صحة عامة

مفهوم اللاوعي

اللاوعي في الفلسفة

ويقصد به كل ما يُشكّل شخصيّة الأفراد دون وعي منهم، وهو ما يسمّى بالعقل الباطن أو اللاشعور، وبالتالي فإنه يعدّ مخزنًاا لتجارب الأفراد الّتي تكونت بسبب الكبت والقمع، حيث تبقى هذه المشاعر في مخزن لا يدركها العقل الواعي، كما يعدّ مخزنًا لطاقات الفرد النفسية والجنسية والعدوانية، أي تبعد كل البعد عن تحكمهم.

سيجموند فرويد وعلاقته باللاوعي

يعدُّ سيجمون فرويد أّوّل من أطلق مفهوم اللاوعي على كل التصورات والأفكار الّتي تُكبت بسبب التعارض مع الناحية الأخلاقية الاجتماعية، ويعدّ فرويد نفسه فاتحًا لا عالمًا ولا باحثًا، فهو قد افتتح منطقة اللاوعي عند الإنسان وبذلك يكون قد قلب المعتقدات رأسًا على عقب، فقد كان يُعتقَد أنّ الإنسان هو صاحب العقل الواعي، الّذي يعود إليه السلوك البشري، وإنّما وعي الإنسان حقيقةً ما هو إلا قشرة خارجية لمكنون عقلي لاواعٍ، ويمكن في هذه الحالة تشبيه الوعي بالجبل الجليدي الّذي تبرز قمّته من الأعلى بينّما الجزء الكبر منه يبقى تحت الماء وهو الجزء الخفي الّذي لا يمكن رؤيته ولكن له دورًا كبيرًا، ويعدّ اللاشعور مقبرةً لكل ما مر على الإنسان من مشاعر مكبوتة ورغبات وذكريات مؤلمة، ولا يمكن معرفتها واستدراجها إلّا بالتحليل النفسي.

ما هو اللاوعي

اللاوعي مصطلح يستعمله أهل علم النفس والطبّ النفسي لوصف العمليات العقلية والأفكار والمشاعر التي تدور في عقول الناس من دون إدراكهم. وكان الطبيب النفسي، شاركو، أوّل من تحدّث عن هذا الموضوع من خلال عمله مع أشخاص مصابين بالهستيريا، فاستعمل التنويم المغناطيسي لدراسة مشاعرهم وأفكارهم اللاواعية، والتي أثّرت في ظهور المرض النفسي أو الإضطراب النفسي.

وكان فرويد تلميذاً لطبيب الفرنسي جان مارتن شاركو، وطوّرَ مفهوم اللاوعي من خلال الطريقة التحليلية للعلاجات النفسية من دون اللجوء إلى التنويم المغناطيسي في غالب الأحيان. وطبعاً، الطريقة التحليلية لم تساعد فقط في اكتشاف عالم اللاوعي عند كلّ إنسان، لكنها ساعدت أيضاً في فهم الإنسان الذي لا يعاني اضطراباً أو مرضاً نفسياً.

اللاوعي والوعي

اللاوعي والوعي مرتبطان بشدّة بالإنسان وحاجاته، وخصوصاً بأحلامه. وتتخزّن حاجات الانسان والأحداث التي يمرّ بها منذ طفولته، إمّا في الوعي فيستخدمها بشكل يومي، وفي اللاوعي يقوم باستخراجها من خلال الأحلام أو طرق أخرى، ومنها زلّات اللسان مثلاً.

وكمحلّل نفسي، أنصَح الجميع بعدم المبالغة أبداً في تفسير أفعال الإنسان، بل يجب معرفته، فكلّ الأحداث التي مرّت في حياته وحاجاته ومشاكله تتحوّل إلى أحلام أو نسيان أو حتّى إلى مشاكل صحيّة، وربما إلى بعض الاضطرابات النفسية أو الانحرافات السلوكية.

إلى ذلك تؤدي الإسقاطات (Projections) دوراً مهماً في تعاملنا مع الآخرين، فعندما نلتقي شخصاً جديداً ونتكلم معه للمرة الأولى، تحدّد الإسقاطات إذا ما ستكون علاقتنا معه في المستقبل جيدة أو سيئة. مثلاً، إذا التقينا شخصاً عند صديق، نراقب في بادىء الأمر تصرّفاته أو إيحاءاته، أي طريقة كلامه، طَرحه للأسئلة، وربما شكله الخارجي، أو حتى لون حذائه…

بعد هذه المراقبة، نُسقط على هذا الشخص بشكل مباشر أو غير مباشر علاقاتنا السابقة أو تجاربنا النفسية القديمة أو الجديدة بطريقة لاواعية: فإذا كانت هذه العلاقات أو التجارب النفسية إيجابية، تكون علاقتنا معه إيجابية ومواقفنا تجاهه جيدة ومحبّبة ونُكوّن صداقة معه.

أمّا إذا كانت هذه العلاقات أو التجارب النفسية سلبية، فإنها ستؤدي إلى علاقة سلبية معه وتكون مواقفنا تجاهه سيئة وغير محبّبة ولا نكوّن صداقة معه. هذا ما نسمّيه في علم النفس الإسقاط الذي يؤدي دوراً أساسياً في حياتنا اليومية وفي كل المجتمعات الإنسانية.

اللاوعي الجماعي

بعد تفسير اللاوعي الفردي، نتطرّق إلى اللاوعي الجماعي، وهو أيضاً خبرات ورموز اكتسبها الإنسان عبر الأجيال وباتت مرسّخة في اللاوعي لديه، وهي مشتركة بين كلّ البشر. تكمن أهمية اللاوعي الجماعي بكونه يحمل خبرات أو معتقدات مشتركة لدى شعب معين أو جماعة معينة، تحدّد سلوكه أو تصرفاته وأفعاله. تأخذ غالبية هذه الخبرات والرموز مكاناً في الأساطير والقصص الشعبية، وكل الشعوب تتقبّلها وتتابعها، فلا زمان ولا مكان لللاوعي الجماعي.

مثلاً: موت الشخص الشرير، «يُفرح» أي إنسان على وجه الكرة الأرضية، لأنه اكتسب في اللاوعي، عبر الأجيال، أنّ الموت هو عقاب الشخص الشرير المحبّ للضغينة.

أوّلُ من تكلّم عن اللاوعي الجماعي كان الطبيب النفسي كارل يونغ، واعتبر أنّه الذاكرة الثقافية الجماعية، فيها المخزون المعرفي الأسطوري والسلوكيات الممارسة من قبل أسلافنا.

والأخطر في مفهوم اللاوعي الجماعي هو عندما يغلّب العقل الانفعالي على العقل المنطقي في سلوك الفرد والجماعة، فيعطّل العقل المنطقي. ونلاحظ أنّ هذا التعطيل يقوده شخص واحد خصوصاً في أوقات الأزمات، أو عندما تظهر مشكلة ما إجتماعية أو فكرية… فاللاوعي الجماعي هو الذي يفرض غالباً التصرفات غير العقلانية، والتي تسبّب مشاكل مع جهات مختلفة.

وأخيراً، تؤدي الوسائل الإعلامية والإعلانية دوراً بارزاً في إظهار اللاوعي الجماعي، وطبعاً في انحرافه، لأنّ المسؤولية الإعلامية والإعلانية لا يضاهيها أهمية في إطار هذا اللاوعي.

هل اللاوعي موجود حقاً

المشكلة الأكبر في هذه الرؤية هي أنّه من المستحيل اختبارُها علميًّا.

وكقاعدةٍ عامّةٍ، يعتبر العلماء الشيءَ صحيحًا فقط إذا كان بإمكاننا قياسه وملاحظته، وذلك ما لا نقدر عليه عند التعامل مع العقل اللاواعي.

فإذا كنّا بصدد التعامل مع الشيء على أنّه موجودٌ لمجرّد أنّه لا يمكننا ملاحظته أو لا يمكننا نفي ذلك، فإنّ هذا الشيءَ بالضرورة هو خارج نطاق العلم.

ولكن حتّى إذا كان العلم لديه القليل ليقولَه عن اللاوعي، فإنّه بإمكاننا أن نسألَ عن هذا المفهوم من وجهة نظرٍ منطقيّةٍ بحتةٍ.

إنّ اللاوعيَ هو إصدارٌ آخرُ لما يسمّيه الفلاسفة «الرجل الصغير» أو ما يُسمّى باللاتينية «Homunculus»، وتقول الفكرة إنّنا نمتلك شخصًا صغيرًا خارجَنا، فنحن لا نفكّر بأنفسنا ولكنّ هذا الشخصَ الصغيرَ يفكّر بدلًا منا.

ولكنّ المشكلةَ هنا هي أنّ هذا الطرحَ لا يحلُّ شيئًا وإنّما يقودنا إلى سؤالٍ جديدٍ: إذا كان الشخص الصغير يفكّر بدلًا منّا وهكذا تعمل عقولنا؛ فكيف يعمل عقل الشخص الصغير؟

وإذا كان الشخص الصغير لديه شخصٌ أصغر منه يفكّر بدلًا منه؛ فكيف يعمل عقل الشخص الأصغر؟ وهكذا تنتهي هذه الجدالاتُ بالعبثيّة. فعلى أرضٍ منطقيّةٍ يبدو أنّ هذا اللاوعيَ التقليديَّ غيرُ موجودٍ.

هناك رؤيةٌ أكثرُ حداثةٍ عن هذا اللاوعي قد تكون أكثرَ صحّةً. فمن المُتّفق عليه الآن أنّنا نفعل الكثيرَ من المهارات أو الأفعال بشكلٍ غير واعٍ.

فإذا كنت تقود سيّارتَك فإنّ لديك الخبرة لكي تتذكّرَ كيف تغادر المنزلَ وكيف تصل إلى العمل، ولكنّك لا تبذل الكثيرَ لكي تستدعي تلك الذاكرة للعمل.

كذلك الحال مع عزف سوناتا على البيانو للمرّات الأولى، يكون الأمر أكثرَ تركيزًا، وبعدها يكون كما يصفه الباحثون (آليًّا) كنتيجةٍ لتعلّم هذا الفعل مرارًا وتكرارًا حتى أصبح عادةً.

التحليل النفسي

التحليل النفسي هو عبارة عن مجموعة استراتيجيات وضعها سيجموند فرويد لمعالجة الاضطرابات النفسية، ومن أبرز هذه الطرق طريقة التداعي الحرّ، التي تسمح للمضطرب بالحديث بطريقة عشوائية وعمّا يريده دون أي تحديد للمواضيع ويستمع له المعالج النفسي دون وضع أي قيود أو مقاطعته، ويحللها فيما بعد المعالج النفسي لاكتشاف لاشعور المضطرب وموضوع الخلل، وتعتبِر هذه الطريقة بأن كل ما يُدلي به المضطرب ناشئ عن اللاوعي، ولا يحاول المعالج النفسي التأثير على المضطرب نفسيًا بإسداء النصح له أو محاولة التأثير عليه بأفكاره، وقد حققت أساليب هذه النظرية نجاحًا نموذجيًا تاريخيًا، أما عن ركائز هذه النظرية فهي:

  •  اللاوعي.
  • عقدة أوديب.
  • المقاومة.
  • القمع.
  • الجنس.

اللاوعي والأحلام

فيما يتعلق باللاوعي، فإن الغرض الأساسي من الأحلام كما ذكر فرويد، هو تحقيق الرغبات والحاجات المكبوتة بدواخل الإنسان والتي لا مكن تحقيقها في الحياة الواقعية، فيلجأ الإنسان لتحقيقها في الأحلام، فعلى سبيل المثال، إذا اقترف أحدهم جريمة قتل ولم يعرف أحد أو لم يعاقب، وشعر هذا المجرم بالذنب، فقد يلجأ لتبرير فعلته من خلال أحلامه، وعلى صعيد آخر آمن فرويد بأنه يمكن إخفاء الرغبة المكبوتة في الأحلام نظرًا لصعوبة التمييز بين الكامن والظاهر بالنسبة للإنسان، ويعبر المحتوى الكامن في الحلم عن المعلومات الحميمة التي يخفيها الإنسان. اقترح بعض العلماء تفسيرات أخرى للأحلام وعارضوا وجهة نظر فرويد، حيث أشار كارترايت إلى أن الأحلام من الممكن أن تعبر عن الصعوبات التي يواجهها الإنسان في حياته اليومية، ومن الممكن أن يجد لها حلولًا في أحلامه، وكذلك يمكن أن تعبر الأحلام عن المشاكل العاطفية التي يمر بها الإنسان وقضايا كثيرة في بيئة تعتبر خالية من العواقب، وافترض هوبسون وزملاؤه بأن الأحلام ما هي إلا نتاجات للنشاط العصبي اليومي للإنسان.

السابق
مفهوم التطبيب عن بعد
التالي
تعريف الدم

اترك تعليقاً