ديني

ما هو لَهْوَ الحديث

ومن الناس من يشتري لَهْوَ الحديث للشعراوى

وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ
ذهب النضر بن الحارث إلى بلاد فارس وجاءهم من هناك بقصص مسلية عن رستم وعن الأكاسرة وعن ملوك حِمْيَر ٬ اشتراها وجاء بها ٬ وجعل له مجلساً يجتمع الناس فيه ليقصّها عليهم ٬ ويصرفهم بسماعها عن سماع منطق الحق في رسول الله ٬ و جاء أحدهم بمغنية تغنيهم أغاني ماجنة متكسرة فمن التصرفات ما يُعَدُّ لهواً ٬ وإنْ لم يشغلك عن شيء كالغناء وللعلماء فيه كلام كثير خاصة بعد أنْ صاحبته الموسيقى وآلات الطرب والحركات الخليعة الماجنة.

أباح علماؤنا الأُنْس بالغناء في الأفراح وفي الأعياد اعتماداً على ” قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق الذي رأى جاريتين تغنيان في بيت رسول الله فنهرهما ٬ وقال: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله ٬ فقال صلى الله عليه وسلم: ” دعهما ٬ فإننا في يوم عيد ” “. وكذلك أباحوا الأناشيد التي تقال لتلهب حماس الجنود في الحرب ٬ أو التي ينشدها العمال ليطربوا بها أنفسهم وينشغلوا بها عن متاعب العمل ٬ أو المرأة التي تهدهد ولدها لينام ٬ ومن ذلك حداء الإبل لتسرع في سيرها.

إذن : لا مانع من كل نصٍّ له غرض نبيل ٬ أما إنْ أهاج الغرائز فهو حرام والكلام هنا عن مجرد النص لأن الخالق سبحانه يعلم طبيعة الغرائز في البشر ؛ لذلك نسميها غريزة ؛ لأن لها عملاً وتفاعلاً في نفسك بدون أيِّ مؤثرات خارجية ٬ ولها طاقة لا بُدَّ أنْ تتحرك ٬ فإنْ أثرْتَها أنت ثارتْ ونزعتْ إلى ما لا تُحمدَ عُقْباه.

إذن : لا تقُل الغناء لكن قُلْ النص نفسه : إنْ حثَّ على فضيلة فهو حلال ٬ وإنْ أهاج الغرائز فهو حرام وباطل ٬ كالذي يُشبِّب بالمرأة ويذكر مفاتنها ٬ فهذا حرام حتى في غير الغناء ٬ فإذا ما أضفتَ إليه الموسيقى والألحان والتكسر والميوعة ازدادت حرمته وتضاعف إثمه. أما ما نراه الآن وما نسمعه مما يُسمُّونه غناء ٬ وما يصاحبه من حركات ورقصات وخلاعات وموسيقى صاخبة ٬ فلا شكّ في حرمته.

فكل ما يُخرج الإنسان عن وقاره ورزانته وكل ما يجرح المشاعر المهذبة فهو حرام ٬ ثم إن الغناء صوت فإنْ خرج عن الصوت إلى أداء آخر مُهيّج ٬ تستعمل فيه الأيدي والأرجل والعينان والوسط.. الخ فهذا كله باطل ومحرم ٬ ولا ينبغي للمؤمن الذي يملك زمام نفسه أن يقول: إنهم يفرضون ذلك علينا ٬ فالمؤمن له بصيرة يهتدي بها ٬ ويُميز بين الغثِّ والسمين ٬ والحق والباطل ٬ فكُنْ أنت حكماً على ما ترى وما تسمع ٬ بل ما يرى وما يسمع أهلك وأولادك ٬ وبيدك أنت الزمام إنْ شئتَ سمعتَ ٬ وإنْ شئتَ أغلقتَ الجهاز ٬ فلا حجة لك لأن أحداً لا يستطيع أنْ يجبرك على سماع أو رؤية ما تكره ٬ ففي رمضان مثلاً ٬ وهو شهر للعبادة نصوم يومه ٬ ونقوم ليله ٬ وينبغي أن نكرمه ٬ ونحتفظ فيه بالوقار والروحانية ٬ ومع ذلك يخرجون علينا بألوان اللهو الذي يتنافى والصيام ٬ فإنْ سألتهم قالوا: الناس مختلفو الأمزجة ٬ وواجبنا أن نوفر لهم أمزجتهم ٬ لكن للمؤمن ولاية على نفسه وهو يملك زمامها ٬ فلا داعي أن تتهم أحداً ما دام الأمر في يدك ٬ وعليك أن تنفذ الولاية التي ولاك الله.

القضية واضحة لا تحتاج منا إلى فلسفة حول حكم الغناء أو الموسيقى ٬ فكل ما يثير الغرائز ٬ ويُخرجك عن سَمْت الاعتدال والوقار فهو باطل وحرام ٬ سواء أكان نصاً بلا لحن ٬ أو لحناً بدون أداء ٬ أو أداء مصحوباً بما لا دخلَ له بالغناء.

لكن ٬ لماذا يكلفون أنفسهم ويشترون لهو الحديث؟ العلة كما قال الحق سبحانه – لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ – وفرْق بين مَنْ يشتري اللهو لنفسه يتسلى به ٬ ويقصر ضلاله على نفسه وبين مَنْ يقصد أن يَضِلَّ ويُضل غيره ؛ لذلك فعليه تبعة الضَّلالَيْن: ضلالة في نفسه ٬ وإضلاله لغيره ٬ وقوله – لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ – لا يقتصر على الغناء والكلام ٬ إنما يشمل الفعل أيضاً ٬ وربما كان الفعل أغلب.

وَمِنَ النَّاسِ من يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ تفسير الميسر

  • وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌأي: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ } هو محروم مخذول { يَشْتَرِي } أي: يختار ويرغب رغبة من يبذل الثمن في الشيء. { لَهْوَ الْحَدِيثِ } أي: الأحاديث الملهية للقلوب، الصادَّة لها عن أجلِّ مطلوب. فدخل في هذا كل كلام محرم، وكل لغو، وباطل، وهذيان من الأقوال المرغبة في الكفر، والفسوق، والعصيان، ومن أقوال الرادين على الحق، المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق، ومن غيبة، ونميمة، وكذب، وشتم، وسب، ومن غناء ومزامير شيطان، ومن الماجريات الملهية، التي لا نفع فيها في دين ولا دنيا.فهذا الصنف من الناس، يشتري لهو الحديث، عن هدي الحديث { لِيُضِلَّ } الناس { بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي: بعدما ضل بفعله، أضل غيره، لأن الإضلال، ناشئ عن الضلال.

    وإضلاله في هذا الحديث; صده عن الحديث النافع، والعمل النافع، والحق المبين، والصراط المستقيم.

    ولا يتم له هذا، حتى يقدح في الهدى والحق، ويتخذ آيات اللّه هزوا ويسخر بها، وبمن جاء بها، فإذا جمع بين مدح الباطل والترغيب فيه، والقدح في الحق، والاستهزاء به وبأهله، أضل من لا علم عنده وخدعه بما يوحيه إليه، من القول الذي لا يميزه ذلك الضال، ولا يعرف حقيقته.

    { أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } بما ضلوا وأضلوا، واستهزءوا [بآيات اللّه] وكذبوا الحق الواضح.

  • الوسيط لطنطاوي : وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌثم بين – سبحانه – حال طائفة أخرى منا لناس ، كانا على النقيض من سابقيهم ، فقال : ( وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي . . . فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) .قد ذكر المفسرون فى سبب نزول هاتين الآيتين روايات اشهرها ، أنهما نزلتا فى النضر بن الحارث . اشترى قينة – أى مغنية – ، وكان لا يسمع بأحد يريد الإِسلام إلا انطلق به إلى قينته ، فيقول لها : أطعميه واسقيه وغنيه ، فهذا خير مما يدعوك إليه محمد صلى الله عليه وسلم من الصلاة والصيام ، وأن تقاتل بين يديه .

    و ( لَهْوَ الحديث ) : باطله ، ويطلق على كل كلام يلهى القلب ، ويشغله عن طاعة الله – تعالى – ، كالغناء ، والملاهى ، وما يشبه ذلك مما يصد عن ذكر الله – تعالى – :

    وقد فسر كثير من العلماء بالغناء ، والأفضل تفسيره بكل حديث لا يثمر خيرا .

    و ( مِنَ ) فى قوله ( وَمِنَ الناس ) للتبعيض ، أى : ومن الناس من يترك القول الذى ينفعه ، ويشترى الأحاديث الباطلة ، والخرافات الفاسدة .

    قال القرطبى ما ملخصه : هذه إحدى الآيات التى استدل بها العلماء على كارهة الغناء والمنع منه . ولا يختلف فى تحريم الذى يحرك النفوس ، ويبعثها على الغزل والمجون . . فأما ما سلم من ذلك ، فيجوز القليل منه فى أوقات الفرح ، كالعرس والعيد وعند التنشيط على الأعمال الشاقة ، كما كان فى حفر الخندق . .

    وقوله : ( لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً ) تعليل لاشتراء لهو الحديث . والمراد بسبيل الله – تعالى – : دينه وطريقه الذى اختاره لعباده .

    وقد قرأ الجمهور : ( ليُضل ) بضم الياء – أى : يشرتى لهو الحديث ليضل غيره عن صراط الله المستقيم ، حالة كونه غير عالم بسوء عاقبة ما يفعله ، ولكى يتخذ آيات الله – تعالى – مادة لسخريته واستهزائه .

    وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ( ليَضل ) – بفتح الياء – فيكون المعنى : يشترى لهو الحديث ليزداد رسوخا فى ضلاله .

    قال صاحب الكشاف : فإن قلت : القراءة بالضمر بينة ، لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو ، أن يصد الناس عن الدخول فى الإِسلام واستماع القرآن ، ويضلهم عنه ، فما معنى القراءة بالفتح؟ .

    قلت : فيه معنيان ، أحدهما : ليثبت على ضلاله الذى كان عليه ، ولا يصدف عنه ، ويزيد فيه ويمده فإن المخذوف كان شتديد الشكيمة فى عداوة الدين وصد الناس عنه . والثانى : أن بوضع ليضَل موضع ليضُل ، من قبل أن من أضل كان ضالا لا محالة ، فدل بالرديف على المردوف . .

    وقوله : ( أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) بيان لسوء عاقبة من يؤثر الضلالة على الهداية .

    أى : أولئك الذين يشترون لهو الحديث ، ليصرفوا الناس عند دين الله – تعالى – ، وليستهزئوا بآياته ، لهم عذاب يهينهم ويذلهم ، ويجعلهم محل الاحتقار والهوان .

  • البغوى : وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) الآية . قال الكلبي ، ومقاتل : نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة كان يتجر فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم ويحدث بها قريشا ، ويقول : إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود ، وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة ، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن ، فأنزل الله هذه الآية . وقال مجاهد : يعني شراء القيان والمغنيين ، ووجه الكلام على هذا التأويل : من يشتري ذات لهو أو ذا لهو الحديث . أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المزكي ، حدثنا جدي محمد بن إسحاق بن خزيمة ، أخبرنا علي بن حجر ، أخبرنا مشمعل بن ملحان الطائي ، عن مطرح بن يزيد ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم بن عبد العزيز ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن وأثمانهن حرام “ ، وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية : ” ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله “ ، وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين : أحدهما على هذا المنكب ، والآخر على هذا المنكب ، فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت .أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد القفال ، أخبرنا أبو منصور أحمد بن الفضل البروجردي ، أخبرنا أبو أحمد بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي ، أخبرنا محمد بن غالب بن تمام ، أخبرنا خالد بن أبي يزيد ، عن هشام هو ابن حسان ، عن محمد هو ابن سيرين ، عن أبي هريرة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ” نهى عن ثمن الكلب وكسب الزمارة “ . قال مكحول : من اشترى جارية ضرابة ليمسكها لغنائها وضربها مقيما عليه حتى يموت لم أصل عليه ، إن الله يقول : ” ومن الناس من يشتري لهو الحديث “ الآية . وعن عبد الله بن مسعود ، وابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير قالوا : ” لهو الحديث “ هو الغناء ، والآية نزلت فيه . ومعنى قوله : ( يشتري لهو الحديث ) أي : يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن ، قال أبو الصباء البكري سألت ابن مسعود عن هذه الآية فقال : هو الغناء ، والله الذي لا إله إلا هو ، يرددها ثلاث مرات .

    وقال إبراهيم النخعي : الغناء ينبت النفاق في القلب ، وكان أصحابنا يأخذون بأفواه السكك يخرقون الدفوف . وقيل : الغناء رقية الزنا . وقال ابن جريج : هو الطبل وعن الضحاك قال : هو الشرك . وقال قتادة : هو كل لهو ولعب . ( ليضل عن سبيل الله بغير علم ) أي : يفعله عن جهل . قال قتادة : بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق .

    قوله تعالى : ( ويتخذها هزوا ) أي : يتخذ آيات الله هزوا . قرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص ، ويعقوب : ) ( ويتخذها ) بنصب الذال عطفا على قوله : ” ليضل “ ، وقرأ الآخرون بالرفع نسقا على قوله : ” يشتري “ . ( أولئك لهم عذاب مهين )

  • ابن كثير : وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌما ذكر تعالى حال السعداء ، وهم الذين يهتدون بكتاب الله وينتفعون بسماعه ، كما قال [ الله ] تعالى : ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد ) [ الزمر : 23 ] ، عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله ، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب ، كما قال ابن مسعود في قوله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) قال : هو – والله – الغناء .قال ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يزيد بن يونس ، عن أبي صخر ، عن أبي معاوية البجلي ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي الصهباء البكري ، أنه سمع عبد الله بن مسعود – وهو يسأل عن هذه الآية : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ) – فقال عبد الله : الغناء ، والله الذي لا إله إلا هو ، يرددها ثلاث مرات .

    حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا صفوان بن عيسى ، أخبرنا حميد الخراط ، عن عمار ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي الصهباء : أنه سأل ابن مسعود عن قول الله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) قال : الغناء .

    وكذا قال ابن عباس ، وجابر ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، ومكحول ، وعمرو بن شعيب ، وعلي بن بذيمة .

    وقال الحسن البصري : أنزلت هذه الآية : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ) في الغناء والمزامير .

    وقال قتادة : قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ) : والله لعله لا ينفق فيه مالا ولكن شراؤه استحبابه ، بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق ، وما يضر على ما ينفع .

    وقيل : عنى بقوله : ( يشتري لهو الحديث ) : اشتراء المغنيات من الجواري .

    قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي : حدثنا وكيع ، عن خلاد الصفار ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن ، وأكل أثمانهن حرام ، وفيهن أنزل الله عز وجل علي : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) .

    وهكذا رواه الترمذي وابن جرير ، من حديث عبيد الله بن زحر بنحوه ، ثم قال الترمذي : هذا حديث غريب . وضعف علي بن يزيد المذكور .

    قلت : علي ، وشيخه ، والراوي عنه ، كلهم ضعفاء . والله أعلم .

    وقال الضحاك في قوله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) يعني : الشرك . وبه قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ; واختار ابن جرير أنه كل كلام يصد عن آيات الله واتباع سبيله .

    وقوله : ( ليضل عن سبيل الله ) أي : إنما يصنع هذا للتخالف للإسلام وأهله .

    وعلى قراءة فتح الياء ، تكون اللام لام العاقبة ، أو تعليلا للأمر القدري ، أي : قيضوا لذلك ليكونوا كذلك .

    وقوله : ( ويتخذها هزوا ) قال مجاهد : ويتخذ سبيل الله هزوا ، يستهزئ بها .

    وقال قتادة : يعني : ويتخذ آيات الله هزوا . وقول مجاهد أولى .

    وقوله تعالى : ( أولئك لهم عذاب مهين ) أي : كما استهانوا بآيات الله وسبيله ، أهينوا يوم القيامة في العذاب الدائم المستمر .

  • القرطبى : وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌقوله تعالى : ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين .فيه خمس مسائل :

    الأولى : قوله تعالى : ومن الناس من يشتري لهو الحديث من في موضع رفع بالابتداء . و ( لهو الحديث ) : الغناء ; في قول ابن مسعود وابن عباس وغيرهما . النحاس : وهو ممنوع بالكتاب والسنة ; والتقدير : من يشتري ذا لهو أو ذات لهو ; مثل : واسأل القرية . أو يكون التقدير : لما كان إنما اشتراها يشتريها ويبالغ في ثمنها كأنه اشتراها للهو .

    قلت : هذه إحدى الآيات الثلاث التي استدل بها العلماء على كراهة الغناء والمنع منه . والآية الثانية قوله تعالى : وأنتم سامدون . قال ابن عباس : هو الغناء بالحميرية ; اسمدي لنا ; أي غني لنا .

    والآية الثالثة قوله تعالى : واستفزز من استطعت منهم بصوتك قال مجاهد : الغناء والمزامير . وقد مضى في ( سبحان ) الكلام فيه . وروى الترمذي عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ، ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام في مثل هذا أنزلت هذه الآية : ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله إلى آخر الآية . قال أبو عيسى : هذا حديث غريب ، إنما يروى من حديث القاسم عن أبي أمامة ، والقاسم ثقة وعلي بن يزيد يضعف في الحديث ; قاله محمد بن إسماعيل . قال ابن عطية : وبهذا فسر ابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد ، وذكره أبو الفرج الجوزي عن الحسن وسعيد بن جبير وقتادة والنخعي .

    قلت : هذا أعلى ما قيل في هذه الآية ، وحلف على ذلك ابن مسعود بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات إنه الغناء . روى سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري قال : سئل عبد الله بن مسعود عن قوله تعالى : ومن الناس من يشتري لهو الحديث فقال : الغناء والله الذي لا إله إلا هو ; يرددها ثلاث مرات . وعن ابن عمر أنه الغناء ; وكذلك قال عكرمة وميمون بن مهران ومكحول . وروى شعبة وسفيان عن الحكم وحماد عن إبراهيم قال : قال عبد الله بن مسعود : الغناء ينبت النفاق في القلب ; وقاله مجاهد ، وزاد : إن لهو الحديث في الآية الاستماع إلى الغناء وإلى مثله من الباطل . وقال الحسن : لهو الحديث المعازف والغناء . وقال القاسم بن محمد : الغناء باطل والباطل في النار . وقال ابن القاسم سألت مالكا عنه فقال : قال الله تعالى : فماذا بعد الحق إلا الضلال أفحق هو ؟ ! وترجم البخاري ( باب ) كل لهو باطل إذا شغل عن طاعة الله ، ومن قال لصاحبه تعالى أقامرك ، وقوله تعالى : ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا فقوله : إذا شغل عن طاعة الله مأخوذ من قوله تعالى : ليضل عن سبيل الله . وعن الحسن أيضا : هو الكفر والشرك . وتأوله قوم على الأحاديث التي يتلهى بها أهل الباطل واللعب .

    وقيل : نزلت في النضر بن الحارث ; لأنه اشترى كتب الأعاجم : رستم ، وإسفنديار ; فكان يجلس بمكة ، فإذا قالت قريش إن محمدا قال كذا ضحك منه ، وحدثهم بأحاديث ملوك الفرس ويقول : حديثي هذا أحسن من حديث محمد ; حكاه الفراء والكلبي وغيرهما . وقيل : كان يشتري المغنيات فلا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول : أطعميه واسقيه وغنيه ; ويقول : هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه . وهذا القول والأول ظاهر في الشراء . وقالت طائفة : الشراء في هذه الآية مستعار ، وإنما نزلت الآية في أحاديث قريش وتلهيهم بأمر الإسلام وخوضهم في الباطل . قال ابن عطية : فكان ترك ما يجب فعله وامتثال هذه المنكرات شراء لها ; على حد قوله تعالى : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ; اشتروا الكفر بالإيمان ، أي استبدلوه منه واختاروه عليه . وقال مطرف : شراء لهو الحديث استحبابه . قتادة : ولعله لا ينفق فيه مالا ، ولكن سماعه شراؤه .

    قلت : القول الأول أولى ما قيل به في هذا الباب ; للحديث المرفوع فيه ، وقول الصحابة والتابعين فيه . وقد زاد الثعلبي والواحدي في حديث أبي أمامة : ( وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت ) . وروى الترمذي وغيره من حديث أنس وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : صوتان ملعونان فاجران أنهى عنهما : صوت مزمار ورنة شيطان عند نغمة ومرح ، ورنة عند مصيبة لطم خدود وشق جيوب . وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بعثت بكسر المزامير ) خرجه أبو طالب الغيلاني . وخرج ابن بشران عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بعثت بهدم المزامير والطبل ) . وروى الترمذي من حديث علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء – فذكر منها : إذا اتخذت القينات والمعازف . وفي حديث أبي هريرة : وظهرت القيان والمعازف . وروى ابن المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جلس إلى قينة يسمع منها صب في أذنه الآنك يوم القيامة . وروى أسد بن موسى عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن محمد بن المنكدر قال : بلغنا أن الله تعالى يقول يوم القيامة : ” أين عبادي الذين كانوا ينزهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان أحلوهم رياض المسك وأخبروهم أني قد أحللت عليهم رضواني “ . وروى ابن وهب عن مالك عن محمد بن المنكدر مثله ، وزاد بعد قوله ” المسك “ : ” ثم يقول للملائكة أسمعوهم حمدي وشكري وثنائي ، وأخبروهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون “ . وقد روي مرفوعا هذا المعنى من حديث أبي موسى الأشعري أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من استمع إلى صوت غناء لم يؤذن له أن يسمع الروحانيين . فقيل : ومن الروحانيون يا رسول الله ؟ قال : قراء أهل الجنة خرجه الترمذي الحكيم أبو عبد الله في نوادر الأصول ، وقد ذكرنا في كتاب التذكرة مع نظائره : فمن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة ، ومن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة . إلى غير ذلك . وكل ذلك صحيح المعنى على ما بيناه هناك . ومن رواية مكحول عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه . ولهذه الآثار وغيرها قال العلماء بتحريم الغناء . وهي المسألة : –

    الثانية : وهو الغناء المعتاد عند المشتهرين به ، الذي يحرك النفوس ويبعثها على الهوى والغزل ، والمجون الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن ; فهذا النوع إذا كان في شعر يشبب فيه بذكر النساء ووصف محاسنهن وذكر الخمور والمحرمات لا يختلف في تحريمه ; لأنه اللهو والغناء المذموم بالاتفاق . فأما ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه في أوقات الفرح ; كالعرس والعيد وعند التنشيط على الأعمال الشاقة ، كما كان في حفر الخندق وحدو أنجشة وسلمة بن الأكوع . فأما ما ابتدعته الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة من الشبابات والطار والمعازف والأوتار فحرام . قال ابن العربي : فأما طبل الحرب فلا حرج فيه ; لأنه يقيم النفوس ويرهب العدو . وفي اليراعة تردد . والدف مباح . الجوهري : وربما سموا قصبة الراعي التي يزمر بها هيرعة ويراعة . قال القشيري : ضرب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل المدينة ، فهم أبو بكر بالزجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعهن يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح ، فكن يضربن ويقلن :

    نحن بنات النجار ، حبذا محمد من جار

    . وقد قيل : إن الطبل في النكاح كالدف ، وكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولم يكن فيه رفث .

    الثالثة : الاشتغال بالغناء على الدوام سفه ترد به الشهادة ، فإن لم يدم لم ترد . وذكر إسحاق بن عيسى الطباع قال : سألت مالك بن أنس عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال : إنما يفعله عندنا الفساق . وذكر أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري قال : أما مالك بن أنس فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه ، وقال : إذا اشترى جارية ووجدها مغنية كان له ردها بالعيب ; وهو مذهب سائر أهل المدينة ; إلا إبراهيم بن سعد فإنه حكى عنه زكريا الساجي أنه كان لا يرى به بأسا . وقال ابن خويز منداد : فأما مالك فيقال عنه : إنه كان عالما بالصناعة وكان مذهبه تحريمها . وروي عنه أنه قال : تعلمت هذه الصناعة وأنا غلام شاب ، فقالت لي أمي : أي بني ! إن هذه الصناعة يصلح لها من كان صبيح الوجه ولست كذلك ، فطلب العلوم الدينية ; فصحبت ربيعة فجعل الله في ذلك خيرا . قال أبو الطيب الطبري : وأما مذهب أبي حنيفة فإنه يكره الغناء مع إباحته شرب النبيذ ، ويجعل سماع الغناء من الذنوب . وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة : إبراهيم والشعبي وحماد والثوري وغيرهم ، لا اختلاف بينهم في ذلك . وكذلك لا يعرف بين أهل البصرة خلاف في كراهية ذلك والمنع منه ; إلا ما روي عن عبيد الله بن الحسن العنبري أنه كان لا يرى به بأسا . قال : وأما مذهب الشافعي فقال : الغناء مكروه يشبه الباطل ، ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته .

    وذكر أبو الفرج الجوزي عن إمامه أحمد بن حنبل ثلاث روايات قال : وقد ذكر أصحابنا عن أبي بكر الخلال وصاحبه عبد العزيز إباحة الغناء ، وإنما أشاروا إلى ما كان في زمانهما من القصائد الزهديات ; قال : وعلى هذا يحمل ما لم يكرهه أحمد ; ويدل عليه أنه سئل عن رجل مات وخلف ولدا وجارية مغنية فاحتاج الصبي إلى بيعها ، فقال : تباع على أنها ساذجة لا على أنها مغنية . فقيل له : إنها تساوي ثلاثين ألفا ; ولعلها إن بيعت ساذجة تساوي عشرين ألفا ؟ فقال : لا تباع إلا على أنها ساذجة . قال أبو الفرج : وإنما قال أحمد هذا لأن هذه الجارية المغنية لا تغني بقصائد الزهد ، بل بالأشعار المطربة المثيرة إلى العشق .

    وهذا دليل على أن الغناء محظور ; إذ لو لم يكن محظورا ما جاز تفويت المال على اليتيم . وصار هذا كقول أبي طلحة للنبي صلى الله عليه وسلم : عندي خمر لأيتام ؟ فقال : أرقها . فلو جاز استصلاحها لما أمر بتضييع مال اليتامى . قال الطبري : فقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه . وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري ; وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم بالسواد الأعظم . ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية . قال أبو الفرج : وقال القفال من أصحابنا : لا تقبل شهادة المغني والرقاص .

    قلت : وإذ قد ثبت أن هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة عليه لا تجوز . وقد ادعى أبو عمر بن عبد البر الإجماع على تحريم الأجرة على ذلك . وقد مضى في الأنعام عند قوله : وعنده مفاتح الغيب وحسبك .

    الرابعة : قال القاضي أبو بكر ابن العربي : وأما سماع القينات فيجوز للرجل أن يسمع غناء جاريته ; إذ ليس شيء منها عليه حراما لا من ظاهرها ولا من باطنها ، فكيف يمنع من التلذذ بصوتها . أما إنه لا يجوز انكشاف النساء للرجال ولا هتك الأستار ولا سماع الرفث ، فإذا خرج ذلك إلى ما لا يحل ولا يجوز منع من أوله واجتث من أصله . وقال أبو الطيب الطبري : أما سماع الغناء من المرأة التي ليست بمحرم فإن أصحاب الشافعي قالوا لا يجوز ، سواء كانت حرة أو مملوكة . قال : وقال الشافعي : وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته ; ثم غلظ القول فيه فقال : فهي دياثة . وإنما جعل صاحبها سفيها لأنه دعا الناس إلى الباطل ، ومن دعا الناس إلى الباطل كان سفيها .

    الخامسة : قوله تعالى : ليضل عن سبيل الله قراءة العامة بضم الياء ; أي ليضل غيره عن طريق الهدى ، وإذا أضل غيره فقد ضل . وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وأبو عمرو ورويس وابن أبي إسحاق ( بفتح الياء ) على اللازم ; أي ليضل هو نفسه . ويتخذها هزوا قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم بالرفع عطفا على من يشتري ويجوز أن يكون مستأنفا . وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي : ويتخذها بالنصب عطفا على ليضل . ومن الوجهين جميعا لا يحسن الوقف على قوله : بغير علم والوقف على قوله : هزوا ، والهاء في ويتخذها كناية عن الآيات . ويجوز أن يكون كناية عن السبيل ; لأن السبيل يؤنث ويذكر . أولئك لهم عذاب مهين أي شديد يهينهم قال الشاعر [ جرير ] :

    ولقد جزعت إلى النصارى بعد ما لقي الصليب من العذاب مهينا

ومن النَّاسِ من يشتري لَهْوَ الْحَدِيثِ سبب نزولها

قال الكلبي ، ومقاتل : نزلت في النضر بن الحارث ، وذلك أنه كان يخرج تاجرا إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ، ويحدث بها قريشا ويقول لهم : إن محمدا – عليه الصلاة والسلام – يحدثكم بحديث عاد وثمود ، وأنا أحدثكم بحديث رستم ، وإسفنديار ، وأخبار الأكاسرة ، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن ، فنزلت فيه هذه الآية .
وقال مجاهد : نزلت في شراء القيان والمغنيات .

أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقرئ قال : أخبرنا محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة قال : حدثنا جدي قال : حدثنا علي بن حجر قال : حدثنا مشمعل بن ملحان الطائي ، عن مطرح بن يزيد ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” لا يحل تعليم المغنيات ، ولا بيعهن ، وأثمانهن حرام ” ، وفي مثل هذا نزلت هذه الآية : ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ) إلى آخر الآية . وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله تعالى عليه شيطانين ، أحدهما على هذا المنكب ، والآخر على هذا المنكب ، فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت ” .
وقال ثوير بن أبي فاختة عن أبيه ، عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنيه ليلا ونهارا .

هل المقصود بِلَهْوِ الحديث الغناء

ذكر بعض المفسّرين عدّة معانٍ للَهْو الحديث الوارد في قول الله سبحانه وتعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ )،[٥] وممّا ذهب إليه العلماء في معنى لَهْو الحديث ما يأتي:

  •  إنّ لَهْو الحديث هو الجِدال؛ فيرى بعض العلماء أنّ لَهْو الحديث يُقصد به الجِدال في الدّين، والخوض في الأمور الخلافيّة والترهات، وجزئيات الأمور التي لا فائدة مرجوّة منها.
  • إنّ لَهْو الحديث هو ما يُشغل عن ذكر الله تعالى؛ فإنّ بعض العلماء يرون أنّ لَهْو الحديث هو كلّ ما ينشغل به العبد عن ذكر الله سبحانه وتعالى، وعن تسبيحه وتحميده وطاعته.
  • إنّ لَهْو الحديث هو اللّغْو الظّاهر الموجب لصهر الباطن؛ أي هو الخوض في الباطل، وفي كلّ ما يُلهي عن الأمور المهمّة؛ مثل: الانشغال بالأحاديث الموضوعة، وبالأساطير.
  • إنّ لَهْو الحديث هو كلّ كلام سوى كلام الله تعالى؛ فيرى بعض العلماء أنّ كلّ كلام سوى كلام الله سبحانه وتعالى، أو كلام نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، أو سِيَر الصالحين هو من لَهْو الحديث.
  • إنّ لَهْو الحديث هو كلّ ما يُلهي عن الله تعالى؛ فيرى بعض العلماء أنّ لَهْو الحديث هو كلّ ما يُشغل العبد ويصدّه عن الله تعالى، سواءً أكان غناء أم غيره.
  • إنّ لَهْو الحديث هو الكلام الباطل؛ فيرى بعض العلماء أنّ الكلام الباطل الذي ليس له مصداقيّة ولا يُسهم في تقوية الأمّة الإسلاميّة هو من لهو الحديث الوارد في الآية.
  • إنّ لَهْو الحديث هو الغِناء؛ فقد قال بعض أهل العلم إنّ لَهْو الحديث هو الغناء، وهو ما ذهب إليه الصحابيّ الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ فقد روي عنه: (أنّه سُئلَ عن هذه الآيةِ: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ)، فقال: هو الغناءُ، والذي لا إله إلّا هوَ يُردِّدُها ثلاثَ مراتٍ)،[٧] وقال به أيضاً الإمام الفقيه إبراهيم النخعيّ، والحسن البصريّ وغيرهم من الفقهاء، وممّن قال به من علماء التفسير مجاهد، حيث قال: (لهو الحديث هو الطبل وأدوات اللّهْو، وهذا من لوازم الغناء).

لَهْو

    1. لَهْو: (اسم)
      • لَهْو : مصدر لَها
    2. لَهوّ: (اسم)
      • فلان لَهُوٌّ عن الخير: كثير اللَّها عنه
      • اللَّهُوُّ :موضعُ اللهو
    3. لَهو: (اسم)
      • اللَّهْوُ : ما لَعِبْتَ به وشغَلك، من هَوًى وطرب ونحوهما : باطله
    1. لهْو الحديث:
      • كلّ كلام يلهي القلبَ ويأكل الوقتَ ولا يثمر خيرًا ” {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}.
    2. لَها : (فعل)
      • لها إلى / لها بـ يلهُو ، الْهُ ، لَهْوًا ، فهو لاهٍ ، والمفعول مَلْهُوٌّ إليه
      • لهَا الشَّخْصُ إلى الحديث :أَنِس به وأعجبه
      • لَهَا بِلَعْبِ الْوَرَقِ : تَسَلَّى
      • لَهَا بِهِ : أُولِعَ بِهِ
      • لَهَا بالشيء : لَعِبَ به
    3. لُهًا : (اسم)
      • لُهًا : جمع لَهوة
    4. لها : (فعل)
      • لهَا عن يلهُو ، الْهُ ، لُهِيًّا، ولِهْيانًا ، فهو لاهٍ ، والمفعول ملهوٌّ عنه
      • لهَا عن ذكر الله :غَفل عنه وترك ذكرَه
      • لَهَا الطَّالِبُ عَنْ عَمَلِهِ : غَفَلَ عَنْهُ
    5. لَهًا : (اسم)
      • لَهًا : جمع لَهاة
  1. لَهَويّ : (اسم)
    • النِّسْبَةُ إِلَى اللَّهَاةِ
    • حَرْفٌ لَهَوِيٌّ : مَخْرَجُهُ اللَّهَاةُ الْحُرُوفُ اللَّهَوِيَّةُ هِيَ الْقَافُ وَالْخَاء وَالغَيْنُ
    • الحرفان اللَّهويَّان: القاف والكاف
  2. اِلتَهَى: (فعل)
    • التهى بـ / التهى عن يلتهي ، الْتَهِ ، التهاءً ، فهو مُلْتهٍ ، والمفعول مُلتهًى به
    • اِلْتَهَى الرَّجُلُ بآلَةٍ: لَعِبَ بِهَا
    • اِلْتَهَى عَنْهُ بِغَيْرِهِ : اِشْتَغَلَ
  3. تَلَهَّى: (فعل)
    • تلهَّى بـ / تلهَّى عن يتلهَّى ، تلهَّ ، تلهّيًا ، فهو مُتَلَهٍّ ، والمفعول مُتَلَهًّى به
    • تلهَّى الشَّخْصُ عنه: أعرض عنه ولم يهتمّ به، تشاغل عنه
    • تَلَهَّى الطِّفْلُ بِلُعَبِهِ : لَعِبَ بِها، وَلَمْ يَعُدْ يُفارِقُها
    • تَلَهَّى بِلُعْبَةِ الشِّطْرَنْجِ : تَسَلَّى
  4. تَلاهَى: (فعل)
    • تلامسَ يتلامس ، تلامُسًا ، فهو مُتلامِس
    • تَلاهَى الأوْلادُ: لَها بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ
    • تَلاهَى الشَّبابُ بِالْمَلاهِي : اِشْتَغَلُوا بِها وَتَلاعَبُوا
  5. مَلهى: (اسم)
    • الجمع : مَلاَهٍ ، مَلاَهِي
    • اسم مكان من لها إلى/ لها بـ
    • المَلْهَى : الملعبُ
    • آلات الملاهي: آلات الموسيقى/ المعازِف،
    • الملاهي: مجمّع تجاريّ فيه ألعاب وتسالٍٍ أخرى
    • مَلْهى القوم: موضعُ إِقامتهم
    • مَلْهَى الأَطْفَالِ : مَكَانُ اللَّهْوِ واللَّعِبِ لاَ يَزَالُ يَتَذَكَّرُ مَلْهى طُفُولَتِهِ
    • مَلْهًى ليليّ: نادٍ يظلّ مفتوحًا لوقت متأخِّر من الليل يقدِّم الطعامَ والشرابَ والتسليةَ والموسيقى والرقص
  6. مُلتهى: (اسم)
    • مُلتهى : اسم المفعول من إِلتَهَى
  7. اِستَلهَى: (فعل)
    • اسْتَلْهَى صاحبَه: استوقفه
    • اسْتَلْهَى صاحبَه: انتظره
    • اسْتَلْهَى الشيءَ: استكثر منه
  8. لُهوة: (اسم)
    • الجمع : لُهًا
    • اللُّهْوَةُ : العطيّةُ، أَو أَفضل العطايا وأَجزلُها
    • لُهوة من مال: حَفْنة
    • اللُّهْوَةُ :الألْفُ من الدنانير والدراهم [ولا يقال لغيرها]
    • اللُّهْوَةُ :ما يلقيه الطاحنُ من الحَبِّ في فم الرحى بيده
  9. اِلتهاء: (اسم)
    • مصدر التهى بـ/ التهى عن
  10. أُلهوّة: (اسم)
    • الأُلْهُوَّةُ : ما يُتَلاهَى به
  11. تَلهية: (اسم)
    • مصدر لَهَّى
    • حاوَلَ تَلْهِيَتَهُ بِحَديثٍ ذِي شُجونٍ : حَديثٍ يَتَلَهَّى بِهِ، أُلْهُوَّةٌ
    • التَّلْهِيَةُ : الأُلْهُوَّة
  12. لَهوة: (اسم)
    • الجمع : لُهًا
    • اللَّهُوةُ : اللُّهْوةُ
    • اللَّهُوةُ : المرأَةُ الملهوُّ بها
  13. مُلَهّى: (اسم)
    • مُلَهّى : اسم المفعول من لَهَّى
  14. مُلْهى: (اسم)
    • مُلْهى : اسم المفعول من أَلهَى
  15. تلهية: (اسم)
    • تلهية : مصدر لَهَّى
  16. مَلهاة: (اسم)
    • الجمع : ملاهٍ
    • المَلْهَاةُ : مسرحية منثورة أَو منظومة تصف معايبَ الناس ورذائلَهم في صور مضحكة والجمع : الملاهي
    • (الثقافة والفنون) مسرحيَّة نثريَّة أو شِعْريّة تُعالج مواضيعَ هزليّة مكتوبة بأسلوب يقوم على الخِفّة والمزاح والسخرية، وهي تُثير الضَّحك، وتنتهي
  17. وَلهَى: (اسم)
    • مؤنث وَلْهَان
    • اِمْرَأَةٌ وَلْهَى : مُتَحَيِّرَةٌ مِنْ شِدَّةِ الْحُبِّ

كل لهو لِيُضِلَّ عن سبيل الله محرم

من الناس من يتبنى كل قول مناقض للإسلام معارض له كما يتبنى كل ما يلهي عن الله و عن منهجه و رسالته و كلماته و يسارع في دعم اللهو و الصد عن سبيل الله و يشارك بفاعلية في الاستهزاء بدين الله و السخرية ممن يوقر الرسالة و يطبقها .

تجد قلبه منقبضاً مشمئزاً عند سماع الحق ,كما تجده منبسطاً مسروراً عند سماع الباطل .

هؤلاء لهم بشرى الإهانة في الآخرة كما أهانوا شريعة الله و كلماته و كما أهانوا أهل الله و أحبابه . أما الكرامة الأبدية السرمدية فقد أعدها الله للطائعين الصادقين أهل الإيمان و العمل الصالح .

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ * خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}  [لقمان 6 – 9]

قال السعدي في تفسيره : أي: { {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ } } هو محروم مخذول { {يَشْتَرِي} } أي: يختار ويرغب رغبة من يبذل الثمن في الشيء. { {لَهْوَ الْحَدِيثِ} } أي: الأحاديث الملهية للقلوب، الصادَّة لها عن أجلِّ مطلوب. فدخل في هذا كل كلام محرم، وكل لغو، وباطل، وهذيان من الأقوال المرغبة في الكفر، والفسوق، والعصيان، ومن أقوال الرادين على الحق، المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق، ومن غيبة، ونميمة، وكذب، وشتم، وسب، ومن غناء ومزامير شيطان، ومن الماجريات الملهية، التي لا نفع فيها في دين ولا دنيا.

فهذا الصنف من الناس، يشتري لهو الحديث، عن هدي الحديث { {لِيُضِلَّ} } الناس { {بِغَيْرِ عِلْمٍ } } أي: بعدما ضل بفعله، أضل غيره، لأن الإضلال، ناشئ عن الضلال. وإضلاله في هذا الحديث; صده عن الحديث النافع، والعمل النافع، والحق المبين، والصراط المستقيم.

ولا يتم له هذا، حتى يقدح في الهدى والحق، ويتخذ آيات اللّه هزوا ويسخر بها، وبمن جاء بها، فإذا جمع بين مدح الباطل والترغيب فيه، والقدح في الحق، والاستهزاء به وبأهله، أضل من لا علم عنده وخدعه بما يوحيه إليه، من القول الذي لا يميزه ذلك الضال، ولا يعرف حقيقته. { { أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} } بما ضلوا وأضلوا، واستهزءوا بآيات اللّه وكذبوا الحق الواضح.

ولهذا قال { {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا} } ليؤمن بها وينقاد لها، { {وَلَّى مُسْتَكْبِرًا } } أي: أدبر إدبار مستكبر عنها، رادٍّ لها، ولم تدخل قلبه ولا أثرت فيه، بل أدبر عنها { {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} } بل { {كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا } } أي: صمما لا تصل إليه الأصوات; فهذا لا حيلة في هدايته.

{ { فَبَشِّرْهُ } } بشارة تؤثر في قلبه الحزن والغم; وفي بشرته السوء والظلمة والغبرة.

{ { بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} } مؤلم لقلبه; ولبدنه; لا يقادر قدره; ولا يدرى بعظيم أمره، وهذه بشارة أهل الشر، فلا نِعْمَتِ البشارة. وأما بشارة أهل الخير فقال: { {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} } جمعوا بين عبادة الباطن بالإيمان، والظاهر بالإسلام، والعمل الصالح. { {لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ } } بشارة لهم بما قدموه، وقرى لهم بما أسلفوه.

{ {خَالِدِينَ فِيهَا } } أي: في جنات النعيم، نعيم القلب والروح، والبدن. { {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا } } لا يمكن أن يخلف، ولا يغير، ولا يتبدل.

{ {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } } كامل العزة، كامل الحكمة، من عزته وحكمته، وفق من وفق، وخذل من خذل، بحسب ما اقتضاه علمه فيهم وحكمته.

إعراب ومن النَّاسِ من يشتري لَهْوَ الْحَدِيثِ

 

السابق
دواء ادروناكس – edronax لعلاج الاكتئاب
التالي
دواء أدريبلاستينا – (ADRIBLASTINA) لعلاج السرطان

اترك تعليقاً