرأته في حيضها، أمره أن يمسكها حتى تحيض ثم تطهر، قال: ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً، فالنبي ﷺ جعل تطليق الحامل من جنس تطليق الطاهر التي لم تمس.
فالحاصل: أن طلاق الحامل أمر لا بأس به، بل هو سنة على الراجح، يعني طلاقها سني لا بدعي الحامل، وإنما الذي ينهى عن تطليقها حال وجودها بالصفة التي ننبه عليها الحائض والنفساء، فما دامت حال الحيض أو النفاس لا يجوز للمسلم أن يطلقها، يعني لا يجوز لزوجها أن يطلقها، بل يمسك حتى تطهر، ثم إذا شاء طلق وإن شاء أمسك، أما كونه يطلقها وهي حائض أو نفساء فلا؛ لأن الرسول ﷺ غضب على ابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض.
وكذلك إذا طلقها في طهر قد مسها فيه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ثم ليطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء في قوله سبحانه: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] قال العلماء: معناه: طاهرات من غير جماع. هذا معنى التطليق للعدة: أن يطلقها وهي طاهر لم يمسها، أو حبلى قد ظهر حملها، هذا محل السنة: تطليق المرأة في حالين:
إحداهما: أن تكون حبلى -يعني: حامل- فطلاقها سني لا بدعي.
الحال الثاني: أن تكون طاهراً لم يمسها الزوج، قد طهرت من حيضها أو نفاسها قبل أن يمسها، فإن هذا الطلاق سني في هذه الحالة.
أما البدعي فله ثلاث حالات:
تطليق الحائض.. هذه واحدة.
تطليق النفساء.. ثنتين.
تطليق المرأة في حال طهرها بعد المسيس بعدما جامعها.
هذا بدعي لا ينبغي أن يقع، ينبغي للزوج أن يمسك عن الطلاق في هذه الحال حتى تحيض ثم تطهر قبل أن يمس، ويطلق.
والحكمة في ذلك -والله أعلم: أن الشارع يريد عدم الطلاق، ويرغب في بقاء النكاح لما فيه من الخير والمصالح، فلهذا ضيق الطريق إليه، فجعل المرأة في حال حيضها أو نفاسها أو طهر مسها فيها ليس بمحل الطلاق، حتى يمسك، فلعل الحال تحسن بعد ذلك، ولعل الوئام يحصل بعد ذلك فلا يقع الطلاق، ولا يطلقها إلا في إحدى حالين:
إحداهما: أن تكون حبلى.
والثانية: أن تكون في طهر لم يمسها فيه.
وهي في هذه الحال -في الغالب- لا يطلقها؛ لأنه يرغب فيها، إذا طهرت رغب في جماعها، وإذا جامعها منع من طلاقها حتى تبقى معه، وكذلك الحبلى ليس فيها موانع من الجماع، وهي صالحة للجماع في كل وقت، فلهذا لا يرغب في طلاقها في الغالب، ولأنه يرجو نتاج هذا الحمل، يرجو أن يشاهده وأن يربيه، فحينئذ يحصل الامتناع من الطلاق، هذا من رحمة الله لعباده ، أن جعل الطلاق في هاتين الحالين: حالة الطهر من دون مسيس، وفي حالة الحبل -حالة الحمل- حتى لا يطلقها؛ لأنه إذا كان الطلاق في هاتين الحالين فالغالب أنه لا يقع الطلاق في هاتين الحالين؛ لأن بعد الطهر يشتاق إلى جماعها بعد ما منع منها أيام في حال حيضها أو نفاسها يشتاق إلى أن يجامعها، فإذا جامعها منع من طلاقها حتى تحيض مرةً أخرى وتطهر.
في الحقيقة: أن المرأة إذا راعى الزوج -هذا الأمر المشروع- فإنه بذلك يقل الطلاق ويكثر الإمساك، والشارع يرغب في بقاء النكاح؛ لما يترتب عليه من المصالح الكثيرة، ولهذا كان الطلاق أبغض الحلال إلى الله أبغض الحلال إلى الله الطلاق؛ لأنه يفرق بين الرجل وأهله، ويسبب شيئاً كثيراً من الأذى على الأولاد، والزوج أيضاً قد يتأخر ما يتزوج، والمرأة قد تتأخر ما تزوجت بعد ذلك، فالحاصل: أن الطلاق فيه مساوئ، فلهذا شرع الله سبحانه وتعالى أسباب بقاء النكاح ليبقى الرجل محافظاً على زوجته ومستفيداً منها، وتبقى المرأة كذلك في عصمة زوجها في هذه الأحوال التي بينا أنه لا يطلق فيها: حالة الحيض، وحالة النفاس، حالة الطهر التي قد جامعها فيه، هذه الأحوال الثلاث لا يطلق فيها ولا يجوز له الطلاق فيها.
وبهذا يقل الطلاق ويكثر الإمساك، وهذا من رحمة الله وإحسانه إلى عباده جل وعلا. نعم.

السابق
ما اسباب الغيرة
التالي
كيف اكون حنونة

اترك تعليقاً